جاستن ترودو.. يحول كندا يسارًا

الأربعيني الشاب أنهى 9 سنوات من حكم اليمين المتشدد

جاستن ترودو..  يحول كندا يسارًا
TT

جاستن ترودو.. يحول كندا يسارًا

جاستن ترودو..  يحول كندا يسارًا

«ترودو آخر» عاد لتولّي الحكم في كندا، بعد الانتخابات العامة التي أعلنت نتيجتها أمس، وأنهت فترة حزب المحافظين اليميني التي استمرت تسع سنوات برئاسة ستيفن هاربر. فخلال الساعات الماضية نجح جاستن ترودو، زعيم حزب الأحرار الوسطي الليبرالي ونجل بيار إيليوت ترودو رئيس الوزراء الأسبق، في قيادة حزبه إلى النصر بعد انتخابات حامية، ويبدو إنجاز ترودو أكثر إثارة إذا ما علمنا أن الأحرار خرجوا من الانتخابات السابقة بهزيمة مؤلمة وانتهوا في المرتبة الثالثة بعد المحافظين والديمقراطيين الجدد اليساريين.

تتمتع السياسة الكندية بديناميكية شبه استثنائية، إذ إنها لا تستقر على حال لفترة طويلة، وقد يكتسح أحد الأحزاب الكبرى المشهد السياسي في انتخابات ما، لكنه سرعان ما يتراجع بفارق كبير خلال بضعة سنوات. ولقد عاش هذا التذبذب في الجاذبية الجماهيرية الحزبان التاريخيان الكبيران حزب الأحرار وحزب المحافظين، الذي كان يعرف لفترة طويلة من تاريخه بحزب المحافظين التقدميين، قبل اندماجه بحزب التحالف اليميني ووصوله تحت قيادة رئيس الوزراء المهزوم ستيفن هاربر إلى الحكم عام 2006.
أيضًا برزت في كندا، الدولة الفيدرالية الشابة، خلال العقود الأخيرة عدة قوى «مصلحية» مؤثرة سياسية وقومية واقتصادية تفاوت نجاحاتها، وانعكست بعض هذه النجاحات في ولايات معينة، وبعضها امتدت عبر الولايات الكندية. كذلك تأثر المشهد السياسي الكندي عبر السنين والعقود بشخصيات «كاريزمية» تركت بصماتها على الثقافة السياسية في البلاد.
وتاريخيًا، كانت هناك دائمًا قوى انفصالية تعتز بهويتها ولغتها الفرنسية في ولاية كيبيك الكندية، وبالفعل برزت في كيبيك تنظيمات حزبية انفصالية - استقلالية مثل «الحزب الكيبيكي» و«الكتلة الكيبيكية»، ولمع فيها زعماء شعبويون بينهم رينيه ليفيك. كذلك كانت هناك أرضية صلبة للثقافة البريطانية عبر عنها لفترات طويلة حزب المحافظين التقدميين، الذي أعطى كندا عددًا من أبرز زعمائها. وفي ولايات الوسط الزراعية وكذلك في مدن ولاية أونتاريو، كبرى ولايات البلاد من حيث عدد السكان، قويت شوكة اليسار ممثلاً بالحزب الديمقراطي الجديد (الديمقراطيون الجدد)، وامتد نفوذ هؤلاء إلى ولايات أخرى. وفي ولاية ألبرتا الغنية بالنفط في وجارتها الأكبر بريتيش كولومبيا في غرب كندا، ظهرت قوى «اليمين الجديد»، وكان أبرزها حزب الإصلاح (1987 – 2000) الذي ورثه «التحالف الكندي» (2000 – 2003)، والذي من ثم انتهى في اندماج يميني بحزب المحافظين التقدميين العريق ينتج عن الاندماج حزب المحافظين الحالي.
وسط هذا المشهد كان هناك حزب واحد جسّد دائمًا الوحدة الوطنية الكندية، اعتز طويلاً بهويته السياسية والثقافية العابرة للحواجز العرقية واللغوية والطبقية والجغرافية هو حزب الأحرار.
هذا الحزب تنظيم ليبرالي منفتح كان دائمًا مؤمنًا بهوية جامعة لكندا، التي إحدى أكثر دول العالم تنوعًا. وبفضل هويته الجامعة اعتمد دائمًا على نوبات التسامح والهدوء لتحقيق انتصارات كبيرة في كيبيك على الانفصاليين، ومن ثم، البناء على نهج الاعتدال لاجتذاب الأصوات من مختلف المكوّنات الكندية. وحقًا، خلال العقود الأخيرة تولى رئاسة وزراء كندا اثنان من زعماء حزب الأحرار يتحدّران من أصول فرنسية، الأول هو بيار إيليوت ترودو - أبو رئيس الوزراء الجديد - الذي حكم البلاد مرتين بين 1968 و1979 ثم بين 1980 و1984، والثاني جان كريتيان الذي حكم بين 1993 و2003 لمدة عشر سنوات متتالية.
يوم أمس أعاد جاستن ترودو حزب الأحرار إلى السلطة، مؤسسًا سلالة سياسية لكندا هي «سلالة ترودو».. معيدًا إلى الأذهان «السلالات السياسية» في الولايات المتحدة جارة كندا الكبيرة إلى الجنوب، مثل آل آدامز وآل تافت وآل كيندي وآل بوش.. وربما آل كلينتون في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.

* من هو جاستن ترودو؟

ولد جاستن بيار جيمس ترودو، الابن الأكبر لبيار إيليوت ترودو، يوم 25 ديسمبر (كانون الأول) 1971 في العاصمة الكندية أوتاوا عندما كان أبوه يشغل منصب رئيس الوزراء. أما أمه فهي مارغريت جوان سنكلير ترودو، وهي ابنة وزير سابق وممثلة ومصوّرة فوتوغرافية وإعلامية مثيرة للجدل، طلقت من أبيه عام 1977 وسط عاصفة من اللغط الإعلامي.
بعد الطلاق تربّى جاستن في عهد أبيه بمدينة مونتريال، حيث درس في كلية جان دو بريبوف الكلية الراقية التي درس فيها أبوه. ولمع نجمه على مستوى كندا عندما ألقى كلمة التأبين بعد وفاة أبيه عام 2000 في المأتم الرسمي الكبير.
وتابع جاستن دراسته العليا فتخرج في جامعة ماكغيل العريقة بمدينة مونتريال حاملاً بكالوريوس في الآداب، وأتبعها ببكالوريوس في التربية من جامعة بريتيش كولمبيا. وبعدها امتهن تعليم اللغة الفرنسية والرياضيات. ثم درس الهندسة في معهد مونتريال البوليتكنيكي التابع لجامعة مونتريال، قبل أن يعود لجامعة ماكغيل ليحضر للماجستير في الجغرافيا. لكن مسيرته الأكاديمية توقفت عندما قرر صرف النظر عن متابعة الماجستير واقتحام الحلبة السياسية.

* طريق السياسة

ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2006 هاجم بقوة «نزعة القومية الكيبيكية»، معتبرًا أن القومية عمومًا فكرة قليلة الفطنة تعود إلى القرن التاسع عشر». ورأى مراقبون هذا الموقف غمزًا من قناة مايكل إيغناتييف، القيادي في حزب الأحرار يومذاك، وكان إيغناتييف - وهو مثقف وإعلامي وباحث لامع - قد ألمح لتأييده الاعتراف بكيبيك ككيان له هويته القومية. ومن ثم أعلن ترودو دعمه لجيرارد كيندي في انتخابات زعامة الحزب، وعندما خرج كيندي من الانتخابات حول تأييده للمرشح ستيفان ديون الذي فاز على الأثر بالزعامة.
وعام 2007 ترشح ترودو للانتخابات العامة عن منطقة بابينو، في مدينة مونتريال، وفاز بالمقعد ودخل البرلمان، مع العلم أن حزبه خسر الانتخابات أمام المحافظين.
ثم في انتخابات عام 2011، فاز ترودو مجددًا ونجح في الاحتفاظ بمقعده في بابينو، بينما تراجع حزبه على المستوى الوطني إلى المرتبة الثالثة برصيد 34 مقعدًا فقط، وقفز الحزب الديمقراطي الجديد اليساري إلى المرتبة الثانية خلف المحافظين. وفي ضوء هذه النكسة الكبرى للأحرار استقال إيغناتييف من زعامة الحزب (كان قد خلف ستيفان ديون عام 2008). ومع توقع كثيرين ترشيح ترودو لزعامة الحزب فضل السياسي الشاب التريث وتولى الزعامة بصفة مؤقتًا رئيس وزراء ولاية أونتاريو السابق بوب راي حتى 2013. هنا تجدر الإشارة إلى أن اسم ترودو كان قد طرح كمرشح لزعامة الحزب عام 2008 عندما استقال ديون بعد إخفاقه في التغلب عن رئيس الوزراء المحافظ هاربر، وكانت استطلاعات الرأي كلها مشجعة، وتشير إلى أن فرصه بالفوز طيبة جدًا، كيف لا وهو الشاب الجذاب وابن أحد أكثر زعماء كندا شعبية وجماهيرية. غير أن ترودو شعر أن الفرصة غير مواتية حينذاك، مفضلاً الانتظار، وبالفعل خلت الساحة لإيغناتييف فانتخب للمنصب.
غير أن الهزيمة المزلزلة التي مني بها الحزب تحت قيادة إيغناتييف، ونجاح هاربر مرة أخرى بالاحتفاظ بالحكم، دفع الحزب للبحث عن منقذ بقدر بحثه عن زعيم. ومجددًا أجل ترودو دخوله الحلبة متذرعًا بظروفه العائلية الخاصة، واستقر الرأي في الحزب على رئيس انتقالي، فاختير بوب راي.
ولكن مع تأكيد استطلاعات الرأي أنه سيكون بمقدور ترودو قيادة الحزب إلى الفوز إذا وافق على تولي دفة القيادة، أعلن ترودو في صيف 2012 أنه «مستعد للتفكير بالأمر». وفي خريف 2012 أخذ الإعلام الكندي يتحدث عن أنه سيطلق حملته قريبًا.
ومن ثم، في أبريل (نيسان) 2013 فاز ترودو بزعامة الحزب متغلبًا بفارق كبير حاصلاً على أكثر من 80 في المائة من الأصوات. ومنذ ذلك اليوم بدأ مشوار المعركة الانتخابية التي أجريت يوم أول من أمس ضد هاربر، وانتهت بانتصار كبير ومهم على أحد أكثر ساسة كندا تشددًا يمينيًا.

* عائلته الصغيرة

عام 2005 تزوج جاستن ترودو من صوفي غريغوار، وهي صديقته منذ أيام الطفولة وزاملت شقيقه الأصغر ميشال في المدرسة.
ثم التقى جاستن وصوفي عام 2003 عندما كانت صوفي شخصية تلفزيونية في كيبيك وهو ناشط وباحث. وتوثقت العلاقات من جديد، وتزوجا في مراسم كاثوليكية عام 2005. واليوم تضم عائلتهما ولدين هما غزافييه وهدريان، وبنتًا اسمها إيللا غريس.

* رؤساء وزراء كندا منذ الحرب العالمية الثانية

* ويليام ليون ماكنزي كينغ (حر): 1935 – 1948
* لوي سان لوران (حر): 1948 – 1957
* جون ديفنبيكر (محافظ): 1957 – 1963
* ليستر بيرسون (حر): 1963 – 1968
* بيار إيليوت ترودو (حر): 1968 – 1979
* جو كلارك (محافظ): 1979 – 1980
* بيار إيليوت ترودو (حر): 1980 - 1984
* جون تيرنر (حر): 1984 - 1984
* بريان ملروني (محافظ): 1984 - 1993
* كيم كامبل (محافظة): 1993 - 1993
* جان كريتيان (حر): 1993 - 2003
* بول مارتن (حر): 2003 - 2006
* ستيفن هاربر (محافظ): 2006 - 2015
* جاستن ترودو (حر): 2015 - ....



موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
TT

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ مستوياتها منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي السابق، وجرى تقويض كل قنوات الاتصال السياسية والدبلوماسية والأمنية. وحتى «الخط الساخن» الذي طالما عوّل عليه البلدان لمواجهة الظروف الطارئة وتجنّب الانزلاق إلى احتكاكات مقصودة أو غير مقصودة، جرى تجميده كلياً. كانت تلك، وفقاً لمسؤولين روس، أسوأ أربع سنوات في العلاقات، ولقد تحوّلت فيها الولايات المتحدة إلى خصم مباشر، و«شريك رئيس في الحرب الهجينة ضد روسيا». ولم ينعكس التدهور فقط في ملفات أوكرانيا والأمن الاستراتيجي والوضع في أوروبا - وهي القضايا المركزية التي تشغل بال الكرملين - بل أيضاً امتد في تأثيره بعيداً عن الجغرافيا الحيوية لروسيا... ليصل إلى الملفات الإقليمية الساخنة في الشرق الأوسط التي شهدت تصعيداً متواصلاً فاقم تأجيج الأزمة في العلاقات.

بمجرد اتضاح نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، بدأ محللون روس في وضع «سيناريوهات» للتقارب مع الإدارة الجمهورية الجديدة في واشنطن. ولطالما كان ينظر في موسكو للرئيس المنتخب دونالد ترمب على أنه «قادر على إعادة تشغيل العلاقات مع موسكو»، والتوصل إلى تسويات أو «صفقات» حول القضايا الأكثر خلافية.

بيد أن الكرملين كان قد خاض تجربة مريرة مع ولاية ترمب الأولى، عندما بدا الرئيس - المتهم بالتعاون سرّاً مع روسيا - عاجزاً عن مواجهة تركة باراك أوباما الثقيلة في العلاقة مع موسكو. لذلك لم ينجح التفاؤل الروسي في حينه، ولا الخطوات المحدودة التي انتهجها ترمب في تحسين العلاقات جدياً، ووضع «سيناريوهات» للتعاون في ملفات دولية أو إقليمية. بل بالعكس من ذلك، فقد واجهت روسيا في ولاية ترمب السابقة أضخم رُزم عقوبات فرضتها واشنطن. ومن ناحية ثانية، فشل الطرفان أيضاً في تحسين شروط التعاون حيال ملفات إقليمية مهمة، فتدهور الوضع حول إيران بعد انسحاب ترمب من الاتفاقية النووية، وتراجع الأخير عن تنفيذ تعهد الانسحاب من سوريا.

ثلاثة أفخاخ

بناءً عليه، بدت موسكو أكثر حذراً هذه المرة وهي تستقبل أنباء فوز ترمب الساحق. وحقاً، تجنّبت تعليق آمال جدية، بانتظار ما ستقدم عليه الإدارة الجديدة من خطوات عملية فور تسلم الرئيس منصبه رسمياً في يناير (كانون الثاني) المقبل.

لكن هذا لم يمنع التوقّعات المتشائمة، التي غلبت على العلاقة، من البروز بشكل مباشر أو غير مباشر. والحال أن موسكو تبدو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة. وفي هذا الإطار، أجمل أليكسي بوشكوف، عضو مجلس الشيوخ الروسي وأحد خبراء السياسة المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، المأزق الذي يواجه ترمب بأنه يشتمل على «ثلاثة أفخاخ صعبة».

الفخ الأول، بطبيعة الحال، هو ملف أوكرانيا: فلقد استثمرت الولايات المتحدة بالفعل الكثير في أوكرانيا لدرجة أنها ما عادت تعرف كيفية الخروج من هذه الأزمة. وهنا لا تتوقف موسكو كثيراً عند الوعود الانتخابية لترمب بإنهاء الحرب في 24 ساعة. ويتساءل بوشكوف: «هل ستتخلى واشنطن عنها مثل أفغانستان؟ لم يعد يمكنها ذلك». أو تكمل ما بدأته الإدارة الديمقراطية؟ عندها... وكما حذّر ترمب بحق، فإن هذا قد يؤدي إلى صراع نووي مع روسيا. تدرك موسكو حجم الصعوبات التي تواجه ترمب في هذا الملف.

أما الفخ الثاني، فهو شرق أوسطي. وهنا - حسب بوشكوف - «لا يمكن لترمب التراجع عن دعم إسرائيل بسبب وجود لوبي قوي جدّاً مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. لكنه لا يستطيع دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً في كل ما يفعله، لأن هذا يضرّ بمكانة الولايات المتحدة في العالم العربي (...) ولأن المخطط الأميركي لمصالحة إسرائيل مع جيرانها ما زال موضع شك. لقد حاولت الولايات المتحدة إخراج إسرائيل من عزلتها في المنطقة... لكن هذا المدخل لم يعد يعمل. وعلاوة على ذلك: يُصرّ العالم العربي على إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما ترفضه إسرائيل بشكل قاطع. إذن فهذا أيضًاً فخ».

وأما الفخ الثالث فهو تايوان. ووفقاً لبوشكوف: «من الممكن أن تصبح قضية تايوان فخاً كبيراً للولايات المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستدعم أوروبا الأميركيين إذا دخلت الولايات المتحدة في صراع مع الصين؟ لقد قوّضت أوروبا نفسها اقتصادياً بشدة بالفعل بسبب انفصالها عن روسيا. وإذا فتحت أيضاً معركة مع الصين، التي يبلغ حجم تجارة الاتحاد الأوروبي معها تريليون دولار أميركي، فمن المرجح أن ينهار الاقتصاد الأوروبي ببساطة».

قنابل موقوتة

السياسي الروسي يرى أن «الأفخاخ الثلاثة» تمثل قنابل موقوتة بالنسبة إلى دونالد ترمب... مهما كانت طبيعة التركيبة النهائية لفريقه الرئاسي، أو خطواته الأولى على صعيد السياسة الخارجية.

فضلاً عن ذلك، يرى بوشكوف، أن ترمب الذي تعهد بإيلاء القدر الأكبر من الاهتمام للإصلاح الداخلي، سيواجه صعوبة كبرى في إيجاد توازن بين الانكفاء إلى الداخل من أجل تحسين الأداء الاقتصادي ومواجهة الهجرة و«إعادة أميركا عظيمة» بقدراتها واقتصادها ومستوى المعيشة لشعبها، وبين العمل بسرعة لتنفيذ وعود انتخابية بإنهاء حروب وتقليص التوتر في أزمات خارجية. ويضيف متسائلاً: «كيف يمكن أن تكون أميركا عظيمة مجدّداً... وهي تنكفئ في السياسة الدولية؟».

تبدو موسكو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز

التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة

تباين حيال التسوية في الشرق الأوسط

لا يبدو أن موسكو تثق كثيراً بقدرة ترمب على لعب دور نشط لإنهاء الحرب على غزة ولبنان، ودفع الإسرائيليين إلى التوصّل لحلول سياسية تعيد الهدوء - ولو نسبياً - إلى الشرق الأوسط.

وهنا، يذكر خبراء أن المدخل الأميركي السابق قام على أساس تعزيز اتفاقات تطبيع وفرض سلام من نوع خاص، لا يؤدي إلى تسوية سياسية حقيقية تنهي العنف في المنطقة وتنزع ذرائعه.

وترمب نفسه أعرب خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى عن نيته التوسط في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه أظهر لاحقاً التقارب مع إسرائيل من أجل كسب دعم المانحين الرئيسيين والناخبين الرئيسيين، وخاصة الصهاينة المسيحيين الإيفانجيليين.

بحسب خبراء، هذا الموقف يتوافق مع النهج القائل: «أميركا تفعل ما تريد، وبالتالي أصدقاء أميركا يفعلون ما يريدون». مع الإشارة هنا إلى أن هذا النهج المائل إلى عقد «صفقات» ينصّ على «امتيازات خاصة للحلفاء كدفعة مقابل الأمن». غير أن موسكو ليست مقتنعة بأن هذا المدخل سيعزّز طريق الحلول النهائية للمنطقة.

ومقابل القناعة الروسية بالعودة إلى الآليات التي توافر عليها نوعٌ من الإجماع الدولي، كإحياء «الرباعية الدولية» وتوسيعها بضم بعض الأطراف الإقليمية المهمة (المملكة العربية السعودية ومصر وجامعة الدول العربية)، وأيضاً العودة إلى مبادئ التسوية القائمة على أساس رفض التوسّع الجغرافي للاحتلال، وإعلاء «مبدأ حل الدولتين» ووضع خرائط طريق جديدة بينها «المبادرة العربية للسلام»، فإن مدخل ترمب يقوم على عقد صفقات سريعة للتهدئة، وترك المناطق أمام «برميل بارود» قابل للانفجار مجدداً في أي وقت.

في هذا الإطار لا يتوقّع خبراء روس أن تكون التسوية في الشرق الأوسط بين أولويات الحوار المنتظر مع الإدارة الأميركية الجديدة، بالنظر إلى أن هذا الموضوع فيه تباعد واسع في وجهات النظر، ولا يدخل ضمن الملفات التي قد يكون بوسع الطرفين التوصل إلى صفقات حولها.

وفي الوقت ذاته، ترى موسكو - وفقاً لتحركات محدَّدة برزت في سوريا، ومن خلال حوارات مكثفة أجريت غالباً خلف أبواب مغلقة مع الجانب الإسرائيلي - أن بوسعها لعب دور أساسي في تأكيد دورها بضمان أمن إسرائيل من جهة سوريا وإيران مستقبلاً. وهو ما يعني أن هذا الموضوع قد يكون جزئياً على طاولة حوار روسي - أميركي في وقت لاحق.

تأهب للحوار حول سوريا

في هذه الأثناء، لدى الأوساط الروسية نظرة إيجابية، ولكن حذرة، بشأن احتمالات سحب ترمب القوات الأميركية من سوريا إبان ولاية ترمب الجديدة.

موسكو تتذكر الإرادة الأميركية في الانسحاب من سوريا إبان ولاية ترمب السابقة، لكن يومذاك كان التهديد الإرهابي ما زال نشطاً، والخطوط الفاصلة ومناطق النفوذ لم تكن قد تبلورت بشكل شبه نهائي. لذا يرى خبراء روس أن ترمب عندما يتكلّم عن سحب القوات حالياً فهو ينطلق من واقع ميداني وسياسي جديد. وبالتالي، سيكون حذراً للغاية عند مناقشة هذه المشكلة مجدداً.

أيضاً، ونظراً لوعود ترمب الانتخابية المتكررة، يُرجح أن ترغب واشنطن في سحب قواتها من سوريا، لكن لا يبدو لموسكو أن هذه القضية ستكون مُدرجة على جدول الأعمال ضمن أولويات التحرك الأميركي حالياً.

لقد قوبلت خطط ترمب لسحب القوات في السابق بمقاومة مفتوحة، خاصة من «القيادة الوسطى» الأميركية وشخصيات، مثل بريت ماكغورك، الذي عمل مبعوثاً خاصاً لمكافحة «داعش» حتى أواخر عام 2018، واستقال قبل شهرين من انتهاء فترة ولايته، مباشرة بعد قرار إدارة ترمب سحب القوات من سوريا في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018. بعدها عيّن جو بايدن، الرئيس الأميركي المنتخب، عام 2020، ماكغورك منسقاً لمجلس الأمن القومي الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واكتسبت سياسة واشنطن في سوريا لدعم حزب العمال الكردستاني «وحدات حماية الشعب» زخماً.

حالياً يعود الملف إلى دائرة النقاش، ولقد برز بشكل واضح خلال اجتماعات «جولة آستانة للحوار» التي انعقدت أخيراً. وأكد المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف إلى سوريا في ختام الاجتماعات أن موسكو منفتحة على الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة فور تشكيلها، لبحث الملفات المتعلقة بسوريا. وقال الدبلوماسي الروسي: «إذا كانت هناك مقترحات، فإن الجانب الروسي منفتح، ونحن على استعداد لمواصلة الاتصالات مع الأميركيين».

وفي هذا المجال، تنطلق موسكو من قناعة بأنه لا يمكن التوصل إلى بعض الحلول الوسط إلا من خلال المفاوضات المباشرة. وهي هنا مستعدة للاستماع إلى وجهات النظر الأخرى، وربما تقديم بعض الضمانات التي تحتاج إليها واشنطن لتسريع عملية الانسحاب ودعم التسوية في سوريا برعاية روسية تضمن مصالح الأخيرة.