الخليل.. مدينة حياتها معلقة على خط النار

500 مستوطن يحتلون قلبها ويجعلون الحياة فيها رعبًا ومذلة

عدد من الجنود الإسرائيليين يتحدثون إلى فلسطينيين فوق سطح بيتهما قرب مستوطنة بيت هداسا في الخليل (أ.ف.ب)
عدد من الجنود الإسرائيليين يتحدثون إلى فلسطينيين فوق سطح بيتهما قرب مستوطنة بيت هداسا في الخليل (أ.ف.ب)
TT

الخليل.. مدينة حياتها معلقة على خط النار

عدد من الجنود الإسرائيليين يتحدثون إلى فلسطينيين فوق سطح بيتهما قرب مستوطنة بيت هداسا في الخليل (أ.ف.ب)
عدد من الجنود الإسرائيليين يتحدثون إلى فلسطينيين فوق سطح بيتهما قرب مستوطنة بيت هداسا في الخليل (أ.ف.ب)

أن تعيش في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، يعني أنك تعيش على خط النار. فمن بين عشرات المدن الفلسطينية، التي لها حدود واضحة وفاصلة بين مناطق «أ» التي تحكمها السلطة، ومناطق «ج» التي تحكمها إسرائيل، يحتل مستوطنون محروسون بمئات الجنود المدججين بالسلاح قلب المدينة الأكبر، ويتقاسمون مع أهلها الشوارع والمنازل والمحلات والساحات، ويحاولون كل يوم طرد جيرانهم من المكان.
500 مستوطن فقط في مستعمرات «بيت إبراهيم»، و«بيت هداسا»، و«بيت رومانو»، و«تل رميدا»، يحرسهم نحو ألف جندي من لواء «غفعاتي»، يحتلون البلدة القديمة التي طالما كانت توصف بقلب «عاصمة الاقتصاد» الفلسطيني ورئته، ويحولونها إلى مدينة أشباح، هاجر منها معظم أهلها الـ40 ألفًا، بينما يتعرض الآخرون الباقون فيها، إلى حرب مستمرة من أجل طردهم من المكان.
وتتحول هذه الحرب إلى شرسة ومميتة هذه الأيام، مع اندلاع الانتفاضة الحالية، إذ أعدم الجنود الإسرائيليون على معظم الحواجز التي وجدت لحماية هؤلاء المستوطنين، خلال شهر واحد فقط، نحو 26 فلسطينيًا، بينهم فتيات، بحجة طعن أو نية طعن جنود ومستوطنين. وكثير من هؤلاء قتلوا على حواجز عسكرية على بوابات شوارع مثل شارع «الشهداء»، وأحياء مثل «تل ارميدة».
والغريب أن معظم الذين قتلتهم إسرائيل، واتهمتهم بحيازة سكاكين، مروا عبر حواجز دقيقة، إذ لا يتمكن الفلسطينيون من الخروج من منازلهم أو العودة إليها، في البلدة القديمة، سوى عبر إجراءات مذلة، تبدأ بالمرور عبر بوابات إلكترونية ولا تنتهي بالتفتيش الجسدي، وهذا هو الحال مع أي فلسطيني يرغب بالصلاة في الحرم الإبراهيمي في المدينة.
وفي أكثر من مرة، زارت «الشرق الأوسط» البلدة القديمة، تعرض طاقمها لعشرات الأسئلة، ومر عبر البوابات والحواجز، ومنع من التقدم في شوارع محددة يعيش فيها المستوطنون.
على مدخل شارع الشهداء، ينتظرك الجنود الإسرائيليون في غرف خشبية كبيرة تسد مدخل الشارع الذي كان أشهر شوارع المدينة. يظهر الجنود فجأة، في إحدى زوايا منطقة باب الزاوية المكتظة بالمحال التجارية والناس ومواقف السيارات، يراقبون من على بعد بضعة أمتار فقط، حركة الناس. هناك، كما في شوارع أخرى كثيرة ومتداخلة، يتغير المشهد، من حياة مليئة بالصخب إلى حياة لا حياة فيها، خاوية إلا من الرعب.
على حاجز شارع الشهداء، سمح لنا بالدخول بعد تدقيق، وبعد 100 متر فقط، أوقفنا جندي وقال لنا إننا ممنوعون من مواصلة الطريق، بسبب السحنة العربية بحجة الخوف على حياتنا.
قبل الدخول إلى الحرم الإبراهيمي، مررنا ببوابات إلكترونية، وخضعنا لفحص هويات، ومن ثم مشينا إلى شارع السهلة، شاهدنا عشرات الجنود المدججين بالسلاح والمتأهبين، وتحدثنا إلى فلسطينيين قلة يخشون مغادرة منازلهم بسبب الخوف من المستوطنين والجنود.
قال غسان أبو حديد، إنهم يعيشون حياة رعب حقيقية، مضيفا أنهم «يتعاملون معنا كمشتبهين».
وأضاف: «المستوطنون يبحثون عنا والجنود يتأهبون من أجل إطلاق النار». وقالت حياة الناظر، إنها تتجنب الخروج بسبب الوضع الحالي. على مرأى العين، لم نشاهد سوى جنود ومستوطنين، شوارع فارغة ومحلات مغلقة ومنازل ترتفع عليها الأعلام الإسرائيلية فقط. كان علينا أن نسير بحذر، ونستعين ببعض أهالي المنطقة حتى لا نجد أنفسنا عرضة لهجوم.
في شارع الشلال، سمح للفلسطينيين بالعمل، لكن كل الشوارع الفرعية أغلقت مع مراقبة شديدة. فوق حي قصبة السوق وسط البلدة القديمة، بدا التداخل السكاني مذهلاً للغاية. يعتلي اليهود محلات العرب، ويفصل بين بيوتهم وبيوت الفلسطينيين بضعة أمتار. واضطر أصحاب المحلات في المنطقة، إلى حماية الشارع بشبكة من الأسلاك الشائكة، حتى تقيهم من قاذورات المستوطنين.
وقال رائد أبو رميلة، إنهم يحمون أنفسهم من خطر حقيقي ومستمر، من فوق ومن تحت، ومن كل مكان. ويوثق أبو رميلة عبر كاميرا شخصية، هجمات المستوطنين على الفلسطينيين في البلدة القديمة وجرائم الجيش.
شاهدنا هناك كيف ينقض المستوطنون والجنود على الأطفال ويبرحونهم ضربا. واليوم ترصد الكاميرات كيف يقتلون الفلسطينيين بدل أن يضربوهم. وعلى الرغم من ذلك، لا يرحل أحد من الذين قرروا البقاء، بل يساندهم من الخارج فلسطينيون غاضبون على قتل أبنائهم واحتجاز جثامينهم.
إنه صراع بقاء، يختصر أشكال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الأخرى، القومي والديني كذلك، إذ يصر الفلسطينيون على البقاء في المكان الذي يعدونه مقدسًا بسبب المسجد الإبراهيمي، فيما يصر الإسرائيليون على احتلال المنطقة بسبب تقديس الحرم كذلك، الذي يسمونه «مغارة المكفيلا»، حيث مقام إبراهيم الخليل وأولاده الذين تقدسهم جميع الأديان.



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.