اتهامات إسرائيلية لنتنياهو وسياسات حكومته في تدهور الأوضاع الأمنية

محللون يرون أن الحل الوحيد كامن في مبادرة سياسية جادة

اتهامات إسرائيلية لنتنياهو وسياسات حكومته في تدهور الأوضاع الأمنية
TT

اتهامات إسرائيلية لنتنياهو وسياسات حكومته في تدهور الأوضاع الأمنية

اتهامات إسرائيلية لنتنياهو وسياسات حكومته في تدهور الأوضاع الأمنية

حفل الإعلام الإسرائيلي أمس بعناوين تحذيرية حول التصعيد الذي تشهده القدس والمدن الفلسطينية، معتبرة أن ما يجري هو «انتفاضة ثالثة»، وأن الأمور مرشحة نحو تدهور كبير، لا أحد يعرف كيف ستكون وإلى أين ستصل، إذا لم تقدم الحكومة على مبادرة سياسية مناسبة.
وصدرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تحت عنوان «الانتفاضة الثالثة هنا». وكتب محررها السياسي، ناحوم بارنياع أن: «ما يحدث هو انتفاضة. هذه هي انتفاضة ثالثة. من المهم أن نسميها باسمها لأن عدم عمل ذلك يسمح للجهازين السياسي والعسكري بالتهرب من المسؤولية. إنها تشبه حاليا في مميزاتها الانتفاضة الأولى التي انطلقت في ديسمبر (كانون الأول) 1987، وخبت شعلتها في أوائل سنوات التسعينات. إنها تحدث، في هذه الأثناء وراء الخط الأخضر في القدس الشرقية والضفة. وبمقياس ما يدل الماضي على المستقبل، فلن يبتعد اليوم الذي ستصل فيه إلى مدن إسرائيل الأخرى، وتتحول من إرهاب سكاكين وحجارة وزجاجات حارقة إلى إرهاب انتحاريين». وأضاف أن: «نتنياهو الذي يترأس الحكومة منذ عام 2009، يتحمل مسؤولية كبيرة عن فقدان الأمل لدى الفلسطينيين الذين غرقوا في يأسهم، ولم تفعل حكومة إسرائيل أي شيء وفي أي مجال، انعكس على حياتهم. لقد تركتهم يغرقون. لقد آمن نتنياهو بأن الوضع الراهن سيتواصل إلى الأبد».
وتحت عنوان «منقطع عن الواقع»، كتبت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها الرئيسية أن «نتنياهو، أثبت مرّة أخرى انقطاعه عن الواقع. ففي الوقت الذي تعتمل فيه الضفة وتغلي، ولا يهدأ قطاع غزة المضروب بالضائقة، وقف نتنياهو في المكان المحبب إليه، قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وألقى خطابًا دراماتيكيًا آخر لا أهمية له. كرس غالبيته لمهاجمة الاتفاق مع إيران، والذي لم يعد أحد يفكر بتغييره، بينما الأرض تشتعل في البلاد». وشددت على أن «الرد الوحيد على العنف يكمن في منع مسبباته، أي الامتناع عن بناء المزيد من المستوطنات الجامحة، عدم شن حملات انتقام واعتقالات جماهيرية وتشديد العقوبات وسد مسارات الطرق وخنق عشرات القرى، كما يطالب قادة اليمين. فهذا كله ليس فقط لن يؤدي إلى أي حل، وإنما سيزيد من خطورة الأوضاع ويدهور المنطقة نحو جولة أخرى من العنف العبثي». ورأت الصحيفة أن: «الإقدام على عملية سياسية جريئة، حقيقية وبعيدة المدى، هو الأمر الوحيد الذي يمكنه إعادة سيف الهبة العنيفة إلى غمده ووقف خطر سفك الدماء الذي يحلق فوق رؤوس كل سكان المنطقة. إذا اندلعت الانتفاضة الثالثة، فستكون كارثة رهيبة للشعبين، وسيتحمل نتنياهو المسؤولية الكبيرة عن اندلاعها. ذلك أنه لم يقم طوال سنوات حكمه بعمل أي شيء من أجل دفع حل الدولتين».
وكتب المحرر العسكري للصحيفة نفسها، عاموس هرئيل، أن «أحد أهم الأسباب للانتفاضة الفلسطينية هو الشعور باليأس بشأن فرص العملية السياسية التي انعكست في خطابات (الرئيس الفلسطيني) محمود عباس الأخيرة». وأشار إلى أن الفلسطينيين يفهمون أن نتنياهو لا ينوي فعلاً تنفيذ حل الدولتين. بينما يفكر الرئيس عباس بالميراث الذي سيخلفه من بعده. ويبدو أنه لم يعد يوهم نفسه بأن ذلك سيشمل اتفاقية سياسية دائمة ومستقرة، والتي يجد الفلسطينيون من الصعب في كل الأحوال تقبل التنازلات المرتبطة بها. وتعالج إسرائيل المشكلة حاليا بآلياتها القديمة: إرسال قوات معززة من الجيش بحجم محدود، القيام بعمليات اعتقال ووعود صارمة من قبل نتنياهو ويعلون بمحاسبة القتلة. ولكن في هذه المرحلة، بات من الواضح أن ما يجري هو تدهور نحو الهاوية. ولن ينقذ الوضع سوى مبادرة سياسية جادة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم