الميليشيات الحوثية تتحول إلى عصابات لنهب ممتلكات اليمنيين

فقدان نحو 75 % من احتياطي «المركزي اليمني»

أحد المسلحين الموالين لجماعة الحوثيين يعاين موقع سقوط صاروخ إثر قصف مواقع المتمردين أمس (إ.ب.أ)
أحد المسلحين الموالين لجماعة الحوثيين يعاين موقع سقوط صاروخ إثر قصف مواقع المتمردين أمس (إ.ب.أ)
TT

الميليشيات الحوثية تتحول إلى عصابات لنهب ممتلكات اليمنيين

أحد المسلحين الموالين لجماعة الحوثيين يعاين موقع سقوط صاروخ إثر قصف مواقع المتمردين أمس (إ.ب.أ)
أحد المسلحين الموالين لجماعة الحوثيين يعاين موقع سقوط صاروخ إثر قصف مواقع المتمردين أمس (إ.ب.أ)

منذ انقلاب الميليشيات الحوثية على الشرعية الدستورية - المتمثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومة الكفاءات برئاسة خالد محفوظ بحاح - بالتواطؤ مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح والقوات الموالية له، واليمنيون يعانون من ويلات وتصرفات، يقول البعض إنها خرجت عن التقاليد الدينية والقبلية والاجتماعية. إذ لم يستول الحوثيون على السلطة، فحسب، بل عمدوا، منذ اللحظة الأولى، إلى نهب الدولة ومؤسساتها ونهب المال العام والوظائف العامة والخاصة، بل إن حالات النهب وصلت إلى الممتلكات الخاصة للمواطنين.
وتناولت كثير من الأوساط والمنظمات الحقوقية اليمنية عمليات لأموال المواطنين على يد تلك الميليشيات، وأكد مواطنون في محافظة إب، بوسط البلاد، لـ«الشرق الأوسط» أن مديريات حزم العدين، التي تشهد قتالا بين قوات شعبية مناوئة لوجود الحوثيين، من جهة، وعناصر الميليشيات الحوثية، من جهة أخرى، تقوم بنهب وسلب أموال المواطنين ومصوغاتهم وممتلكاتهم الثمينة. فخلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، كشف عن قيام عناصر تلك الميليشيات بنهب أحد المنازل، الذي كان يستعد أحد الشباب فيه للزواج، وأخذ عناصر الميليشيات المصوغات والملابس وكل ما غلا ثمنه وخف حمله، وغادروا المنزل بعد أن أصبح سكانه على حافة الفقر. كما تداولت بعض المواقع الإخبارية صورة لأحد القيادات الحوثية وهو يتباهى بنهب جنبية (خنجر يمني) من أحد المنازل في حزم العدين، وتبلغ قيمة تلك الجنبية نحو 6 ملايين ريال، أي ما يعادل، 30 ألف دولار أميركي.
وفي محافظة الحديدة تحدثت مصادر لـ«الشرق الأوسط» عن عمليات نهب واسعة النطاق تمت للمؤسسات العامة والخاصة والمنازل التي سيطر عليها الحوثيون بمبررات مختلفة، حيث نهب عناصر الميليشيات الحوثية نحو 50 طاقما عسكريا من إدارات الأمن في مديريات الحديدة، التي يصل عددها إلى ثلاثين مديرية تقريبا، كما جرى نهب أسلحة ومعدات ثقيلة ونقلها إلى المحافظات التي ينتمي إليها عناصر تلك الميليشيات، وبالأخص إلى محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لجماعة الحوثي. وفي هذا السياق، ذكرت وسائل إعلام محلية، أمس، أن أحد القيادات الحوثية قام بنهب معدات معمل بسترة ألبان من محافظة الحديدة، وتبلغ قيمة هذا المعمل مئات الآلاف من الدولارات، حيث قام القيادي الحوثي بنقل المعمل كاملا بعد تفكيكه إلى مزرعة أحد أقاربه في منطقة رصابة بمحافظة ذمار.
وإلى جانب عمليات النهب المنظمة للمؤسسات والبنوك وغيرها، تلتهم الميليشيات الحوثية الأموال من اليمنيين عبر إجبارهم على التبرع لما يسمى «المجهود الحربي»، وتحت هذا المبرر يجبر التجار ورجال المال والأعمال وحتى أصحاب المحلات والدكاكين الصغيرة على دفع الإتاوات لعناصر الميليشيات، ولم تكتف الميليشيات بهذا الأسلوب المباشر، بل عمدت إلى استقطاع مبالغ مالية كبيرة من مرتبات الموظفين والموظفات في الجهاز الحكومي، إلى جانب استقطاع مرتبات بكاملها ووقفها عن موظفين عسكريين ومدنيين بحجة دعمهم للشرعية، وبالأخص في المحافظات الجنوبية، هذا عوضًا عن الرسوم التي تفرض تحت نفس المبرر «المجهود الحربي» على كل المشتركين في شركات الاتصالات الهاتفية السلكية واللاسلكية وكل الخدمات التي تقدم لليمنيين.
وفي عدن وعدد من المحافظات الجنوبية، أكد مواطنون لـ«الشرق الأوسط» أنهم أثناء المواجهات المسلحة والقصف العشوائي للميليشيات الحوثية وقوات صالح على أحيائهم السكنية، اضطروا إلى مغادرة منازلهم وترك كافة مقتنياتهم الثمينة وذلك للنجاة بأرواحهم، غير أن منازلهم تعرضت للاقتحام والنهب من قبل عناصر الميليشيات وضبطت المقاومة الشعبية في بعض المحافظات والمديريات الجنوبية، عددا من عناصر تلك الميليشيات وهم يفرون من بعض المدن والمناطق وبحوزتهم مبالغ مالية ومصوغات ذهبية وأجهزة هواتف وكومبيوترات محمولة وغيرها. وفي وقت سابق، أكد كثير من المنظمات اليمنية والجهات والشخصيات المعنية أن الميليشيات الحوثية نهبت مئات الملايين من الدولارات من مؤسسات الدولة والبنوك، وفي المقام الأول البنك المركزي اليمني الذي استولى عليه الحوثيون وبداخله ما لا يقل عن 4.2 مليار دولار في مارس (آذار) الماضي، ومؤخرًا بينت الإحصاءات أن الاحتياطي داخل البنك بلغ فقط 1.7 مليار دولار، مع الإشارة إلى أن السعودية دعمت الاقتصاد اليمني بمليار دولار، قبل الانقلاب، كوديعة في البنك المركزي اليمني.
وكانت «الشرق الأوسط» تطرقت في تقارير مؤخرًا إلى أن ميليشيات الحوثي وصالح تقوم بترغيب أبناء قبائل شمال اليمن للقتال في صفوفهم من خلال وعود بالحصول على ما يسمى في اليمن «الفيد» ، أو الغنيمة، من مشاركتهم في غزو المدن في جنوب ووسط وغرب البلاد، وفي حرب صيف عام 1994، التي شنها صالح على جنوب اليمن، نُهبت مؤسسات الدولة وأملاك المواطنين ومنازلهم والمصانع وغيرها من قبل قوات الرئيس السابق وتلك التي ساندته في الحرب، وجراء ذلك النهب الذي أفقر المواطنين الجنوبيين ظهرت خلال السنوات العشرين الماضية مظاهر الثراء الفاحش على نخبة سياسية في صنعاء ومشايخ وكبار وصغار الضباط، إضافة إلى نهب الأراضي السكنية والزراعية والمتنفسات في عدن والحديدة، بشكل رئيسي، وذلك عبر عمليات السطو والبسط المباشرة أو عبر عمليات تملك بأوامر مباشرة من صالح. وبينت لجنة خاصة شكلت للتحقيق في هذه القضية أن بعض المقربين من صالح استولوا على مساحات أراضي توازي مساحات بعض الدول.
وترى بعض الأوساط اليمنية أن الميليشيات الحوثية وقوات صالح تسببت في أضرار مادية بالغة وأثار نفسية كبيرة لليمنيين، خلال العام الماضي، ويقول بعض المراقبين إن المباني يمكن إعادة بنائها وتعميرها من جديد، ولكن مقتنيات المواطنين التي نهبت لا يمكن أن تعوض، خاصة وأن الميليشيات نهبت مقتنيات شخصية وكسرت تقاليد المجتمع اليمني بالتعدي على خصوصيات اليمنيين واليمنيات، حيث ظهرت كثير من القصص عن نهب صور وأشرطة فيديو لمناسبات عائلية من داخل المنازل.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم