انسحاب جمهوري من سباق رئاسة مجلس النواب الأميركي يهز الكونغرس

فشل الجمهوريون في الكونغرس الأميركي ليلة أول من أمس في اختيار زعيم جديد لكتلتهم النيابية، بعد انسحاب كيفن ماكارثي، مساعد الزعيم السابق عند فشله في حل الأزمة الداخلية للحزب، مما تسبب في حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل الحزب وقيادة الكونغرس.
وفي محاولة لتبرير هذا الفشل قال ماكارثي (50 عاما) «لقد بات من الواضح في الأسابيع الأخيرة أن كتلتنا تعاني من انقسام عميق، ولا بد أن تتحد وراء زعيم... ونحن على الأرجح بحاجة إلى وجه جديد».
وكان ماكارثي مساعد الرئيس السابق للمجلس جون باينر، المرشح الأوفر حظا لتولي هذا المنصب، الذي يعد الشخصية الثالثة في الولايات المتحدة بعد رئيس البلاد ونائبه. وكان باينر قد أعلن في سبتمبر (أيلول) الماضي أنه سيتقاعد في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لكنه قال إنه سيواصل تولي مهامه حتى انتخاب خلف له.
وفشل كل من باينر وماكارثي في حشد ما يكفي من أصوات حزب الشاي، الجناح المتشدد للجمهوريين، وبقية نواب الكتلة الذين يشار إليهم بـ«التقليديين». وقد عقد النواب الجمهوريون الـ247 اجتماعا مغلقا ظهر أول من أمس لانتخاب زعيم جديد عندما أعلن ماكارثي انسحابه.
وإذا كان ماكارثي سيحصل على الغالبية بسهولة في الاقتراع الداخلي، إلا أنه لم يشأ أن يغامر بأن يتم انتخابه رئيسا للمجلس بفارق ضئيل، أو حتى أن يمنى بخسارة في التصويت العام للمجلس بمشاركة الجمهوريين والديمقراطيين. وهذا التصويت مقرر مبدئيا في 29 من أكتوبر الحالي.
وبعد انتهاء الاجتماع أعرب الجمهوريون عن مفاجأتهم وخيبة أملهم.
إلا أن المحافظين في الحزب اعتبروا انسحاب ماكارثي النتيجة المنطقية لوضعه كخلف لباينر. فيما صرح النائب الجمهوري المعتدل تشارلي دينت للصحافيين إنه «لا بد من تهميش أعضاء المجموعة التي ترفض كل شيء».
وبات الحزب يبحث عن مسؤول توافقي، إذ ليس هناك أي مرشح يفرض نفسه بقوة، بينما يتم في الخفاء تداول بضعة أسماء.
وسارع بول راين، المرشح لمنصب نائب رئيس الجمهورية في انتخابات 2012، الذي تتوفر فيه الشروط المطلوبة، إلى إعلان عدم اهتمامه بالمنصب، ولو أن عددا من النواب سعى إلى إقناعه بالعدول عن موقفه، إذ قال النائب الجمهوري هال رودجرز لوكالة الصحافة الفرنسية إن «هناك على الأرجح الكثير من الضغوط عليه».
بينما صرح ماكارثي في مقابلة مع صحيفة «بوليتيكو»، متحدثا عن الحزب الجمهوري «أحيانا لا بد من بلوغ القاع قبل الصعود مجددا. وهذا يمنحنا انطلاقة جدا».
بيد أن الانقسامات الداخلية في مجلس النواب ليست وليدة اليوم، بل إنها كانت جلية ومستمرة منذ انتزاع الجمهوريين الغالبية من الديمقراطيين قبل نحو خمس سنوات. وما زال الأميركيون في هذا الصدد يتذكرون الإغلاق الجزئي للإدارات في سنة 2013 الذي نجم عن تعنت حزب الشاي بشأن الميزانية. وبهذا الخصوص قال جوش إيرنست، المتحدث باسم البيت الأبيض، إن «هناك أقلية من السياسيين الجمهوريين المحافظين الذين يضعون آيديولوجيتهم المتطرفة فوق كل شيء».
وتكمن المفارقة في أن حزب الشاي، الذي يعود إليه الفضل أيضا في الانتصار الكبير للجمهوريين في الانتخابات التشريعية في 2010 و2014 يشعر بأنه مهمش داخل الحزب.
ويتهم نواب ضمن مجموعة الحرية أو «فريدوم كوكس» الجديدة مسؤولي الحزب بالرضوخ غالبا لضغوط الرئيس باراك أوباما، وبخيانة الناخبين الذين اختاروهم لمواجهة هيمنة الإدارة الديمقراطية. فيما يجعل الفصل بين السلطات من مجلس النواب عاجزا أمام رئيس يمتلك حق الفيتو. وهذه الفوضى تعكس الضغوط العامة داخل الحزب الجمهوري.
وفي حملة الانتخابات التمهيدية للرئاسة داخل الحزب طغى مرشحون مستجدون يعدون بتنشيط الطبقة السياسية، مثل الملياردير دونالد ترامب، والطبيب السابق بن كارسن على المرشحين «التقليديين». لكن الأزمة داخل الحزب ليست سياسية فحسب، إذ إن أمام الكونغرس مهلة حتى الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل لرفع سقف الدين الفيدرالي، وتفادي التخلف عن السداد. ويمكن أن تثير الفوضى داخل مجلس النواب قلق الأسواق المالية.
وبينما لا يزال الغموض يكتنف سير المنافسة لاختيار رئيس المجلس، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ارنست إن هذا التطور أظهر «صدعا» في الحزب الجمهوري، وهو الأمر الذي من شأنه أن يجعل الرئيس القادم للمجلس يواجه مهمة صعبة في كبح جماح أقلية من الحزب «تضع آيديولوجيتها المتطرفة فوق كل شيء آخر»، لكنه لم يدل بتصريحات بشأن الشخص الذي ينبغي أن يتولى هذا المنصب، وأضاف أنه «يتعين على الجمهوريين اتخاذ بعض القرارات حول كيفية قيادة مؤتمرهم.. فمن السهل السخرية من الفوضى، لكن الحقيقة هي أن التحدي الذي يواجه الجمهوري الذي سيرأس مجلس النواب المقبل، بغض النظر عمن سيكون، هو نفس التحدي الذي واجه جون بوينر، وهو نفس التحدي الذي كان سيواجه كيفن مكارثي».