تركيا تمنع الدعم الأميركي لأكراد سوريا.. وتبحث عن 21 انتحاريًا

أنقرة تبلغ موسكو قلقها من الممرات الآمنة لـ«داعش» نحو أراضيها

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ونظيره الفنلندي سولي نينيستو مع زوجتيهما في أنقرة أمس يضعان الزهور في موقع التفجير الذي أودى بحياة متظاهرين سلميين يوم 10 من الشهر الحالي (إ.ب.أ)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ونظيره الفنلندي سولي نينيستو مع زوجتيهما في أنقرة أمس يضعان الزهور في موقع التفجير الذي أودى بحياة متظاهرين سلميين يوم 10 من الشهر الحالي (إ.ب.أ)
TT

تركيا تمنع الدعم الأميركي لأكراد سوريا.. وتبحث عن 21 انتحاريًا

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ونظيره الفنلندي سولي نينيستو مع زوجتيهما في أنقرة أمس يضعان الزهور في موقع التفجير الذي أودى بحياة متظاهرين سلميين يوم 10 من الشهر الحالي (إ.ب.أ)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ونظيره الفنلندي سولي نينيستو مع زوجتيهما في أنقرة أمس يضعان الزهور في موقع التفجير الذي أودى بحياة متظاهرين سلميين يوم 10 من الشهر الحالي (إ.ب.أ)

تبدي تركيا قلقها الشديد من مسار العمليات الروسية، والأداء الأميركي، في الملف السوري، بعد إعلان الأولى تدخلها العسكري إلى جانب النظام، وتنسيقها المباشر مع الجماعات الكردية السورية، وقيام الثانية بقطع العلاقات مع المعارضة السورية لصالح التحالف مع الأكراد.
وقال مسؤول في مكتب رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو لـ«الشرق الأوسط» إن المسار الأميركي في الملف السوري «خاطئ»، معتبرا أنه «لا يمكن محاربة الإرهابيين بدعم إرهابيين» في إشارة إلى حزب الاتحاد الكردستاني الذي تعتبره أنقرة جزءا لا يتجزأ من تنظيم (حزب العمال الكردستاني) «ب.ك.ك» الذي تعتبره تنظيما إرهابيا، وتخوض معارك عنيفة معه منذ أشهر. وقال المسؤول التركي إن بلاده «قلقة من الأداء الروسي في سوريا»، مشيرا إلى أن الطائرات الروسية تستهدف المعارضة المعتدلة، ولم تشن أي عمليات على مناطق نفوذ «داعش» القريبة من الحدود التركية. وأشار إلى أن «فتح ممرات آمنة» للتنظيم المتطرف إلى الأراضي التركي «سيكون أمرا خطيرا وغير مقبول إذا صحت التقديرات بشأنه»، معتبرا أن في ذلك عبثا بأمن البلاد، وهو خط أحمر لا يمكن تقبله، معلنا أنه تم إبلاغ السفير الروسي بالمخاوف – والمعلومات – التركية في هذا الشأن.
واستدعت وزارة الخارجية التركية أمس سفير الولايات المتحدة الأميركية جون باس وسفير روسيا أندري كارلوف على خلفية تقديمهما المساعدات العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. وقال مصدر دبلوماسي تركي إنه تم استدعاء كل من السفيرين إلى وزارة الخارجية على انفراد، وتباحث مع سفير الولايات المتحدة الأميركية وزير الخارجية التركي فريدون سينيرلي أوغلو، بينما تباحث مع السفير الروسي دبلوماسي تركي لم يتم ذكر اسمه. وأشار المصدر إلى أنه تم التباحث في القضايا التي تعصف بالمنطقة، وأعربت تركيا عن قلقها من مواقف موسكو وواشنطن فيما يخص حزب الاتحاد الديمقراطي.
وأكد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، أمس، أنّ بلاده لن تسمح للولايات المتحدة الأميركية بتزويد تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي بالسلاح، بسبب انضمام الكثير من عناصر حزب العمال الكردستاني إلى هذا التنظيم عقب بدء الغارات الجوية التركية ضدّ مواقعه في شمال العراق.
وقال داود أوغلو إنّ تركيا لن تسمح بأن تكون منطقة الشرق الأوسط خزانًا لأسلحة الدّول الكبرى، وأنّ القيادة التركية أبلغت الإدارة الأميركية والقيادة الروسية بالموقف التركي الرافض لتسليح المجموعات المقاتلة في سوريا. وأضاف: «لقد رأينا كيف قامت الولايات المتحدة الأميركية بتسليح الجيش العراقي في الموصل مسبقًا، إلا أن تنظيم داعش استحوذ على هذه الأسلحة بعد سيطرته على المدينة وبدأ باستخدامها ضدّ المدنيين. والآن لا يمكن لأحد أن يضمن عدم وصول الأسلحة الأميركية التي ستُمنح لتنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إلى تنظيم حزب العمال الكردستاني الذي يشن هجمات إرهابية ضد الدّولة التركية».
من جهة أخرى، أعلن داود أوغلو أن المعلومات، تشير إلى تورّط تنظيمين اثنين في العمل الإرهابي الذي وقع في أنقرة السبت الماضي. وأشار داود أوغلو إلى أن التحقيقات ما زالت مستمرة للتأكد فيما إذا كان هناك تعاون مشترك بين أكثر من تنظيم إرهابي أم لا؟ معلنا، أن التحقيقات الأولى أكدت أن «أحد الفاعلين حضر إلى مكان الحادثة بسترة ناسفة، والآخر بحقيبة».
وقالت مصادر تركية إن السلطات تمكنت من تحديد جنسية الفاعلين (الانتحاريين) وهما يحملان الجنسية التركية، وهناك احتمال كبير أن يكون «داعش» هو أحد التنظيمين الإرهابيين اللذين شاركا في العمل الإرهابي.
وقالت مصادر أخرى إن قوات الأمن التركية اعتقلت اثنين من مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» على خلفية نشرهما معلومات تحذيريّة قبل ساعات من الهجومين التفجيريين اللذين وقعا في أنقرة وأسفرا عن مقتل 97 شخصًا وإصابة مئات آخرين. وكانت «تويتر» قدّمت للسلطات التركية، بناء على طلب منها، بيانات شخصية عن ثلاثة أشخاص ادّعوا أنه سيتم تنفيذ هجوم انتحاري قبل وقوعه بتسع ساعات.
وذكرت بعض المصادر الأمنية أنه تم اعتقال شخصين بدعوى عضويتهما في منظمة «الكردستاني» بعد أن غرد حساب باسم «@DrBereday» قبل 9 ساعات من الهجوم الذي وقع أمام محطة القطارات في أنقرة، تغريدات قال فيها: إن «القنبلة ستنفجر في أنقرة»، و«احذروا من تفجير (داعش) قنبلة في أنقرة!» و«قد تشهد المسيرة التي ستنظم في أنقرة عملية لـ(داعش). والسبيل للحيلولة دون ذلك هو التدخل المباشر للمنظمات اليسارية. حزب العمال الكردستاني ليس له علاقة بهذا التفجير».
وكانت مصادر تركية تحدثت عن كشف السلطات معلومات عن هويّة 21 مسلحًا بينهم 6 سيدات يعتزمون تنفيذ تفجيرات انتحارية داخل تركيا تابعين لتنظيم داعش. وأفادت أن 18 شخصًا من هؤلاء من مدينة أديامان جنوب البلاد، لافتة إلى أن 3 منهم سيدات أجانب تزوجن مع هؤلاء الأشخاص. والتحق الأشخاص الذين تجمعوا في مقهى عام 2013 في أديامان بصفوف تنظيم داعش، بعدما اتجهوا واحدا تلو الآخر إلى سوريا عبر الحدود التركية اعتبارا من النصف الثاني من العام الماضي.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»