الكرملين يستعد لتعزيز السيطرة على الإنترنت في روسيا

«الربيع العربي» واحتجاجات موسكو وأوكرانيا.. دفعت لتشديد الرقابة

صحافيون روس أنهوا يومهم الأخير في الموقع الشهير «لنتارو» منتصف مارس 2014 بعد أن واجهوا تشريعات أسماها بوتين «مشروع سي آي إي» التي تقيد من حرية العمل الصحافي على الإنترنت (أ.ب)
صحافيون روس أنهوا يومهم الأخير في الموقع الشهير «لنتارو» منتصف مارس 2014 بعد أن واجهوا تشريعات أسماها بوتين «مشروع سي آي إي» التي تقيد من حرية العمل الصحافي على الإنترنت (أ.ب)
TT

الكرملين يستعد لتعزيز السيطرة على الإنترنت في روسيا

صحافيون روس أنهوا يومهم الأخير في الموقع الشهير «لنتارو» منتصف مارس 2014 بعد أن واجهوا تشريعات أسماها بوتين «مشروع سي آي إي» التي تقيد من حرية العمل الصحافي على الإنترنت (أ.ب)
صحافيون روس أنهوا يومهم الأخير في الموقع الشهير «لنتارو» منتصف مارس 2014 بعد أن واجهوا تشريعات أسماها بوتين «مشروع سي آي إي» التي تقيد من حرية العمل الصحافي على الإنترنت (أ.ب)

لا تزال غالينا تيمشينكو تتذكّر كيف شعرت بالفخر عندما وصلت أعداد مستخدمي موقع أخبار روسي تتولى رئاسة تحريره إلى 3 ملايين مستخدم يوميًا. وعندما نقلت هذا الخبر إلى مالك الموقع، عقدت الدهشة لسانه.
وأضافت: «في هذه اللحظة، بدأ أمر غريب يحدث وأدركت أنها النهاية، لأنه لا يمكن أن يتوافر مصدر أخبار بهذا التأثير بعيدًا عن سيطرة الكرملين».
بعد شهر، فصلت من عملها، ووقع الاختيار على شخص أكثر ودًا تجاه الكرملين كي يحل محلها في رئاسة تحرير الموقع. وجاء هذا التغيير في إدارة الموقع العام الماضي في وقت كانت الحكومة تضغط لتمرير مجموعة من القوانين الجديدة الرامية لتعزيز سيطرتها على شبكة الإنترنت، والتي وصفها الرئيس فلاديمير بوتين بـ«مشروع سي آي إيه». وبمرور الوقت، اتضحت إمكانية الالتفاف على بعض هذه القوانين، بما فيها تلك الرامية لمنح الحكومة سلطات واسعة لغلق المواقع والمدونات الإلكترونية.
في هذا الصدد، أعربت إيرينا بوروغان التي تشارك في تأليف كتاب جديد عن الإنترنت في روسيا بعنوان «الشبكة الحمراء»، عن اعتقادها أن «بوتين ورجاله على ثقة من أن كل الأمور مبنية على شكل هرمي، لكن الإنترنت شبكة، وبإمكان الجميع المشاركة بها».
ومن بين الإجراءات الأخرى التي قد تكون أكثر تعقيدًا إقرار قانون في الأول من سبتمبر (أيلول) يجبر الشركات على الاحتفاظ بالحاسبات المخدمة التي تحوي معلومات عن مواطنين روس يعيشون على أراضٍ روسية. كما جرى توجيه طلبات إلى الشركات المعنية بتوفير خدمات الإنترنت، لتوفير معلومات عن مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي وخدمات نقل الأموال عبر الإنترنت.
على مدار سنوات، انصب اهتمام الكرملين على الصورة التلفزيونية لروسيا، نظرًا لأن التلفزيون كان المصدر الذي اعتمدت عليه غالبية الروس في التعرف على أخبار بلادهم. وبالفعل، جرى إخضاع القنوات التلفزيونية لسيطرة الدولة أو إغلاقها، بينما ظل الفضاء الإلكتروني بمنأى عن هذه الجهود.
إلا أن الحال بدأ يتغير بعد ثورات «الربيع العربي» التي أسقطت حكومات عبر الشرق الأوسط والغضب الذي اشتعل داخل روسيا بسبب تزوير الانتخابات، ما أدى لاندلاع مظاهرات غير مسبوقة ضد الرئيس بوتين خلال 2011 - 2012. بعد ذلك، جاءت الأزمة الأوكرانية مطلع عام 2014، عندما أدت مظاهرات مؤيدة للغرب لطرد الرئيس الموالي لروسيا. واستجابت الأخيرة بالمسارعة إلى ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية إليها.
وطردت تيمشينكو من عملها في مارس (آذار) 2014، بعد إجرائها مقابلة مع زعيم جماعة أوكرانية يمينية متطرفة تدعى «القطاع الصائب». وترك غالبية فريق العمل المعاون لها العمل، وانضم بعضهم إلى مشروع إعلامي جديد في المنفى يسمى «ميدوزا».
وأضافت تيمشينكو خلال مقابلة أجرتها معها «أسوشييتد برس»: «إن الوضع صعب لأنه لا ضرورة لأي من هذه القوانين. وقد تم إقرارها جميعًا خلال العام ونصف العام الأخيرين. ولا يكمن الرعب الحقيقي في تحركهم ضد الجميع في اللحظة ذاتها، وإنما في تحركهم ضد شخص ما في لحظة ما لأي سبب».
يذكر أنه عام 2014، وقع بوتين على مشروع قانون يسمح للسلطات بحظر أي محتوى إلكتروني تعتبره «متطرفًا». واشتكى منتقدو القانون من أن صياغته فضفاضة للغاية بحيث يصعب تحديد أي المحتويات تعد «متطرفة»، وبالتالي فإنه من الممكن إساءة استغلاله من جانب السلطات الساعية لحظر محتوى لمجرد أنه لا يروق لها.
ومن بين القوانين المقيدة الأخرى التي جرى تمريرها عام 2014، قانون يجبر المدونين الذين تزيد أعداد متابعيهم على 3.000 متابع، على تسجيل مدوناتهم كـ«منظمات إعلامية». وتم حظر الكثير من المواقع الإلكترونية المعارضة تمامًا، بما في ذلك موقع يتبع بطل العالم في الشطرنج سابقًا، غاري كاسباروف، الذي يعد واحدًا ممن ينتقدون بوتين بقسوة ويعيش حاليًا في المنفى. كما جرى إغلاق مدونة زعيم المعارضة والناشط المناهض للفساد، أليكسي نافالني. ومع ذلك، وجد أنصاره سبلاً أخرى للمقاومة.
في هذا الصدد، قال روسلان ليفيف، مدون نشط ومعارض، تولى كذلك مراقبة الصراع في أوكرانيا والوجود الروسي العسكري في سوريا: «عندما بدأ سريان القانون وجرى حظر مدونة أليكسي نافالني للمرة الأولى، قررنا الالتفاف على الحظر بصورة قانونية عبر خلق الكثير من المواقع (المرئية) للمدونة».
ويعتقد ليفيف أن محاولات الحكومة السيطرة على الإنترنت تواجه الفشل، واصفًا الإجراءات الجديدة بأنها «هشة ومعيبة، وغالبًا ما تؤتي التأثير المضاد تمامًا». وأضاف أنه عندما تحظر «روسكومنادزور»، الوكالة الفيدرالية المعنية بتنظيم الإنترنت، موقعًا إلكترونيًا معارضًا، تتزايد شعبيته بصورة هائلة لمجرد أنه جرى حظره.
يذكر أنه عندما اندلع الصراع المسلح في شرق أوكرانيا في أبريل (نيسان) 2014، اتبعت روسيا أسلوبًا جديدًا في التأثير على تدفق المعلومات عبر الإنترنت، حيث جرى تأسيس مواقع إلكترونية وحسابات جديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإغراق الإنترنت بمعلومات تقضي على الخط الفاصل بين الحقيقة والخداع، في خضم ما وصف بأنه «حرب مختلطة».
وعن ذلك، قال أندري سولداتوف، المؤلف الآخر المشارك في كتابة «الشبكة الحمراء» الذي درس الإنترنت والخدمات الأمنية الروسية لأكثر من عقد: «انتابت الدهشة الجميع حيال سرعة تغيير الكرملين لأساليبه في إطار هذا الصراع». واستطرد بأنه: «عندما واجهت روسيا مشكلات مع جيرانها فيما مضى، اتبعت تكتيكات مختلفة، مثل شن هجمات قطع خدمة الإنترنت ضد إستونيا وجورجيا وليتوانيا، وما إلى غير ذلك. وتوقع الجميع أن تفعل المثل مع أوكرانيا، لكن هذا لم يحدث قط. بدلاً من ذلك، عاينا مثل هذه الهجمات الجديدة».
أيضًا في أبريل 2014، تعرض بافيل دوروف، مؤسس «فكونتاكتي»، أكثر شبكة تواصل اجتماعي شعبية في روسيا، للطرد، بعدما رفض التعاون مع السلطات الروسية عندما طلبت منه معلومات عن متظاهرين أوكرانيين.
ورغم كل ذلك، استمر مستخدمون في نشر مواد غير مقبولة لدى الكرملين. على سبيل المثال، نشر جنود روس روايات عن القتال الدائر في شرق أوكرانيا تتعارض مع نفي الكرملين إرساله قوات لدعم الانفصاليين، ونشر أقارب لجنود، قصصًا حول جنازات لجنود قتلوا في القتال الدائر هناك.
يذكر أن شركتي «آبل» و«بوكينغ دوت كوم»، من بين الشركات التي اشترت كومبيوترات خادمة داخل روسيا للالتزام بالقوانين الجديدة التي بدأ سريانها في الأول من سبتمبر. أما «تويتر» و«فيسبوك»، وكلاهما من الأدوات المفضلة لدى المعارضة الروسية، فلم يعلنا بعد ما إذا كانا سيلتزمان بالقوانين الجديدة. أما «روسكومنادزور»، الوكالة الفيدرالية المعنية بتنظيم الإنترنت، فأعلنت أنه لا مشكلة لديها في حظر الموقعين إذا سببا مشكلات لروسيا.



الكرملين: دائرة ترمب تتحدّث عن سلام وبايدن يسعى للتصعيد

TT

الكرملين: دائرة ترمب تتحدّث عن سلام وبايدن يسعى للتصعيد

أوكراني في منطقة دمّرها هجوم صاروخي في أوديسا الاثنين (رويترز)
أوكراني في منطقة دمّرها هجوم صاروخي في أوديسا الاثنين (رويترز)

أعلن الكرملين، الاثنين، أنه لاحظ أن دائرة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب تتحدّث عن خطة سلام محتملة بشأن أوكرانيا، في حين أن نظيرتها الحالية للرئيس جو بايدن لا تفعل ذلك، بل تسعى إلى تصعيد الصراع.

وأدلى المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، بهذه التصريحات، رداً على طلب للتعليق على ما قاله مايك والتز الذي اختاره ترمب مستشاراً للأمن القومي، خلال مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، الأحد.

وقال والتز إن ترمب «قلق للغاية» من تصعيد القتال بين روسيا وأوكرانيا، وإن الحرب يجب أن تنتهي «بشكل مسؤول».

رجل إنقاذ قرب مبنى أُصيب بصاروخ روسي في أوديسا الاثنين (رويترز)

وأشار والتز إلى ما وصفه بتدخل كوريا الشمالية وإيران في الصراع، واستخدام روسيا صاروخاً باليستياً فرط صوتي ضد أوكرانيا، وكذلك قرار بعض الدول الغربية بالسماح لأوكرانيا بإطلاق صواريخ زوّدتها بها لضرب مناطق داخل روسيا، وقال إن كوريا الجنوبية تدرس ما إذا كانت ستتدخل هي أيضاً في الصراع.

وقال والتز: «نحتاج إلى المناقشة بشأن من سيجلس على الطاولة، وما إذا كان اتفاقاً أم هدنة، وكيفية إحضار الطرفين إلى الطاولة، ثم ما هو إطار الاتفاق».

وذكر بيسكوف أن الكرملين أُحيط علماً بهذه التصريحات، وأن الرئيس فلاديمير بوتين أشار مراراً إلى أن روسيا مستعدة للحوار بشأن أوكرانيا.

ورداً على سؤال عن تصريحات والتز، قال بيسكوف: «نسمع في الحقيقة كلمة (سلام) أو (خطة سلام) من دائرة أنصار ترمب الذين رشحهم لمناصب في الإدارة المستقبليّة... لم نسمع مثل هذه الكلمات من إدارة (بايدن) الحالية، في حين تستمر الإجراءات التصعيدية الاستفزازية. هذا هو الواقع الذي نواجهه».

خبراء أوكرانيون يعاينون بقايا صاروخ روسي الاثنين في خاركيف (إ.ب.أ)

وأعلنت موسكو أن دفاعاتها الجوية أسقطت ثمانية صواريخ باليستية أطلقتها أوكرانيا، وسط تصاعد التوتر مع استخدام كييف صواريخ بعيدة المدى زوّدها بها الغرب ضد روسيا.

وأفادت وزارة الدفاع الروسية، في مؤتمر صحافي، بأن «الدفاعات الجوية أسقطت 8 صواريخ باليستية، و6 قنابل جوية موجّهة من طراز (JDAM) أميركية الصنع بالإضافة إلى 45 مسيّرة»، من دون تفاصيل حول نوع الصواريخ أو المكان الذي أُسقطت فيه.

في المقابل، ذكر مسؤولون أوكرانيون، الاثنين، أن صواريخ روسية ألحقت أضراراً ببنايات سكنية في مدينة خاركيف بشرق أوكرانيا وأوديسا في الجنوب، كما تسبّب هجوم بسرب من الطائرات المسيّرة في انقطاع مؤقت للتيار الكهربائي عن منطقة ميكولايف واستهدف أيضاً العاصمة كييف. وقالت القوات الجوية الأوكرانية إنها أسقطت 71 من أصل 145 طائرة مسيّرة أطلقتها روسيا خلال الليل. وأضافت أنها فقدت أثر 71 طائرة مسيّرة ربما بسبب التشويش الإلكتروني.

انفجارات في سماء كييف خلال هجوم روسي بالمسيرات الاثنين (أ.ب)

وسمع سكان العاصمة صوت أزيز تحليق طائرات مسيّرة فوق المدينة لعدة ساعات خلال الليل. كما سُمعت أصوات إطلاق نار من حين إلى آخر مع محاولة الدفاعات الجوية إسقاطها. وحثّ الرئيس فولوديمير زيلينسكي حلفاء بلاده الغربيين على تكثيف الضغط على روسيا لمنع وصول المكونات المطلوبة لأنظمة الأسلحة إليها. وقال: «هذه الهجمات الروسية على الأرواح الأوكرانية يمكن وقفها... بالضغط وبالعقوبات وبمنع وصول المحتلين إلى مكونات يستخدمونها لصنع أدوات لهذا الإرهاب».

وقال حاكم منطقة في شمال شرقي أوكرانيا وقوات الشرطة، إن هجوماً صاروخياً روسياً على مدينة خاركيف أدى إلى إصابة 23 شخصاً على الأقل، وألحق أضراراً بأكثر من 40 منشأة. وذكرت وزارة الداخلية الأوكرانية أن هجوماً صاروخياً آخر على مدينة أوديسا الجنوبية ألحق أضراراً أيضاً بالمباني السكنية، وتسبّب في إصابة 10. وقالت سلطات محلية إن الهجوم باستخدام الطائرات المسيّرة خلال الليل استهدف البنية التحتية للطاقة في منطقة ميكولايف جنوب البلاد؛ مما تسبّب في انقطاع التيار الكهربائي، كما تعرّضت منشآت صناعية في منطقة زابوريجيا في جنوب شرقي البلاد للقصف.

وقصفت مسيّرات أوكرانية منشأة للوقود والطاقة في منطقة كالوغا الروسية، وفق ما أفاد مصدر في الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، في أحدث هجوم عبر الحدود على منشآت الطاقة.

وكثّفت موسكو وكييف الهجمات المتبادلة بالصواريخ والطائرات المسيّرة عبر الحدود، وأطلقت روسيا الأسبوع الماضي صاروخها الجديد «أوريشنيك» على أوكرانيا؛ مما أثار دعوات دولية إلى وقف التصعيد.

وقال المصدر: «نتيجة عملية قامت بها الاستخبارات الدفاعية الأوكرانية، أُصيبت منشأة للوقود والطاقة في منطقة كالوغا في روسيا ليلاً».

وقال حاكم مدينة كالوغا الروسية، الواقعة إلى جنوب العاصمة موسكو، إن أنظمة الدفاع الجوي في المنطقة أسقطت ثماني مسيّرات، مؤكداً أن «مؤسسة صناعية» اشتعلت فيها النيران.

وأوضح المصدر الأوكراني أن «هدف الهجوم كان مستودع نفط لشركة (Kaluganefteprodukt JSC) التي تشارك في دعم العدوان الروسي المسلح على أوكرانيا».

وأعلن الجيش الأوكراني ارتفاع عدد قتلى وجرحى العسكريين الروس منذ بداية الحرب على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، إلى نحو 732 ألفاً و350 جندياً، بينهم 1610 لقوا حتفهم، أو أُصيبوا، خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.

جاء ذلك وفق بيان نشرته هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، وأوردته وكالة الأنباء الوطنية الأوكرانية (يوكرينفورم).

وحسب البيان، دمّرت القوات الأوكرانية منذ بداية الحرب 9429 دبابة، و19236 مركبة قتالية مدرعة، و20787 نظام مدفعية، و1254 من أنظمة راجمات الصواريخ متعددة الإطلاق، و1004 من أنظمة الدفاع الجوي.

وأضاف البيان أنه تم أيضاً تدمير 369 طائرة حربية، و329 مروحية، و19480 طائرة مسيّرة، و2764 صاروخ كروز، و28 سفينة حربية، وغواصة واحدة، و29948 من المركبات وخزانات الوقود، و3681 من وحدات المعدات الخاصة. ويتعذّر التحقق من هذه البيانات من مصدر مستقل.