ميخائيل بوغدانوف مبعوث {الضرورة}

من هو رجل الكرملين الخاص في الشرق الأوسط؟

ميخائيل بوغدانوف مبعوث {الضرورة}
TT

ميخائيل بوغدانوف مبعوث {الضرورة}

ميخائيل بوغدانوف مبعوث {الضرورة}

المعارف والخبرات التي تراكمت على مدى عشرات السنين تحدد كثيرا من ملامح شخصية ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي المولج ملفات الشرق الأوسط وموفد الكرملين إلى المنطقة. وحسب المقربين منه والمعجبين بكفاءاته، تكشف الجولات المكوكية التي يواصل القيام بها في مختلف العواصم الأوروبية والعربية في إطار مهمته مبعوثا شخصيا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن تفرّد واضح، وقدرات فائقة على الإمساك بكل تلابيب المشكلات التي كانت ولا تزال تؤرق العالم، ومنها ما يهدد بالانفجار. ويقولون إن بوغدانوف لطالما سار على حد السيف لدى محاولات تقريب المواقف انطلاقا من دراسات مستفيضة وإلمام بكل جوانب القضايا موضع البحث، وإدراكا وتداركا لطبيعة الحسابات والتقديرات.
تسلط «الشرق الأوسط» الضوء اليوم على شخصية ميخائيل بوغدانوف، الرجل الذي يتابع أولاً بأول قضايا الشرق الأوسط في العاصمة الروسية موسكو، بصفته نائب وزير الخارجية الروسي المولج إدارة ملفات الشرق الأوسط، والمبعوث الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين إلى المنطقة.
بوغدانوف سياسي ودبلوماسي من مدرسة الدبلوماسيين الذين يقرأون الماضي ليستشرفوا منه أبعاد المستقبل، معتمدين على مؤهلات مهنية رفيعة، وملكات فطرية، ومعايشة طالت لسنوات مع قيادات كثير من البلدان العربية، واستطاع عبر السنين كسب ثقتها واحترامها بفضل إجادته اللغة العربية وإلمامه بالثقافة العربية وعادات شعوب المنطقة وتقاليدها.
قدرة ميخائيل بوغدانوف، تدعمها سيرته الذاتية، فقادته إلى واحد من أبرز المؤسسات التعليمية السياسية في روسيا، ألا وهو «معهد العلاقات الدولية» التابع لوزارة الخارجية السوفياتية، في نهاية ستينات القرن الماضي. وهناك عرف وزامل عددًا من أشهر الخبرات الدبلوماسية؛ منهم سيرغي لافروف وزير الخارجية و«عميد» الدبلوماسية الروسية، وكوكبة أخرى من أبرز رجال الدولة والسياسة في روسيا وخارجها.
وما يجدر ذكره أن الرئيس الروسي بوتين عندما تولى مقاليد الحكم قصر مهمته في البداية على منطقة الشرق الأوسط وبلدانها العربية، لكنه سرعان ما ضم إليها أفريقيا بكل مشكلاتها وقضاياها، وهي مهام معقدة تنوء بحملها الجبال. ولعل الرئيس الروسي كان يدرك أن بوغدانوف خير من يضطلع بها، لا سيما أنه خبره جيدًا من خلال متابعة مسيرته قبل أن يقع عليه خيار لافروف، زميل الدراسة وصديق العمر، في عام 2011 لتولي منصب نائب وزير الخارجية المسؤول عن ملف البلدان العربية.

السيرة الشخصية
ولد ميخائيل بوغدانوف في موسكو لعائلة جنرال سوفياتي في 2 مارس (آذار) 1952، وتخرج عام 1974 في «معهد العلاقات الدولية» في موسكو الذي فجر كثيرا من طاقاته. ومن الطريف الذي نجده في سيرة بوغدانوف نشاطه الاجتماعي والرياضي خلال سنوات دراسته في هذا المعهد؛ إذ كان قائدا لفريق منتخب المعهد لكرة السلة، مما يفسر ولعه بمتابعة هذه اللعبة. كذلك كان سنوات فتوته لاعبًا محترفًا في فريق نادي لوكوموتيف في العاصمة موسكو. غير أن مسيرته مع الرياضة انتهت، عند اختياره السير على طريق العمل الدبلوماسي، وإن كان نقل معه إلى مجال الدبلوماسية.. كل المهارات الدقيقة للاعب كرة السلة المحترف.

البداية من اليمن.. ثم لبنان
واستهل بوغدانوف حياته العملية في وزارة الخارجية السوفياتية – قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، طبعًا – من أولى درجات السلم الدبلوماسي عبر العمل ضمن جهاز سفارة بلاده في اليمن. وفي اليمن أمضى ثلاث سنوات جاب فيها البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وتعرف على كثير من زعماء قبائلها وقياداتها السياسية والحزبية، تسنده إجادته الرفيعة للغتين العربية والإنجليزية، ويفتح له الأبواب إلمامه بجانب كبير من تاريخه، وهو ما يساعده اليوم في حواره مع مختلف أطراف الأزمة الراهنة ولقاءاته المتكرّرة مع الوفود اليمنية من الحكومة ومناوئيها بكل أطيافهم.
ومن جنوب الجزيرة العربية، انتقل بوغدانوف إلى شاطئ المتوسط للعمل في سفارة الاتحاد السوفياتي في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1977، في أوج احتدام الحرب الأهلية، مما كان فرصة جديدة للإلمام بكل جوانب المشكلة اللبنانية. وإلى أن حان موعد عودته إلى جهاز الخارجية السوفياتية في موسكو، كان الاتحاد السوفياتي السابق أخذ يعيش بدايات مرحلة جديدة خطيرة واجهت فيها موسكو مشكلات «الغزو السوفياتي» لأفغانستان وتبعاته. ولمّا كان بوغدانوف ابن جنرال - كما سبقت الإشارة - فلنتوقف برهة هنا لنشير إلى أن «بوغدانوف الأب» ليس إلا الجنرال ليونيد بوغدانوف، الضابط الكبير الذي كان كانت قد أسندت إليه في حينها مهمة الإشراف على ممثلية جهاز أمن الدولة (كي جي بي)، في أفغانستان منذ 1978. ولعل هذا ما قد يكون وراء اهتمام الابن، الذي كان لا يزال دبلوماسيًا فتيًا، بمشكلات العصر وقضايا المنطقة في تلك الحقبة البالغة الحساسية.

8 سنوات «سوريا»
وحقًا، لم يمض وقت طويل حتى عاد ميخائيل بوغدانوف ثانية إلى «بلاد الشام»، ولكن هذه المرة مبعوثًا دبلوماسيًا في سفارة الاتحاد السوفياتي في العاصمة السورية دمشق لفترتين متواليتين؛ الأولى من 1983 - 1989، والثانية من 1991 - 1994. ولعل هذا ما يفسر اليوم الدور المؤثر الذي يلعبه في بحث ومتابعة تفاصيل الموقف والأحداث الجارية في سوريا.. ذلك أنه لما لا يقل عن ثماني سنوات ارتبط بعلاقات شخصية وثيقة مع أبرز نجوم الساحة السياسية الرسمية والحزبية والأوساط الاجتماعية والدينية في كل من سوريا ولبنان، ولم تنقطع علاقاته بها منذ وطأت قدماه أرض ذلك الجزء من المشرق العربي في منتصف سبعينات القرن الماضي وحتى اليوم.
وبعد ذلك، مع ارتقائه سلم المسؤوليات، قيّض له أن يعود إلى جهاز الخارجية الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ليرأس لمدة سنتين متواليتين أحد أقسام إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن ثم يتولى لأول مرة منصب سفير. ولعل خبرته العميقة بقضايا المنطقة المتشابكة المعقدة، من أهم ما شجّع القيادة الروسية على تعيينه سفيرًا لدى إسرائيل.
والحقيقة أن ميخائيل بوغدانوف لم يكن مقيدًا بحساسيات العمل في دولة مثل إسرائيل، وهي التي كانت شهدت آنذاك تدفقا غير مسبوق لهجرة اليهود من مواطني روسيا وبلدان الاتحاد السوفياتي السابق وانخراط كثرة منهم في عالم السياسة الإسرائيلية الذي ولجوه من أوسع أبوابه؛ إذ شكل هؤلاء حزبهم «إسرائيل بيتنا» بزعامة ناتان شارانسكي، المنشق اليهودي السوفياتي السابق الذي شغل كثيرا من المناصب الوزارية في إسرائيل، ومعه كثيرون من وجوه تلك الحقبة، مثل أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي، الذي كان هاجر من مولدوفا (مولدافيا) السوفياتية السابقة.

التجربة المصرية
ومن إسرائيل عاد بوغدانوف إلى موسكو مرة أخرى ليرأس إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2002، في توقيت مواكب لبدايات الولاية الرئاسية الأولى لفلاديمير بوتين. وفعلاً، ما إن تولى سيرغي لافروف، صديق بوغدانوف ورفيق عمره وزميل دراسته، منصب وزير الخارجية عام 2004 حتى استقر عليه خياره لإيفاده عام 2005 إلى القاهرة سفيرًا لروسيا لدى مصر، وأول مبعوث لروسيا لدى الجامعة العربية. وفي القاهرة، صال بوغدانوف وجال، وارتبط بعلاقات نسجها بكل حذق وبراعة مع نجوم المجتمع وقيادات الدولة ورموز مصر الأدبية والثقافية والفنية، ناهيك بعلاقاته الوثيقة من كبار رجال الاقتصاد والصناعة في مصر والمنطقة.
ومن ثم انطلق في شتى الاتجاهات، نجمًا متميزًا بين أقرانه من قادة السلك الدبلوماسي الأجنبي، بما يكفل لروسيا استعادة مكانتها المرموقة السابقة، التي كان أصابها بعض الاهتزاز إبان سنوات حكم الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسن في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. ولم يكتف بوغدانوف بذلك، بل ألحق ابنه الوحيد بافيل بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة. ومن واقع متابعته دراسة ابنه الجامعية في القاهرة، أتيحت الفرصة للسفير المحنك للإلمام أيضًا بأجواء الأوساط الشبابية والميول الطلابية، وبالمناهج التعليمية والجامعية لتكتمل الصورة لديه تعززها رؤيته الثاقبة وتجربته العميقة.
وسرعان ما ابتسم له القدر حين كان مع ألكسندر سلطانوف - مبعوث بوتين آنذاك - آخر من التقى الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في 10 فبراير (شباط) بعد اندلاع ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011. ولا نستطيع في هذا المجال فض مكنون ذلك اللقاء، أو الإلمام بتفاصيل ما جرى آنذاك خلف الأبواب المغلقة التي أوصدت دون أي من المصريين حتى من مساعدي الرئيس وجهاز حكمه.
إذن كان ميخائيل بوغدانوف على مقربة من أجواء «25 يناير»، بل ونزل مع صديقه لافروف وزير الخارجية الروسي إلى ميدان التحرير في مارس. ومن ثم تيسر له إعداد لقاء حضره لافروف مع «كوكبة» من القيادات الشبابية لهذه الثورة في مقر إقامته على ضفاف النيل لمحاولة الإلمام بما لا يزال الغموض يكتنف كثيرا من جوانبه. ولذا لم يكن غريبًا أن يكون مرجعًا لمن غمضت عليه في موسكو وخارجها بعض أطياف الصورة.
باختصار شديد؛ ليست منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لميخائيل بوغدانوف «سرًا مدفونًا وراء أقفال سبعة» كما يقال. وننقل على لسانه ما يلي بهذا الشأن: «لقد عكفت على دراسة شؤون هذه المنطقة منذ سبعينات القرن الماضي. كما أنني قبل تولي منصب سفير روسيا لدى إسرائيل، شغلت منصب رئيس قسم إسرائيل وفلسطين في عام 1989، وهو القسم الذي أسس لأول مرة لدى إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». ومن اللافت أن هذه الإدارة كان يترأسها آنذاك غينادي تاراسوف، الذي اختاره وزير الخارجية السوفياتي – آنذاك إدوارد شيفارنادزه – ليكون أول سفير للاتحاد السوفياتي لدى السعودية بعد إعادة العلاقات الدبلوماسية معها في عام 1990.
ومن الطريف في هذا الشأن أن تاراسوف، الذي عاد إلى موسكو بعد انتهاء مهمته في الرياض ليرأس إدارة الصحافة والإعلام ويغدو المتحدث الرسمي باسم الخارجية الروسية، أوفدته موسكو ليكون بديلا لبوغدانوف لدى إسرائيل بعد انتهاء مهمة الأخير هناك في عام 2002.
عودة إلى ميخائيل بوغدانوف، لنشير إلى أن السفراء العرب في موسكو سعدوا كثيرًا بعدما ذاع نبأ عودته إلى جهاز الخارجية الروسية، وذلك لأنه كان ولا يزال قريبًا إلى الجميع؛ إذ لم يكن يتاح لكثيرين منهم التردد على الطابق الخامس في مبنى الخارجية الروسية حيث مكتب نائب الوزير المسؤول عن العلاقات مع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كذلك اتسمت علاقة بوغدانوف بعدد من الصحافيين بـ«صداقة شخصية» امتدت في بعض الحالات لسنوات طويلة خلت. وفي شهادة لأحد كبار المراسلين العرب في موسكو عن بوغدانوف، قال: «لم يبخل علينا يوما بمعلومة أو إجابة عن تساؤل أو سؤال. لقد كان ولا يزال دوما في متناول الأسئلة والتساؤلات، واللقاءات إذا أتاح له جدول حِلّه وترحاله ذلك. وأستطيع أن أجزم أن بوغدانوف يبدو، بما يملكه من خصال رائعة فضلاً عن موضوعية الدبلوماسي القدير والخبير بشؤون المنطقة وناسها، الشخص المؤهل ليشغل في العقول والقلوب مكانة ذلك الذي رحل عنا بالأمس القريب، يفغيني بريماكوف، أفضل من خبر قضايانا ومنطقتنا على مدى عشرات السنين».
وفي الواقع، يتمتع بوغدانوف بثقافة موسوعية مدهشة، وذاكرة تتسع لأدق التفاصيل؛ فهو على سبيل المثال، يعرف مختلف أسماء قادة وقياديي التنظيمات والفصائل المتناحرة في المنطقة العربية، في سوريا ولبنان واليمن وإسرائيل، وكذلك في إيران وأفغانستان وتركيًا، ولديه إلمام يستحق الإعجاب بكل مسألة عايشها واطلع على تفاصيلها واهتم بمتابعتها على امتداد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما جعله يحتفظ بمكانة متميزة بين أجيال الدبلوماسيين والمستعربين سواء كانوا من روسيا أو غيرها من البلدان، أسهمت فيها أيضًا مرونته وموضوعيته، وهو ما تؤكده جولاته المكوكية في المنطقة العربية والقارة الأفريقية فضلا عن إيران وأفغانستان. وختاما قد لا يليق بهذا الدبلوماسي لقبًا أصدق من اللقب الذي أطلقه عليه أحد عارفيه ومتابعي مسيرته.. وهو: «المبعوث الضرورة في السياق المناسب».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».