شبان ما بعد «أوسلو» لا يثقون بالسلام ويقودون انتفاضة جديدة

تحركهم بلا قيادة وفصائل يثير الشكوك حول إمكانية استمرارهم

طلاب فلسطينيون جامعيون يقذفون حجارة باتجاه مستوطنة بيت حاغاي عند المدخل الجنوبي للخليل بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
طلاب فلسطينيون جامعيون يقذفون حجارة باتجاه مستوطنة بيت حاغاي عند المدخل الجنوبي للخليل بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

شبان ما بعد «أوسلو» لا يثقون بالسلام ويقودون انتفاضة جديدة

طلاب فلسطينيون جامعيون يقذفون حجارة باتجاه مستوطنة بيت حاغاي عند المدخل الجنوبي للخليل بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
طلاب فلسطينيون جامعيون يقذفون حجارة باتجاه مستوطنة بيت حاغاي عند المدخل الجنوبي للخليل بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

لا يترك عبد الرحمن (15 عامًا) أبدًا ساحة الاشتباكات على مدخل بيت لحم الشمالي، منذ بدأت الهبة الجماهيرية الحالية بداية الشهر الحالي، ومعه عشرات الشبان من نفس الجيل الذي ولد بعد اتفاق أوسلو، وشهدت الجدران الإسرائيلية العازلة والعنصرية تحول حياتهم في مدن صغيرة إلى سجن كبير.
وقال عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»: «ننتظر هذه المواجهات منذ فترة طويلة. الإسرائيليون تعودوا على قتلنا وذبحنا وإهانة الأقصى من دون أن يخافوا من شيء. كان يجب أن يفهموا أن لكل فعل ردة فعل».
ويلقي عبد الرحمن الحجارة وزجاجات حارقة على الجنود الذين يردون بالرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز تجاه المتظاهرين.
ولم تستطع قوة النار التي لجأ إليها الإسرائيليون خلال الأسابيع الماضية من ردع عبد الرحمن ورفاقه.
وقتلت إسرائيل خلال أسبوعين فلسطينيين اثنين في بيت لحم هما عبد الرحمن عبيد الله (13 عامًا) ومعتز زواهرة (26 عامًا). وزواهرة أحد أكبر الشبان الذين قضوا من بين 42 في الضفة وغزة، مما يعطي مؤشرًا واضحًا على أعمار الشبان الذين يقاتلون في ساحات المواجهات.
ومنذ انطلاق الانتفاضة الحالية، ظهر مئات من طلاب الجامعات شبان وشابات كقادة لها. وخرج من الجامعات أهم منفذي عمليات الطعن ضد الإسرائيليين في القدس وفي الضفة الغربية.
ويتجمع شبان جامعة بير زيت يوميًا وآخرون من أبو ديس والنجاح ويتحركون باتجاه نقاط التماس من دون أن توجههم الفصائل الفلسطينية.
وقالت لمى لـ«الشرق الأوسط»: «لا ننتظر أن يوجهنا أحد». وأضافت: «نحن كبرنا مع احتلال جاثم على صدورنا وجدران تحيط بنا من كل مكان واستيطان وقتل وتهويد ومحاولات للسيطرة على الأقصى».
وتابعت: «كل ذلك وقيادتنا تعدنا بدولة وسلام وأمن. إنهم (الإسرائيليون) لا يفهمون سوى هذه اللغة».
ويؤمن كثير من هؤلاء الشبان الذين ولدوا بعد اتفاق أوسلو، بأن صنع السلام مع إسرائيل مسألة مستحيلة أو بعيدة المنال على الرغم مما تقدمه القيادة الفلسطينية بهذا الصدد.
وكتب أفي سسخاروف، محلل شؤون الشرق الأوسط في «تايمز أوف» العبرية: «إن جيل انتفاضة السكاكين أو الهبة، يلقب في المجتمع الفلسطيني بـ(أطفال أوسلو). ولُدوا بعد اتفاق أوسلو عام 1993 وبعد تأسيس السلطة الفلسطينية. سمعوا عن الاحتلال الإسرائيلي بنمطه القديم، ولكنهم لا يدركون معناه تمامًا. السلطة الفلسطينية بالنسبة لهم هي السلطة منذ لحظة ولادتهم ولكنهم ينظرون إليها بتشكك. في عملية الجدار الواقي، كان معظمهم أطفالاً صغارًا، وجزءًا منهم لم يولد بعد. إنهم مدمنون على الإنترنت وبالطبع الـ«فيسبوك»، وبالنسبة لهم فإن وسائل الإعلام الرسمية التابعة للسلطة هي من عصر التسعينات. ويتناقلون بين بعضهم البعض أشرطة فيديو ورسائل عبر الـ«واتساب» وتطبيقات أخرى، وهكذا يكوّنون شبكة اتصالات وأخبارًا خاصة بهم».
ويبدو أن الجيل الذي تلقى وعودًا كثيرة عن الدولة والسلام والأمن، ملّ من هذا الخط، كما ملّ من الفصائل التي لم تظهر في صورة الأحداث كما كان متوقعًا.
وبخلاف الانتفاضتين؛ الأولى والثانية، لا يوجد قيادة لهذه الانتفاضة.
وكتب المحلل السياسي هاني المصري «صحيح أن التلقائية التي تميّز (الموجة الانتفاضية) حتى الآن هي مثل أي حركة عفوية جنينية، لذا يمكن أن تكون المرحلة الأولى على طريق بلورة وعي و(بروفة) لاندلاع انتفاضة شاملة، قادرة على الانتصار إذا حددت أهدافها، وصاغت الشعار الرئيسي لها، وأنتجت قيادة موحدة قادرة على جمع الشعب خلفها».
ودعا مسؤولون إلى قيادة وطنية موحدة لهذه الانتفاضة لكن الفصائل لم تتفق على ذلك.
وانتقد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي غياب الفصائل التي حرص كذلك منفذو العمليات على ألا تتبناهم أبدًا، في مؤشر على توجه جديد.
وترك بهاء عليان (22 عامًا) الذي نفذ عملية في إحدى حافلات المستوطنين، بمستوطنة «أرمون نتسيف»، وصية بألا يتبناه أي فصيل.
وقال عليان في وصيته بأنه لا يريد أن تتبناه الفصائل، ولا أن توضع له بوسترات، وألا يتم التعامل معه كرقم من الأرقام.
وعليان نموذج للشباب الجديد المثقف الذي يعي ما يفعل على الأرض.
وكان عليان دخل موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية بعد أن نفذ أطول سلسلة قراءة بشرية حول أسوار القدس العتيقة.
وليس سرًا أن كثيرًا من الشبان الذين يشاركون في المواجهات مثقفون وفنانون ومسرحيون وناشطون في مجالات الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، ولا يؤمنون بالفصائل.
ويخشى كثيرون أنه من دون قيادة الفصائل لهذه الانتفاضة لن تستمر.
وفي الانتفاضة الأولى عام 1987، قادها ما يعرف «ق. و. م» (القيادة الوطنية الموحدة) التابعة لمنظمة التحرير، وفي الثانية عام 2000، دخلت الفصائل بقوة على الخط بما فيها الإسلامية.
وقال المحلل العسكري يوسف الشرقاوي، لـ«الشرق الأوسط»: «أخشى من قصور ذاتي». وأضاف: «الأخطر الآن هو غياب قيادة ميدانية تعمل على ترشيد فعلهم اليومي وتوظيفه لرسم أفق واعد».
وتابع أن «الخوف من أنها تجهض تلقائيًا وتكسر شوكتها بفعل عدم وجود هدف جامع لها، وعدم وجود قيادة ميدانية تجدول لها يومياتها، ولو أننا أظهرنا اطمئنانًا بأن الانتفاضة هي التي تفرز قيادتها من وحي عملها اليومي الميداني».



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.