الأحزاب والحركات الإسلامية في كردستان العراق تتجه نحو الأفول

ظهرت في المنطقة قبل 40 سنة

علي بابير أمير الجماعة الاسلامية في كردستان
علي بابير أمير الجماعة الاسلامية في كردستان
TT

الأحزاب والحركات الإسلامية في كردستان العراق تتجه نحو الأفول

علي بابير أمير الجماعة الاسلامية في كردستان
علي بابير أمير الجماعة الاسلامية في كردستان

لم تستطع الحركات والأحزاب الإسلامية المعتدلة والمتشددة في إقليم كردستان العراق خلال السنوات الأربعين الماضية وحتى الآن إحراز أي تقدم ملحوظ على الساحة السياسية الكردية، فنسبة الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب الإسلامية (الاتحاد الإسلامي والحركة الإسلامية والجماعة الإسلامية) لم تتعدَّ 15 في المائة من نسبة الأصوات في الإقليم. وبحسب المتخصصين في شؤون «الإسلام السياسي» في الإقليم يمضي هذا التيار نحو الأفول لأنه لم يكن وليد المجتمع الكردي، بل جاء تقليدًا لحركات الإسلام السياسي العالمية.
مع نهاية سبعينات القرن المنصرم بدأت حركات الإسلام السياسي تنشأ في كردستان العراق، وكانت على اتجاهين: اتجاه عسكري يتمثل بـ«الحركة الإسلامية في كردستان» بقيادة الملا عثمان عبد العزيز، واتجاه سياسي يتمثل بجناح الإخوان المسلمين، الذي بقي كتنظيم للإخوان في كردستان، وانبثقت عنه بعد انتفاضة ربيع عام 1991 حزب «الاتحاد الإسلامي الكردستاني». ومن ثم دخلت «الحركة الإسلامية» في معارك طاحنة مع «الاتحاد الوطني الكردستاني» الذي يتزعمه رئيس الجمهورية العراقي السابق جلال طالباني في تسعينات القرن المنصرم، وكانت الحركة تتخذ من مدينة حلبجة ومنطقة هورامان المحاذية لإيران معقلا لها. وبعد وساطة من جانب طهران انتهت المعارك بين الجانبين وشاركت الحركة في الحكومة التي شكلها «الاتحاد» في معقله محافظة السليمانية ولمناطق التابعة لها.
وبعد انتهاء الحرب الداخلية في الإقليم التي نشبت بين الحزبين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، بين عامي 1994 و1998، شهدت صفوف الأحزاب الإسلامية عدة انشقاقات، فانشقت «حركة النهضة الإسلامية» و«الجماعة الإسلامية» و«جماعة جند الإسلام» المتشددة التي تحوّلت في ما بعد إلى «جماعة أنصار الإسلام» عن «الحركة الإسلامية»، ثم اتحدت «الحركة الإسلامية» مع «حركة النهضة» لتشكل «حركة الوحدة الإسلامية» بزعامة الملا علي عبد العزيز.
أما «الجماعة الإسلامية في كردستان» بزعامة «أميرها» علي بابير فانشقت عن «الحركة الإسلامية» بعد الخلافات بين بابير ومرشد «الحركة الإسلامية» علي عبد العزيز الذي كان قد تسلم قيادة الحركة بعد وفاة شقيقه عثمان عبد العزيز. وتمتاز هذه الجماعة بوجود كثير من التيارات السياسية بداخلها، فعلى الرغم من اعتمادها مفهوم الجهاد والشورى فإنها انخرطت بقوة في العملية السياسية والانتخابية خلال السنوات الأخيرة، حيث كانت في بداية الأمر ضمن المعارضة ولكنها في ما بعد شاركت في الحكومة الموسّعة القائمة حاليًا في الإقليم. أما «الاتحاد الإسلامي» – كما سبقت الإشارة – فهو الفرع الكردي للإخوان المسلمين في كردستان، وأسس عام 1994، ويعتبر الحزب الرابع في كردستان من حيث الحجم والنفوذ بعد الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير.
من جانب آخر، فإن «جماعة أنصار الإسلام» المتشدّدة أسست في يناير (كانون الثاني) عام 2001 بعد اندماج جماعة «جند الإسلام» المتشددة بقيادة أبو عبد الله الشافعي مع جماعة متشددة أخرى بقيادة نجم الدين فرج، الملقب بـ«ملا كريكار» والمقيم في النرويج حاليًا. وكانت هذه الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة». وكانت ثمة علاقة بين زعيمها وعبد الله عزام وأسامة بن لادن أبرز زعماء «القاعدة».
* تغييرات في المشهد
مريوان نقشبندي، الخبير في شؤون الحركات والأحزاب الإسلامية في الإقليم، قال لـ«الشرق الأوسط» شارحًا: «بعد انتفاضة الشعب الكردي في إقليم كردستان العراق ضد نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، طرأت تغييرات على الأحزاب والحركات الإسلامية في الإقليم، بحيث بدأت هذه الأحزاب تحاول دخول الساحة السياسية والمشاركة في السلطة والحكم، وحاول قسم آخر تطبيق الشريعة الإسلامية في هذه المنطقة. واستغلت هذه الأحزاب الإسلامية الأوضاع التي شهدها الإقليم آنذاك، خصوصا الحرب الداخلية بين الحزب الرئيسيين في الإقليم الحزب الديمقراطي الكردستاني الاتحاد الوطني الكردستاني، فصارت هذه الأحزاب الإسلامية الطرف الأكثر استفادة من هذه الحرب، إذ توسّعت وازداد حضورها في تلك الفترة».
وأردف نقشبندي: «ولكن بعد الانقسامات التي طالت صفوفهم، سقط الإسلاميون في كردستان العراق تحت تأثير الدول الإقليمية بسهولة. والقسم الأخطر من هؤلاء (جماعة أنصار الإسلام) التي انضمت إلى تنظيم القاعدة في زمن الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي. وبعد انتهاء أمر (جماعة أنصار الإسلام) أسس تنظيم داعش في سوريا، فانضم إليه نحو 500 شاب كردي متشدّد يحملون نفس فكرة الإسلام السياسي الراديكالي، وقتل خلال العامين الماضيين نحو 260 مسلحًا من هؤلاء المسلحين الأكراد في معارك التنظيم في سوريا والعراق، بينما عاد قسم آخر منهم إلى كردستان، البعض منهم الآن محتجز وجارٍ التحقيق معهم في المؤسسات الأمنية للإقليم، أما القسم الآخر من هؤلاء العائدين فعاد إلى حياته الطبيعية لأنه لا يوجد لديهم أي مشكلة، أما ما تبقى من أكراد إقليم كردستان في صفوف التنظيم فلا يتجاوز عددهم 100 مسلح».
وتابع نقشبندي شرحه قائلاً: «تنقسم الحركات الإسلامية في الإقليم حاليًا إلى قسمين أو اتجاهين رئيسيين، رغم أن هناك ثلاثة أحزاب إسلامية. وهذان الاتجاهان هما: الاتجاه الأصولي والراديكالي ويشمل (الحركة الإسلامية) وقسمًا من (الجماعة الإسلامية)، واتجاه جناح الإخوان المسلمين الذي استمدوا فكرتهم من خارج الإقليم».
* لن تكبر عن حجمها الحالي
من جانب آخر، يرى سوران سيوكاني، الخبير في شؤون الإسلام السياسي، إنه «لا مستقبل لحركات وأحزاب الإسلام السياسي في الإقليم... فهذه الأحزاب والحركات الإسلامية لن تبقى في المستوى الذي هي عليه الآن، بل ستنكمش لأنها لا تمتلك التاريخ ولا تحمل حلمًا جماهيريًا. إنهم كأحزاب إسلامية تمتلك أجندات خاصة بها، ولذا لا يمكنهم أن يكبر حجمهم عن حجمهم الحالي، وثقلهم في الواقع ثقل ديني ناجم عن استغلال أصوات المواطنين باسم الدين. في الانتخابات السابقة حصلوا على نسبة 15 في المائة من مجموع الأصوات في الإقليم، لكن هذه النسبة انخفضت الآن، ولن يستطيعوا مستقبلا اجتياز نسبة 8 في المائة لأسباب عدة منها ظهور (داعش)». وتابع: «هذا التنظيم يعتبر نتيجة من نتائج الإسلام السياسي، والناس يرون أن هذه الأحزاب الإسلامية إذا وصلت إلى السلطة سيكون لها نفس دور (داعش). وكذلك لم تقدم الأحزاب الإسلامية أي شيء حتى الآن للناس حتى ينظر إليهم الناس كبدلاء للوضع السياسي القائم، فهم الآن في الإقليم أصبحوا ملحقًا للأحزاب الأخرى، وليسوا أصحاب المبادرة.. فـ(الاتحاد الإسلامي الكردستاني) خاضع لتأثير تركيا، أما (الجماعة الإسلامية) فهي خاضعة لتأثيرات إيران».
* «إسلام كردي»
بدوره، قال الدكتور عرفات كريم، الخبير السياسي والنائب الكردي في مجلس النواب العراقي: «الإسلام السياسي يعتبر فكرًا خارجيًا دخل إقليم كردستان العراق. شعب كردستان لم يصنع هذا الفكر، ولذا على الأحزاب الإسلامية أن تحذف اسم الإسلامي من أسمائها لأن هذه الأحزاب تعمل على الساحة الكردستانية، ومشكلة الكرد ليست مشكلة دين، بل هي مشكلة قومية.. إنها مشكلة وطن وليست مشكلة إسلامية. إن الشعب الكردي شعب مسلم اعتنق الإسلام في السنة الثامنة عشرة من الهجرة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (ر)، وما زلنا ملتزمين بالإسلام حتى الآن. لكن وجود الإسلام السياسي شيء إضافي. وأنا أقترح أن يكون لنا إسلام كردي نفسّره ونحلله ونفهمه ونختار منه ما يصب في مصلحة الشعب الكردي، كما هو الحال في ماليزيا. فهناك (إسلام ماليزي) وفي (أوروبا إسلامي أوروبي)، وفي مصر (إسلام مصري).. (!)، بالإضافة إلى أن آيديولوجية الإسلام السياسية هي ضد الدولة الكردية، وضد الشعور القومي، وسيكون له تأثيرات سلبية على عملية إنشاء الدولة الكردية في الإقليم».
وشدد كريم على القول: «إن الأحزاب الإسلامية في الإقليم لن تستطيع حذف كلمة (الإسلامي) أو (الإسلامية) من أسمائها لأنها ستتحول إلى أحزاب قومية إذا حذفته، ونحن لسنا بحاجة إلى أحزاب قومية لأن الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني يواصلان العمل القومي منذ زمن بعيد، بالإضافة إلى أنهم إذا حذفوا هذه الإضافة سيخسرون جماهيرهم. لذا على هذه الأحزاب الإسلامية أن تتحول جميعها إلى أحزاب مدنية كالموجودة في تركيا، وإلا، حسب تصوري، فالإسلام السياسي انتهى، وسيأتي يوم يُغلقون فيه مقراتهم أيضًا ويعودون إلى بيوتهم، والآن الاستقالات متواصلة في صفوف هذه الأحزاب».



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».