الأعمال التلفزيونية الروسية تتحول من الإبداع إلى التقليد

في ظل شروط تنافس حاد بين مختلف القنوات

مشهد من مسلسل {أوتيبيل}  -  مسلسل {أونيفير}
مشهد من مسلسل {أوتيبيل} - مسلسل {أونيفير}
TT

الأعمال التلفزيونية الروسية تتحول من الإبداع إلى التقليد

مشهد من مسلسل {أوتيبيل}  -  مسلسل {أونيفير}
مشهد من مسلسل {أوتيبيل} - مسلسل {أونيفير}

أصبح التقليد أو تكرار الفكرة حجر أساس في صناعة المسلسلات التلفزيونية في روسيا، الترفيهي منها والجاد، وذلك في ظل شروط تنافس حاد بين مختلف قنوات التلفزة الروسية على جذب أكبر عدد من المشاهدين، بما يضمن الحصول على أكبر قدر من الإعلانات وبأفضل الأسعار. ضمن هذه المعطيات جنحت غالبية شركات الإنتاج الفني إلى إعداد مسلسلات تجذب المشاهد، لكن نادرًا ما تحمل فكرة معينة أو قيمة إنسانية ما، وكثيرًا ما تكون الأفكار الرئيسية التي تقوم عليها هذه الأعمال تقليدا لأفكار مسلسلات غربية، أو تكرار لفكرة بُني عليها فيلم أو مسلسل غربي حاز على إعجاب المشاهدين. والمحرك الرئيسي دومًا هو جني الأرباح.
ومع أن الأمر لا يخلو من بعض الأعمال الفنية المميزة، كمسلسلات أو أفلام على الشاشة الروسية، إلا أن طابع الأعمال السطحية القائمة على التقليد يطغى في الإنتاج الفني. على سبيل المثال يجري حاليا عرض مسلسل بعنوان «نيوخاتش»، أي «الشمام»، على واحدة من القنوات الروسية، وهو مسلسل عن شخص يتمتع بحاسة شم فريدة تساعده في كشف ملابسات أي جريمة. وكذلك الأمر بالنسبة لمسلسل «قسم التحقيقات الخاص» الذي يعمل فيه خيرة المحققين والخبراء في البحث الجنائي، الذين تم تحضير مختبراتهم بمعدات خارقة لا نظير لها، هذا بالطبع فضلا عن الذكاء الأمني الخارق لدى العاملين في القسم. وقائمة المسلسلات الشبيهة على الشاشة الروسية تكاد لا تنتهي، لكن باختصار كلها تقوم على فكرتين سبق أن اعتمدتهما صناعة المسلسلات الغربية في أعمال كثيرة، والفكرتان هما: شخص يتمتع بقدرات غير طبيعية مثل البصيرة ورؤية ما جرى لمجرد ملامسة مكان الجريمة. وكذلك فكرة «مجموعة مميزة من المحققين الذين لا تعصى عليهم أي جريمة مهما كانت معقدة».
وبالانتقال إلى الدراما ستجد أن فكرة «سندريلا» الفقيرة التي شاء القدر أن يقع أمير في حبها تشكل الأرضية الأساسية لمئات الأعمال التلفزيونية من مسلسلات أو أفلام على الشاشة الروسية. أحيانا تكون البطلة فتاة جميلة بسيطة أتت من القرية إلى المدينة لتبني مستقبلها، فتلتقي بشاب غالبا ما يكون اللقاء الأول شجار بينهما، لتبدأ بعد ذلك قصة حب دون أن تعرف أنه من عائلة غنية، أو في نسخة أخرى يكون الشاب ابن مسؤول كبير، وما إلى ذلك.
طبعا كالعادة هناك دوما الشريرات اللواتي يحاولن تشويه صورة الحبيبة لدى البطل للحصول عليه وتنتهي القصة تماما مثل نهاية «سندريلا» حيث تتزوج الفقيرة بالغني أو الفتاة التي أتت من العامة تتزوج ابن مسؤول رفيع المستوى. أي أن المحاورة الرئيسية للحبكة في أعمال كهذه هي تكرار لكن بتفاصيل أخرى لحبكة فيلم أو قصة «سندريلا».
لا يختلف الأمر بالنسبة للأعمال الكوميدية، ومن منا لم يشاهد مسلسل «الأصدقاء» الأميركي الكوميدي الذي يحكي قصة مجموعة من الطلاب الجامعيين يعيشون في سكن طلابي مشترك وتدور بينهم ومعهم مختلف القصص المضحكة. الأعمال الكوميدية التي تكرر ذات المسلسل مع قصص مختلفة نوعا ما تطغى على الشاشة الكوميدية الروسية، منها مثلا مسلسل «ساشا تانيا» ومسلسل «أونيفير» أي «الجامعة»، ومسلسل «مالديوج» أي «الشباب»، وهناك أعمال أخرى كلها تقوم على الفكرة ذاتها. المسلسلات الروسية المثيلة تجعل من هذه العلاقات موضوعًا رئيسيا في سياق كل حلقة. بالطبع لا يخلو الأمر من أعمال فنية مميزة تطل عبر الشاشات أحيانا، منها مثلا مسلسل «أوتتيبل» بما معناه «الدفء» أو «الذوبان» ويحكي قصة الإنتاج الفني في الحقبة السوفياتية والعقبات الحزبية البيروقراطية التي كانت تقف بوجه المبدعين من الشباب، وكل هذا عبر قصة صديقين يقع أحدهما في حب فتاة تقع هي في حب الآخر، ومن خلال عرض هذه القصة بأسلوب رائع يحاكي الحب بأجمل صوره يتم عرض تفاصيل أخرى عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعمل الفني في تلك المرحلة بدقة وموضوعية.
اللافت أن المستوى الإبداعي والفكري للأعمال الفنية خلال الحقبة السوفياتية كان أفضل بكثير من المستوى الحالي، على الأقل لجهة الأفكار والحبكة في الأعمال الفنية، حيث لم يكن هناك أي تقليد أو محاولة لمحاكاة الأسلوب الغربي في الإنتاج الفني. كوميديًا حقق الإنتاج الفني السوفياتي نجاحات ما زالت راسخة في ذهن المشاهد حتى اليوم، وتشكل مكتبة فنية يمكن تسميتها بكل ثقة «المكتبة الذهبية للإنتاج الفني في روسيا». وتتضمن هذه المكتبة مجموعة كبيرة من الأعمال الكوميدية والدرامية والبوليسية وغيرها.
على سبيل المثال «اليد اللؤلُئِيّة»، وهو فيلم من جزأين، ذلك أنه لم تكن هناك مسلسلات طويلة في الحقبة السوفياتية وكان يُطلق عليها «فيلم من حلقتين» أو فيلم من ثلاث - أربع حلقات، حسب عدد الأجزاء. في ذلك الفيلم يختلط الكوميدي بالبوليسي بالاجتماعي، إذ ينتقد بأسلوب كوميدي ساخر بعض جوانب نمط الحياة السوفياتية، ويعرض قصة عصابة تهريب جواهر يتورط مواطن شريف معها بالصدفة، فيساعد البوليس في إلقاء القبض على أفرادها، وذلك كله يجري عبر مشاهد مضحكة وما زالت تجذب المشاهد حتى اليوم، فضلا عن أن بعض الجمل من هذا الفيلم أصبحت اليوم ضمن الموروث الثقافي الروسي. وهذه مجرد عينة من مئات الأفلام والمسلسلات السوفياتية التي تشكل «المكتبة الذهبية للإنتاج الفني» ولا تقل أهمية في الرسائل التي تحملها وفي أسلوب عرضها عن الأدب الكلاسيكي الروسي ومكانته العالمية.
وهناك بالطبع قائمة طويلة من الأعمال السوفياتية التي ما زالت تلاقي إقبالا واسعا بين مختلف الفئات في المجتمع الروسي حتى يومنا الحالي، منها مثلا الكوميديا الساخرة «12 كرسيا»، والمسلسل البوليسي «لا يجوز تغيير مكان اللقاء»، ودراما «الغجري»، والكوميديا الاجتماعية الساخرة «الفرصة الطويلة».
كل عمل من هذه الأعمال الفنية الرائعة تتطلب قراءة نقدية مستقلة لكثرة ما فيها من معانٍ وتعدد الجوانب التي تعالجها ضمن حبكة تبقى حتى اليوم محط إعجاب الجمهور، لكن تكفي الإشارة في سياق الموضوع الذي نتناوله هنا إلى أن هذه الأعمال ولدت ضمن ظروف غاية في التعقيد، ولم يكن للعنصر المادي أي تأثير عليها، رغم هذا دخلت قائمة الأعمال المفضلة دوما لدى المشاهدين الروس.
ويحيل النقاد الفنيون هذا التميز في صناعة الأفلام في الحقبة السوفياتية مقابل تقليد في المرحلة الحالية إلى الظروف التي تولد ضمنها الأعمال الفنية، ففي العهد السوفياتي كان كل شيء خاضعا لرقابة صارمة، وأحيانا يتم رفض عمل فني مهم بسبب جملة واحدة فيه تحمل أكثر من معنى وقد يفهمها المشاهد بأنها انتقاد للحزب الشيوعي والسلطة السوفياتية، لذلك كان على كاتب السيناريو والمخرج والممثل أيضًا إظهار أعلى مستويات من الإبداع للحصول على فرصة تصوير العمل الفني. ولم يكن للجانب المادي أي تأثير حينها، والأساس الذي يحدد مصير أي عمل هو الرسالة التي يحملها والجانب التربوي الأخلاقي والفكري الذي يتضمنه العمل.
اليوم اختلف الأمر، إذ لا قيود عمليًا على النصوص والسيناريوهات، طبعا باستثناء حظر على أعمال تحمل في طياتها ترويجيًا للتطرف القومي أو الديني، أو يتخللها مشاهد لا أخلاقية. لذلك يطغى اليوم ذلك النوع من الأعمال الترفيهية الكوميدية والتقليد للأعمال البوليسية الغربية التي لقيت إقبالاً كبيرًا.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».