موسكو تصنع محمية {علوية} غرب سوريا

مستغلّة فراغ ما قبل مجيء إدارة أميركية جديدة

صورة من موقع وزارة الدفاع الروسية لقاذفة من طراز سوخوي 34 عقب هبوطها في مطار قاعدة حميميم السورية عقب الانتهاء من ضرباتها في الداخل السوري ضد مواقع المعارضة (أ.ب)
صورة من موقع وزارة الدفاع الروسية لقاذفة من طراز سوخوي 34 عقب هبوطها في مطار قاعدة حميميم السورية عقب الانتهاء من ضرباتها في الداخل السوري ضد مواقع المعارضة (أ.ب)
TT

موسكو تصنع محمية {علوية} غرب سوريا

صورة من موقع وزارة الدفاع الروسية لقاذفة من طراز سوخوي 34 عقب هبوطها في مطار قاعدة حميميم السورية عقب الانتهاء من ضرباتها في الداخل السوري ضد مواقع المعارضة (أ.ب)
صورة من موقع وزارة الدفاع الروسية لقاذفة من طراز سوخوي 34 عقب هبوطها في مطار قاعدة حميميم السورية عقب الانتهاء من ضرباتها في الداخل السوري ضد مواقع المعارضة (أ.ب)

مع التدخل الروسي في سوريا، اتخذت الحرب الدائرة بُعدا طائفيًا متزايدًا بحيث بات المشهد الطاغي على الصراع اليوم يضع النظام العلوي للرئيس بشار الأسد المدعوم من قبل الميليشيات الشيعية وإيران في مواجهة الحراك الشعبي السنّي. وسرعان ما شرعت القيادات المتطرّفة تناشد المسلمين واصفة الصراع بأنه «حرب مقدسة» أخرى تُخاض هذه المرة ضد «العدو الشرقي»، في الوقت الذي ليس من الخفي على أحد أن مصالح روسيا في سوريا تبعد كل البعد عن الأسباب الدينية، لا بل تتخذ طابعًا استراتيجيًا بحتًا.
إبان الضربات الروسية على مناطق شمال سوريا وشرقها وغربها، دعا قادة كل من «داعش» وجبهة النصرة إلى الجهاد ضد «الغزو الروسي». وفي تسجيل نشر على الإنترنت، قال أبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم داعش المتطرف «سنهزم روسيا»، داعيا المسلمين في العالم كله إلى إطلاق الجهاد ضد «الروس والأميركان» بحجة أنهم يشنون «حربًا صليبية ضد المسلمين».
من جانبه، هدّد أبو محمد الجولاني زعيم جماعة جبهة النصرة موسكو أيضًا، متوعدًا بأن الحرب الجوية الروسية ستكون لها عواقب كبيرة، ومناشدا جميع الجماعات المسلحة تنحية خلافاتها جانبًا والوقوف متحدين ضد التدخل الغربي. كذلك حث الجولاني - في كلمة له بثت على شبكة الإنترنت - على تصعيد الهجمات على معاقل الأقلية العلوية التي ينتمي إليها بشار الأسد، في شمال غربي سوريا، ردًا على ما وصفه بإقدام «الغزاة» الروس على قتل السنّة. ورأى الجولاني أن الهجمات الروسية الأخيرة على الأراضي السورية هي إعلان للفشل الإيراني وحزب الله والميليشيات التي ساعدت نظام الأسد. وقال الجولاني في تهديده إن الحرب على سوريا جعلت الروس ينسون الرعب الذي شهدوه في أفغانستان، في إشارة إلى المحاولات السوفياتية في إخضاع أفغانستان خلال ثمانينات القرن الماضي.
وفي الجانب المقابل، أوردت وكالة «تسنيم» الإيرانية للأنباء أن ضابطين كبيرين من «الحرس الثوري» الإيراني، هما الجنرال فرشاد حسوني زاده والعميد حميد مختار بند قتلا في المعارك الدائرة على جبهات سوريا، بينما كانا يقاتلان مسلحي تنظيم داعش، وذلك قبل الهجوم المزمع لقوات النظام وداعميه على مدينة حلب بدعم من طهران وروسيا. وكان قيادي كبير آخر من الحرس الثوري الإيراني هو الجنرال حسين همداني، قد قتل من قبل في معارك داخل سوريا، ويعد همداني من مؤسسي قوات الدفاع الوطني الموالية للنظام، ولقد شارك في 80 عملية في سوريا قبل أن يقتل فيها.
ويضاف إلى ما سبق أن مسؤولين إقليميين كبيرين صرّحا لوكالة «رويترز» بأن إيران أرسلت آلاف الجنود إلى سوريا خلال الأيام القليلة الماضية لتعزيز الهجوم البرّي المرتقب لقوات النظام في حلب ومن المقرّر أن تدعمه غارات جوية روسية. وعليه، بات من شبه المؤكد أن يؤجج انتشار هذه القوات الحرب الأهلية في سوريا التي أودت حتى الآن بحياة أكثر بكثير من 250 ألف شخص وتشريد نصف سكان البلاد. ويذكر أن روسيا أعلنت بدء عملياتها العسكرية في سوريا منذ 30 سبتمبر (أيلول) الماضي زاعمة تنفيذها غارات جوية على مواقع لتنظيم داعش وكذلك «الحركات الإرهابية» الأخرى – كما تدّعي – داخل الأراضي السورية، في وقت تقول المعارضة السورية، إن الغارات الجوية إنما استهدفت قوات مناوئة لنظام الأسد وليس الجماعات الإرهابية.
وعليه اعتبر الشيخ حسن دغيم، الخبير في الحركات المتشددة خلال مقابلة مع «الشرق الأوسط» من مدينة الريحانية التركية الحدودية أن الضربات الروسية لا شك ستؤجج التطرف على الساحة السورية، وستزيد تجنيد الشباب من الخارج ضمن الفصائل المتطرّفة، ولا سيما أن هذه الضربات الروسية تستهدف المدنيين والجيش السوري الحر والمؤسسات المدنية وليس «النصرة» و«داعش».
ومن جهته، قال فابريس بلانش، الخبير في الأمور السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في مقابلة مع «الشرق الأوسط» إن «الروس يعدون للبقاء في سوريا بطريقة دائمة. إنهم يريدون توسيع قاعدتهم البحرية في طرطوس واستعادة قاعدة الغواصات في جبلة (30 كم جنوب اللاذقية). وليس من المستبعد أن يتوسّعوا في محيط مطار اللاذقية لأغراض عسكرية». وأردف بلانش «الهدف الأول لموسكو هو تحويل المنطقة العلوية بحكم الأمر الواقع إلى منطقة خاضعة للنفوذ الروسي، وفي حال خسر بشار الأسد السلطة في دمشق، لا شك ستصبح هذه المنطقة (محمية روسية) مثل أبخازيا أو أوسيتيا الجنوبية، لأنه من غير المعقول أن يقبل العلويون بالعيش تحت حكم السنّة. وأما الهدف الثاني، للرئيس فلاديمير بوتين فهو إنقاذ الجندي بشار، والسماح له بالبقاء في السلطة، والسيطرة على الأقل على الجزء الغربي من سوريا، بما في ذلك حلب».
واستطرد الباحث في معهد واشنطن موضحا... لذلك يعمل الروس على مساعدة بشار الأسد للحفاظ على سيطرته على المدن الكبرى في الغرب (مثل درعا ودمشق وحمص وحماه وحلب). ولهذا السبب لم تستهدف الضربات الروسية الأولى «داعش» بل الجماعات الأخرى، بما فيها جبهة النصرة التي تعتبر الفرع السوري لتنظيم القاعدة والتي تتمركز على مقربة من هذه المدن الاستراتيجية. كذلك اغتنمت كل من روسيا وإيران الضعف الهيكلي الذي تمر به الولايات المتحدة بسبب حملة الانتخابات الرئاسية لتتقدم على الساحة السورية قبل ظهور إدارة أميركية جديدة.
في هذه الأثناء، كما سبقت الإشارة، يعد جيش الأسد وحليفه الإيراني وقوات حزب الله لشن هجوم برّي كبير ضد المعارضة السورية في منطقة حلب مدعومين بقصف الطيران الحربي الروسي، ويتوقّع أن يكمل هذا الهجوم الواسع الهجوم البرّي الذي أطلقته هذه القوات نفسها الأسبوع الماضي ضد مناطق المعارضة في ريف محافظة حماه الغربي. وهذا، مع العلم، أن السيطرة على مدينة حلب – ثاني كبرى البلاد – وريف المحافظة المحيط بها تنقسم بين الحكومة السورية ومجموعة من قوات المعارضة التي تقاتل الأسد، وجماعة «داعش» التي تسيطر على بعض المناطق الريفية القريبة من المدينة.
ثم، من خلال تأمين حضور دائم في سوريا، تعمل روسيا على تطويق تركيا، وبالتالي شل حركتها. وحسب بلانش فإن «هدف (الرئيس التركي رجب طيب) إردوغان في تحويل تركيا إلى محور قوة تحده من الشمال جمهورية جورجيا ومن الجنوب جمهورية سوريا يخضع أولاً وأساسًا إلى رغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لقد فرضت روسيا نفسها شريكًا أساسيًا في الشرق الأوسط، بينما كان نفوذ الولايات المتحدة قد أخذ يخبو. وإذا بروسيا الآن شريك إلزامي للإيرانيين، وهذه الشراكة هي التي بدأت تثير ريبة الغرب بالنسبة إلى الاتفاق النووي. فحتى إسرائيل ستجد نفسها مُجبَرة على التقرّب من موسكو بما أن أسلحة حزب الله تمرّ عبر المحمية الروسية على السواحل السورية».
ويختتم بلانش كلامه مستخلصًا «هكذا تمكّن فلاديمير بوتين من تنصيب نفسه في قلب المعادلة الشرق أوسطية على حساب الولايات المتحدة»..



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟