انفلات أمني في معقل «حزب الله» ببعلبك.. وسلطة العشائر أمر واقع في المدينة

التجار وضعوا سواتر ترابية في الأسواق للضغط على القوى الأمنية والحزبية

بنات القيادي في حزب الله حسن حسين الحاج الذي قتل في سوريا الأسبوع الماضي يبكينه ويحملن صوره أثناء تشييع جنازته (أ.ب)
بنات القيادي في حزب الله حسن حسين الحاج الذي قتل في سوريا الأسبوع الماضي يبكينه ويحملن صوره أثناء تشييع جنازته (أ.ب)
TT

انفلات أمني في معقل «حزب الله» ببعلبك.. وسلطة العشائر أمر واقع في المدينة

بنات القيادي في حزب الله حسن حسين الحاج الذي قتل في سوريا الأسبوع الماضي يبكينه ويحملن صوره أثناء تشييع جنازته (أ.ب)
بنات القيادي في حزب الله حسن حسين الحاج الذي قتل في سوريا الأسبوع الماضي يبكينه ويحملن صوره أثناء تشييع جنازته (أ.ب)

تشهد مدينة بعلبك الواقعة شرق لبنان منذ نحو أسبوع، انفلاتًا أمنيًا غير مسبوق اندلع إثر مواجهات بين العشائر تطورت إلى استعراضات عسكرية وظهور مسلح شبه يومي، مما دفع تجار المدينة، يوم أمس (الاثنين) إلى إقفال الشوارع الرئيسية بالسواتر الترابية احتجاجًا على الوضع وللضغط على القوى الأمنية للقيام بواجباتها بملاحقة المسلحين والمعتدين.
وتتقاذف الأجهزة الأمنية والقوى السياسية مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في المدينة. وبينما ترد الأولى الفلتان الأمني الحاصل إلى غياب القرار السياسي بضبط الوضع، تتحدث الثانية عن «تلكؤ» الأجهزة بالقيام بمهماتها وعدم تطبيق الخطة الأمنية التي أعلن عن الانطلاق بتنفيذها قبل أكثر من عام.
وتأثرت بعلبك ذات الأغلبية الشيعية، وهي أحد معاقل «حزب الله»، بالصراع الدائر في سوريا منذ أكثر من أربع سنوات. وكانت المدينة الواقعة شرق البلاد والقريبة من الحدود مع سوريا عرضة لصواريخ وانفجارات بسيارات مفخخة أزهقت أرواحًا على امتداد سهل البقاع خلال الأعوام الماضية.
وترد مصادر ميدانية تردي الأوضاع إلى «صراع سياسي خفي كما إلى صراع بين الأجهزة الأمنية»، موضحة أن الأحداث اندلعت إثر خلاف على أولوية المرور بين شخص من آل ياغي وآخر من آل طليس، مما أدّى إلى مقتل الشخصين المذكورين ووقوع عدد آخر من القتلى والجرحى بعد تفاقم الوضع الأمني في الأيام التي تلت الحادثة. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «كما شهدنا بعدها استعراضات عسكرية وظهور مسلح شبه يومي، مما أثار حفيظة تجار المدينة وأهلها الذين عمدوا يوم أمس، إلى إغلاق الشوارع الرئيسية بالسواتر الترابية وإقامة عدد من الحواجز للضغط على القوى الأمنية وحثّها على القيام بمهامها».
وتحدثت المصادر عن «تدابير أمنية اتخذت قبل نهاية الأسبوع الماضي، أدّت إلى توقيف عدد من المطلوبين، إلا أن التراخي الأمني الذي ساد المدينة يومي السبت والأحد أعاد الأمور إلى نقطة الصفر».
وتستهجن مصادر أمنية اتهامها بـ«التلكؤ» عن القيام بواجباتها، لافتة إلى أنّه «تم في الأيام الماضية اتخاذ إجراءات وتدابير تجاوب معها المعنيون، لكن المشكلة أكبر وأبعد من الفلتان الأمني، وهي تُختصر بسعي العشائر في بعلبك لفرض عاداتها وأعرافها نمطًا للحياة في المدينة». وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «هناك جو معين تفرضه العشائر في مناطقها، خصوصًا فيما يتعلق بعمليات الثأر، وهو أقوى من قدرة الأجهزة على التعامل معه، لأنه ليس من المنطق إعلان المنطقة عسكرية أو القيام بعمل عسكري موسع بوجه كل سكان بعلبك».
وشدّدت المصادر الأمنية على «وجوب تحمّل القوى السياسية مسؤولياتها في هذا الإطار وعلى رأسها «حزب الله»، لافتة إلى أن الحزب «هو المعني الأول بالموضوع ومطلوب منه رفع الغطاء عن عدد من المطلوبين والتعاون الجدي مع أجهزة الدولة لوضع حد للتأزم الحاصل، خصوصًا أن ذلك أول من يضر، يضر الحزب نفسه ويحسم من رصيده».
وعُقد في مركز نقابة تجار بعلبك، يوم أمس، بحضور أصحاب المحلات التجارية ومخاتير المدينة، اجتماعًا أعلن فيه عن اتخاذ خطوات جديدة تمثلت بنشر حواجز على الطرقات الرئيسية في سوق بعلبك، بعد إقفالها بالسواتر الترابية.
وعلّق مفتي بعلبك الشيخ بكر الرفاعي على التطورات الحاصلة في المدينة، قائلاً: «الأمور لا تبشّر بالخير»، متهمًا بعض الأجهزة الأمنية بـ«الفساد وتقاضي الرشى». وأضاف الرفاعي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأجهزة ماكرة وفاسدة تعمل على التخدير الموضعي بدل حل الأزمة بجدية وبحسم».
وإذ رفض تحميل جهة سياسية أو أمنية واحدة مسؤولية ما يحصل، شدد على أن على كل الجهات دون استثناء واجبات تقوم بها لمنع تفاقم الأمور أكثر فأكثر. وقال: «هناك شعور عام يتنامى في سوق بعلبك بأن هناك من يسعى لانهيارها لتحويل المستهلك باتجاه أسواق خارج المدينة أو على المداخل».
وكان «تكتل نواب بعلبك الهرمل» الذي يضم بمعظمه نوابًا عن «حزب الله»، نبّه في وقت سابق على أن «عواقب وحرائق الفوضى لن تقتصر على منطقة بعلبك»، وحذّر الحكومة والأجهزة الأمنية والعسكرية إلى «خطورة استمرار التفرج على الفلتان الأمني»، داعيًا إيّاها إلى «النهوض فورًا من هذه الغفلة والمبادرة إلى القيام بالواجب تجاه الوطن والمواطنين قبل أن يتسع الخرق على الراقع».



فيروس «HMPV»... ما هو؟ وهل يتحوّل إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

فيروس «HMPV»... ما هو؟ وهل يتحوّل إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.