الإعلام الأميركي: الفلسطينيون والأفغان والمنافسات الرياضية

الصحافة الأوروبية: سوريا حقل تجارب للأسلحة الروسية.. والانتخابات في مصر.. وأزمة اللاجئين

الإعلام الأميركي: الفلسطينيون والأفغان والمنافسات الرياضية
TT

الإعلام الأميركي: الفلسطينيون والأفغان والمنافسات الرياضية

الإعلام الأميركي: الفلسطينيون والأفغان والمنافسات الرياضية

تناولت الصحف البريطانية جملة من القضايا، منها الانتخابات التشريعية في مصر، واتفاق الاتحاد الأوروبي مع تركيا لمعاجلة أزمة اللاجئين، وكذا أهداف التدخل الروسي في سوريا. ونشرت صحيفة «الفاينانشيال تايمز» تقريرا، تتوقع فيه عودة رجال الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، إلى البرلمان في الانتخابات التشريعية التي بدأت اليوم الأحد. وتذكر الصحيفة في تقريرها من القاهرة، أن «ألفين من أعضاء حزب مبارك سيخوضون الانتخابات التشريعية بصفتهم مرشحين مستقلين»، وترى مراسلة «الفاينانشيال تايمز» أن نظام الانتخابات الجديد في صالح المترشحين من الأعيان الذين بإمكانهم جمع الأصوات على أساس العائلة والولاءات، وأغلبهم من الحزب الوطني يتقدمون للانتخابات كمستقلين أو في حزب المصريين الأحرار الذي يتزعمه الملياردير نجيب ساويرس. ونقلت الصحيفة عن محللين قولهم إن «البرلمان الجديد سيسيطر عليه المستقلون بالتالي سيكون مشتتا».
بينما نشرت صحيفة «التايمز» مقالا تحليليا تقول فيه على لسان محللين عسكريين، إن «روسيا تستخدم سوريا حقلا لتجريب أسلحتها واستعراض قوتها العسكرية»، ونقل كاتب المقال، توم بارفيت، عن المحلل العسكري في مركز دراسات روسيا في واشنطن، مايكل كوفمان، قوله إن «روسيا لها حاليا 30 طائرة في قاعدة اللاذقية لدعم الرئيس بشار الأسد».
ويضيف أن أداء روسيا في حملتها العسكرية في سوريا يتناقض تماما مع «أدائها الهزيل» خلال حرب جورجيا عام 2008، حيث فقدت 7 طائرات مقاتلة، وأن طائرات سوخوي 34 استعملت لأول مرة في القتال في سوريا.
ونشرت صحيفة «الإندبندنت» مقالا تحليليا كتبه، بيتر بوفام، عن الصفقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لمعالجة أزمة اللاجئين. ويرى بوفام أن عرض الاتحاد الأوروبي منح 3 مليارات يورو لتركيا وإلغاء التأشيرة للمواطنين الأتراك لدخول منطقة شنغن، ووعدها بإحياء ملف انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، مقابل المساعدة في وقف تدفق اللاجئين، لا يأتي بنتيجة. ويستدل على ذلك بتصريح وزير الخارجية التركي، فريدون سينيرلي أوغلو، أنه من الوهم الاعتقاد بأن بلاده ستبقي اللاجئين عندها مقابل الأموال. وقالت «لوفيغارو» إنه «بعد ستة أشهر من رفع حالة الطوارئ، وفرض المراقبة على الحدود المطلة على البحر الأبيض المتوسط لدول الاتحاد الأوروبي، لم يعد من الممكن الحد من تدفق اللاجئين من دون أن تمد تركيا يدها للأوروبيين». وفي بداية الأسبوع الماضي، مثلما في نهايته، تغلبت أخبار أفغانستان وفلسطين على غيرها في الإعلام الأميركي.
فاجأ الرئيس باراك أوباما الشعب الأميركي، والعالم، بتغيير آرائه حول سحب القوات الأميركية من أفغانستان. وكان وعد بسحبها مع نهاية العام المقبل (عدا ألف جندي يبقون لحراسة السفارة الأميركية، ومنشآت أميركية، هناك). حسب قرار أوباما الجديد، سيقي خمسة آلاف جندي. اهتمت بالخبر كل وسائل الإعلام الأميركية تقريبا. وظل يناقش خلال الأسبوع. ومع بداية الأسبوع أيضا، طغت على الإعلام الأميركي أخبار الاشتباكات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ونشر تلفزيون «سي إن إن» مناظر مفصلة، وكل يوم تقريبًا، عن الاشتباكات (جمع بعضها من هواة تصوير التقطوا صورا مهمة بكاميرات هواتفهم الجوالة).
في منتصف الأسبوع، زاد الاهتمام بأخبار داخلية؛ نقلت صحيفة «واشنطن بوست» خبر قرار محكمة استئناف عليا عن قانونية مشروع شركة «غوغل» بتأسيس مكتبة إلكترونية فيها عشرات الملايين من الكتب. وقال القرار إن ذلك لا يخرق حقوق النشر والتأليف.
وأذاع تلفزيون «إي بي سي» مناظر مثيرة لفيضانات مفاجأة، وسكان محاصرين في ضواحي لوس أنجليس، ومناطق مجاورة في ولاية كاليفورنيا كانت منكوبة بالجفاف منذ بداية الصيف. وانهارت مبانٍ، وانهمر طين من تلال مجاورة، وأغلق الطريق السريع رقم 5، واحد من أكبر شرايين المواصلات بين شمال وجنوب الولاية. وانشغل الأميركيون بأخبار رياضية، ركز عليها تلفزيون «إي إس بي إن»: «هزم فريق نيويورك (ميتس) فريق لوس أنجليس (دودجرز) 3 - 2 في نهائيات البيسبول. وسيواجه فريق شيكاغو (كوبز) نحو الكأس النهائي». وفاز فريق تورونتو (بلو جيز) على فريق تكساس (رينجرز)، 6 - 3. وفاز فريق كانساس سيت (رويالز) على فريق هيوستن (استروز)، 7 - 2.
في كرة السلة النسائية، فاز فريق مينيسوتا (لينكس) ببطولة كرة السلة النسائية، لأول مرة منذ خمس سنوات، بعد أن هزم فريق إنديانا (فيفار). وانتهى الأسبوع، مثلما بدا، باهتمام الإعلام الأميركي بموضوعين عالميين: أفغانستان، وفلسطين. قدم تلفزيون «سي إن إن» مناظر حريق مدينة نابلس في الضفة الغربية، حيث يوجد قبر النبي يوسف، وتسبب في أضرار جسيمة قبل إطفائه. وأدان الهجوم الذي قام به فلسطينيون رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. ولوحظ أن «سي إن إن»، وبقية الأجهزة الإعلامية قالت إن يوسف «نبي اليهود»، ولم تشر إلى أن المسلمين، أيضًا، يؤمنون به.



كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».