الميليشيات تغزو سلك القضاء.. وتقضي على تطلعات اليمنيين في استقلاله ونزاهته

ظل محصورا في عائلات «إمامية ـ حوثية» لعقود ويرأسه المخلوع

حوثي يحمل سيفا خلال إحياء ذكرى عاشوراء في صنعاء أول من أمس (أ.ف.ب)
حوثي يحمل سيفا خلال إحياء ذكرى عاشوراء في صنعاء أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

الميليشيات تغزو سلك القضاء.. وتقضي على تطلعات اليمنيين في استقلاله ونزاهته

حوثي يحمل سيفا خلال إحياء ذكرى عاشوراء في صنعاء أول من أمس (أ.ف.ب)
حوثي يحمل سيفا خلال إحياء ذكرى عاشوراء في صنعاء أول من أمس (أ.ف.ب)

يتعرض قطاع القضاء اليمني لعمليات تصفية من كوادره القضائية المؤهلة، منذ انقلاب الحوثيين على الشرعية الدستورية في اليمن، العام الماضي، وأكدت مصادر في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أتوا على ما تبقى من القضاء اليمني، الذي كان يعاني من اختلالات في السابق.
وتشير المصادر إلى أن الميليشيات الحوثية دفعت بالعشرات من عناصرها في معهد القضاء، إضافة إلى العشرات لشغل وظائف إدارية وقضائية في مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل، وعلى مستوى المحاكم، بمختلف درجاتها، في المحافظات التي يسيطرون عليها.
وتذكر المصادر، التي طلبت عدم الإشارة إلى هويتها، عددا من الممارسات التي يقوم بها الحوثيون في سلك القضاء، الأمر الذي أفقد هذه المؤسسة «ما تبقى لها من هيبة واستقلالية، كانت موجودة في المراحل السابقة».
وبحسب بعض العاملين في مجال القضاء والمحاماة فإن القضاء اليمني «ظل يعاني عقودا من إرث نظام الإمامة المتوكلية ونظامها القضائي الذي كان سائدا قبيل قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962»، ومن أبرز مظاهر ذلك الإرث «عتاقة النظام القضائي واعتماده على منهجية ومرجعية مذهبية دون النظر إلى المذهب الآخر السائد في البلاد، الذي يمثله معظم السكان، وهو المذهب الزيدي»، إضافة إلى أن «القضاء ظل لعقود سلاليا وعائليا، إذ انحصرت مهنة القضاء في أسر معينة (مثلا: الديلمي، الشامي، المتوكل، وغيرها من أسماء الأسر المعروفة)»، وهي التي كانت تعمل في نفس المجال قبيل قيام الثورة اليمنية، التي قادها الرئيس الراحل المشير عبد الله السلال.
ووفقا لكثير من المراقبين فإن معظم العاملين في مجال القضاء، طوال العقود الماضية، كانوا من الموالين للحوثيين، الذين يعتبرون القضاء أحد أهم معاقلهم التي كانوا يعملون من خلالها خلال عقود، وقد ظهرت مواقفهم جلية عقب الانقلاب.
ويشير المراقبون إلى إجراءات أخرى تعرض لها القضاء والقضاة في اليمن، وهي إبعاد وإزاحة معظم القضاة والقاضيات المنتمين إلى المحافظات الجنوبية، والذين يفترض بهم العمل في سلك القضاء كقضاة عاملين، وتحويلهم إلى وظائف إدارية وإعفاء كثير منهم من العمل وتحويلهم إلى «حزب خليك في البيت»، كما يحب اليمنيون التعليق على قضية إبعاد الكوادر المؤهلة والفاعلة في كل القطاعات الحكومية.
ويطرح المراقبون والعاملون في مجال القضاء والمحاماة هذه الملاحظات، رغم تأكيدهم على أن القضاة في الجنوب كانوا مقتدرين ومنفتحين على القوانين العربية والدولية، إضافة إلى إجراءات لا تمنع دخول أبناء المناطق الأخرى في معهد القضاء، وإنما محاصرة عملية القبول في معاهد القضاء، هذا عوضا عن ربط القضاء برأس الدولة، حيث ظل المخلوع علي عبد الله صالح، إلى قبل سنوات قليلة، رئيسا للبلاد ورئيسا لمجلس القضاء الأعلى، رغم أنه (المخلوع) لا يمتلك شهادة الابتدائية العامة.
وفي ضوء البنية التي ظلت في القضاء اليمني، رغم قيام الثورة، فإن أساليب القضاء عتيقة والقضاة غير مؤهلين، وجاء معظمهم من حلقات العلم في المساجد التي تدرس المذهب الزيدي، إضافة إلى أنهم ينظرون إلى القضاة الآخرين (الذين يلبسون البدلات الرسمية وربطات العنق) بنوع من السخرية والازدراء، بالإضافة إلى النظرة الدونية تجاه المرأة بشكل عام، والمرأة القاضية بشكل خاص، فهم لا يعترفون بالقوانين الحديثة.
وخلال سنوات طويلة، وجهت انتقادات لاذعة من قبل معظم القوى في الساحة اليمنية لنظام القضاء في اليمن ولعدم استقلاليته، وساق كثيرون اتهامات لكثير من القضاة بالفساد، ووثقت الصحافة اليمنية سلسلة طويلة من التجاوزات في مجال القضاء، غير أن تلك الجهود لم تفلح إلا بنسب محدودة للغاية في إحداث تغييرات، غير أن انقلاب الحوثيين أعاد سلك القضاء، كما هو الحال مع اليمن ككل، إلى الوراء عشرات السنين، بحسب المراقبين.



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.