الأحزاب والحركات الإسلامية في كردستان العراق تتجه نحو الأفول

ظهرت في المنطقة قبل 40 سنة

علي بابير أمير الجماعة الاسلامية في كردستان
علي بابير أمير الجماعة الاسلامية في كردستان
TT

الأحزاب والحركات الإسلامية في كردستان العراق تتجه نحو الأفول

علي بابير أمير الجماعة الاسلامية في كردستان
علي بابير أمير الجماعة الاسلامية في كردستان

لم تستطع الحركات والأحزاب الإسلامية المعتدلة والمتشددة في إقليم كردستان العراق خلال السنوات الأربعين الماضية وحتى الآن إحراز أي تقدم ملحوظ على الساحة السياسية الكردية، فنسبة الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب الإسلامية (الاتحاد الإسلامي والحركة الإسلامية والجماعة الإسلامية) لم تتعدَّ 15 في المائة من نسبة الأصوات في الإقليم. وبحسب المتخصصين في شؤون «الإسلام السياسي» في الإقليم يمضي هذا التيار نحو الأفول لأنه لم يكن وليد المجتمع الكردي، بل جاء تقليدًا لحركات الإسلام السياسي العالمية.
مع نهاية سبعينات القرن المنصرم بدأت حركات الإسلام السياسي تنشأ في كردستان العراق، وكانت على اتجاهين: اتجاه عسكري يتمثل بـ«الحركة الإسلامية في كردستان» بقيادة الملا عثمان عبد العزيز، واتجاه سياسي يتمثل بجناح الإخوان المسلمين، الذي بقي كتنظيم للإخوان في كردستان، وانبثقت عنه بعد انتفاضة ربيع عام 1991 حزب «الاتحاد الإسلامي الكردستاني». ومن ثم دخلت «الحركة الإسلامية» في معارك طاحنة مع «الاتحاد الوطني الكردستاني» الذي يتزعمه رئيس الجمهورية العراقي السابق جلال طالباني في تسعينات القرن المنصرم، وكانت الحركة تتخذ من مدينة حلبجة ومنطقة هورامان المحاذية لإيران معقلا لها. وبعد وساطة من جانب طهران انتهت المعارك بين الجانبين وشاركت الحركة في الحكومة التي شكلها «الاتحاد» في معقله محافظة السليمانية ولمناطق التابعة لها.
وبعد انتهاء الحرب الداخلية في الإقليم التي نشبت بين الحزبين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، بين عامي 1994 و1998، شهدت صفوف الأحزاب الإسلامية عدة انشقاقات، فانشقت «حركة النهضة الإسلامية» و«الجماعة الإسلامية» و«جماعة جند الإسلام» المتشددة التي تحوّلت في ما بعد إلى «جماعة أنصار الإسلام» عن «الحركة الإسلامية»، ثم اتحدت «الحركة الإسلامية» مع «حركة النهضة» لتشكل «حركة الوحدة الإسلامية» بزعامة الملا علي عبد العزيز.
أما «الجماعة الإسلامية في كردستان» بزعامة «أميرها» علي بابير فانشقت عن «الحركة الإسلامية» بعد الخلافات بين بابير ومرشد «الحركة الإسلامية» علي عبد العزيز الذي كان قد تسلم قيادة الحركة بعد وفاة شقيقه عثمان عبد العزيز. وتمتاز هذه الجماعة بوجود كثير من التيارات السياسية بداخلها، فعلى الرغم من اعتمادها مفهوم الجهاد والشورى فإنها انخرطت بقوة في العملية السياسية والانتخابية خلال السنوات الأخيرة، حيث كانت في بداية الأمر ضمن المعارضة ولكنها في ما بعد شاركت في الحكومة الموسّعة القائمة حاليًا في الإقليم. أما «الاتحاد الإسلامي» – كما سبقت الإشارة – فهو الفرع الكردي للإخوان المسلمين في كردستان، وأسس عام 1994، ويعتبر الحزب الرابع في كردستان من حيث الحجم والنفوذ بعد الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير.
من جانب آخر، فإن «جماعة أنصار الإسلام» المتشدّدة أسست في يناير (كانون الثاني) عام 2001 بعد اندماج جماعة «جند الإسلام» المتشددة بقيادة أبو عبد الله الشافعي مع جماعة متشددة أخرى بقيادة نجم الدين فرج، الملقب بـ«ملا كريكار» والمقيم في النرويج حاليًا. وكانت هذه الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة». وكانت ثمة علاقة بين زعيمها وعبد الله عزام وأسامة بن لادن أبرز زعماء «القاعدة».
* تغييرات في المشهد
مريوان نقشبندي، الخبير في شؤون الحركات والأحزاب الإسلامية في الإقليم، قال لـ«الشرق الأوسط» شارحًا: «بعد انتفاضة الشعب الكردي في إقليم كردستان العراق ضد نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، طرأت تغييرات على الأحزاب والحركات الإسلامية في الإقليم، بحيث بدأت هذه الأحزاب تحاول دخول الساحة السياسية والمشاركة في السلطة والحكم، وحاول قسم آخر تطبيق الشريعة الإسلامية في هذه المنطقة. واستغلت هذه الأحزاب الإسلامية الأوضاع التي شهدها الإقليم آنذاك، خصوصا الحرب الداخلية بين الحزب الرئيسيين في الإقليم الحزب الديمقراطي الكردستاني الاتحاد الوطني الكردستاني، فصارت هذه الأحزاب الإسلامية الطرف الأكثر استفادة من هذه الحرب، إذ توسّعت وازداد حضورها في تلك الفترة».
وأردف نقشبندي: «ولكن بعد الانقسامات التي طالت صفوفهم، سقط الإسلاميون في كردستان العراق تحت تأثير الدول الإقليمية بسهولة. والقسم الأخطر من هؤلاء (جماعة أنصار الإسلام) التي انضمت إلى تنظيم القاعدة في زمن الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي. وبعد انتهاء أمر (جماعة أنصار الإسلام) أسس تنظيم داعش في سوريا، فانضم إليه نحو 500 شاب كردي متشدّد يحملون نفس فكرة الإسلام السياسي الراديكالي، وقتل خلال العامين الماضيين نحو 260 مسلحًا من هؤلاء المسلحين الأكراد في معارك التنظيم في سوريا والعراق، بينما عاد قسم آخر منهم إلى كردستان، البعض منهم الآن محتجز وجارٍ التحقيق معهم في المؤسسات الأمنية للإقليم، أما القسم الآخر من هؤلاء العائدين فعاد إلى حياته الطبيعية لأنه لا يوجد لديهم أي مشكلة، أما ما تبقى من أكراد إقليم كردستان في صفوف التنظيم فلا يتجاوز عددهم 100 مسلح».
وتابع نقشبندي شرحه قائلاً: «تنقسم الحركات الإسلامية في الإقليم حاليًا إلى قسمين أو اتجاهين رئيسيين، رغم أن هناك ثلاثة أحزاب إسلامية. وهذان الاتجاهان هما: الاتجاه الأصولي والراديكالي ويشمل (الحركة الإسلامية) وقسمًا من (الجماعة الإسلامية)، واتجاه جناح الإخوان المسلمين الذي استمدوا فكرتهم من خارج الإقليم».
* لن تكبر عن حجمها الحالي
من جانب آخر، يرى سوران سيوكاني، الخبير في شؤون الإسلام السياسي، إنه «لا مستقبل لحركات وأحزاب الإسلام السياسي في الإقليم... فهذه الأحزاب والحركات الإسلامية لن تبقى في المستوى الذي هي عليه الآن، بل ستنكمش لأنها لا تمتلك التاريخ ولا تحمل حلمًا جماهيريًا. إنهم كأحزاب إسلامية تمتلك أجندات خاصة بها، ولذا لا يمكنهم أن يكبر حجمهم عن حجمهم الحالي، وثقلهم في الواقع ثقل ديني ناجم عن استغلال أصوات المواطنين باسم الدين. في الانتخابات السابقة حصلوا على نسبة 15 في المائة من مجموع الأصوات في الإقليم، لكن هذه النسبة انخفضت الآن، ولن يستطيعوا مستقبلا اجتياز نسبة 8 في المائة لأسباب عدة منها ظهور (داعش)». وتابع: «هذا التنظيم يعتبر نتيجة من نتائج الإسلام السياسي، والناس يرون أن هذه الأحزاب الإسلامية إذا وصلت إلى السلطة سيكون لها نفس دور (داعش). وكذلك لم تقدم الأحزاب الإسلامية أي شيء حتى الآن للناس حتى ينظر إليهم الناس كبدلاء للوضع السياسي القائم، فهم الآن في الإقليم أصبحوا ملحقًا للأحزاب الأخرى، وليسوا أصحاب المبادرة.. فـ(الاتحاد الإسلامي الكردستاني) خاضع لتأثير تركيا، أما (الجماعة الإسلامية) فهي خاضعة لتأثيرات إيران».
* «إسلام كردي»
بدوره، قال الدكتور عرفات كريم، الخبير السياسي والنائب الكردي في مجلس النواب العراقي: «الإسلام السياسي يعتبر فكرًا خارجيًا دخل إقليم كردستان العراق. شعب كردستان لم يصنع هذا الفكر، ولذا على الأحزاب الإسلامية أن تحذف اسم الإسلامي من أسمائها لأن هذه الأحزاب تعمل على الساحة الكردستانية، ومشكلة الكرد ليست مشكلة دين، بل هي مشكلة قومية.. إنها مشكلة وطن وليست مشكلة إسلامية. إن الشعب الكردي شعب مسلم اعتنق الإسلام في السنة الثامنة عشرة من الهجرة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (ر)، وما زلنا ملتزمين بالإسلام حتى الآن. لكن وجود الإسلام السياسي شيء إضافي. وأنا أقترح أن يكون لنا إسلام كردي نفسّره ونحلله ونفهمه ونختار منه ما يصب في مصلحة الشعب الكردي، كما هو الحال في ماليزيا. فهناك (إسلام ماليزي) وفي (أوروبا إسلامي أوروبي)، وفي مصر (إسلام مصري).. (!)، بالإضافة إلى أن آيديولوجية الإسلام السياسية هي ضد الدولة الكردية، وضد الشعور القومي، وسيكون له تأثيرات سلبية على عملية إنشاء الدولة الكردية في الإقليم».
وشدد كريم على القول: «إن الأحزاب الإسلامية في الإقليم لن تستطيع حذف كلمة (الإسلامي) أو (الإسلامية) من أسمائها لأنها ستتحول إلى أحزاب قومية إذا حذفته، ونحن لسنا بحاجة إلى أحزاب قومية لأن الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني يواصلان العمل القومي منذ زمن بعيد، بالإضافة إلى أنهم إذا حذفوا هذه الإضافة سيخسرون جماهيرهم. لذا على هذه الأحزاب الإسلامية أن تتحول جميعها إلى أحزاب مدنية كالموجودة في تركيا، وإلا، حسب تصوري، فالإسلام السياسي انتهى، وسيأتي يوم يُغلقون فيه مقراتهم أيضًا ويعودون إلى بيوتهم، والآن الاستقالات متواصلة في صفوف هذه الأحزاب».



2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)

مبكراً جداً بدأت العمليات الإرهابية في العام الجديد 2020، وربما استغلت الخلايا الإرهابية القائمة والنائمة حالة الارتباك الحادثة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، لا سيما أزمة المواجهة الإيرانية - الأميركية الأخيرة، وما يحدث على سطح البحر الأبيض المتوسط من أزمات، مثل المحاولات التركية لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا... نقول استغلت تلك الجماعات المشهد، وها هي آخذة في النمو السيئ السمعة مرة جديدة، وإن كانت كالعادة الأيادي التركية والقطرية وراءها وتدعمها لأهداف لا تخلو عن أعين الناظر المحقق المدقق في المشهد الآني: ماذا عن تلك العمليات؟ وما دلالاتها في الحال والاستقبال وتجاذباتها وتقاطعاتها مع الدعم التركي والقطري الذي لا يتوقف؟

المتابع لشأن الإرهاب حول العالم يمكنه -بسهولة ويسر- رصد الاعتداء الإرهابي الذي حدث على قاعدة عسكرية في مالي، وكذا تعرض مسجد في باكستان لعمل هجومي من جماعات متطرفة، وصولاً إلى مهاجمة معسكر للجيش في نيجيريا.
إرهاب 2020 إذن به مسحات جديدة من التعرض لدور العبادة الإسلامية، الأمر الذي أودى بحياة 12 شخصاً، وهو أمر وصفته الحواضن الإسلامية الشرعية في المنطقة بأنه عمل إجرامي آثم يخالف دين الإسلام، بل يخالف كل الأديان التي دعت إلى حماية دور العبادة وحرمتها والدفاع عنها، وهو ما يؤكد أيضاً أن الإرهاب لا يرعى حرمة دين أو وطن، كما أنه يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والإضرار بالعباد في كل مكان وزمان.
ولعل التفجير الإرهابي الثاني في هذا الحديث هو ما يقودنا إلى قصة الساعة، وما يجري لتحويل أفريقيا إلى موقع وموضع لحاضنة إرهابية، حكماً ستكون الأكبر والأخطر من تجربة دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، المعروفة بـ«داعش».
وجرى ذلك العمل الإرهابي على أراضي جمهورية مالي التي باتت يوماً تلو الآخر تتحول إلى بؤرة إرهابية كبرى، لا سيما جراء تنوع وتعدد الجماعات الإرهابية القائمة على أرضها. فقد تم استهداف قاعدة عسكرية نهار الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأسفر عن إصابة 20 شخصاً، بينهم 18 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد وقع التفجير في منطقة تساليت بإقليم كيدال، شمال جمهورية مالي.
هل كانت تلك العملية الأولى من نوعها في مالي؟
بالقطع الأمر ليس كذلك، ففي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي وقعت هناك، وأودت بحياة 53 جندياً مالياً ومدنياً واحداً، وفق حصيلة رسمية، و70 جندياً، وفق الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم الإرهابي الذي تبنى أيضاً هجوماً في المنطقة نفسها، قتل فيه جندي فرنسي.
وكان واضحاً من بيان «داعش» أن مالي تحولت إلى مركز متقدم على صعيد عمليات الإرهاب، إذ أعلن التنظيم، في بيان له عبر تطبيق «تلغرام»، أن من يطلق عليهم «جنوده» استهدفوا رتل آليات للقوات الفرنسية بالقرب من قرية انديليمان، بمنطقة ميناكا، شمال شرقي مالي، بتفجير عبوة ناسفة. كما أعلن التنظيم في بيان منفصل أن مقاتليه «هاجموا قاعدة عسكرية يتمركز فيها جنود من الجيش المالي».
ولا يستهدف إرهابيو «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة القوات الفرنسية فحسب. ففي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي أيضاً، تم استهداف ثكنات عسكرية في بولكيسي، قتل فيها 40 جندياً مالياً، وفق الحصيلة الحكومية، وإن كانت هناك حصيلة أخرى غير رسمية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
ويخشى المراقبون من أن يكون الإرهاب قد جعل من مالي قاعدة متقدمة له، رغم الرفض والتنديد الشعبيين هناك بتلك الجماعات المارقة التي أضحت تتمركز على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي وصفه الإمام محمود ديكو بأنه «نزف تعيشه مالي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً». وقد سبق أن دعا ديكو إلى ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه جميع الماليين لتوحيد الصفوف في وجه الإرهاب، وهو الذي سبق أن تفاوض مع الإرهابيين للإفراج عن رهائن، من ضمنهم جنود ماليون.
ولعل المراقبين لشأن هذه الجمهورية الأفريقية التي باتت مصدر خوف وقلق لبقية القارة الأفريقية يتساءلون عن السبب الرئيسي الذي جعل منها خلفية للإرهاب الأممي، يخشى معها أن تمثل مع النيجر والصومال وكينيا مربع قوة ونفوذاً غير تقليدي يستنهض أوهام ما أطلق عليه الخلافة في فكر «الدواعش»، وغيرهم من جماعات التكفير، لا التفكير.
البداية في واقع الحال تنطلق من التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، فهي مليئة بالأعراق التي تكاد عند نقطة بعينها تضحى متقاتلة، ففيها مجموعة الماندي التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي السكان، والطوارق والعرب الذين يشكلون نحو 10 في المائة، والفولتايك الذين يشكلون 12 في المائة، والسنغاري بنسبة 6 في المائة، والبول الذين يشكلون 17 في المائة، بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى تشكل ما نسبته 5 في المائة.
ويمكن القطع بأن الجماعات الأصولية المختلفة قد أجادت العزف السيئ على مسألة الأعراق المالية المختلفة، وجعلت منها نقطة انطلاق لتقسيم المجتمع المالي، وتجزئته عبر تنويع وتعدد الانتماءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى وقوع 270 هجوماً إرهابياً في جمهورية مالي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والعهدة هنا على التقرير الأممي الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش، مؤكداً أن حصيلة تلك الهجمات قد بلغت 200 قتيل من المدنيين، و96 مصاباً، إضافة إلى اختطاف 90 آخرين، لافتاً إلى أن 85 في المائة من الهجمات المميتة وقعت في منطقة موبتى، حيث قتل خلالها 193 من القوات المسلحة، وجرح 126.
وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تشهد مالي حالة من حالات انعدام الأمن، بعد أن سيطرت جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة من شمال مالي، قبل أن يتدخل الفرنسيون والأفارقة لطرد هذه الجماعات من المدن الكبرى، وإن كانت الأخيرة تشن حرب عصابات منذ ذلك الوقت كبدت الفرنسيين والأفارقة والجيش المالي خسارة كبيرة.
ولم تكن مالي بطبيعتها المهترئة اجتماعياً لتغيب عن أعين الدواعش الذين دخلوا على الخط عام 2015، عندما أعلن المدعو أبو الوليد الصحراوي الانشقاق عن جماعة «المرابطون»، وتشكيل تنظيم جديد بايع تنظيم داعش، سماه «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخذ إليك، على سبيل المثال، بعضاً من تلك الجماعات التي باتت تغطي ثلثي الجهورية المالية منذ عام 2012، وفي المقدمة منها «جماعة التوحيد والجهاد». وقد كان حصان طروادة بالنسبة إليها، وما تسبب في انتشارها في البلاد، حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي حدث في 22 مارس (آذار) 2012. فقد برزت على السطح في هذا التوقيت، وتمكنت من احتلال شمال مالي. ويرى محللو شؤون الإرهاب الدولي في القارة الأفريقية أنه أحد أكثر التنظيمات رعباً، لكونه مسلحاً وممولاً بشكل جيد، فضلاً عن قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية منذ ظهوره، وتمركزه في الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة تساليت، وفرض سيطرته بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
ولم تكن جماعة «التوحيد والجهاد» بعيدة بحال من الأحوال عن تنظيم القاعدة، غير أنها انفصلت عنها وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي، تحت دعوة نشر فكر «الجهاد» في غرب أفريقيا، بدلاً من الاكتفاء فقط بمنطقة الغرب أو منطقة الساحل.
ويمكن للمرء أن يعدد أسماء كثيرة من التنظيمات الإرهابية على الأراضي المالية، مثل جماعة أنصار الدين، وهذه لها جذور عميقة في المجتمع المالي، ولذلك تضم ما بين 5 آلاف و10 آلاف عضو مزودين بأسلحة متقدمة.
وعطفاً على ذلك، يلاحظ المراقبون جماعات أصولية، وإن كانت أقل قوة من حيث العدة والعتاد، إلا أنها أخطر من جانب الأساس العقائدي، مما يجعل فرص ارتقائها أكبر وأوسع.
ومع تصاعد عمليات الإرهاب في مالي، وما حولها من دول جميعها مرتبطة بعقد واحد من الأصوليات الخبيثة، يبقى البحث عمن يزخمها ويساندها أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة.
أما الجواب فهو يسير. ففي 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في النيجر عن القبض على مجموعة إرهابية تتكون من 3 أشخاص، يحمل 2 منهم الجنسية التركية، بالإضافة إلى متعاون محلي من مواطني النيجر.
ويضحي من الطبيعي القول إن اعتقال أتراك في النيجر يفتح ملف الإرهاب التركي - القطري في العمق الأفريقي، ويثير من جديد قضية نقل الإرهابيين إلى طرابلس دعماً للميليشيات الموالية لقطر وتركيا في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
ويوماً تلو الآخر، يثبت للعالم أن هناك أكثر من ستار تختبئ تركيا من وراءه، وبتمويل قطري لا يغيب عن الأعين، في محاولة متجددة لا تنقطع من أجل إعادة إنتاج مشروع الخلافة الوهمي، حتى إن كلف ذلك أكثر من دولة أفريقية أمنها وأمانها.
ومن عينة الستر التي تختبئ تركيا وراءها: «الهلال الأحمر التركي»، و«الوكالة التركية للتعاون والتنسيق». أما قطر، فمنذ أمد بعيد تستخدم جمعية «قطر الخيرية» ستاراً لاستقطاب الإرهابيين والمرتزقة لدعم الميليشيات في طرابلس.
ومؤخراً، كان موقع «انفيستجتيف بروجكت» الأميركي المتخصص في إلقاء الضوء على القضايا الإرهابية يكشف عن العلاقة التي تربط بين المثلث الجهنمي الإخواني بأذرعه المختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، وجمعيات تركيا الخفية التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية، والرابط الأكبر المتمثل في الدعم المالي القطري لهما، وهي قصة يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سردها وعرضها، وإن كانت باختصار تبين أن العمق الأفريقي هو مكمن خطر الإرهاب العالمي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومؤخراً، تتحدث واشنطن عن انسحاب قواتها المسلحة من القارة الأفريقية، بذريعة التفرغ لملاقاة روسيا والصين حول العالم، وتالياً ترفض ألمانيا المشاركة بجنود في القوة الأوروبية التي تقودها فرنسا في الساحل الغربي الأفريقي لمواجهة خطر الإرهاب... فهل يعني ذلك أن هناك فصلاً جديداً من فصول نماء الإرهاب الدولي في ظل غض الطرف عنه؟!
آفة حارتنا النسيان. والذين لدغوا من ثعبان الإرهاب من قبل يبدو أنهم لم يتعلموا الدرس بعد.