برلمان طرابلس يتشدد قبل إعلان تشكيل حكومة الوفاق الوطني

الكشف عن فضيحة سرقة نصف مليار دولار من أموال ليبيا المجمدة لدى تونس

برلمان طرابلس يتشدد قبل إعلان تشكيل حكومة الوفاق الوطني
TT

برلمان طرابلس يتشدد قبل إعلان تشكيل حكومة الوفاق الوطني

برلمان طرابلس يتشدد قبل إعلان تشكيل حكومة الوفاق الوطني

تمسّك أمس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) السابق والمنتهية ولايته في ليبيا، بموقفه المتشدد حيال ضرورة تعديل مسودة الاتفاق الأخير الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة، قبل الإعلان عن تشكيل حكومة وفاق وطني جديدة.
وأعلن الدكتور عوض عبد الصادق، رئيس الفريق الممثل لبرلمان طرابلس، أن الفريق اجتمع مع رئاسة المؤتمر ومع بعض الأعضاء ورؤساء اللجان لمناقشة آخر تطورات الحوار، مشيرًا إلى أن أعضاء البرلمان رأوا خلال جلستهم أول من أمس أنه ما زال هناك تعديلات يجب أن تدخل في المسودة وتم توضيح هذه التعديلات وإعطاؤها لفريق الحوار من أجل أن يرجع بها للصخيرات ويطرحها مع بعثة الأمم المتحدة وأطراف الحوار السياسي.
وفي ما يتعلق بطرح الأسماء المرشحة للانضمام لحكومة الوفاق الوطني، أضاف عوض في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه: «نحن كنا نأمل أن نعود للصخيرات بالترشيحات.. سوف تلحق بنا آلية اختيار الأسماء وإذا ضمنت التعديلات في المسودة الاتفاق سوف تكون الأسماء عندنا خلال 12 ساعة من إبلاغ المؤتمر بتضمين تعديلاته بالمسودة».
ومضى إلى القول: «نحن سوف نغادر الليلة (الماضية) ونحمل معنا التعديلات في انتظار الخروج بآلية والرد على المؤتمر الوطني حتى نبلغه بالتعديلات التي ضمنت ومن ثمة يبعث لنا الأسماء في الجولة التي قد تكون الجولة النهائية في الحوار السياسي».
وكان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة برناردينو ليون قد أعلن من منتجع الصخيرات بالمغرب في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس، أن برلمان طرابلس لم يتخذ قراره ولم يقدم أي أسماء لحكومة الوحدة الوطنية.
وقال ليون في بيان وزعته البعثة الأممية: «غير أننا قررنا أن نمضي قدمًا وسنستمر بالعمل على تشكيل حكومة الوحدة هذه، ونأمل أنه سيكون بوسعنا اقتراح هذه الحكومة بحلول اليوم».
وأضاف: «لن تمنع أي من العقبات، التي نعلم أننا نواجهها، الحوار الوطني من اقتراح هذه الحكومة، حكومة وحدة، حكومة قوية ستوحد جميع الليبيين وستمكّن ليبيا من تخطي الأزمة الاقتصادية والأزمة الإنسانية اللتين تواجههما».
وتابع: «سنكون قادرين على اقتراح حكومة، فهذا الاتفاق لن يتغير، هذا اتفاق نهائي، كما قال المجتمع الدولي بشكل جلي للغاية يوم الجمعة الماضي، وسوف يلقى دعم أغلبية كبيرة من الليبيين».
وردًا على موقف سكان العاصمة الليبية طرابلس من الاتفاق المنتظر، قال ليون: «يمكنني أن أقول إن الانطباع الآن هو أن أغلبية كبيرة من الليبيين، وهذا يشمل أغلبية كبيرة من طرابلس، ونود أن نعتقد أنه توجد ضمن هذه الأغلبية الكبيرة الأغلبية الكبرى من أعضاء المؤتمر الوطني العام، مستعدون لدعم حل سلمي، واتفاق سياسي دون تغيير، وحكومة وحدة يجب الإعلان عنها غدًا».
إلى ذلك، كشف ديوان المحاسبة الليبي أمس ما وصفه بمؤامرة بين مسؤولين ليبيين وشخصيات أجنبية تهدف للاستيلاء على نصف مليار دولار أميركي من الأموال الليبية المجمدة في تونس.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية عن مصدر في الديون، أن رئيسه عمر عبد ربه صالح اكتشف مستندات مزورة متعلقة بالإفراج عن هذا المبلغ، لصالح مؤسسة مسجلة في لبنان تحت ستار توريد كميات من الأدوية والأغذية والمعدات الطبية.
ولفت إلى رسالة مزورة منسوبة لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح وموجهة إلى رئيس لجنة العقوبات الأممية في مكتب الأمم المتحدة والذي قام بدوره بالإفراج عن هذه الأموال، مشيرًا إلى أنه طلب إبلاغ مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي بعدم تمرير أي إجراءات إلا من خلال السلطات الشرعية في ليبيا.
من جهة أخرى، اعترفت وزارة الداخلية فيما يسمى حكومة الإنقاذ الوطني التي تسيطر على العاصمة طرابلس بوقوع أعمال خطف وسرقة على أيدي من وصفتهم بالجماعات الخارجة عن القانون، مما يعرض حياة المواطنين في العاصمة للخطر.
وتعهدت الوزارة في بيان أصدرته أمس، بالضرب بيد من حديد على كل من يعبث بأمن واستقرار ليبيا. وأضافت أنها «وإن استنفدت كل المساعي الاجتماعية لحل المشكلة، فإن يد القانون لن تعجز وستطال كل من عبث بأمن واستقرار البلاد».
وفي مؤشر جديد على تصاعد معاناة مواطني العاصمة الليبية من استمرار انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة في اليوم، أعلنت الشركة العامة للكهرباء توقف إمدادات الوقود الغازي بشكل مفاجئ عن محطات توليد الطاقة الكهربائية بالمنطقة الغربية، مشيرة إلى أن هذا ساهم في تعطيل بعض وحدات التوليد وخروجها عن الخدمة مما تسبب في حدوث فقد كبير في القدرات الإنتاجية المتاحة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.