ضغوط دولية على رئيس جنوب السودان للتراجع عن خطته بزيادة عدد الولايات

المتحدث باسم سلفا كير: ذلك أمر سيادي يؤكد استقلال القرار في بلادنا

ضغوط دولية على رئيس جنوب السودان للتراجع عن خطته بزيادة عدد الولايات
TT

ضغوط دولية على رئيس جنوب السودان للتراجع عن خطته بزيادة عدد الولايات

ضغوط دولية على رئيس جنوب السودان للتراجع عن خطته بزيادة عدد الولايات

بدأت حملة إقليمية ودولية للضغط على رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت لإثنائه عن قراره المثير للجدل، الذي اتخذه الأسبوع الماضي بزيادة عدد ولايات البلاد إلى 28 ولاية بدلاً عن 10، حيث وصفته أطراف محلية بأنه يتناقض مع اتفاقية السلام الموقعة بينه وغريمه زعيم المعارضة المسلحة رياك مشار، غير أن جوبا رفضت التراجع عن القرارات التي اتخذتها، وعدت ذلك بأنه يدخل في إطار الأعمال السيادية التي تعزز من استقلال البلاد.
وقالت مصادر في جنوب السودان لـ«الشرق الأوسط» إن وسطاء الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا (الإيقاد) أعربوا عن قلقهم من القرار الذي أصدره رئيس جنوب السودان بزيادة عدد الولايات، وعدوا القرار متناقضًا مع نصوص اتفاقية التسوية بين الحكومة والمعارضة المسلحة بقيادة رياك مشار، والتي حددت عشر ولايات، ولذلك طالبت (الإيقاد) جوبا بالتراجع وتأجيل القرار خوفًا من انهيار اتفاق السلام، فيما تقول الوساطة إنها تعكف حاليا على التحضيرات اللازمة لتنفيذ الاتفاق، وتشكيل الحكومة الانتقالية في ديسمبر (كانون الأول) القادم.
وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج (الترويكا) قد دعت الرئيس سلفا كير لتأجيل تنفيذ قراره القاضي بزيادة عدد الولايات في بلاده إلى حين تشكيل الحكومة الانتقالية، وحثته على إجراء حوار دستوري وتشكيل حكومة انتقالية، وقالت «الترويكا» في بيانها أمس إن اتفاق السلام بين الحكومة والمعارضة المسلحة تستند بوضوح إلى أن عدد الولايات هي عشر ولايات في الوقت الراهن، وأن أي قرار أحادي الجانب من قبل الطرفين يعد انتهاكًا للاتفاقية، ومن جانبه أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا مماثلاً يحذر من عواقب وخيمة في حال تنفيذ كير لقراره بتقسيم الولايات
غير أن إتيني ويك، المتحدث الرسمي باسم رئيس جنوب السودان، قال إن قرار الرئيس سلفا كير نهائي ولا رجعة فيه، معتبرًا بيانات المجتمع الدولي و«الإيقاد» تدخلاً سافرًا في الشؤون الداخلية لبلاده، وأوضح أن «الاتحاد الأوروبي ودول الترويكا يتحدثون عن الديمقراطية وقرارات الرئيس سلفا كير تعبر عن ذلك لأنها تلبية لمطالب الشعب»، مشددًا على أن قرار زيادة الولايات يستند على الدستور الانتقالي وصلاحيات الرئيس التي منحها له الدستور في تقسيم الولايات، كما أوضح أن قرار التقسيم لا يتعارض مع نصوص اتفاق السلام، بل يكملها ولا ينتقص منها، غير أنه استدرك قائلاً إن البرلمان «سيقوم بإجراء تعديلات على الدستور في الأيام القادمة، وبموجبه سيتم تعيين حكام الولايات الجدد»، مشيرًا في هذا الصدد إلى أن كير عقد اجتماعًا أمس مع حكام الولايات العشر السابقين ولجنة الدستور، وشكل بعدها لجنة للبدء في تقسيم الثروات مع الولايات الجديدة ورسم الحدود بينها.
وأضاف ويك أن المجتمع الدولي لم يتخذ مواقفه إلا بعد صدور بيان زعيم المعارضة المسلحة التي يقودها رياك مشار ومجموعة المعتقلين السابقين التي يترأسها باقان أموم، موضحًا أن مشار كان قد اقترح في المفاوضات تقسيم البلاد إلى 21 ولاية، وأنه قام بتعيين الحكام من جانبه، لكن «عندما فعل مشار ذلك قبل توقيع اتفاق السلام لم نسمع عويل وصراخ المجتمع الدولي، وما يقوم به الرئيس سلفا هو أمر سيادي ويعبر عن استقلال قرارات البلاد».
في غضون ذلك، ألغت الإدارة الأميركية لقاءً يجمع رياك مشار مع كبار المسؤولين في البيت الأبيض، مما أثار غضب مشار الذي عبر عن إحباطه للقرار الذي اتخذته بشكل مفاجئ مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، حيث كان يفترض أن يبدأ زيارة هذا الأسبوع إلى واشنطن للحصول على دعم من قبل الإدارة الأميركية، غير أن إدارة الرئيس أوباما تراجعت بسبب ما وصفته فشل طرفي اتفاق السلام في جنوب السودان في وقف أعمال العنف حتى بعد توقيعهما الاتفاق في أغسطس (آب) الماضي.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.