بعض العظماء في مرآة ستيفان زفايغ

كتب عن ريلكه ودانتي ورينان

ريلكه و ستيفان زفايغ
ريلكه و ستيفان زفايغ
TT

بعض العظماء في مرآة ستيفان زفايغ

ريلكه و ستيفان زفايغ
ريلكه و ستيفان زفايغ

في بعض ما كتبه الكاتب الألماني ستيفان زفايغ نلاحظ أنه يلقي إضاءات مهمة وساطعة على كتاب كبار. فمثلا يقول عن ريلكه ما يلي: «نعم، لقد كان رينيه ماريا ريلكه شاعرا وأي شاعر! إنه يستحق بكل جدارة هذه الصفة المبجلة والمقدسة التي لا يمكن أن نطلقها إلا على القلائل في التاريخ. فالشاعر الكبير لا يولد كل سنة أو سنتين وإنما كل قرن أو قرنين، والشعر نادر وقليل، ولكن النظّامين المتشاعرين كثيرون».
لقد كان ريلكه شاعرا بالمعنى الصافي والخالص للكلمة. وربما لم يعرف تاريخ الشعر شخصا أصفى ولا أنقى منه إذا ما استثنينا هولدرلين، فقد حافظ ريلكه على نقاء حياته الداخلية لكي يظل شاعرا حقيقيا. ورفض كل الإغراءات والمساومات التي يتعرض لها المشاهير في لحظة ما من لحظات حياتهم لكي يظل نقيا بريئا مخلصا لقضية الشعر التي لا قضية بعدها. وقد كان ريلكه شاعرا في كل كلماته وأفعاله ووجوده العابر القصير (51 عاما فقط).
لم يكن ريلكه شاعرا من حين إلى حين كما يحصل عادة لنظرائه، وإنما كان شاعرا طيلة الوقت. كان يعيش الحياة شعريا وليس فقط عندما يجيئه الإلهام ويكتب القصيدة. فالحياة هي أيضًا قصيدة شعر لمن يعرف كيف يراها أو يعيشها، الحياة قصيرة والزمن طويل.
وكل كلمة من كلماته، وكل رسالة من رسائله، وكل حركة من حركاته، وحتى الابتسامة اللطيفة المرتسمة على وجهه، كانت تنضح بالشعر، باللطف، بالنزعة الإنسانية العميقة.
ويرى زفايغ الذي تعرف على ريلكه شخصيا أنه من بين كل الشعراء الغنائيين المعاصرين فإن ريلكه هو الذي دفع ضريبة الشعر أكثر من غيره. لقد دفعها من أعصابه، من حياته، من دمه، من طمأنينته الشخصية. ومعروف عنه أنه كان قلقا جدا ويعاني معاناة هائلة من الناحية النفسية. وقد عرّف الشعر مرة أعمق تعريف عندما قال ما معناه: «الشعر ليس العواطف كما يعتقد معظم الناس. الشعر لا يعبر بالدرجة الأولى عن العواطف وإنما عن التجارب المعيشة المطبوخة حتى درجة الاحتراق. ولكي تكتب بيتا شعريا واحدا ينبغي عليك أن تكون قد رأيت مدنا كثيرة وبشرا كثيرين وأشياء لا تحصى. وينبغي عليك أن تكون قد رأيت الحيوانات وعرفت كيف تطير العصافير، وكيف تتفتح الأزهار على ضوء أشعة الفجر الأولى.
لكي تكتب قصيدة واحدة ينبغي أن تكون قد سلكت كل الطرقات والدروب وعرفت كيف تتذكر ذلك يوما ما. وينبغي أن تكون قد زرت بلادا كثيرة أو جبتها طولا وعرضا وحصلت لك لقاءات بالصدفة وفراقات رحت تنتظر لحظة حصولها أو تراها وهي تقترب بعينيك.
لكي تكتب قصيدة واحدة ينبغي أن تكون قادرا على أن تتذكر أيام الطفولة المنسية التي لا تزال تحتفظ بسرها ولغزها المحير. وينبغي أن تستطيع تذكر أمراض الطفولة التي تبتدئ بشكل غريب جدا بكل تطوراتها العميقة والمؤلمة. ينبغي أن تتذكر الأيام التي أمضيتها في صمت الغرف المغلقة، والصباحات التي قضيتها على شاطئ البحر، ثم البحر نفسه بشكل خاص. بل وحتى كل هذه الذكريات لا تكفي لكتابة قصيدة ولا حتى بيت واحد من الشعر، وإنما ينبغي أن تكون قد عرفت في حياتك ليالي حب كثيرة شديدة الاختلاف بعضها عن بعض. وينبغي أن تكون قد شهدت احتضار الموتى وأنت جالس على طرف السرير، والنافذة مفتوحة والضجة قادمة من الخارج».
ثم يردف ريلكه قائلا: «بل ولا يكفي أن تكون لك كل هذه الذكريات، وإنما ينبغي أن تكون قد نسيتها بعد أن عشتها عندما تكون كثيرة، وأن تنتظر عودتها يوما ما بعد أن تكون قد تخمرت ونضجت. ينبغي أن تصبر عليها لكي تعود في لحظة من اللحظات، وعندئذ تصبح كتابة القصيدة ممكنة. وذلك لأنها لن تصبح ذكريات حقيقية بالفعل إلا عندما تختلط بدمائنا وعروقنا وتتجسد في نظراتنا وحركاتنا. لن يكون لها معنى إلا عندما تنسى نفسها وتصبح بلا اسم ولا عنوان، إلا عندما تصبح جزءا لا يتجزأ منا. عندئذ، وعندئذ فقط، يمكن للقصيدة أن تجيء، أو يمكن لأول كلمة من أول بيت شعري أن تنبثق إذا ما واتانا الحظ وجاءتنا اللحظة الاستثنائية».
هذا هو تصور ريلكه للشعر، هكذا نلاحظ أنه يشكل عنه صورة صعبة جدا وتكاد تكون مستحيلة تقريبا، ونفهم منه أن اللحظات الشعرية نادرة، أو قل إن القصائد الشعرية الكبيرة نادرة جدا.
أما عن دانتي فيقول ستيفان زفايغ ما معناه: «منذ أكثر من ستة قرون ونحن نبجل أكبر شاعر وأديب أنجبته إيطاليا في تاريخها كله: دانتي أليغيري صاحب الكوميديا الإلهية. والواقع أن هذه الرائعة الأدبية لا عمر لها ولا زمن، إنها الزمن بعينه. لقد جاءت (الكوميديا الإلهية) في وقتها لكي تفصل العصور الوسطى المسيحية عن عصر النهضة والإصلاح الديني والعصور الحديثة».
أما عن إرنست رينان الذي عاش في القرن التاسع عشر وكتب أطروحته الشهيرة عن ابن رشد والفلسفة الرشدية فيقول ستيفان زفايغ ما معناه: لقد مارس هذا المفكر على الشبيبة الفرنسية والنخبة الأوروبية تأثيرا كبيرا طيلة سنوات كثيرة بفضل علمه الثاقب وأسلوبه القوي الواضح. فقد طبق منهجية النقد التاريخي على النصوص المسيحية المقدسة وكشف عن تاريخيتها وأضاءها بشكل لم يسبق له مثيل من قبل. وقد فعل ذلك بأسلوب رائع لا يضاهيه إلا أسلوب فلوبير في زمانه. ومعلوم أن رينان كان متدينا في بداية حياته، بل وكان مقررا أن يصبح كاهنا مسيحيا، ولكنه تخلى عن كل ذلك وأصبح من أتباع الفلسفة والعلم الحديث.
وهذا التحول الكبير الذي طرأ عليه كان يعبر عن مسيرة عصر بأسره. ففي القرن التاسع عشر كان العلم الطبيعي قد أثبت مقدرته على كشف قوانين الكون. وكانت الصناعة والآلات والمكتشفات قد أصبحت متوافرة بكثرة. وقد أقنعت الإنسان بأن العلم هو وحده القادر على تحسين أوضاعه وتأمين الرفاهية والسعادة له على هذه الأرض.
وعندئذ كتب رينان كتابه الشهير «مستقبل العلم» لكي يؤكد على أن العلم الفيزيائي أهم من الدين المسيحي. وهكذا حلت الحداثة الفلسفية محل التقليد اللاهوتي المسيحي الذي سيطر على البشرية طيلة العصور السابقة. ولكنه الآن لم يعد مقنعا في عصر العلم والتكنولوجيا والصناعة.
وقد جسّد إرنست رينان في فكره هذه النقلة النوعية في تاريخ البشرية، بل وجسدها في شخصه عندما تخلى عن الدين والكنيسة والتحق بالبحث العلمي والتاريخي والفلسفي، ولكن ينبغي الاعتراف بأن هذا التصور العلموي تجاوزه الزمن حاليا في الغرب، فقد أعادوا الاعتبار إلى الدين بعد أن حرروه من الأصولية المتزمتة تحريرا كاملا. وهذا شيء لم يتحقق حتى الآن إلا في أوروبا والغرب المتقدم عموما، وهكذا أصبح العلم والدين متصالحين لا متخاصمين، على عكس ما كان حاصلا في عصر رينان.



أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.