بوتين.. «الورقة القومية» في مواجهة المعارضة الروسية

استغل ارتباط بعضها بالغرب.. واستوعب مشاعر الرأي العام

بوتين.. «الورقة القومية» في مواجهة المعارضة الروسية
TT

بوتين.. «الورقة القومية» في مواجهة المعارضة الروسية

بوتين.. «الورقة القومية» في مواجهة المعارضة الروسية

سلط تدخل موسكو في سوريا، في أعقاب ضم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شبه جزيرة القرم ورعايته الانتفاضة المؤيدة لروسيا في شرق أوكرانيا، الأضواء على تصاعد ثقة القيادة الروسية بنفسها وبقدراتها، واقتناعها بأن الغرب، بقيادة الرئيس الأميركي باراك أوباما، ليس في وارد التصدي لتنامي لطموحها. وفي سياق «الثأر» من الغرب على دور في إنهاك الاتحاد السوفياتي السابق وتقسيمه، راهن بوتين على «الورقة القومية» في وجه خصومه من اليمين الليبرالي المدعوم من الغرب والقوى الشيوعية المناوئة للغرب، وبالنتيجة نجح أولاً في تهميش اليمين، وثانيًا كسب الشيوعيين والاشتراكيين والقوميين في صفه تحت سقف مواجهة العدو الغربي القديم - الجديد. وهو الآن يخطط للذهاب أبعد في مشروعه «القومي» عبر دعوته لتشكيل تكتل جديد تحت عنوان «الجبهة الشعبية لعموم روسيا».

ما شهدته الساحة السوفياتية، وتحديدًا الروسية، من زخم وحركة عارمة في أعقاب إعلان ثورة «البيريسترويكا والغلاسنوست» في منتصف ثمانينات القرن الماضي صار في ذمة التاريخ. لكن ما كان يعتمل آنذاك في نفوس الملايين من مشاعر سخط وغضب واحتجاج مكتومة، لم يكن ليمضي دون تبعات سرعان ما فرضت نفسها على واقع ذلك الزمان وهو ما كشفت عنه القوى السياسية «الكامنة» القادمة من الجمهوريات والأقاليم في «مؤتمر نواب الشعب» الذي افتتح أولى دوراته في مايو (أيار) 1989.
ولعل ما شهدته جلسات ذلك المؤتمر من نقاشات حادة جرت في مثل تلك الأجواء من الصراحة والانفتاح لأول مرة في تاريخ الاتحاد السوفياتي وروسيا كان عمليًا نقطة الانطلاق نحو عالم أكثر رحابة وتحركات أشد فعالية سرعان ما أسفرت عن ظهور الحركات المعارضة التي تلفحت بتسميات على غرار «روخ» الأوكرانية و«سايوديس» الليتوانية ورفعت شعارات دعم «البيريسترويكا» في محاولة لإخفاء أهدافها الحقيقية التي كانت تستهدف الانفصال عن الدولة السوفياتية.

حقبة يلتسين
ولئن كانت تلك الحركات والتحركات كشفت لاحقا عن نياتها وراحت تتلمس السبل المناسبة والمقدمات التي سرعان ما أطاحت بالدولة وأركانها مع نهاية تسعينات القرن الماضي وحتى الإعلان رسميًا عن أفول شمسها في ديسمبر (كانون الأول) 1991، فإن ما شهدته روسيا الاتحادية إبان حكم الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين كان أشد وطأة وأكثر حمية بما حملته من فوضى عارمة أصابت مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية وكذلك المجالات الاقتصادية والثقافية، وبلغت حد تهديد روسيا الاتحادية بمصير مشابه كانت واشنطن أعدته لها حسبما كشفت مصادر الإدارة الأميركية مؤخرًا في معرض كشفها عن مخطط كان يستهدف تقسيم روسيا إلى ما يزيد عن تسعين ولاية وإقليمًا في مطلع تسعينات القرن الماضي.
وهنا نذكر أن «الحركة الديمقراطية» التي تزعمها بوريس يلتسين - ودعمها الغرب - في مطلع تسعينات القرن الماضي لم تستطع الصمود طويلاً أمام عودة الشيوعيين إلى صدارة الساحة السياسية بعد إعادتهم تنظيم صفوفهم وإعلان قيام حزبهم الجديد بزعامة غينادي زيوغانوف مستفيدين من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها يلتسين وفريقه. ولذا كان من الطبيعي أن يعود هؤلاء إلى صدارة الساحة ويفوزوا بغالبية مقاعد مجلس «الدوما» (البرلمان) في انتخابات 1995. بل، وكاد زعيمهم زيوغانوف يفوز برئاسة الدولة في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة في عام 1996 على يلتسين لو لم يقدم الأخير على كل صنوف التزوير، فضلا عن الترهيب والوعيد واللجوء إلى كل صنوف البلطجة الانتخابية والجنائية.
آنذاك كان مجلس «الدوما»، رغم كل الفوضى والانهيار الذي أصاب كل مناحي الحياة، في توقيت مواكب لاندلاع الحرب الشيشانية الأولى وتفشّي ظاهرة الحركات الاستقلالية أو الانفصالية، ساحة للمبارزات الكلامية ولمحاولات تصفية حسابات الماضي، وهو ما كان يقابل بكل الحسم والحزم من جانب الكرملين دفاعًا عن الرئيس الذي كان غير مرة قاب قوسين أو أدنى من الإطاحة به دستوريًا بعد دوران عجلة «الإمبيتشمينت» (أو سحب الثقة) منه في البرلمان. كانت القوى السياسية آنذاك قد تبعثرت بين يمين الوسط، الممثل في تنظيمات حزبية فوقية حملت تباعًا أسماء «روسيا بيتنا» بزعامة ييغور غايدار ثم «خيار روسيا» بزعامة فيكتور تشيرنوميردين رئيس الحكومة الروسية الأسبق، وحتى حزب «الوطن - الوحدة الروسية»، وبين الأحزاب اليمينية مثل حزب «يابلوكو» بزعامة غريغوري يافلينسكي وحزب «اتحاد القوى اليمينية» بزعامة بوريس نيمتسوف وعدد من نجوم «الحركة الديمقراطية» وغيرهما من الأحزاب الصغيرة التي طالما ارتمت في أحضان الحزب الحاكم بحثًا عن دفء الامتيازات مقابل ما تقدم من دعم معنوي وفكري و«تنازلات» حسمًا من رصيد الوطن والمواطن.
ولم يكن بعيدًا عن تلك الأحزاب وتوجهاتها حزب فلاديمير جيرينوفسكي الشعبوي المسمى بـ«الحزب الليبرالي الديمقراطي» الذي يمثل يسار الوسط، وكان فاز بالأغلبية في انتخابات أول دورة لمجلس «الدوما» عام 1994 في مواجهة المعارضة اليسارية، التي كان يمثلها بكل القوة الحزب الشيوعي الروسي بزعامة زيوغانوف زعيم الأغلبية في المجلس، ومعه الحزب الزراعي وتنظيمات أخرى لم يستطع مرشحوها الفوز بأية مقاعد نيابية.

تغييرات في الخارطة
على أن هذه الخارطة الحزبية الروسية سرعان ما طرأت عليها التغييرات التي نجمت عن تغير القيادة السياسية في نهاية عام 1999 ورحيل بوريس يلتسين وتولي فلاديمير بوتين لمقاليد السلطة في الكرملين في مايو 2000. وكان بوتين قد اضطر إلى موائمة أوضاعه وتوجهاته مع البرلمان، الذي تركه له سلفه يلتسين مع بقايا أركان حكمه في إدارة الكرملين والحكومة، حتى استطاع الإمساك بزمام الأمور مع نهاية فترة ولايته الأولى.
ويذكر المراقبون أن ما جرى تباعًا ولاحقًا من أحداث خلال سنوات الولاية الأولى للرئيس بوتين كان ينبئ بتغييرات جذرية عاصفة نجمت عما أحرزه من نجاح في حسم المواجهة مع الإرهاب وضربه الحركات الاستقلالية والانفصالية والانتهاء من الحرب الشيشانية الثانية، فضلا عن حسمه لمصلحته معركته مع المحافظين ممن كانوا صدّقوا الرئيس الأسبق «وأخذوا من الاستقلال ما استطاعوا أن يبتلعوه» - حسبما دعاهم على سبيل الغزل في مدينة قازان (عاصمة جمهورية تتارستان الروسية ذات الحكم الذاتي) في محاولة لاستمالتهم إلى جواره بعيدا عن خصمه التاريخي ميخائيل غورباتشوف. ولم تكن أحزاب ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي قد غادرت الساحة بعد رغم كل ما لقيته غالبيتها من الضربات والإخفاقات.
في الحقيقة، الأحزاب المعارضة كانت تفقد مع كل ولاية جديدة لفلاديمير بوتين الكثير من مواقعها وجماهيريتها في الشارع الروسي الذي انصرف عنها، وفي الوقت نفسه كانت هذه الفصائل تتناحر فيما بينها، وكان منها من راح يجنح صوب السقوط طواعية في شرك التمويل الأجنبي تحت ستار ما يسمى بـ«منظمات المجتمع المدني». ويذكر كثيرون من المراقبين المحليين منهم والأجانب، تدافع عدد كبير من شباب وممثلي الأحزاب اليمينية نحو التعاون مع المنظمات الأجنبية بدعوى الحصول على منح تدريبية في الخارج، ومنها ما يتعلق بالتدريب على حشد الأنصار وتنظيم المظاهرات وكيفية رفع حدة ودرجة سخونة الأوضاع السياسية في الساحة الداخلية. وحسب راصدين مطلعين في موسكو، ما كان ذلك ليجري من دون مساهمات السفارات والصناديق الغربية وفي مقدمتها الأميركية، وهو ما كانت السلطات و«الأجهزة البوتينية» رصدته في حينه بما استطاعت معه أن تشهره في الوقت المناسب لها مبرّرًا طبيعيًا لاتخاذ السلطات التشريعية الروسية ما يتناسب من مراسيم وقرارات لمواجهة مثل هذه الأوضاع.
وحين كانت تشتد وطأة المداهمات والاعتقالات بتهمة التعاون مع الخارج ومحاولات نشر التوتر وتأليب الرأي العام ضد السلطة الرسمية، كانت قيادات الأحزاب اليمينية تجأر بأعلى الصوت احتجاجًا على ما تقول إنه اعتداء على حقوق الإنسان، وتطالب بالتصدي لما كانت ولا تزال تصفه بتكميم الأفواه، ووقف الإجراءات التي تصفها بـ«الديكتاتورية».
وفي هذا الصدد نذكر ما شهدته موسكو من حشد للجماهير التي خرجت إلى ساحة «بولوتنويه» غير بعيد عن الكرملين في نهاية عام 2011 تحت سمع وبصر الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف، وكذلك في مايو 2012 احتجاجًا على عودة بوتين إلى السلطة في الكرملين. وكانت هذه المظاهرات، ولا سيما التي نظمت في نهاية عام 2011، الأكبر في تاريخ المعارضة منذ تولي بوتين للسلطة في عام 2000، وهي مع ذلك لم تلق آذانًا صاغية كما يقال، لكنها أكدت بما لا يدع مجالا للشك مدى هشاشة مواقع المعارضة الروسية التي انفرط عقدها وتبعثرت وتحوّلت إلى ما يشبه «الدكاكين» التي تبيع الوهم. ومن ثم، عاد عدد من أقطاب رجال الأعمال السابقين ومنهم ميخائيل خودوركوفسكي، الملياردير الذي كان أفرج عنه بوتين بعد قضائه ما يزيد عن العشر سنوات في سجون روسيا في اتهامات جنائية واقتصادية ثمة من حاول التشكيك فيها، وإن كانت تتسم في بعض جوانبها بطابع سياسي. وكان خودوركوفسكي قد قال في تصريحات نشرتها جريدة «لوموند» الفرنسية إنه على استعداد لترشيح نفسه منافسًا لبوتين في الانتخابات الرئاسية المرتقبة، رغم يقينه من عبثية مثل هذا الطرح وانعدام جدواه، في توقيت تبدو فيه المعارضة اليمينية عاجزة حتى عن المنافسة على مستوى الانتخابات المحلية.

صراع بوتين مع اليمين
مع هذا، بدت المعارضة اليمينية وكأنها حسمت موقفها المناهض للرئيس فلاديمير بوتين، الذي ظهرت واضحة توجّهاته القومية المتشددة، ومناهضته السافرة للغرب وسياساته وإصراره على استعادة مواقع روسيا في الساحتين الإقليمية والدولية، ورفضه الصريح هيمنة عالم القطب الواحد على مدى كل سنوات ولايته الثانية التي كان اختتمها بخطابه الناري الشهير في مدينة ميونيخ الألمانية في «مؤتمر الأمن الأوروبي» في فبراير (شباط) 2007، الذي كشف فيه عن استراتيجية العمل وتوجهاته نحو مقارعة عالم القطب الواحد والاهتمام بإعادة بلاده إلى صدارة الساحة الدولية.
وهنا راحت رموز الأحزاب اليمينية من أمثال الزعيم الراحل بوريس نيمتسوف تتجرّأ في إظهار خصومتها للنظام وتتعمد الظهور مع أركان خصومه في الفضاء السوفياتي السابق، كما فعل نيمتسوف لدى انضمامه إلى «الثورة البرتقالية» في أوكرانيا وقبوله العمل مستشارًا للرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يوشينكو في عام 2004 وهو ما يرى المراقبون الروس أنه كان في صدارة أسباب تراجع مواقعه وحزبه في الساحة السياسية الروسية.
وثمّة ما يشير إلى أن ما فعله نيمتسوف - اغتيل في فبراير الماضي في موسكو - وصحبه من أمثال ميخائيل كاسيانوف، آخر رؤساء الحكومات الروسية في عهد يلتسين، وغاري كاسباروف بطل العالم الأسبق في الشطرنج والكسي نافالني ممّن كانوا يجاهرون في عدائهم لفلاديمير بوتين ويتعمدون انتقاده في المحافل الدولية والإقليمية، لم يعد يلقى قبول من بقي من أنصار وأعضاء حركاتهم وتنظيماتهم السياسية. وهذا ما يفسّر تحول بعض ممثلي الأحزاب اليمينية إلى تأييد قرار الرئيس الروسي حول ضم شبه جزيرة القرم واعتبار ذلك «مسألة» لا مراء فيها، فضلا عن أنه صار أمرًا واقعًا لا مجال لتغييره. ومن هؤلاء نشير إلى ممثلي ما يسمى اليوم بـ«المعارضة اليمينية غير الممنهجة» ومنهم خودوركوفسكي ونافالني، وإن كان ذلك عند البعض لا يمكن إلا أن يندرج تحت بند المداهنات والمناورات السياسية. في أي حال، لا يمكن أن يعني تراجع ممثلي «المعارضة غير الممنهجة» عن آمالهم في الإطاحة ببوتين، وهو الهدف الذي أعلنته صراحة الإدارة الأميركية مع بداية اندلاع الأزمة الأوكرانية. ولذا تشير مصادر في موسكو إلى «الاتصالات التي تتوالى بين ممثلي واشنطن والصناديق الغربية مع من بقي من أنصار اليمين الليبرالي في روسيا».
وكان بوتين، شخصيًا، حريصًا على «كشف» الكثير من خفايا وأسرار هذه الاتصالات فيما أوعز إلى مجلس «الدوما» باستصدار القرارات «المناسبة» لاعتبار «منظمات المجتمع المدني» التي يجرى تمويلها من الخارج، «هيئات أجنبية» وإطلاق تسمية «عميل أجنبي» على كل أعضاء هذه المنظمات والعاملين فيها، وهو ما أثار في حينه موجة احتجاجات واسعة شارك فيها الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف بوصفه رئيسًا لمؤسسة الأبحاث والدراسات الاستراتيجية التي تحمل اسمه في موسكو.
ورغم نزول الرئيس الروسي عن إصراره على هذا الموضوع، فإنه عاد أخيرًا في محاولة لمصالحة ممثلي منظمات حقوق الإنسان في روسيا، ليقول بإمكانية إعادة النظر في التسميات، وهو ما لا يمكن أن يكون في تناقض مع إصراره على التمسك بالجوهر.

«المعارضة المُستأنسة»
واتصالا بما سبق، واستئنافًا لاستعراض خارطة المعارضة في الساحة السياسية الروسية نتوقف لنشير إلى أن هناك ما يمكن تسميته بـ«المعارضة المُستأنسة» التي يحرص بوتين على أن تظل «رفيق طريق»، لا يمكن الاستغناء عنه في مواجهة «المعارضة اليمينية غير الممنهجة»، التي تضم بين صفوفها كل ما سبقت الإشارة إليها من أحزاب وقوى وتنظيمات يمينية ليبرالية مثل الأحزاب السياسية القديمة التي كانت ظهرت في تسعينات القرن الماضي مثل «اتحاد القوى اليمينية» الذي طالما ضم نجوم «الحركة الديمقراطية»، وغيره من الأحزاب التي راحت تظهر تباعًا خلال السنوات القليلة الماضية في شكل حركات وتنظيمات شبابية ونقابية وطلابية.
هذا، وكان حزب «اتحاد القوى اليمينية» الذي أسس في نهاية تسعينات القرن الماضي يضم كلا من «خيار روسيا الديمقراطي» برئاسة غايدار، و«القوى الجديدة» وهي الحركة المحافظة برئاسة سيرغي كيرينكو رئيس الحكومة الأسبق الذي انضم اليوم إلى فريق الرئيس بوتين كرئيس لمؤسسة الطاقة النووية، و«روسيا الفتية» بزعامة الراحل نيمتسوف، و«صوت روسيا» برئاسة قسطنطين تيتوف، و«القضية العامة» برئاسة إيرينا خاكامادا وغيرها من القوى السياسية المتناهية الصغر.
ومن الأحزاب اليمينية التي تحرص على المشاركة في كل الانتخابات التشريعية والنيابية من دون نتيجة تذكر حزب «بارناس» الذي يضم كلا من «الحزب الجمهوري» الذي يتزعمه كاسيانوف رئيس الحكومة الروسية الأسبق، وحزب «الإرادة الشعبية» الذي كان يترأسه نيمتسوف. ومن الأحزاب اليمينية أيضًا نشير إلى «حزب يابلوكو» الذي تخلى زعماؤه التاريخيون عن رئاسته ومنهم يافلينسكي ويوري بولدريف وفلاديمير لوكين، وحركة «التضامن» الديمقراطية التي تضم أيضًا ممثلي الأحزاب الأخرى بما فيها المشار إليها عاليه، وغيرها من الأحزاب التي لا يتجاوز عدد أعضائها بضع مئات وهو ما صار يسمح به القانون الروسي الجديد حول تنظيم الأحزاب والحركات السياسية.
أما قائمة الأحزاب المعارضة الأخرى الموالية للكرملين في غالبية توجهاته فيقف على رأسها وبطبيعة الحال «الحزب الشيوعي الروسي» (اليسار) بزعامة زيوغانوف، وحزب «روسيا العادلة» (يسار الوسط) بزعامة سيرغي ميرونوف، وحزب جيرينوفسكي (الليبرالي الديمقراطي)، وهي الأحزاب الثلاثة الوحيدة الممثلة في مجلس «الدوما»، والمحسوبة شكلاً على المعارضة في مواجهة الحزب الحاكم «الوحدة الروسية» بزعامة ديمتري ميدفيديف رئيس الحكومة الروسية الحالي. وبهذه المناسبة نشير إلى ما أعلن عنه بوتين في عام 2011 حول فكرة تشكيل «الجبهة الشعبية لعموم روسيا»، بديلا عن حزب «الوحدة الحاكم» الذي كان تعثر في الانتخابات البرلمانية الماضي وخشية مفاجآت قد تصادفه على طريق عودته للكرملين لولاية ثالثة. وآنذاك قال بوتين إن فكرته تقوم على أساس تجميع القوى السياسية المؤمنة بضرورة التنمية في إطار جبهة فوق حزبية. وتوجه بوتين إلى نشطاء حزب «الوحدة الروسية» باقتراح تشكيل هذه الجبهة على أساس الحزب الحاكم، شريطة أن تضم بين صفوفها غير الحزبيين من ممثلي القوى السياسية المختلفة. وإذ أكد بوتين ضرورة استناد التحالف المرتقب إلى مبادئ التكافؤ والمساواة قال إنه تعمد اختيار «الجبهة الشعبية لعموم روسيا» اسمًا للتحالف لإعلانه قبيل الاحتفال بـ«يوم النصر على الفاشية» من مدينة فولغاغراد - الاسم القديم لستالينغراد - التي سجلت نقطة التحول إلى تحقيق النصر على النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية. ولقد أثار تعمد بوتين لاختيار الزمان والمكان المرتبطين في وجدان شعبه مع أقوى لذكريات وأنصع صفحات التاريخ الكثير من الإيحاءات التي تقول إن تأسيس «الجبهة الشعبية» يعكس رغبته في تعويض قصور سياسات حزب الوحدة الروسية سعيًا نحو المزيد من الأنصار تأهبًا للانتخابات المرتقبة. وهو ما نجح «القيصر» في تحقيقه لتكون «الجبهة الشعبية لعموم روسيا» حصنًا قوميًا ووطنيًا جديدًا في مواجهة المعارضة اليمينية التي لا تزال تعاني حالة الشرذمة والتناحر.



فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.