روسيا تنفق يوميًا 2.4 مليون دولار على عمليتها في سوريا

خبير عسكري: سعر الأسلحة الروسية في الأسواق العالمية أقل من الأميركية بنحو 40 %

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية على موقعها أمس، تظهر طائرة سو-34 تقلع من مطار حميميم العسكري على الساحل السوري في مهمة ليلية (أ.ب)
صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية على موقعها أمس، تظهر طائرة سو-34 تقلع من مطار حميميم العسكري على الساحل السوري في مهمة ليلية (أ.ب)
TT

روسيا تنفق يوميًا 2.4 مليون دولار على عمليتها في سوريا

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية على موقعها أمس، تظهر طائرة سو-34 تقلع من مطار حميميم العسكري على الساحل السوري في مهمة ليلية (أ.ب)
صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية على موقعها أمس، تظهر طائرة سو-34 تقلع من مطار حميميم العسكري على الساحل السوري في مهمة ليلية (أ.ب)

منذ الساعات الأولى لإطلاق روسيا عمليتها العسكرية في سوريا شكلت النفقات الاقتصادية المترتبة على هذه العملية موضوع اهتمام رئيسي لدى مختلف الأوساط، لا سيما أن العملية بدأت بينما يعاني الاقتصاد الروسي من أزمة حادة. ومع استمرار غياب معلومات دقيقة صادرة عن جهات رسمية روسية حول نفقات العملية في سوريا، أعد مركز جينز البريطاني المختص بنشر التقارير في المجالات العسكرية والفضائية والنقل، دراسة قال فيها إن روسيا تنفق يوميا على عملياتها العسكرية في سوريا 2.4 مليون دولار على أقل تقدير. ويقول خبراء المركز إن النفقات في الواقع قد تكون ضعف ذلك، أي ما يقارب 4 ملايين دولار يوميا. ما يعني حسب تقديراتهم، أن روسيا قد أنفقت منذ إطلاق عمليتها بتاريخ 30 سبتمبر (أيلول) ما بين 80 إلى 115 مليون دولار، ويشمل هذا المبلغ الإنفاق على الأسلحة والصواريخ والقنابل المستخدمة في القصف فضلا عن الخدمة التقنية والصيانة للمعدات المشاركة في العمليات، وكذلك البنى التحتية ونفقات الكادر البشري.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أول من أمس، أن طائراتها نفذت نحو ألف طلعة جوية في سوريا منذ بدء عملياتها ضد تنظيم داعش و«جبهة النصرة» وقوات المعارضة السورية في أكثر من محافظة، إذ أكدت وزارة الدفاع الروسية في بيان نشرته وكالة إنترفاكس للأنباء أنها «نفذت 934 طلعة ودمرت 819 هدفًا للمتشددين في سوريا منذ بدء حملتها».
ويشير موقع جينز البريطاني للنشر الدفاعي، إلى أن تكلفة عمل الطائرة الحربية الواحدة في الساعة تصل إلى 12 ألف دولار، وتكلفة عمل كل طائرة مروحية خلال ساعة و3 آلاف دولار. ونظرًا لكثافة العمليات التي تقوم بها الطائرات الروسية فإن الطائرة المقاتلة توجد في الأجواء وسطيا 90 دقيقة، والمروحية قرابة 30 دقيقة، ما يعني وفق حسابات خبراء المركز البريطاني، أن روسيا تنفق على العمليات الجوية خلال 24 ساعة ما يقارب 710 آلاف دولار، فضلا عن 750 ألف دولار ثمن الذخائر المستخدمة في العمليات القتالية خلال 24 ساعة. علما بأن معظم هذه الذخائر هي الأحدث في الترسانة العسكرية الروسية، ويُستخدم بعضها، لأول مرة، في حروب روسيا، نظرًا إلى أنه وُضع في تصرف القوات العسكرية الروسية خلال الأعوام الخمسة الماضية.
أما الإنفاق على الكادر البشري، أي المعاشات الشهرية والمكافآت للجنود والضباط العاملين في قاعدة حميميم في سوريا، والطعام وغيره من خدمات لهم، فإن روسيا تُنفق يوميا 440 ألف دولار تقريبا، إضافة إلى 200 ألف دولار على السفن الموجودة قبالة الساحل السوري، وأخيرًا 250 ألف دولار على العمليات اللوجستية والاستطلاع والاتصالات وغيرها من نفقات مشابهة.
بناء على هذه المعطيات التقريبية يخلص خبراء مجلة جينز العسكرية، إلى الاستنتاج بأن روسيا تنفق يوميا زهاء 2.4 مليون دولار على عمليتها العسكرية في سوريا. ويتضمن هذا المبلغ تكلفة استخدام الصواريخ التي أطلقتها السفن الروسية على الأراضي السوري، حيث تصل تكلفة كل صاروخ منها إلى 1.2 مليون دولار. وكانت بعض وسائل الإعلام الروسية قد ذكرت أن التكلفة المادية لعملية إطلاق الصواريخ من قزوين تصل قرابة 1 مليار روبل روسي.
وبحسب خبراء عسكريين، فإن الطلعة الجوية عموما، تتضمن إقلاع طائرتين أو أربعة في نفس الوقت، لتشن الغارات ضد أهداف مرصودة سلفًا. أما في سوريا، فإن الطلعات الجوية، في تقديراتها الدنيا، تتضمن إقلاع قاذفتين في سوريا، نظرًا لأن الميدان السوري لا يتطلب تحليق طائرات مقاتلة إلى جانبها لحمايتها من هجمات جوية.
ويقول رئيس «مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية» الدكتور هشام جابر، إن كل قاذفة، تحمل أربعة صواريخ أو ستة صواريخ، ويعود ذلك إلى وزن الصواريخ المحملة. وفي أقل التقديرات، فإن الطلعات الجوية المُعلن عنها في سوريا، حملت الطائرات المشاركة خلالها 8000 صاروخ، نظرًا إلى أن كل طلعة تتضمن طائرتين بالحد الأدنى. ويشير في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن تلك الحمولة «لا يتم قصفها جميعها على الأهداف، رغم أن هذه التقديرات بعدد القاذفات الطائرة، هي التقديرات الدنيا».
ويُعدّ سعر الأسلحة الروسية في الأسواق العالمية، أقل ثمنًا من الأسلحة الأميركية بنحو 40 في المائة، بحسب ما يقول جابر، وعليه، يتفاوت سعر الصاروخ الروسي (جو - أرض) بين 6 و10 آلاف دولار لكل منها، ما يعني أن حمولة كل طائرة يتراوح سعرها بين 25 و30 ألف دولار، وبالتالي، تتراوح تكلفة الذخائر المحملة في كل طلعة جوية، بين 50 و60 ألف دولار.
يضاف إلى ذلك، تكلفة 26 صاروخ كروز من نوع «كاليبر» أطلقتها القوات البحرية الروسية من بحر قزوين باتجاه سوريا، ويتراوح سعر الواحد منها بين 50 و70 ألف دولار، وهي «صواريخ باهظة الثمن، نظرًا إلى أنها ذكية، وتحمل رؤوسًا مدمرة ضخمة، يقارب وزن رؤوسها الحربية نحو 350 كيلوغرامًا من المواد المتفجرة»، كما يقول جابر.
وتُضاف هذه التكلفة، إلى تكلفة الطلعات الجوية بما تتطلب من استهلاك للطائرات الحربية، وقطع غيار وصيانة لها، فضلاً عن وقود الطائرات، وجهود الطاقم اللوجستي الذي يعمل على صيانتها وتحميلها بالذخائر، ما يرفع حجم التكلفة إلى نصف مليار دولار، على أقل تقدير، بحسب ما يقول جابر، وهو عميد متقاعد من الجيش اللبناني. ويشير إلى أن عدد القوة البشرية الروسية الموجودة في سوريا، يصل إلى 3000 جندي، يتوزعون بين خبراء وطيارين وعاملين لوجستيين، وعاملين في غرف الرصد والمتابعة والتنسيق، فضلاً عن البحارة في ميناء طرطوس، وفوج من قوات النخبة البرية، الموكلة حماية القواعد والمنشآت العسكرية الروسية في سوريا. ويقول إن تكلفة هؤلاء «عالية، وتقارب تكلفة كل واحد منهم المائة دولار يوميًا في حدودها الدنيا».
ويأتي هذا الإنفاق العسكري في ظل أزمات اقتصادية تعاني منها روسيا، بينها انخفاض قيمة «الروبل» بعد أزمتي شبه جزيرة القرم وأوكرانيا. وينظر خبراء، وبينهم جابر، إلى أن استخدام الأسلحة الجديدة مثل قنبلة «كاب - 500» وصواريخ كروز من نوع «كاليبر أن كا» الموازية لصواريخ «توما هوك» الأميركية، وقاذفات «سو – 34»: «يندرج ضمن إطار خطة التسويق الروسية لأسلحة وذخائر جديدة أنتجتها، وتطمح لزيادة مبيعاتها منها في السوق العالمية، خصوصا أن السلاح الروسي، يُعرض بسعر أقل من السلاح الأميركي، حيث يبلغ سعره 60 في المائة من سعر السلاح الأميركي الذي يشابهه بالفعالية والمواصفات».
وتستخدم روسيا في سوريا مجموعة من الصواريخ الحديثة، والعالية التدمير، والتكتيكية، مثل Kh - 25L قريب المدى، وهو دقيق التصويب من فئة جو – أرض، بحسب ما نشرت وسائل إعلام روسية، وهو مخصص لتدمير المدرعات ومحطات الرادار وسفن السطح، وضرب أهداف أخرى. كما تستخدم الصاروخ الجوي Kh - 29L المخصص لضرب أهداف محصنة مثل المنشآت الخرسانية والجسور والممرات الخرسانية لإقلاع وهبوط الطائرات. فضلاً عن استخدام قنبلة BETAB 500 الجوية المخصصة لتدمير مستودعات الأسلحة والذخائر والوقود الخاصة بالآليات العسكرية تحت الأرض، ومراكز القيادة والاتصال، والمخابئ الخرسانية. وتحدث هذه القنبلة اختراقا بعمق 3 أمتار من التراب وعمق 1.2 متر من الخرسانة المسلحة.
وتستخدم قنبلة KAB - 500 الموجهة التي تزن 500 كلغم، تستخدمها الطائرات لقصف أهدافها من على بعد لا تطالها المضادات الأرضية، إضافة إلى صواريخ «جو - أرض» من طراز «إكس - 29 إل»، وقنبلة جوية تعرف باسم «العنصر الحربي الموجه ذاتيا» أو (إس بي بي أ)، عبارة عن أسطوانة تحتوي على المتفجرات والصفيحة النحاسية السميكة التي تشكل نواة تفجيرية وزنها الكيلوغرام الواحد عندما تنفجر القنبلة، وتعطيها دفعا يعادل 2 كلم في الثانية حتى تستطيع النواة التفجيرية اختراق الدروع الواقية للدبابات والآليات المدرعة الأخرى. وذكر موقع «سبونتيك» الروسي، أن القنبلة تبحث أثناء الهبوط المظلي عن الهدف المطلوب ضربه من خلال التقاط الحرارة المنبعثة من محرك الآلية العسكرية. وبعد اكتشاف الهدف وتحديد موقعه تتوجه القنبلة إليه بمساعدة الدفّات الخاصة.
ويقدر خبراء عسكريون روس القوة الجوية الروسية المقاتلة في سوريا، بأسطول يتراوح عدده بين 40 و60 مقاتلة وقاذفة ومروحيات هجومية من نوع «مي 24» و«مي 28» (الصياد) الأكثر تطورًا، في وقت يقدر آخرون أن عدد المقاتلات والمروحيات الهجومية في سوريا، ناهزت المائة طائرة، تُضاف إلى طائرات استطلاع غير مقاتلة من دون طيار، تشارك في الحرب السورية طائرات من طراز «سو 30» التي تزود بصاروخ ذي رأس حراري موجه ذاتيًا، وصاروخ برأس موجه راداريا، وقاذفة «سو 34» الاستراتيجية من الجيل الخامس، ووضعت حديثًا بعهدة سلاح الجو الروسي، وتمتلك مواصفات تقنية وتكتيكية وزودت بمنظومة دفاع ذاتي «جو – جو»، كما تحمل على أجنحتها وسائط الإعاقة التشويشية المعروفة باسم «خيبيني»، التي تحمي الطائرة من صواريخ المقاتلات المعادية والمضادات الأرضية للطائرات، وتحتوي على 12 نقطة تعليق على الأجنحة لحمل صواريخ جو-جو، وجو-سطح، وقنابل، ومدفع عيار 30 ملم. كما تستخدم في سوريا طائرات «سو 24» و«سو 25» القادرة على خوض المعارك ليلاً، ومروحيات هجومية تواكب القوات البرية مثل «مي 24».



ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
TT

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)

فيما أعاد البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية رسم المسار المطلوب للتهدئة، شرق اليمن، إذ شدد على وقف التحركات العسكرية الأحادية، مع المطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، أكدت الرياض موقفها ميدانياً عبر توجيه ضربة جوية تحذيرية، وفق ما أكدته مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت لإيصال رسالة مفادها عدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة أو تجاوز الأطر المؤسسية التي تحكم الملف الأمني في المحافظات الشرقية، محذرةً من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أشد صرامة.

الخارجية السعودية كانت وصفت تحركات «الانتقالي» بأنها أحادية وأضرت بمسار التهدئة، داعيةً إلى خروج عاجل ومنظم للقوات وتسليم المعسكرات تحت إشراف التحالف وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والسلطات المحلية.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً، الجمعة، حاول فيه تبرير تحركاته العسكرية، معتبراً أنها جاءت استجابةً لـ«دعوات شعبية جنوبية» لمواجهة التهديدات الإرهابية وقطع خطوط تهريب الحوثيين.

وأكد «الانتقالي»، في بيانه، أنه منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات مع السعودية، معتبراً الضربة الجوية «قصفاً مستغرباً» لا يخدم مسارات التفاهم.

وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن التنسيق والترتيبات سيكون مرحباً بهما من قبل السعودية إذا كانت تصب في إنهاء التصعيد وخروج قوات «الانتقالي الجنوبي» واستلام قوات «درع الوطن» الجنوبية والسلطة المحلية المعسكرات والأمن في محافظتي حضرموت والمهرة. والجلوس للتشاور والحوار من دون الحاجة لاستخدام القوة.

ويتوقع مراقبون أن تؤدي الضربة التحذيرية إلى توصيل رسالة واضحة بأن الرياض قد تضطر للانتقال من سياسة الاحتواء الهادئ إلى فرض خطوط حمر لمنع أي تصعيد بالقوة.

وتشير مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن أي تسوية مستقبلية ستقوم على عودة الأوضاع إلى ما قبل التصعيد، مدخلاً أساسياً للحفاظ على وحدة الصف اليمني، ومنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.

كان البيان السعودي أكد على دعم الرياض الكامل لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، مشدداً على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تتم عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة.

وكشف البيان عن تنسيق سعودي - إماراتي لإرسال فريق عسكري مشترك إلى عدن، لوضع آلية لإعادة انتشار القوات ومنع تكرار التصعيد، في خطوة عدها مراقبون انتقالاً من التحذير السياسي إلى الضبط التنفيذي الميداني.


بعد 9 أشهر... الحوثيون يعترفون بمقتل قادة طيرانهم المسيّر

مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
TT

بعد 9 أشهر... الحوثيون يعترفون بمقتل قادة طيرانهم المسيّر

مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)

بعد 9 أشهر من الإنكار والتكتم، أقرّت الجماعة الحوثية بخسارة إحدى أهم وحداتها القتالية، مع تشييع قائد سلاح الطيران المسيّر اللواء زكريا حجر وعدد من أبرز معاونيه، الذين يرجح أنهم قُتلوا في غارة أميركية استهدفتهم داخل أحد المنازل بحي الجراف شرق صنعاء خلال شهر رمضان الماضي.

الاعتراف الحوثي المتأخر أعاد فتح ملف الخسائر العسكرية الثقيلة التي مُني بها جناح الجماعة العسكري، وكشف جانباً من حجم الضربات التي طالت بنيته القيادية والتقنية خلال الأشهر الماضية.

وجاء هذا الإقرار من قبل الجماعة المتحالفة مع إيران بعد أشهر من إقرار مماثل بمقتل رئيس هيئة أركانها محمد الغماري، عبر مراسم تشييع نُظمت في صنعاء.

وشملت مراسم تشييع حجر، التي أقيمت الخميس، كلاً من مدير العمليات في وحدة الطيران المسيّر اللواء محمد الحيفي، واللواء عبد الله حجر، والعميد أحمد حجر، والعميد حسين الهاشمي. ويُعد هؤلاء من أبرز القادة في وحدة الطيران المسيّر التي أُنشئت بإشراف وتدريب مباشر من الحرس الثوري الإيراني والجناح العسكري لـ«حزب الله» اللبناني، وشكّلت خلال السنوات الماضية أحد أهم أذرع الحوثيين في تنفيذ الهجمات العابرة للحدود.

الحوثيون تعمّدوا التكتم على خبر مقتل حجر 9 أشهر (إعلام محلي)

وعلى الرغم من أن هذه الخسارة تُعد ثاني أكبر خسارة تعترف بها الجماعة بعد مقتل الغماري، فإن اللافت في مراسم التشييع كان الغياب شبه الكامل للقيادات العسكرية البارزة. إذ غاب وزير دفاع الجماعة محمد العاطفي، الذي تُرجّح مصادر إصابته في غارة إسرائيلية استهدفت اجتماعاً للحكومة غير المعترف بها في نهاية أغسطس (آب) الماضي، ومنذ ذلك الحين اختفى عن الأنظار.

كما غاب رئيس هيئة الأركان الجديد يوسف المدني، إلى جانب معظم القادة العسكريين، واقتصر الحضور على مفتي الجماعة شمس الدين شرف الدين، والقائم بأعمال رئيس الحكومة غير المعترف بها محمد مفتاح، في مؤشر فسّره مراقبون بحجم الإرباك الذي تعانيه القيادة العسكرية للجماعة.

ضربات موجعة

يرى مراقبون عسكريون أن الهجمات الأميركية التي استهدفت مخابئ القادة الحوثيين ومخازن أسلحتهم ومراكز القيادة والسيطرة، قبل التوصل إلى هدنة بين الطرفين، كادت أن تُخرج القوة الصاروخية وسلاح الطيران المسيّر عن الخدمة. فقد خسر الحوثيون خلال تلك الضربات أبرز كوادرهم المتخصصة، من قائد الوحدة ومسؤول العمليات والدراسات، إلى المسؤولين التقنيين والمشرفين على ورش تركيب وتجهيز الطائرات المسيّرة، إضافة إلى مختصين بعمليات الإطلاق والتوجيه.

غياب القادة العسكريين لجماعة الحوثي عن مراسم التشييع (إعلام محلي)

وفي هذا السياق، وصفت منصة «ديفانس أونلاين» المتخصصة في الشؤون العسكرية والأمنية زكريا حجر (39 عاماً) بأنه خبير محوري في منظومة الصواريخ وبرنامج الطيران المسيّر لدى الحوثيين، وأحد الفنيين الذين عملوا إلى جانب خبراء ومستشارين من «الحرس الثوري» و«فيلق القدس»، إضافة إلى جنسيات عربية، على تطوير القدرات القتالية للجماعة.

وأشارت المنصة إلى أن حجر يرتبط بعلاقة مصاهرة مع عائلة عبد الملك الحوثي، وأن عدداً من إخوته وأفراد أسرته يشغلون مواقع مهمة داخل هياكل الجماعة.

وحسب المعلومات، جرى تعيين حجر عقب اجتياح صنعاء ضمن هياكل وزارة الدفاع التابعة للجماعة، ومنح رتبة عسكرية رفيعة، قبل أن يتولى الإشراف على برنامج الطيران المسيّر ضمن منظومة «القوة النوعية» المرتبطة بالمجلس الجهادي للحوثيين. وتؤكد مصادر متطابقة أن هذه الوحدة لعبت دوراً رئيسياً في الهجمات التي استهدفت العمق اليمني ودول الجوار وخطوط الملاحة الدولية.

اعترافات متأخرة

تشير منصة «ديفانس أونلاين» إلى أن حجر يُعد من العناصر المطلوبين للقضاء اليمني، وقد ورد اسمه ضمن قائمة قيادات خضعت للمحاكمة أمام القضاء العسكري في مأرب منذ مطلع 2022، بتهم تتعلق بالتمرد والقتل والإرهاب.

كما أدرجه التحالف الداعم للشرعية ضمن قوائم الإرهاب في أغسطس (آب) من العام نفسه، إلى جانب أربعة آخرين، لارتباطهم المباشر بعمليات إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، وتهريب الأسلحة الإيرانية، والمشاركة في الهجمات على الشحن الدولي في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن.

ويؤكد الصحافي المتخصص في شؤون الحوثيين، عدنان الجبرني، أن وحدة الطيران المسيّر تلقت «ضربات قاتلة» جراء الغارات الأميركية التي نُفذت خلال الأشهر الأولى من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وأوضح أن حجر قُتل في غارة استهدفت منزلاً بحي الجراف، ومعه اثنان من أبرز مساعديه، أثناء تناول وجبة الإفطار في شهر رمضان، إلا أن الجماعة فرضت تعتيماً مشدداً على هوية المستهدفين.

ناشطون حوثيون كشفوا عن مقتل ثمانية من أشقاء حجر خلال تجنيدهم مع الجماعة (إكس)

وفي نعي آخر، أقرت قيادات حوثية بأن حجر قُتل قبل مصرع محمد الغماري، الذي يُرجّح أنه لقي حتفه في غارة استهدفت منزلاً بحي حدة جنوب صنعاء، كان الحوثيون قد استولوا عليه وحولوه إلى مركز للعمليات العسكرية، رغم ترويج شائعات آنذاك عن نجاته ومغادرته المكان قبل دقائق من الضربة.

وتجمع مصادر حكومية ومراقبون على أن هذه الخسائر القيادية والتقنية كانت عاملاً رئيسياً وراء عرض الحوثيين هدنة مع الجانب الأميركي، التزموا بموجبها بوقف استهداف السفن في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، مقابل وقف الضربات الأميركية التي استهدفت قيادات مهمة في جناحهم العسكري، ودمرت مخازن سرية للأسلحة ومراكز للقيادة والسيطرة في صنعاء وصعدة والحديدة.

ويذهب هؤلاء إلى أن الاعتراف المتأخر بمقتل قادة الطيران المسيّر يعكس حجم الضرر الذي أصاب أحد أهم أذرع الجماعة، ويؤشر إلى مرحلة جديدة من إعادة ترتيب الصفوف تحت ضغط الخسائر.


إجماع يمني واسع خلف الموقف السعودي لاحتواء التصعيد في الشرق

الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)
الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)
TT

إجماع يمني واسع خلف الموقف السعودي لاحتواء التصعيد في الشرق

الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)
الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)

اصطفت الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، إلى جانب الهيئات المجتمعية والقبلية في حضرموت، والمؤسسات الرسمية، خلف البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية بشأن التطورات في محافظتي حضرموت والمهرة، في مشهد يعكس إجماعاً على أولوية التهدئة ورفض فرض الوقائع بالقوة، والتمسك بمسار الدولة والحل السياسي الشامل.

وقد رأت المكونات اليمنية أن البيان السعودي، بما تضمنه من دعوة واضحة لعودة قوات المجلس الانتقالي إلى ثكناتها السابقة والخروج من المحافظتين وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف، يعدّ مدخلاً أساسياً لمعالجة الأزمة ومنع انزلاقها نحو تعقيدات أعمق تمس السلم المجتمعي والمركز القانوني للجمهورية اليمنية.

في هذا السياق، رحب تكتل الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، الذي يضم طيفاً متنوعاً من القوى الوطنية، بالبيان السعودي، معتبراً أنه يمثل جوهر المعالجة المطلوبة في هذه المرحلة الحساسة.

وأكدت الأحزاب، في بيان، أن الموقف السعودي يعكس حرصاً واضحاً على احتواء التصعيد، ومنع أي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة، لما لذلك من انعكاسات مباشرة على الأمن والاستقرار ووحدة الصف الوطني.

موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي خلال حشد في عدن (إ.ب.أ)

وجددت الأحزاب اليمنية دعمها لجهود مجلس القيادة الرئاسي في إدارة الأزمة، داعية المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الاستجابة العاجلة لمقتضيات التهدئة وتغليب لغة الحكمة والعقل، وتهيئة المناخ لمعالجة القضية الجنوبية معالجة عادلة وشاملة ضمن الأطر المتوافق عليها ووفق مخرجات الحوار الوطني، واتفاق الرياض، وإعلان نقل السلطة.

كما حذرت من أن الممارسات الأحادية قد تضر بعدالة القضية الجنوبية نفسها، وتهدد مكتسباتها السياسية، وتدفع بها نحو مسارات إقليمية معقدة تعزلها عن محيطها وتقصيها عن أي تسويات مستقبلية.

وأشادت الأحزاب بالموقف السعودي الثابت من القضية الجنوبية بوصفها قضية عادلة ذات أبعاد تاريخية واجتماعية، مثمنة في الوقت ذاته التنسيق القائم بين السعودية والإمارات لاحتواء التوتر ودعم مسار الحل السياسي الشامل. وشددت على ضرورة تنفيذ اتفاق الرياض كاملاً ودون انتقائية، باعتباره الضامن الحقيقي لمنع تكرار مثل هذه الأزمات مستقبلاً.

من جهته رحب الحزب الاشتراكي اليمني بالبيان السعودي، معتبراً أنه يعكس حرصاً صادقاً على أمن واستقرار اليمن، ويؤكد أن معالجة الأوضاع يجب أن تتم حصرياً عبر مؤسسات الدولة وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والتحالف.

وأكد الحزب أهمية ضبط النفس وتغليب المصلحة العامة بوصفهما مدخلاً ضرورياً لتهيئة الأجواء أمام حلول سياسية مستدامة، مجدداً التأكيد على أن القضية الجنوبية لا يمكن حلها إلا عبر حوار وطني جامع ضمن تسوية شاملة.

مواقف مجتمعية وقبلية

على الصعيد المجتمعي، عبّر حلف قبائل حضرموت عن ترحيبه الكبير بالبيان السعودي، مشيداً بما تضمنه من مواقف وصفها بالمسؤولة والأخوية، ومؤكداً أن المملكة كانت ولا تزال سنداً للشعب اليمني في مختلف المراحل. وأشاد الحلف بالجهود المتواصلة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، والخروج العاجل والسلس للقوات التابعة للمجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة.

كما اعتبرت قيادة العصبة الحضرمية البيان السعودي، إلى جانب موقف السلطة المحلية في حضرموت، خريطة طريق لا غنى عنها لحماية المحافظة من الانزلاق نحو الفوضى، وشددت على ضرورة الخروج الفوري وغير المشروط لجميع القوات غير المحلية، محذرة من أي التفاف على هذا المطلب الذي اعتبرته تعبيراً صريحاً عن إرادة الحضارم.

تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي الأحادية في حضرموت والمهرة قوبلت برفض يمني واسع (إ.ب.أ)

بدوره، أعلن مجلس حضرموت الوطني تأييده الكامل للبيان السعودي، معتبراً إياه موقفاً مسؤولاً يهدف إلى حماية مصالح أبناء حضرموت والمهرة ومنع أي تصعيد عسكري غير منسق.

وأكد المجلس أن أي تحركات عسكرية خارج الأطر المؤسسية تمثل تجاوزاً للإجماع الوطني، وتزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني، مشدداً على أهمية احترام صلاحيات السلطة المحلية وتسليم المعسكرات وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف.

أما مجلس الشورى اليمني، فرحب بالبيان السعودي بوصفه موقفاً واضحاً من التصرفات الأحادية التي أقدم عليها المجلس الانتقالي دون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع التحالف.

وعدّ المجلس أن هذه التحركات تمثل خرقاً لاتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، وإضعافاً لوحدة الصف الوطني، ومساساً بالمركز القانوني للدولة اليمنية.

ودعا مجلس الشورى المجلس الانتقالي إلى سرعة الاستجابة لنداء التهدئة والخروج من المحافظتين، حفاظاً على مصلحة أبناء الجنوب واليمن عموماً، وتوجيه الجهود والطاقات نحو مواجهة الخطر الحقيقي المتمثل في الانقلاب الحوثي.