بيرس مورغان.. الإنجليزي الذي أغضب الأميركيين

«سي إن إن» ألغت برنامجه بعد ثلاث سنوات {لقلة مشاهديه}

بيرس مورغان.. الإنجليزي الذي أغضب الأميركيين
TT

بيرس مورغان.. الإنجليزي الذي أغضب الأميركيين

بيرس مورغان.. الإنجليزي الذي أغضب الأميركيين

أعلنت محطة «سي إن إن» أخيرا عن نيتها إيقاف برنامج المذيع الإنجليزي بيرس مورغان بعد ثلاثة أعوام فقط من بدايته. فبحسب تصريحات صحافية لمدير المحطة جيف زوكر، فإن البرنامج لم يحقق نسب المشاهدة المطلوبة، ولم يستطع أن ينافس البرامج الحوارية التي تبث في الوقت ذاته على محطات منافسة مثل «فوكس نيوز» و«إم إس إن بي سي».
في حديث لصحيفة «نيويورك تايمز»، قال مورغان إنه تحدث أخيرا مع رئيس المحطة عن المعدلات المنخفضة لنسب المشاهدة وعن الاتفاق المشترك لوقف البرنامج في شهر مارس (آذار) المقبل. وأشار مورغان إلى أنه كان يفضل الحوارات مع شخصيات شهيرة تكون هي الحدث ذاته، وليس تغطية ومتابعة الأحداث المتواصلة التي لم يستطع أن ينافس بها المذيعين الآخرين.
ولكن من الواضح أن هناك عددا من الأسباب التي أدت إلى هذه النهاية السريعة للبرنامج الذي سيكمل قريبا عامه الثالث. كانت التوقعات في السابق أن مورغان وبرنامجه الذي يبث في وقت الذروة، سيعيد الجماهير التي خسرها المذيع الشهير لاري كينغ في سنواته الأخيرة مع المحطة، ولكن التجربة أثبتت أن مورغان عجز، رغم المحاولات المستمرة، على إبقاء البرنامج على قيد الحياة.
فالبرنامج لم يستطع أن يكسب أي نسبة مشاهدة عالية، كتلك التي تحققها البرامج المنافسة، بل مر بلحظات مؤلمة وقاسية من الهبوط، الأمر الذي جعل المحطة تخسر العديد من متابعيها المخلصين لها.
ولكن لماذا هذا الموت السريع وغير المتوقع للبرنامج؟
هناك أسباب تتعلق بطبيعة محطة «سي إن إن» نفسها، وهناك أخرى بطبيعة البرنامج، وثالثة متعلقة بشخصية مورغان نفسه.
في الذي يخص طبيعة المحطة، من هذه الزاوية يبدو أن الأمر لا يتعلق بمورغان، بل بالمحطة ذاتها التي خسرت الرهان أمام المحطات الأخرى. الخطاب الإعلامي للمحطة الشهيرة يعتمد على الموازنة والحياد بالقدر المطلوب، والابتعاد عن الشخصيات الإعلامية المثيرة للجدل والصخب. مثل هذه الخلطة كانت ناجحة في السابق، وقد كانت علامة الجودة لمحطة «سي إن إن» التي ظهر على شاشتها العديد من الأسماء الصحافية اللامعة التي حققت نجومية كبيرة بسبب رصانتها وحياديتها. ولكن الخطاب الإعلامي الذي جذب المشاهدين لأعوام تحول بشكل جذري خلال السنوات الأخيرة وأصبح يعتمد بشكل رئيس ليس على المادة الصحافية ذاتها ولكن على شخصية الصحافي التي يجب أن تكون صاخبة واستقطابية ومثيرة للجدل.
هذا ما فعلته المحطات المنافسة مثل «فوكس نيوز» و«إم إس إن بي سي». هاتان المحطتان، على سبيل المثال، لا تقدمان مادة صحافية، ولكنهما تخصصان أغلب ساعات البث لبرامج حوارية مليئة بالصخب والإثارة والصدام الآيديولوجي الذي يصل في أوقات كثيرة للهجوم والتجريح الشخصي. لا يمكن وصف ما تبثانه صحافة حقيقية، لو أخذنا بكل تعريفات الصحافة، ولكن هذا النمط من الإعلام الشعبوي هو ما يجلب مزيدا من المال والمتابعين المتحيزين. صوت الجمهور الباحث عن الحيادية والمصداقية بات غير مسموع، والمحطات التلفزيونية التي ما زالت تلتزم بالمبادئ الصحافية العريقة، لا تجد ما تدفعه لموظفيها.
محطة «سي إن إن» راهنت على هذا النمط من الإعلام، ولكنها لم تستطع. في السنوات الأخيرة اختارت بشكل واضح البحث عن نجوم إعلام أكثر من صحافيين محترفين، ولكن حتى في هذا لم تحقق ما تصبو إليه.
السبب الآخر، متعلق بطبيعة برنامج مورغان ذاته. فبحسب تصريحات مورغان نفسه، فقد قال إن فكرته الرئيسة الذي وقع العقد من أجلها، هي أن يقوم باستضافة المشاهير والشخصيات القوية، الأمر الذي سيجذب عددا أكبر من المشاهدين للبرنامج. ولكن البرنامج، تحول مع الوقت إلى متابعة آخر الأحداث. وفي بلد شاسع مثل الولايات المتحدة، فإن الأحداث المهمة التي تستحق تغطية متواصلة لن تنقطع. لذا وجد مورغان نفسه في سباق مستمر مع تغطية الأحداث التي لا يملك الاطلاع الكافي عليها، وليس لديه الاهتمام والمهارة وحتى الرغبة في الخوض فيها. حلم مورغان تبدد. تحول من محاور إلى صحافي الأخبار العاجلة. هذا بالإضافة إلى أن أنه بريطاني الجنسية، لذا لم يبدُ مقنعا للجمهور الأميركي أن يناقش رجل غريب على البلد والثقافة، قضايا محلية شديدة «الأميركية».
السبب الثالث الذي أدى إلى هذه النهاية لبرنامجه هو أسلوب مورغان الذي وصف بالمتعالي حينما تناول في برنامجه قضية حقوق امتلاك الأسلحة، وهي القضية الحساسة في الشارع الأميركي، وإصراره المستمر على فرض قوانين تحد من بيعها، مما جعل شريحة كبيرة من المشاهدين الأميركيين المستاءة تبتعد عن البرنامج وتتجه لمحطات أخرى.
قضية تملك الأسلحة هي من أكثر القضايا حساسية لدى المجتمع الأميركي، وحتى أكثر الأسماء الصحافية صخبا وإثارة للجدل، والمطالبة بسن قوانين جديدة تحد من بيع الأسلحة، تناولت القضية بأسلوب هادئ وغير استفزازي لإدراكها أهمية القضية وسخونتها. ولكن الإنجليزي مورغان، تجاوز كل الحدود، ودخل هو نفسه طرفا في القضية. قام بتوبيخ المؤيدين، ودخل معهم في جولات من الجدل الذي تحول بسرعة إلى صراخ واتهامات. وقع الآلاف من الغاضبين وثيقة تطالب بترحيله، ولكنه استمر في حربه الشعواء على تملك السلاح.
هذه القضية الأشهر خلال سنوات مورغان الثلاث هي التي ربما قتلت برنامجه أكثر من أي شي آخر. كثير من الأميركيين رأوا فيه الإنجليزي المتعالي الذي يقوم بإلقاء المحاضرات عليهم، ولا يتوقف عن توبيخهم ولا يسعى لفهم ثقافتهم المحلية. هذا السلوك هو الذي جر على المذيع مشاعر الاستياء والنقمة، وتسبب في نفور المشاهدين من متابعته. ربما أراد مورغان أن يثير الضجيج حتى يكسب المتابعين، ولكن ذهب بعيدا وغاص في قضايا شديدة الخصوصية.
من المؤكد أن مورغان صحافي ذكي، ولكن تجربته في «سي إن إن»، رغم أوقات النجاح، ستبقى في الذاكرة بوصفها محطة تعثر له، ودرسا لغيره من الصحافيين.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.