ناصر العجمي.. سيرة دولة ومجتمع

«الجادة والمطية» يروي حياة الفتى المولود في الصحراء قرب خزان النفط

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

ناصر العجمي.. سيرة دولة ومجتمع

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

بين كثبان الرمال ومخازن النفط وُلد ناصر بن محمد بن شلان العجمي على أرض جرداء يلفحها الهجير، لكنّ سيرته ارتبطت فيما بعد بالصحراء، حيث نشبت أظفارها في ذاكرته، وبالنفط، حيث عمل أكثر من أربعين عامًا، وبنى شخصيته الإدارية. فكان كتابه «الجادة والمطية» الذي صدرت أخيرًا الطبعة الثانية منه بعد وقت قصير من طبعته الأولى (عن دار الكفاح)، ساردًا لسيرة رجل بدأ من الصحراء حتى تمكّن أن يتعلم ويتدرج في بناء الدولة، وأصبحت سيرته شاهدًا على عصره وعلى مرحلة بناء الدولة السعودية التي عاصر بواكيرها.
ينتمي ناصر العجمي إلى الصحراء بكل تراثها وما تحمل من ذكريات، حيث النشأة الأولى، ولذلك جاء عنوان المذكرات «الجادة والمطية»، راسخًا في فضاء الصحراء وما تكتنز من معانٍ، وظلّت الصحراء تلوح بلهيبها تارة، وسماتها الاجتماعية وشمائلها الأخلاقية تارة أخرى في فصول الكتاب، مهما دبّ المؤلف وتدرج في المراكز وسافر لحواضر الصناعة العالمية. الصحراء لم ترمز فقط لسنوات المرارة والعناء والتعب، بل هي التي كوّنت السمات الأولى للطبائع والسلوك المتجرد والفطري.
في التاسع والعشرين من شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 1935، وُلد ناصر العجمي في موقع صحراوي يسمى الفروق، يقع على مقربة من الحافة الغربية لحقل الغوار العملاق في الأحساء، الذي يُعد أكبر حقل نفطي في العالم (اكتشف عام 1948، وبدأ الإنتاج منه عام 1951).
وفي عام 1950، التحق بالعمل في شركة «أرامكو» كمتدرب، وفي أوائل الستينات ابتعثته الشركة للدراسة في لبنان أولاً، ثم في الولايات المتحدة الأميركية، حيث حصل على الدبلوم في الهندسة الميكانيكية التطبيقية، ثم البكالوريوس في العلوم الإدارية، وفي أواخر الستينات، بدأ صعود السلم المهني والوظيفي في «أرامكو» بثبات، في مسيرة مهنية استمرت أكثر من 42 عامًا، شغل خلالها مناصب كثيرة منها، تعيينه نائبًا للرئيس لتخطيط المشروعات والخدمات الفنية، ثم رئيسًا لشركة «أرامكو فيما وراء البحار» بهولندا، ثم اختير نائبًا أعلى للرئيس لخدمات الأعمال، وعضوًا في مجلس إدارة الشركة، فنائبًا أعلى للرئيس للعلاقات الصناعية، ثم نائبًا تنفيذيًا لرئيس الشركة، وهو المنصب الذي تقاعد منه عام 1993.
وفي عام 1994، عين بمرسوم ملكي عضوًا في مجلس المنطقة الشرقية. وفي العام التالي أصدر كتابه الأول «إرث جيل» باللغة الإنجليزية، كما عين بمرسوم ملكي، رئيسًا عامًا للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية. وفي عام 2005، عين بمرسوم ملكي، عضوًا في مجلس الشورى، وفي عام 2009، انتهت عضويته في مجلس الشورى، بناءً على رغبته، وتفرّغ لحياته الخاصة.
وبالإضافة إلى المناصب التي شغلها واللجان التي رأسها أو شارك في عضويتها، بحكم عمله، كان العجمي قد عين في مناصب مختلفة، إذ كان رئيسًا لمجلس إدارة شركة «فيلا البحرية العالمية المحدودة»، وعضوًا في مجالس إدارات شركة «خدمات أرامكو»، وشركة «النقل البحري السعودية»، و«الهيئة السعودية للتدريب المهني»، و«المجلس الأميركي للشحن البحري»، و«الشركة السعودية لخدمات السيارات والمعدات»، وهو عضو مستمر في مجلس إدارة الجمعية الخيرية لرعاية وتأهيل المعوقين بالمنطقة الشرقية، منذ أكثر من عشرين عامًا.
يحرص المؤلف على سرد الظرف الزماني الذي عاش فيه، ولذلك أهميته، فالعجمي المولود في الصحراء يلحظ بدقة الشخصية التي تميز أبناء البادية، وهو يعتبر أن هؤلاء يمكن أن يقدموا نموذجًا للتحول الكبير الذي شهدته السعودية، وتجربته الشخصية يمكن تقديمها كمصداق للتحول الذي أحدثه بناء الدولة واكتشاف النفط خصوصًا.
شهد المراحل الأولى لبناء الدولة السعودية، وقيام مؤسساتها، ولذلك جاءت سيرته لتصف التحول الكبير الذي شهدته السعودية، والجهد المضني الذي نهض به جيله، الذي يصفه بأنه «جيل لم يرَ تباينًا بين طموحاته الشخصية وخدمة الوطن»، وأنه «أول جيل بعد توحيد السعودية يكسر الحواجز القبلية والطائفية والمناطقية والاجتماعية حينما جاءوا من كل حدب وصوب من أنحاء السعودية للعمل سويًا لإرساء حجر الأساس لمجتمع جديد، فكان ذلك تحولاً اجتماعيًا بدأت فيه المصالح العليا والعامة للمجتمع تحل محل ثقافة التشرذم والتناحر».
وتكشف سيرة العجمي أيضًا التي توزّعت في كتابه عبر سبع محطات زمانية ومكانية، عن اهتمامه بقراءة الصورة الكاملة للظرف الذي عاش فيه وترعرع، ولذلك فهو حريص على سرد المراحل التي قامت فيها الدولة كصورة سينمائية للحديث عن الجانب الشخصي من حياته، أمرٌ آخر، وهو اهتمامه بالشعر وخصوصًا ما يرمز للبادية من جهة الشعر النبطي المسكون بالقصة والحكمة والعبرة وتسجيل الأحداث وروايتها، فالكتاب يضم مجموعة كبيرة من القصائد وكثير منها من نظم المؤلف تحمل خصائص الشعر البدوي.
يروي العجمي تجربة الملك عبد العزيز في بناء الدولة الحديثة، وهو يتعرض خصوصًا لمرحلة ما قبل النفط وما تلاها من تأثير على الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وهو ويعتبر توحيد الجزيرة العربية على يد الملك عبد العزيز هو أهم أحداث تلك الحقبة التي أنهت التناحر القبلي والشتات السياسي والاجتماعي، ويليها تأسيس شركة الزيت العربية الأميركية (أرامكو) بعد اكتشاف النفط الذي شكّل بدء الانفصام التدريجي لوتيرة الحياة في الجزيرة العربية، حيث نقلت الحياة الاقتصادية للناس من الاشتغال بكل أشكال المهن من الغوص والفلاحة والرعي إلى العمل الوظيفي في «أرامكو»، وفيها بدأ الانصهار الاجتماعي الفعلي بين أبناء مناطق البلاد.
حين يتحدث العجمي عن قصة عمله في شركة «أرامكو»، التي عنونها بـ«من الحضيض إلى القمة» (ص:67) يُقدّم قراءة بانورامية للأحداث السياسية التي كان العالم العربي يمرّ بها، يقول: «كانت فترة الخمسينات من القرن الماضي نقطة تحول تاريخي على جميع المستويات المحلية والإقليمية والعالمية}.
أما على المستوى الإقليمي والمحلي، في تلك الحقبة، فقد كانت البلاد العربية تعيش تداعيات النكبة الفلسطينية، والثورات والانقلابات العسكرية، وحروب التحرير والكفاح..» (ص: 68).
يُظهر المؤلف اهتمامًا بالأدب وقراءة النتاج الثقافي العالمي، وهو يسرد في بداية كتابه قصة اختياره للعنوان، يقول المؤلف: «أثناء بحثي عن عنوان معبر وشامل لمحتويات سيرتي في الحياة، كنتُ أفتش عن عنوان يربط بين سماتي الشخصية، ومنهجي في الحياة الروحية والعملية، وعلاقاتي الإنسانية».
مثّل العمل الطويل في شركة النفط «أرامكو» رصيدًا خصبًا في التجربة الإدارية لناصر العجمي، حيث تدرج حتى وصل لوظيفة نائب الرئيس.
تروي سيرة العجمي كما سردها في «الجادة والمطية» قصة رجل شق طريقه المحفوف بالمصاعب والمتاعب والمشاق، بجدية وعصامية حتى بنى نفسه من الصفر، وتعلّم وتدرّج في التعليم والمراتب الوظيفية حتى وصل لمراكز مرموقة.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.