فرنسا وسويسرا والبندقية.. كلها في الهند

بلاد تختصر زيارات العالم وتوفر عليك التنقل من قارة إلى أخرى

TT

فرنسا وسويسرا والبندقية.. كلها في الهند

إذا كنت من بين أولئك الذين يريدون السفر إلى مختلف الأماكن حول العالم ولكن ميزانيتك لا تساعدك وليس لديك الوقت الكافي للانتقال من قارة إلى أخرى، فما عليك إلا زيارة الهند لمشاهدة نسخ طبق الأصل من سويسرا، ووادي الظباء في الولايات المتحدة الأميركية، والقرى الجذابة الرائعة في فرنسا، وفينيسيا الهندية، ومسطحات بونفيل الملحية في ولاية يوتاه الأميركية، والصحراء الأفريقية، وغيرها الكثير.
إن خاجيار في ولاية هيماشال براديش الهندية بجبال الهيمالايا هي المقابل الهندي لسويسرا الأوروبية.
ترتفع خاجيار نحو 6500 قدم فوق سطح البحر، وتستقر على هضبة صغيرة مع بحيرة يغذيها جدول رقيق في المنتصف. ويحاط أعلى التل بالمروج والغابات. ولقد ساعد ويلي تي. بليزر، نائب المستشار ورئيس مجلس سويسرا في الهند، على إبراز خاجيار على خريطة السياحة العالمية لما وصفها بقوله: «سويسرا الصغيرة». كما أنه وضع علامة صفراء لمسار المشي طويل المسافات التي تعبر عن طول المسافة بين العاصمة السويسرية برن ومدينة خاجيار التي تبلغ 6194 كيلومترا. كما أخذ المستشار حجرا من خاجيار الذي سوف ينضم إلى ملصقة حجرية حول البرلمان السويسري لتذكير الزوار بمدينة خاجيار: سويسرا الهندية المصغرة. وأفضل ترفيه تجده في خاجيار هو المشي حول البحيرة أو الخروج في رحلات سير طويلة في غابات الصنوبر الكثيفة. كما يستمتع الأطفال بذلك المكان كثيرا بسبب حرية الحركة والتضاريس المنزلقة التي تسمح لهم بالانزلاق نحو البحيرة من دون أي إصابات يتعرضون لها. كما يعتبر ركوب الخيل من مواطن الجذب الترفيهية أيضا هناك.
وإذا كنت معجبا بالقرى الفرنسية الرائعة ورائحة الكرواسان الطازج، فما عليك إلا الذهاب لزيارة منطقة بونديشيري.
تلك المدينة الصغيرة الساحرة في جنوب شرقي الهند التي تتمتع بسحر فرنسي خالص وتتميز بعشق الحياة ذلك الذي يذكر الزوار بأنها كانت مستعمرة فرنسية سابقة. ورغم أنها ضُمت إلى الهند في عام 1962. بعد عدة عقود تحت الاحتلال، فإنني مسرور بالإشارة إلى أن البلدة ما زالت تحتفظ بطابعها الفرنسي الفريد، ولا تزال الشوارع تحمل الأسماء الفرنسية، وجُددت المباني التراثية القديمة حتى استعادت مجدها السابق، وتنتشر المخابز الفرنسية الصغيرة التي تعيد إحياء تقاليد صناعة الحلويات الفرنسية. كما تعتبر اللغة الفرنسية حتى الآن هي اللغة الثانية لدى الكثير من السكان المحليين هناك. يستعيد زوار تلك البلدة على الفور ذكريات زمان كانت عقارب ساعاته تتحرك ببطء وتنتشر فيه المنازل الاستعمارية الفاخرة. لا يزال هذا الجزء المتميز من البلدة محتفظا برونقه الأوروبي القديم. حيث تمكن السكان المحليون من الأثرياء، بمساعدة من السلطات السياحية والمؤرخين الفرنسيين، باستعادة الكثير من المباني التاريخية هناك. ولا تزال الطرق تحمل تخطيط الشوارع الفرنسية القديمة مع أسمائها الفرنسية الباقية. ومن أفضل الطرق للبدء في استكشاف الشوارع هو بالسير على الأقدام. حيث يمكنك البدء في مشوارك من حديقة بهاراتي في شارع ماهي دي لابوردونيه، ثم الانعطاف يسارا إلى شارع رومان رولاند، والمسير حتى آخر الشارع، ثم الانتهاء بشارع غوبير أو الشاطئ المواجه للمتنزه. هناك الكثير من المباني الجميلة، والمعارض، والمتاجر، والمقاهي المتناثرة في مختلف الشوارع. ويعد شارع غوبير أو شارع المتنزه هو أبرز معالم بلدة بونديشيري. وفي كل مساء عقب الساعة الخامسة، يُغلق الشارع في وجه السيارات ويُسمح بالمسير فيه للمارة فقط، مما يجعله من مواطن الجذب المحلية للمسيرات المسائية بين سكان البلدة.
إذا كنت تعتقد أن وادي الظباء بالولايات المتحدة هو الأروع على الإطلاق، فليس عليك السفر إلى الولايات المتحدة للاستمتاع بجماليات حقول الزهور الممتدة. تعال إلى وادي الزهور في جبال الهيمالايا، وتحديدا في ولاية أوتارخاند الهندية.
ومن المثير للدهشة، أن وادي الزهور الهندي هو من أجمل عجائب الطبيعة في الهند، وهو معروف بمروجه التي تضم الزهور الألبية المتوطنة، ومجموعات متنوعة من النباتات. وتمتد تلك المروج البهية إلى 87 كيلومترا مربعا، ولقد ظلت تلك الجنة الأرضية الرائعة غير معروفة للعالم الخارجي حتى اكتشفها المتسلق الجبلي البريطاني الشهير فرانك إس. سميث في عام 1931. وهي مدرجة على مواقع التراث العالمية التابعة لمنظمة اليونيسكو، وتقع تلك الجنة على ارتفاع شاهق من جبال الهيمالايا، وتحدها سلاسل الجبال الجليدية المتلألئة المنتشرة والتي تعبر بجلاء عن شخصية المكان وسحر الطبيعة في أبهى صورها. وتلك المنطقة التي لم تفسدها غزوات جيوش الاستعمار يسيطر عليها بهاء الجليد الناصع في فصل الشتاء كما أنها تنتفض بالازدهار والإثمار بحلول شهور الصيف. ويبعث ذلك الوادي الجميل على النعاس وسط الكثير من النباتات الاستوائية الزاهية التي تبدو مثل سجاد طبيعي ممتد ورائع. ومن الأماكن التي تجذب الأنظار هناك الشلالات الصغيرة المنحدرة، والجداول الرقيقة، وفوق كل شيء هناك المروج الخضراء التي تنتظر الزوار عبر الطريق. وفي وجود الأراضي الوعرة الزاهية، والجداول الكريستالية الرقراقة، والقمم المهيبة، فإن تلك اللوحة الفنية المزهرة تستحق المشاهدة والاستمتاع. إن أفضل المواسم لزيارة وادي الزهور هو بين شهري يوليو (تموز) وأكتوبر (تشرين الأول). حيث يكون الوادي موطن الحيوانات النادرة والمعرضة للانقراض والتي تضم فيما بينها الدب الآسيوي الأسود، وغزال المسك، ونمر الجليد الأرقط، والثعلب الأحمر، والدب البني، والأغنام الزرقاء. كما توجد هناك أيضا أنواع مختلفة ومتنوعة من الطيور. ولذلك، يأتي لزيارة وادي الزهور الكثير من السياح من كافة أرجاء العالم.
ونأتي الآن إلى بندقية الشرق، وهي بلدة اليبي الشهيرة ببحيراتها الخلفية البدائية التي تتناثر حولها أشجار النخيل الفارعة.
تقع بلدة اليبي، أو كما يسمونها هناك ببلدة الرب، في إقليم كيرالا، وهي بلدة جميلة ذات قنوات رائعة، وبحيراتها الخلفية، وشواطئها الساحرة، حتى إنها وصفت بأنها من الأماكن التي تعتبر «فينيسيا الشرق» على لسان اللورد كورزون. شيدت تلك البلدة البعيدة المختفية، بأسواقها، على شبكة من القنوات المائية الممتدة. وتنتشر أشجار جوز الهند في كل مكان، وهناك أنشطة لصناعة الليف من ثمار جوز الهند، وبناء القوارب، وعصر الخمور، والمزارع السمكية، التي تعتبر مجموعها عماد الأنشطة الاقتصادي في البلدة. مما يعطي الزائر رؤية حقيقية داخل البحيرات الخلفية في ولاية كيرالا مع لمحة عن حياة سكان البلدة. تعتبر اليبي أقدم البلدات في تلك المنطقة، وتتمتع بشواطئ مشمسة، وخلجان قديمة، وسواحل مفعمة بالحيوية، وقنوات تجوب خلالها بالقوارب ولا تريد التوقف أو الرجوع. عبر السنين، ظهرت تلك الوجهة كموطن لسياحة البحيرات الخلفية الهادئة، حيث تجتذب إليها الآلاف من السياح سنويا. كما يشتهر ذلك المكان كذلك بسباقات القوارب، والعطلات التي يقضيها الزوار في المراكب، والشواطئ الممتدة، والمنتجات الساحلية، وصناعة ليف جوز الهند. وفي كل عام، خلال شهري أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول)، يتوافد السياح على بلدة اليبي لمشاهدة سباق كأس نهرو للقوارب. وحيث إن الممرات المائية هي وسيلة الانتقال الوحيدة بين منازل السكان، فلست في حاجة إلى حجز التذاكر إلى فينيسيا الشرق كي تعيش تجربة حياتية جديدة كمواطن «مائي».
إذا كانت تعجبك فكرة الرحلات الصحراوية، فعليك تجربة التزحلق على رمال صحراء ثار الهندية الشاسعة - والتي تعكس تحت ضوء الشمس ألف درجة ودرجة من اللون البني. وليس هناك من مكان آخر أو أفضل للاستمتاع برحلات السفاري وركوب الجمال في الصحراء ومشاهدة غروب الشمس عبر الرمال المتحركة والكثبان الرملية في صحراء ثار.
تمتلك الهند أراضي صحراوية جرداء وقاحلة، وكثبانا رملية لا نهاية لها وليالي مليئة بالنجوم الزاهرة. لا داعي لإضاعة المياه في الصحراء. كان في سالف الأيام هناك مدخل وحيد إلى تلك الصحراء الشاسعة، جيسالمر، الذي كان في يوم من الأيام محلا مفعما بالحركة والنشاط على طول طريق الحرير القديم. ولقد كان محل توقف معروف للمسافرين الذي كانوا يفضلون قطع 320 ألف كيلومتر من صحراء ثار بدلا من اجتياز جبال هضبة بأمير في أواسط آسيا. وفي القرون اللاحقة، تلاشى تاريخهم وحكاياتهم من ذاكرة الأيام، غير أن الصحراء لا تنسى. تجسد صحراء ثار الواسعة وغير العطوف بعدا رومانسيا للشعور بالخلود، وهو الشعور بأن الماضي لا يزال حيا في الحاضر. وكجزء من طريق الحرير الذي كان يربط الصيب بكل من تركيا ثم إيطاليا عبر الهند وأواسط آسيا - كانت صحراء ثار شاهد عيان على سراب صحراوي كان أكثر احتمالا لدى المسافرين من الماء ذاته: قوافل الجمال الملونة المسافرة عبر الصحراء والمحملة بالتوابل، والحرير، والمنسوجات، والأحجار الكريمة، والحلي البرونزية، ويقودها التجار الأثرياء من الصين، والشرق الأوسط، وحتى من مصر، والذين راهنوا على حياتهم وثرواتهم للبقاء على قيد الحياة عبر الصحراء القاسية. وإذا حالفك الحظ وحضرت أحد المهرجانات الصحراوية، فسوف تكون تجربة استثنائية رائعة. فليست إلا أعمال شغب من الألوان، والضوضاء، والأقمشة الغنية، وسحرة الثعابين، والجمال الموشاة بأجمال الألبسة خصيصا لتلك المهرجانات. إنها الهند في أفضل حالات جنونها. ولن تتمكن فعليا من إدراك سحر جيسالمر حتى تذهب لزيارتها. فقد تسمع الكثير من القصص عن روعة مناظرها الصحراوية الطبيعية وكثبانها الرملية الممتدة، ولكنك لن تدرك تلك الجماليات إلا إذا ذهبت فعلا لزيارتها وتعلم المعنى الحقيقي لمقولة «حافة العالم».
قبل أن تراودك الأحلام بزيارة مسطحات بونفيل الملحية في ولاية يوتاه الأميركية، عليك فقط المسير عبر مسطحات ران أوف كوتش العظيمة والغامضة.
تماما على غرار دولة بوليفيا أو ولاية يوتاه الأميركية، فإن مسطحات ران أوف كوتش الهندية الواقعة في ولاية غوجارات الغربية الهندية توفر لك نفس المشاهد الصحراوية الملحية البيضاء. قبل عدة سنوات، عندما توقفت عند حافة «صحراء ران البيضاء»، أصابني الدوار من أكبر صحراء ملحية في العالم، حيث تتلألأ البلورات الملحية تماما مثل الماس تحت أشعة الشمس الحارقة وحيث يبدو اتساع المكان بلا نهاية أو حدود ويتمتع بغرابة شديدة تحت وهج البدر الأزرق الناصع. ومن دون جداول الرحلات المكتظة بمواطن الجذب السياحي المتعددة و«الأشياء» التي ينبغي فعلها، وبمزيد من الأهمية، ومن دون تشتيت الانتباه على شبكات الهواتف الذكية، يعتبر أحدنا حرا تماما في كل شيء هناك، حرا في قراءة أحد الكتب بكامله، أو حرا في إطلاق العنان للأفكار والتصورات، أو التعبير عنها بالكلمات، أو بمنتهى البساطة، الحرية في ألا تفعل شيء على الإطلاق. هناك الهدوء الصحراوي المهيب الذي تمتصه ويستوعبك هنا، وتسمح له بإبطاء حركتك العنفوانية الجريئة، ويتيح لك الاستمتاع بالتأمل، بعناية وباهتمام، ولجزء لا بأس به من الساعة، هروبا من تصرفات بعض الحشرات غير اللطيفة، والانقضاض السريع والارتفاع الخاطف لطيور السنونو، أو مجرد الاستماع إلى النشاز الخفيف لتغريد العصافير الصاخبة التي ترفرف من أحد الأكواخ إلى الآخر. في بعض الأحيان، تكون أعلى ضوضاء مسموعة في المكان هي النسيم الذي يتلامس مع أذنيك. وبكونها استراحة من حياة المدينة، فإنها تجربة تعد مهربا ثريا ومترفا. ومن واقع أنها تجربة للبقاء على قيد الحياة، فهي تجربة مرعبة بحق. لا مجال للأخطاء - فرغم معالمها الساحرة، لا تزال صحراء ران من قوى الطبيعة الشرسة. إن السفر إلى صحراء ران لا يعني بالفعل إلا السماح لها باختراق ذاتك، والنخر في عضد قواك، والتأمل في ضراوتها المرعبة، وقدرتها المخيفة على استنزاف قوتك، وتجفيف منابع الحياة في عروقك، وقذف الرؤى الغريبة في ضميرك ومخيلتك. إنها موطن الطيور المهاجرة من مختلف الأنواع، مثل القبرات وطيور النحام، وموطن الحمير البرية الآسيوية المهددة بالانقراض. كما أنها مشهورة بين السكان باسم ران أوستاف، وهو المهرجان السنوي بعروضه الموسيقية والراقصة، ورحلات السفاري على ظهر الجمال، ومهرجانات الطعام، الذي يمتد من ديسمبر (كانون الأول) وحتى مارس (آذار).
وإذا ما كنت لا تستطيع قطع الرحلة الطويلة إلى غراند كانيون الأميركي عبر رحلتك الأخيرة إلى ولاية كاليفورنيا، فقم بزيارة غانديكوتا في جنوب الهند.
فهي تقع وسط الغابات البرية والمناظر الطبيعية الخلابة، وتتمتع بالكثير من الموارد الطبيعية الهائلة، وكثيرا ما يُشار إليها بأنها غراند كانيون السري بالهند. وتوجد في ولاية اندرابراديش الجنوبية الهندية، فإن غانديكوتا تستلهم اسمها من ذلك الحصن القديم المتاخم للخليج العميق في تلال ايرامالا. يمتد الخليج العميق مسافة 4 كيلومترات وهو بعمق 700 متر. وإلى الأسفل بمسافة مائة قدم، يتدفق نهر بينا الذي يتسع لـ300 قدم ما بين ضفتيه عند سفح التلال الحمراء. وليست هناك متعة أروع من أن تترك العنان للطبيعة كي ترشدك إلى استكشاف جمالياتها. وليست الرحلة إلى غانديكوتا سوى الاستمتاع بذلك، فهناك شيء ما في تلك الوديان يدعوك للتوقف وإعادة تقييم حياتك. لا تشح برأسك بعيدا، بل كنت متيقظا وطالع الأراضي الشاسعة من حولك. إن الروعة والبهاء تحيط بكل ركن من أركان ذلك الحصن، لاحظ البوابة المعدنية الضخمة ذات المسامير. والبوابة بارتفاع 20 قدما كما يضم الحصن الكبير بداخله عددا من الحصون الصغيرة. وهناك صومعة للحبوب بالقرب من الحصن. وبداخلها هناك اثنان من المعابد الجملية ومسجد ذو عمارة مدهشة يسمى مسجد جاما. اطلب من حارس البوابة أن يسمح لك باستكشاف الحصن. ومن أعلى المسجد سوف تشاهد منظرا رائعا للخليج. وتوجد حول المسجد بركة مياه - يسميها السكان المحليون بركة كاثولا كونيرو أو بركة السيوف، ويقولون إن الملوك اعتادوا غسل سيوفهم فيها قبل الخروج للحرب.



قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.