ليبيا.. حكومة مقترحة تبحث عن قوة تسندها

مفاوضات ليون حققت زخمًا لمصالحات داخلية

ليبيا.. حكومة مقترحة تبحث عن قوة تسندها
TT

ليبيا.. حكومة مقترحة تبحث عن قوة تسندها

ليبيا.. حكومة مقترحة تبحث عن قوة تسندها

رغم تأييد غالبية الليبيين ودول الجوار لـ«حوار الصخيرات»، الذي قاده برناردينو ليون، مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا، طوال سنة، وتمخض عن مقترح برئيس وزراء ومساعدين له قبل أيام قليلة، فإن البعض في شرق البلاد وفي غربها يبدو وكأنه وضع بدائل جديدة تحسبًا لتعثر «حكومة الوفاق». هذا الأمر يبدو واضحا الآن في ضوء ميل أطراف القوة المسلحة على الأرض نحو التشدد ورفض مخرجات الحوار. لكن هذه البدائل يمكن أن تؤدي إلى العودة إلى المربع صفر، أي الاقتتال بين الأفرقاء، والدخول في منطقة خطرة يمكن أن تسفر عن تقسيم الدولة التي تعاني أصلاً من الفوضى وهشاشة السلطة منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.

أعلن برناردينو ليون، مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا، قبل أيام، مقترحاته لتسوية الأزمة الليبية، مقترحًا تسمية رئيس وزراء ومساعدين له. فكيف يمكن رصد الوضع السياسي الآن؟
في ليبيا اليوم قوتان مسلحتان رئيسيتان: الأولى هي الجيش الوطني المدعوم من البرلمان الحالي ويقوده الفريق أول خليفة حفتر، تحت مظلة حكومة عبد الله الثني. ويسود اعتقاد بأن هذا الرجل العسكري، وعددا من رجاله، لن يكون له، ولا لهم، مكان في الحكومة التي اقترحها ليون برئاسة فايز السراج. أما القوة الثانية فهي قوة «فجر ليبيا» التي يعتمد عليها بقايا نواب البرلمان السابق المعروف باسم «المؤتمر الوطني العام» وحكومته المسماة بحكومة الإنقاذ برئاسة عمر الحاسي، وترفض العناصر المتشدّدة فيها تولي السراج رئاسة حكومة الوفاق.
ولعل المدة الطويلة التي استغرقها ليون في جمع أطراف النزاع على مائدة واحدة تعكس صعوبة الحالة الليبية. لكن، مع ذلك، لوحظ أن الساعات الأخيرة من «حوار الصخيرات»، أي تلك التي سبقت إعلان الأسماء المقترحة للمرحلة الجديدة، كانت مشحونة بالخوف من الفشل، بينما كان ليون يجمع أوراقه لإنهاء مهمته في ليبيا.
ولم يكن هناك متسع من الوقت من أجل إعادة النظر أو وضع القوة المسجلة في الحسبان، سواء كانت في المنطقة الغربية أو الشرقية. لكن من حسنات مفاوضات ليون أنها حققت زخما لمصالحات داخلية قد تستمر حتى لو لم تنجح «حكومة الوفاق» في ممارسة أعمالها، رغم أن رئيسها، السراج، النائب في البرلمان الذي يعقد جلساته في طبرق شرقًا، هو في الوقت نفسه من أبناء العاصمة طرابلس غربًا. وما زال العديد من نواب برلمان طبرق ونواب المؤتمر الوطني ينظرون بريبة للمتغيرات التي أصبح ينبغي القيام بها من أجل مستقبل جديد ومختلف، سواء بالنسبة لمن شاركوا في الحوار أو قاطعوه في أيامه الأخيرة.
المحلل السياسي الليبي طارق القزيري، ابن مدينة مصراتة التي تعد من المدن المهمة في التوازنات السياسية، قال لـ«الشرق الأوسط» إن ليون كان حريصًا على إشراك المؤتمر الوطني «وفقا لتحليل وصْفَتِهِ التي فاجأت الكثيرين في الداخل والخارج». وأضاف أن «تكتيك ليون قد يكون سياسيًا، عندما أقدم على هذه الخطوة، وهو لتحقيق أغراض لإنهاء مهمته الليبية بنجاح، ولكن، وقبل ذلك، لا بد من معرفة أن ليون كان يواجه اتهامات ومصاعب عديدة».
ومن بين التهم، بحسب القزيري، أنه متهم بكونه «يخضع للمؤتمر الوطني، ولم يستطع فرض خططه أو الاتفاقات السابقة عمليا، وهو يدور في حلقة مفرغة». وتابع المحلل أن «وجود المؤتمر الوطني أساسي وضروري، فلا يمكن، إلى حد كبير، استقرار الحكومة في طرابلس من دون موافقة المؤتمر أو جزء كبير - أو حاسم - منه، لتصبح للتشكيل الحكومي جدوى واقعية»، مشيرا إلى أنه من بين التحديات التي واجهت المبعوث الدولي «كيف يمكن للحكومة أن تكون قابلة للحياة، مثلما هي قابلة للوجود؟! وهذا يستدعي تأمين الموارد المالية لدعمها».
واستطرد القزيري شارحًا أن «إعلان التشكيلة الراهنة (للحكومة المقترحة) يتضمن عدة أغراض مفترضة لليون، منها الإفلات من الاتهام الذي يضعه في خانة الخضوع لإملاءات المؤتمر الوطني على حساب الإسراع في إعلان حكومة التوافق. وثانيا: إعطاء المؤتمر الوقت الكافي للملمة أوراقه والالتحاق بسيناريوهات التشكيل، خاصة مع الإعلان عن رئيس المجلس مباشرة».
أما عن شخصية السراج فيقول القزيري، الذي كان يتحدث لـ«الشرق الأوسط» بعد يوم من إعلان اسمه (أي السراج)، إنه شخصية طرابلسية، وهذه «نقلة مطمئنة للجميع، فهي تستبعد المخاوف الجهوية لكل الأطراف، خاصة من شخصية محسوبة على البرلمان في طبرق، لكنها معتدلة، ولا مآخذ جدية عليها». أما عن وجود ممثلين من أجدابيا والزنتان، فيوضح القزيري أن هذا «يعني تأمين إمدادات النفط، ومناطق تصنيعه (في سهل الجبل جنوب طرابلس وكذلك المثلث النفطي) ليمكن الحديث عن توفير الموارد للحكومة، وهو ما يجعلها مقبولة لأنها (ستكون) قادرة على التصرف».
وبينما ذكّر القزيري أن الحديث عن الحقائب السيادية الأهم يبقى متاحًا لتعزيز دور أطراف أخرى مهمة للغاية، لتفعيل الحكومة واقعيًا، فإنه يقول إن المهم أيضًا هو أن «التشكيلة تعكس توازنات جديدة، فعندما يغيب تحالف القوى الوطنية والعدالة والبناء، فهذه إشارة لواقع سياسي يتشكل أو تشكل فعلا، بعد تغير كثير من المعطيات على الأرض، عقب سنتين من الصراع الدامي.. لكن الزنتان، ومن خلال مجلسها العسكري، وجّهت انتقادات حادة لما أفضى إليه (حوار الصخيرات)، خاصة في ما يتعلق بالتعديل الذي أدخل على المسودة الرابعة التي وقع عليها المتحاورون بالأحرف الأولى». وأضاف: «فوجئنا بإعلان حكومة يراد منها أن ترفضها كل الأطراف، وشنت هجوما على ما سمته تعيين (عرّابي الحرب) في مناصب قيادية على أعلى مستوى بعد أن (دمروا العملية السياسية وأحرقوا البلاد وزرعوا الفتنة بين المدن)».
لكن لماذا سارع البرلمان الحالي باتخاذ قرار بتمديد عمله قبل أيام من الإعلان عن الحكومة المقترحة؟ كان موعد انتهاء أعمال البرلمان يوم 20 من الشهر الحالي، فهل كان يخشى من فشل «اتفاق الصخيرات»، وبالتالي، يمكن للبلاد أن تدخل في مزيد من الفوضى؟
هنا، رأى عيسى عبد المجيد، مستشار رئيس البرلمان الليبي، أنه «كان معلومًا منذ البداية بين معظم النواب أن البرلمان لن يسلم السلطة إلا لجسم منتخب، ولو اضطر لتمديد عمله في حال كان متعذّرا إجراء انتخابات برلمانية جديدة، وهو ما حدث بالفعل»، مشيرا إلى أن «الهدف من هذه الخطوة كان تجنب دخول البلاد في فراغ في السلطة بحلول يوم العشرين من هذا الشهر، وهو الموعد القانوني لانتهاء أعمال البرلمان الذي جرى انتخابه صيف العام الماضي».
وأشار عبد المجيد إلى سلامة هذا الإجراء قائلا: «إن الإعلان الدستوري الذي تعمل به البلاد كدستور مؤقت ينص على أن البرلمان لا يسلم هذه السلطة إلا لجسم منتخب». ويقول مسؤولون في البرلمان إن قرار التمديد لم يكن يتعارض مع سير المفاوضات بقيادة ليون، لكن أحد المصادر النيابية لا يخفي أن قرار التمديد كان بمثابة ضغط على الخصوم من أجل تحقيق مكاسب للبرلمان.
وسبق كل هذه التطورات خطاب شديد اللهجة وجَّهه رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، للمجتمع الدولي وللبعثة الأممية في ليبيا، ضمن كلمته التي ألقاها في الأمم المتحدة الأسبوع قبل الماضي. وكانت الكلمة تؤشر إلى نفاد صبر السلطة الشرعية في ليبيا من المماطلة الدولية تجاه حسم «حوار الصخيرات» بمن وقعوا عليه، والمماطلة في رفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي الذي يشن حربًا واسعة ضد الجماعات المتطرفة والميليشيات المسلحة.
يعتقد كثيرون من قيادة البرلمان ومستشاريه أن ليون، الذي ستنتهي مهمة عمله في ليبيا قبل نهاية هذا الشهر، كان يميل إلى «تدليل مجموعة طرابلس التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة». أو كما قال المستشار عبد المجيد «ليون لم يكن عادلا. وتحركاته لم تكن مرضية للشعب الليبي. لقد انحرف عن مسار الحوار، في نهاية المطاف»، مشيرا إلى أن رئيس مجلس النواب (صالح) وأعضاء البرلمان تعاملوا مع ليون، منذ البداية، بكل احترام في سبيل ليبيا.. «لكن ليون، للأسف، تعامل مع مجلس النواب كأنه جسم غير شرعي، وقام بالمساواة بينه وبين المؤتمر الوطني (المنتهية ولايته)».
مع هذا، توقّع عبد المجيد أن تسير ليبيا إلى الأمام «وفقًا لما يريده الشعب وليس ما يريده ليون، لأن الشعب دفع ثمنًا غاليًا بعد تخلصه من حكم (الإخوان) ومن معهم من متطرفين، ولن يسمح بعودتهم مرة أخرى، سواء من باب حوار الأمم المتحدة أو من غيره». ومن الممكن أن يلجأ البرلمان خلال الفترة المقبلة إلى تسمية رئيس للدولة، وهذا سيكون تطورا جديدا يمكن أن يغير من المسار السياسي برمته.
في المقابل، وفقا لمصادر عسكرية ليبية، أدت جولات «حوار الصخيرات» رغم كل شيء لنتائج إيجابية على الأرض وحركت المياه الراكدة، ولفتت نظر الليبيين إلى أن الاقتتال لن يؤدي إلى أي حلول. وأن أفضل طريق هو الحوار والمصالحة. ويمكن القول، وفقا للعديد من المصادر، أن المجتمع الليبي تأثر بزخم الحوار تأثرًا إيجابيًا، حيث بدأت بعض القبائل والمناطق الجهوية في عقد هدنة أو صلح، في ما بينها، رغم أنها لم تكن مشاركة أصلاً في حوار ليون.
تنقسم ليبيا إلى ثلاث مناطق رئيسية: الشرق الذي يتخذ فيه البرلمان والحكومة والجيش مقرات لهم وينشط فيه أيضًا تنظيم داعش. والغرب الذي يسيطر عليه المتطرّفون الموالون لجماعة الإخوان و«الجماعة الليبية المقاتلة»، خاصة في طرابلس. والجنوب الذي يشهد اقتتالاً بين حين وآخر بين مجموعات عقائدية وجهوية وقبلية.
بعض العسكريين الليبيين يقولون «نترك الجنوب الآن»، لأن مشكلتهم سهلة الحل مستقبلا.. و«نترك طرابلس أيضًا»، لأن المجموعات التي تسيطر عليها ليست لديها حجج قوية للاستمرار في ما تقوم به من تشدّد وتمترس، كما أن هذه المجموعات تخسر في العاصمة بمرور الوقت. أين المعضلة إذن؟ يقول أحد مساعدي حفتر إنه بغض النظر عن مقترح تشكيل حكومة برئاسة السراج فإن الحل الحقيقي لمشاكل ليبيا موجود في بنغازي، التي تعد ثاني أكبر المدن الليبية.. موضحًا: «بنغازي دائمًا هي التي تحدد بوصلة الاتجاهات في عموم البلاد. فإذا تمكن الجيش من إلحاق الهزيمة بالمتطرفين في بنغازي، فإن كل مشاكل ليبيا ستحل تلقائيًا».
تاريخيًا، كانت بنغازي منطلقًا للانقلابات والثورات والحكم. وتضم هذه المدينة كل ممثلي القبائل الليبية تقريبًا من كل أرجاء البلاد، حتى من طرابلس ومصراتة وسبها.. «إنها ليبيا مصغرة»، لكن المعضلة ستكون دائما، أمام أي سلطة، في المجموعات العقائدية المتشددة مثل «داعش» وغيره، كما يشدد وزير الدفاع الليبي السابق، أسامة الجويلي.
الجويلي قائد عسكري ظهر على سطح الأحداث في ليبيا، انطلاقًا من بلدته الزنتان، أثناء «الثورة» ضد القذافي في 2011. وخاضت الزنتان حربًا ضروسًا مع قوات مدينة مصراتة للسيطرة على العاصمة في صيف العام الماضي، مما أدى إلى وقوع خسائر بمليارات الدولارات، كان أبرزها حرق مطار العاصمة. ومع أن تلك الحرب ما زالت لها تداعياتها وتأثيرها على العلاقة بين عدة مدن وقبائل، فإن فرص الحل اليوم قابلة للتحقق أكثر من السابق. وحاليًا يشارك الجويلي في شق طرق جديدة للسلام بين القبائل والمناطق. وهو ممن كانوا يعولون منذ البداية على «حوار الصخيرات»، كما كان ممن توقعوا نجاحه.
الجويلي ينظر إلى مناطق وجود المتطرفين في بنغازي ودرنة وسرت باعتبارها «مناطق صعبة وستحتاج إلى معالجة خاصة، لكن بالنسبة لمجموعات طرابلس فإنه من الممكن التفاوض معها للوصول لحل». وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» قال: «سيكون من السهل التفاوض مع طرابلس مقارنة بالمجموعات المتطرفة في بنغازي ودرنة وسرت.. مجموعات طرابلس ليست لها حجج قوية، فهي تعترف بالانتخابات وتعترف بالعملية الديمقراطية، وهذه مواقف مختلفة تمامًا عن مواقف المجموعات المتشددة في بنغازي ودرنة وسرت».
وبالفعل، وفق أحد القادة العسكريين في بنغازي، فإن «مجموعات طرابلس يمكن أن تكون جزءا من مستقبل الحكم في ليبيا، حتى لو كان بعض المتشددين فيها يرفضون حكومة التوافق وشخصية السراج. وهذا بعكس المجموعات المرتبطة بـ(داعش) و(القاعدة).. فهذه ميئوس منها». وتابع القائد كلامه قائلا: «حتى مدينة مصراتة التي كانت يومًا متهمة بالوقوف وراء التشدد الذي تبديه الميليشيات المسلحة في طرابلس، بدأت تغير من مواقفها بقيادة مجلسها البلدي الذي يضم شخصيات تميل نحو الاعتدال والتفاوض».
ثم ما يمكن أن يسهّل اجتماع الخصوم حول شخصية السراج هو عقد العديد من الأطراف الليبية، خلال الشهرين الأخيرين، اتفاقيات واسعة في عدد من المدن ومع القبائل التي كانت حتى وقت قريب تخوض نزاعًا مسلحًا في ما بينها، مما تسبب في سقوط مئات القتلى وألوف المهجرين. وحتى أسبوعين كان الجويلي يقود جهود للمصالحة أيضًا، ويقول: «الحمد لله، وفقنا إلى مصالحة أدت إلى التهدئة في كل المناطق الغربية من طرابلس، وما زلنا مستمرين في عقد المصالحات. هذا هو السبيل الوحيد أمام الليبيين لحقن الدماء وبناء دولتهم».
في الوقت الحالي، وبفعل زخم حوارات ليون، أصبحت توجد لأول مرة لقاءات بين القيادات الميدانية في كل من طرابلس ومصراتة والزنتان، وهذه الأطراف كانت محورًا أساسيًا في «حرب 2014»، وذلك لإيجاد صيغة للتفاهم ولمنع اندلاع اشتباكات جديدة. ويسعى العديد من القادة المحليين في مناطق الاشتباكات بين الميليشيات في غرب البلاد أيضًا، إلى التوسع في عقد المصالحات، ويعد هذا أحد أسباب هدوء جبهة غرب وجنوب غرب طرابلس في الفترة الأخيرة.
أما حسم المعارك مع الدواعش ومع المتطرفين الآخرين في بنغازي ودرنة وسرت، فيقع العبء الأكبر في هذه الحرب على الجيش الوطني الذي يحتفظ أيضًا بقوات له على مشارف العاصمة وفي مناطق الجنوب. وإذا تمكنت «حكومة الوفاق الوطني»، المزمعة، حل معضلة منصب وزير الدفاع والقائد العام للجيش، وإيجاد حل مسألة استمرار حفتر من عدمه، فإن حكومة السراج ستتلقى مساعدات دولية بما فيها الوقوف مع الجيش في حربه ضد الإرهاب. إلا أن الإشكالية التي قد تعرقل مخرجات «حوار الصخيرات» تكمن في تحفظات من قبل بعض نواب طبرق، جرى الإعلان عنها في الجلسات التي عقدت في الساعات الماضية بشأن الحكومة المقترحة، ومنها التحفظ على البند الخاص بأن يكون رئيس الوزراء في «حكومة الوفاق» هو القائد الأعلى للقوات المسلحة. وتحفظات على مجلس الدولة المزمع تأسيسه. ولا يوجد ميل في أوساط قيادات الجيش للتخلي عن قائده حفتر، مع أن بعض الأطراف تقول إنه لا ينبغي التركيز على الشخصيات ولكن على الجيش كمؤسسة.
في هذه الأثناء، صرح أحد مسؤولي البرلمان بأنه إذا لم يكن هناك إجماع من كل المكونات الليبية على الموافقة على حكومة السراج، فستترتب على ذلك خيارات متعددة، حيث جرى تأسيس «جبهة النضال الوطني الليبي» الشهر الماضي تحسبا لمثل هذه الظروف. ومن بين الشركاء في تأسيسها، أحمد قذّاف الدم، المبعوث الشخصي السابق للقذافي وابن عمه. ويرأس الجبهة التي تتكون من عشرات الأحزاب والنقابات والجمعيات من مختلف المدن الليبية، الدكتور محمد القشاط، وجرى اختيار مستشار الجيش، عبد الكريم نائبا له.
وعقب إعلان ليون عن «حكومة الصخيرات»، علق قذّاف الدم قائلا إنه «من الواضح أن هناك خللا في فهم الواقع الليبي علي الأرض.. ومع احترامي للجميع فإن الإخوة الذين عينهم السيد ليون لن يستطيعوا القيام بهذه المهمة الاستثنائية التي تتطلب توافق الليبيين جميعًا، والذين لم يكن لهم حضور في الصخيرات». إلا أنه أضاف موضحا بقوله: «نحن مستعدون من أجل ليبيا للعمل مع كل الأفرقاء لمصالحة تاريخية لا تقصي أحدًا، وتخلق مناخًا ليس فيه إكراه لأحد ويمكِّن أي حكومة محايدة من عودة الدولة ولملمة جراح الوطن»، مشيرا إلى أن الليبيين سوف يرفضون «نظام الوصاية وفرض الأمر الواقع.. وهذه خطوه جديدة في الاتجاه الخاطئ، وتأثيرها سلبي في استقرار ليبيا».
وفي مدينة طبرق حذّر «التجمع الوطني الليبي» من «خطر الترتيبات الجديدة التي نتج عنها حوار الصخيرات، في زيادة حدة التوتر في البلاد»، قائلا إن «الإعلان عن نتيجة الحوار في شقّها المتعلق بالحكومة والمحاصصة الخاصة بالمناصب الرئيسية على غرار مجلس الدولة ومجلس الأمن القومي ورئاسة الحكومة تمثل عامل توتّر وارتباك إضافي قد يؤدّي إلى تطوّرات كارثية على الحالة الليبية، ليس أقلّها اندلاع مواجهة ميدانية بين الليبيين».
ومثل كثير من المكونات الليبية المؤيدة لسلطة البرلمان والجيش، تساءل «التجمع الوطني» عن موقع الجيش الليبي في «تسوية ليون»، وماذا سيكون مصيره ومصير قياداته، وهل سيفضي شطبه من جدول التسوية إلى حله على غرار الجيش العراقي.

* أهم الأسماء المقترحة للمناصب القيادية

* فايز سراج، رئيسًا للحكومة. وأحمد معيتيق وموسى الكوني وفتحي المجبري نوابًا له، وهم يمثلون مناطق الجنوب والغرب والشرق.
* الوزراء: فادي الهنجاري، وأسامة السعيد، وطارق يوسف، وعبد السلام الحسين، وشيبني بوحمود، ومصطفى أبو شاغور، وعاشور شعيل، وإبراهيم النايل، وأبو عجيلة سيف النصر، وآمال الحاج، وإيمان بن يونس، وخليل البكوش، ومحمود بن شعبان، ومراد حمايمة، وطاهر سونك.
* هيئات عليا: عبد الرحمن السويحلي رئيسًا لمجلس الدولة المقترح، وفتحي باشاغا رئيسًا لهيئة الأمن القومي المقترحة.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.