مع التدخل الروسي في سوريا، اتخذت الحرب الدائرة بُعدا طائفيًا متزايدًا بحيث بات المشهد الطاغي على الصراع اليوم يضع النظام العلوي للرئيس بشار الأسد المدعوم من قبل الميليشيات الشيعية وإيران في مواجهة الحراك الشعبي السنّي. وسرعان ما شرعت القيادات المتطرّفة تناشد المسلمين واصفة الصراع بأنه «حرب مقدسة» أخرى تُخاض هذه المرة ضد «العدو الشرقي»، في الوقت الذي ليس من الخفي على أحد أن مصالح روسيا في سوريا تبعد كل البعد عن الأسباب الدينية، لا بل تتخذ طابعًا استراتيجيًا بحتًا.
إبان الضربات الروسية على مناطق شمال سوريا وشرقها وغربها، دعا قادة كل من «داعش» وجبهة النصرة إلى الجهاد ضد «الغزو الروسي». وفي تسجيل نشر على الإنترنت، قال أبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم داعش المتطرف «سنهزم روسيا»، داعيا المسلمين في العالم كله إلى إطلاق الجهاد ضد «الروس والأميركان» بحجة أنهم يشنون «حربًا صليبية ضد المسلمين».
من جانبه، هدّد أبو محمد الجولاني زعيم جماعة جبهة النصرة موسكو أيضًا، متوعدًا بأن الحرب الجوية الروسية ستكون لها عواقب كبيرة، ومناشدا جميع الجماعات المسلحة تنحية خلافاتها جانبًا والوقوف متحدين ضد التدخل الغربي. كذلك حث الجولاني - في كلمة له بثت على شبكة الإنترنت - على تصعيد الهجمات على معاقل الأقلية العلوية التي ينتمي إليها بشار الأسد، في شمال غربي سوريا، ردًا على ما وصفه بإقدام «الغزاة» الروس على قتل السنّة. ورأى الجولاني أن الهجمات الروسية الأخيرة على الأراضي السورية هي إعلان للفشل الإيراني وحزب الله والميليشيات التي ساعدت نظام الأسد. وقال الجولاني في تهديده إن الحرب على سوريا جعلت الروس ينسون الرعب الذي شهدوه في أفغانستان، في إشارة إلى المحاولات السوفياتية في إخضاع أفغانستان خلال ثمانينات القرن الماضي.
وفي الجانب المقابل، أوردت وكالة «تسنيم» الإيرانية للأنباء أن ضابطين كبيرين من «الحرس الثوري» الإيراني، هما الجنرال فرشاد حسوني زاده والعميد حميد مختار بند قتلا في المعارك الدائرة على جبهات سوريا، بينما كانا يقاتلان مسلحي تنظيم داعش، وذلك قبل الهجوم المزمع لقوات النظام وداعميه على مدينة حلب بدعم من طهران وروسيا. وكان قيادي كبير آخر من الحرس الثوري الإيراني هو الجنرال حسين همداني، قد قتل من قبل في معارك داخل سوريا، ويعد همداني من مؤسسي قوات الدفاع الوطني الموالية للنظام، ولقد شارك في 80 عملية في سوريا قبل أن يقتل فيها.
ويضاف إلى ما سبق أن مسؤولين إقليميين كبيرين صرّحا لوكالة «رويترز» بأن إيران أرسلت آلاف الجنود إلى سوريا خلال الأيام القليلة الماضية لتعزيز الهجوم البرّي المرتقب لقوات النظام في حلب ومن المقرّر أن تدعمه غارات جوية روسية. وعليه، بات من شبه المؤكد أن يؤجج انتشار هذه القوات الحرب الأهلية في سوريا التي أودت حتى الآن بحياة أكثر بكثير من 250 ألف شخص وتشريد نصف سكان البلاد. ويذكر أن روسيا أعلنت بدء عملياتها العسكرية في سوريا منذ 30 سبتمبر (أيلول) الماضي زاعمة تنفيذها غارات جوية على مواقع لتنظيم داعش وكذلك «الحركات الإرهابية» الأخرى – كما تدّعي – داخل الأراضي السورية، في وقت تقول المعارضة السورية، إن الغارات الجوية إنما استهدفت قوات مناوئة لنظام الأسد وليس الجماعات الإرهابية.
وعليه اعتبر الشيخ حسن دغيم، الخبير في الحركات المتشددة خلال مقابلة مع «الشرق الأوسط» من مدينة الريحانية التركية الحدودية أن الضربات الروسية لا شك ستؤجج التطرف على الساحة السورية، وستزيد تجنيد الشباب من الخارج ضمن الفصائل المتطرّفة، ولا سيما أن هذه الضربات الروسية تستهدف المدنيين والجيش السوري الحر والمؤسسات المدنية وليس «النصرة» و«داعش».
ومن جهته، قال فابريس بلانش، الخبير في الأمور السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في مقابلة مع «الشرق الأوسط» إن «الروس يعدون للبقاء في سوريا بطريقة دائمة. إنهم يريدون توسيع قاعدتهم البحرية في طرطوس واستعادة قاعدة الغواصات في جبلة (30 كم جنوب اللاذقية). وليس من المستبعد أن يتوسّعوا في محيط مطار اللاذقية لأغراض عسكرية». وأردف بلانش «الهدف الأول لموسكو هو تحويل المنطقة العلوية بحكم الأمر الواقع إلى منطقة خاضعة للنفوذ الروسي، وفي حال خسر بشار الأسد السلطة في دمشق، لا شك ستصبح هذه المنطقة (محمية روسية) مثل أبخازيا أو أوسيتيا الجنوبية، لأنه من غير المعقول أن يقبل العلويون بالعيش تحت حكم السنّة. وأما الهدف الثاني، للرئيس فلاديمير بوتين فهو إنقاذ الجندي بشار، والسماح له بالبقاء في السلطة، والسيطرة على الأقل على الجزء الغربي من سوريا، بما في ذلك حلب».
واستطرد الباحث في معهد واشنطن موضحا... لذلك يعمل الروس على مساعدة بشار الأسد للحفاظ على سيطرته على المدن الكبرى في الغرب (مثل درعا ودمشق وحمص وحماه وحلب). ولهذا السبب لم تستهدف الضربات الروسية الأولى «داعش» بل الجماعات الأخرى، بما فيها جبهة النصرة التي تعتبر الفرع السوري لتنظيم القاعدة والتي تتمركز على مقربة من هذه المدن الاستراتيجية. كذلك اغتنمت كل من روسيا وإيران الضعف الهيكلي الذي تمر به الولايات المتحدة بسبب حملة الانتخابات الرئاسية لتتقدم على الساحة السورية قبل ظهور إدارة أميركية جديدة.
في هذه الأثناء، كما سبقت الإشارة، يعد جيش الأسد وحليفه الإيراني وقوات حزب الله لشن هجوم برّي كبير ضد المعارضة السورية في منطقة حلب مدعومين بقصف الطيران الحربي الروسي، ويتوقّع أن يكمل هذا الهجوم الواسع الهجوم البرّي الذي أطلقته هذه القوات نفسها الأسبوع الماضي ضد مناطق المعارضة في ريف محافظة حماه الغربي. وهذا، مع العلم، أن السيطرة على مدينة حلب – ثاني كبرى البلاد – وريف المحافظة المحيط بها تنقسم بين الحكومة السورية ومجموعة من قوات المعارضة التي تقاتل الأسد، وجماعة «داعش» التي تسيطر على بعض المناطق الريفية القريبة من المدينة.
ثم، من خلال تأمين حضور دائم في سوريا، تعمل روسيا على تطويق تركيا، وبالتالي شل حركتها. وحسب بلانش فإن «هدف (الرئيس التركي رجب طيب) إردوغان في تحويل تركيا إلى محور قوة تحده من الشمال جمهورية جورجيا ومن الجنوب جمهورية سوريا يخضع أولاً وأساسًا إلى رغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لقد فرضت روسيا نفسها شريكًا أساسيًا في الشرق الأوسط، بينما كان نفوذ الولايات المتحدة قد أخذ يخبو. وإذا بروسيا الآن شريك إلزامي للإيرانيين، وهذه الشراكة هي التي بدأت تثير ريبة الغرب بالنسبة إلى الاتفاق النووي. فحتى إسرائيل ستجد نفسها مُجبَرة على التقرّب من موسكو بما أن أسلحة حزب الله تمرّ عبر المحمية الروسية على السواحل السورية».
ويختتم بلانش كلامه مستخلصًا «هكذا تمكّن فلاديمير بوتين من تنصيب نفسه في قلب المعادلة الشرق أوسطية على حساب الولايات المتحدة»..
موسكو تصنع محمية {علوية} غرب سوريا
مستغلّة فراغ ما قبل مجيء إدارة أميركية جديدة
موسكو تصنع محمية {علوية} غرب سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة