بروباغندا الحرب الروسية في سوريا: مبالغات.. وتحميل الغرب مسؤولية أزمة اللاجئين

مع دخولها شهرها الثاني طرأت تغيرات واضحة على مبالغات الحملة الإعلامية الروسية المواكبة للعملية العسكرية الروسية في سوريا. وبينما لم تتغير طبيعة صياغة الأخبار المتعلقة بالتطورات العسكرية على الأراضي السورية، فإنها لم تعد تحتل الصدارة في نشرات الأخبار أو على صفحات الصحف الروسية، بل تراجعت إلى مستوى الخبر الثاني أو الثالث، فضلا عن تقليص للوقت أو للمساحات التي كانت مخصصة لعرض التطورات من سوريا. ويجري هذا مقابل تقدم واضح وتركيز إعلاميين على جوانب أخرى متصلة بالأزمة السورية مثل الجهود الدبلوماسية للتسوية السياسية، والرد على ما تقول روسيا إنها اتهامات باطلة يوجهها الغرب حول مقتل مدنيين بسبب الغارات الروسية على مواقع في الأراضي السورية، فضلا عن عودة موضوع اللاجئين إلى الصدارة مع استمرار الجانب الروسي تحميله الغرب وحده المسؤولية عن كل ما يجري، دون أخذ الواقع السوري بالحسبان.
لكن ومع تراجع الأخبار عن العمليات العسكرية الروسية إلى المكانة الثانية أو الثالثة فإن وسائل الإعلام الروسية تعتمد ذات الوسائل والأساليب في عرض التطورات الميدانية من سوريا، حيث توجد عشرات الطواقم الصحافية التابعة لمحطات تلفزة وصحف روسية في مختلف المدن السورية، ترسل من هناك تقارير يومية بعضها من القاعدة الجوية الروسية في مطار حميميم قرب اللاذقية، والبعض الآخر من خطوط المواجهات في مختلف المناطق السورية. ويركز الصحافيون الروس في مطار حميميم في تغطياتهم الإعلامية على عرض حجم ومدى القوة العسكرية الروسية، وذلك من خلال مرافقة لتحركات الطائرات حين إقلاعها وهبوطها، ووصف مفصل لمواصفاتها الفنية – التقنية التي تجعلها متفوقة عالميًا، والأمر ذاته بالنسبة للذخائر المستخدمة في قصف الأهداف على الأراضي السورية.
أما الجانب الآخر الذي يركز عليه الصحافيون الروس في تقاريرهم من مطار حميميم فهو عرض الكفاءات القتالية التي يتمتع بها الطيارون الروس ومهاراتهم وقدراتهم. وفي كل هذا رسائل للرأي العام الروسي لإثارة مشاعر الفخر بالقوة العسكرية الروسية، وأخرى للقوى الدولية مفادها أن روسيا تمتلك قدرات عسكرية ضخمة، لن تتوانى عن استخدامها عندما يتعلق الأمر بالمصالح القومية.
اللافت أن بعض وسائل الإعلام الروسية أخذت تتحدث عن النتائج الاقتصادية للعملية العسكرية في سوريا، والتي يبدو أن التغطيات من مطار حميميم لعبت دورًا فيها. إذ نقلت صحيفة «فيزغلياد» وصحف أخرى أيضًا عن سيرغي سيمكا، نائب محافظ نوفوسيبيرسك، حيث يتم تصنيع هذه الطائرات، قوله، إن «العملية التي تنفذها القوات الجوية – الفضائية الروسية في سوريا أدت إلى توقيع عقود جديدة لتصدير طائرات (سو - 34)». ويؤكد سيمكا أن «المواصفات تحديدًا والتي تم التأكيد عليها خلال العملية في سوريا، هي التي دفعت نحو زيادة عقود التصدير على الطائرات المقاتلة. وهناك طلبيات اليوم فضلاً عن عروض لتوقيع صفقات»، إلا أن المسؤول الروسي لم يحدد الدول التي أبرمت هذه الصفقات مع شركة إنتاج الطائرات «سو - 34». ويرى مراقبون أن تناول نتائج العملية العسكرية الروسية في سوريا من هذا الجانب إنما يصب في الحملة الإعلامية الضخمة الرامية إلى الحفاظ على مستويات تأييد الرأي العام الروسي للنشاط العسكري في سوريا.
وبالعودة إلى التغطيات الميدانية، من خطوط النار، ما زالت وسائل الإعلام الروسية تعتمد ذات الأساليب وتستخدم ذات التقنيات لعرض «النتائج الكبيرة» التي حققها الجيش السوري على الأرض بفضل الدعم الجوي الروسي. هنا يتم التركيز على كل متر وكل منزل تتمكن القوات النظامية من التقدم نحوه، ويتم عرضه على أنه إنجاز عسكري لافت واستراتيجي وسيلعب دورًا هامًا في حسم المعركة. ولهذا الغرض تُستخدم كاميرات متنوعة تقوم بالتقاط مشاهد توحي بالقوة والعظمة، مثل التقاط مشهد باستخدام كاميرات تحملها تقنيات طائرة يجري التحكم بها من الأرض لدبابات تقصف «مواقع الأعداء»، أو استخدام التقنيات ذاتها لعرض ما تقول القنوات الروسية إنه دمار خلفه «الإرهابيون» في المدن السورية.
وبموازاة الحملة في وسائل الإعلام تقوم وزارة الدفاع الروسية بنشاط كبير أيضًا في السياق ذاته، مع انتقال من التركيز على أهمية المواقع التي تستهدفها الطائرات الروسية، إلى التركيز على أن الأهداف ليست مدنية، ولا ضحايا بين المدنيين نتيجة القصف الجوي الروسي. لهذا الغرض يعقد الناطق الرسمي باسم الوزارة مؤتمرات صحافية شبه يومية يعرض فيها على وسائل الإعلام مشاهد لعمليات القصف التي تنفذها الطائرات الروسية، ويشدد خلال تعليقه المرافق لتسجيلات الفيديو أمام الصحافيين، على الإشارة إلى أن «الموقع المستهدف كما ترون بعيد عن المناطق المدنية»، بينما تعرض الشاشات في قاعة المؤتمر الصحافي صورا لمواقع خلال القصف من جانب الطائرات الروسية. ويأتي التركيز على «عدم وقوع إصابة بين المدنيين خلال عمليات القصف، وعدم استهداف الطائرات الروسية لمقرات مدنية، أو في مناطق يوجد فيها مدنيون»، في إطار الرد الروسي على اتهامات وجهتها عدة دول لروسيا بأن طائراتها قصفت منشآت مدنية أو أن القصف تسبب بسقوط مدنيين.
في هذه الأثناء وبالتزامن مع استمرار تغطية «المهارات القتالية والإنجازات الاستراتيجية» خلال العملية العسكرية الروسية في سوريا، أخذت وسائل الإعلام الروسية تركز بشكل أكبر على النشاط الدبلوماسي حول الأزمة السورية، والذي تعتبره من أهم نتائج «الدعم الروسي للحكومة السورية». وتخصص لهذا الغرض برامج تلفزيونية عدة، تتمحور بشكل رئيسي حول إظهار ما يجري دبلوماسيا بأنه نتيجة طبيعية للتقدم الذي حققته قوات النظام السوري على الأرض، وأن الغرب والدول الداعمة للمعارضة السورية قد أدركت اليوم أن الوضع أصبح مختلفا بعد أن غيرت الطائرات الروسية المعادلة العسكرية في سوريا.
أخيرًا، يُلاحظ عودة اهتمام من جانب وسائل الإعلام الروسية بموضوع أزمة اللاجئين في أوروبا، وهي الأزمة التي يقول الإعلام الروسي لمتابعيه أن الغرب يتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية عنها، ولذلك يجب عليه أن يفتح أبوابه أمام اللاجئين الذي يصر الإعلام الروسي أنهم فروا من بلادهم بسبب الإرهابيين. وللفت اهتمام الرأي العام بهذا الأمر تلجأ قنوات التلفزة الروسية إلى تخصيص برامج حوارية تحظى بمتابعة واسعة لتناول هذه القضية. منها مثلا برنامج «المبارزة» الذي استضاف السياسي المعروف، فلاديمير جيرينوفسكي، زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، ضيفا رئيسيا على حلقة مخصصة للحديث عن موضوع اللاجئين. طبعا شن جيرينوفسكي هجوما لاذعا ضد الغرب، وحمله مسؤولية كل الكوارث في التاريخ، بما في ذلك كارثة اللاجئين.
استوديو الحرب على شاشة التلفزيون الروسي