القادة الأوروبيون عاجزون عن اتخاذ موقف مؤثر على الحرب في سوريا

بوغدانوف سعى في باريس لاستمالة معارضين سوريين وضمهم للرؤية الروسية للعملية السياسية

مقطع من فيديو نشرته وزارة الدفاع الروسية على موقعها أمس يبين الانفجار الناتج عن قصف طيرانها لمنطقة في سوريا لم تحددها
مقطع من فيديو نشرته وزارة الدفاع الروسية على موقعها أمس يبين الانفجار الناتج عن قصف طيرانها لمنطقة في سوريا لم تحددها
TT

القادة الأوروبيون عاجزون عن اتخاذ موقف مؤثر على الحرب في سوريا

مقطع من فيديو نشرته وزارة الدفاع الروسية على موقعها أمس يبين الانفجار الناتج عن قصف طيرانها لمنطقة في سوريا لم تحددها
مقطع من فيديو نشرته وزارة الدفاع الروسية على موقعها أمس يبين الانفجار الناتج عن قصف طيرانها لمنطقة في سوريا لم تحددها

يعود الملف السوري إلى طاولة المباحثات لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم ليومين «الخميس والجمعة» في العاصمة البلجيكية بحثًا عن موقف موحد من التدخل العسكري الروسي ووسط مؤشرات تدل على اختلافات في الرأي والمقاربة مما يتعين على الأوروبيين القيام به إن إزاء التدخل العسكري الروسي أو إزاء طروحات موسكو السياسية.
وقالت مصادر دبلوماسية في باريس أمس لـ«الشرق الأوسط»، إن الاتحاد «سيكشف مرة أخرى عن عجزه عن اتخاذ موقف مؤثر وسيكتفي بالتنديد بما يعتبره استهدافا روسيا للمعارضة المعتدلة وليس لتنظيم داعش» وفق ما تدعيه موسكو. وأضافت هذه المصادر أن الزعماء الأوروبيين «لن يكونوا أكثر قدرة من وزراء خارجيتهم» الذين حضّروا للاجتماع أول من أمس في لوكسمبورغ واكتفوا بإصدار «بيان يعكس توافق الحد الأدنى» وفيه يدعون موسكو لوقف «فوري» لعملياتها العسكرية التي تتخطى التنظيمات الإرهابية، محذرين من أن استمرار التصعيد العسكري «سيطيل أمد الحرب وسيضرب المسار السياسي وسيزيد من المحنة الإنسانية كما أنه سيدفع إلى مزيد من التطرف». أما بخصوص المسألة الشائكة والخاصة بتحديد مصير الرئيس السوري بشار الأسد وقبول الحوار أو حتى التعاون معه في المرحلة الانتقالية، فإن أوروبا «تفتقر لموقف موحد» بين قابل وآخر متردد وثالث رافض.
وتؤكد هذه المصادر أن الاتحاد الأوروبي يتصرف اليوم بفعل الضغوط الممارسة عليه والمتمثلة بعاملين اثنين: الأول، استمرار تدفق اللاجئين بعشرات الآلاف إلى بلدانه وهي المسألة التي عجز القادة الأوروبيون حتى الآن عن إيجاد خطة فاعلة للتعاطي معها، والثاني موضوع الإرهاب والمخاوف من تفاعلات الأزمة السورية وخروج المقاتلين من البلدان الأوروبية من سوريا تحت وطأة التصعيد العسكري الروسي ومحاولة عودتهم إلى بلدانهم. ويشكل هذا الاحتمال أحد مصادر القلق الرئيسية بالنسبة للأجهزة الأمنية الأوروبية. وتضيف هذه المصادر أن الاتحاد الأوروبي، كمجموعة، «ليس طرفا فاعلا في الحرب في سوريا ولا يستطيع التصرف بمعزل عما يقرره التحالف الدولي أي واشنطن بالدرجة الأولى»، التي «تبدو مترددة إزاء الاستراتيجية التي يتعين عليها اتباعها» ردًا على التصعيد العسكري الروسي.
بيد أن الطرف الأوروبي، وفق المصادر الدبلوماسية، «لا يعرف بالضبط حقيقة النيات الروسية، لا عسكريا ولا سياسيا»، رغم الاتصالات المستمرة والاجتماعين الرئيسيين اللذين عقدهما الرئيس بوتين مع نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند ومع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في باريس بمناسبة قمة ما يسمى «صيغة النورماندي» حول الحرب في أوكرانيا. ونقلت الأوساط الفرنسية عن بوتين قوله إنه أمر بالتدخل في سوريا «لمنع (داعش) من السيطرة على دمشق وتلافي انهيار النظام السوري». وبحسب ما شرحه بوتين لاحقًا في حديث للتلفزيون الروسي، فإن الغرض «تثبيت الشرعية (في سوريا) وإيجاد الظروف من أجل تسوية سياسية». والحال، فإن المخاوف الأوروبية والغربية بشكل عام تتناول المقصود بـ«تثبيت الشرعية» وما إذا كان يعني القضاء على المعارضة المعتدلة وكذلك مضمون «التسوية السياسية» والأسس التي ستنهض عليها. وحتى الآن. وإن اختلف الأوروبيون حول موضوع التفاوض مع الأسد ودوره في المرحلة الانتقالية، فإن إجماعهم يقوم على رفض التعاون معه في الحرب على الإرهاب وفق ما تريده موسكو ورفض بقائه في السلطة لما بعد المرحلة الانتقالية وبالتالي المطالبة بتنحيه «لاحقا». وبذلك يكون الأوربيون قد اجتازوا خطوة باتجاه روسيا، لكن حتى الآن لم يقم الطرف المقابل بأية خطوة مماثلة تجاههم.
وقالت مصادر في المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط»، إن نائب وزير الخارجية الروسي لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف الذي زار باريس الأسبوع الماضي وأجرى لقاءات في وزارة الخارجية الفرنسية، سعى «لجس نبض بعض الشخصيات من المعارضة لمعرفة مدى استعدادها للانضمام للعملية السلمية وفق ما تفهمها موسكو». وزادت هذه المصادر أن رؤية موسكو للعملية السياسية «لا علاقة لها بما يتضمنه بيان جنيف» الصادر في صيف عام 2012 والداعي لإقامة سلطة انتقالية برضا الطرفين «النظام والمعارضة»، لأنها تختصرها بضم عدد من عناصر المعارضة «المعتدلة» التي يقبلها النظام إلى حكومة جديدة، وليس إلى سلطة انتقالية ومن غير الإشارة لمصير النظام وخصوصًا الرئيس الأسد الذي تؤكد موسكو يوما بعد يوم على شرعيته.
يعي الأوروبيون أن التدخل الروسي المباشر يمكن أن يؤدي إلى إعادة خلط الأوراق لكن نتائجه السياسية «لن تظهر حتى يتبين حصول تغييرات ميدانية حقيقية تؤكد تحرك الخريطة العسكرية». وترى المصادر الدبلوماسية أن هذا الأمر «غير مرجح في القريب العاجل» رغم بعض التعديلات التي أخذت تظهر بعد 14 يوما من القصف الجوي الروسي المكثف. فضلا عن ذلك، بدأت تظهر بعض الصياغات الخجولة حتى الآن لردود عسكرية على التدخل الروسي، ومنها القرار الأميركي تسليم السلاح مباشرة لمجموعات تثق بها واشنطن بعد التخلي عمليًا عن برنامجها الفاشل بتدريب آلاف من مقاتلي المعارضة السورية.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.