مع بداية العام الدراسي في الولايات المتحدة، صدرت مجموعة كتب تعالج مشكلات المدارس والمدرسين. مشكلات على غرار المقررات المدرسية، والقانون والنظام، والعلاقة بين الأولاد والبنات، وفلسفات التعليم، وأيضًا مقارنات بين المدارس الحكومية والمدارس الخاصة.
من بين هذه الكتب، كتاب «الجائزة: من يدير مدارس أميركا؟ الحكومة أم الشركات؟». كتبت الكتاب ديل رساكوف، مسؤولة شؤون التربية والتعليم في صحيفة «واشنطن بوست» لنحو ثمانٍ وعشرين سنة، حتى السنة الماضية. وركزت على مدارس مدينة نيو آرك في ولاية نيوجيرسي، عبر نهر هدسون من مدينة نيويورك.
قبل خمس سنوات، واجهت مدارس المقاطعة المشكلات الآتية:
أولا: نقص في الميزانية، اضطرت معه مدارس المقاطعة إلى أن تستدين من البنوك.
ثانيا: قلاقل واضطرابات بين تلاميذ وتلميذات سود وبيض، وأيضًا لاتينيين وكاريبيين وآسيويين.
ثالثا: اختلافات ومناورات سياسية بين الذين يرون أن التعليم الحكومي فيه عدالة ومساواة، والذين يرونه بطيئا وبيروقراطيا وفاسدا.
في ذلك الوقت، استنجد كوري بروكر، عمدة نيو آرك (من الحزب الديمقراطي)، بحاكم ولاية نيوجيرسي، كريس كرستي (من الحزب الجمهوري). وبعد اختلافات ومناورات ومساومات، اتفقا على الأتي:
أولا: يتأسس تحالف بين الحكومة (عمدة ومجلس مدينة نيو آرك) وشركات تحت شعار العمل الخيري لإنقاذ مدارس نيو آرك.
ثانيا: تتأسس مدارس خاصة (غارتر) بهدف «منافسة المدارس الحكومية، والضغط عليها لتحسن مستواها».
ثالثا: يتعدل الاتفاق القديم بين نقابة المدرسين ومجلس نيو آرك، بحيث يقدر المجلس على فصل المدرسين المقصرين، وغير المؤهلين. وفي نفس الوقت، يقدر على ترقية المدرسين الناجحين، دون التقيد بالشهادات، أو فترة العمل.
في ذلك الوقت، نشرت الصحف الأميركية، ونقلت القنوات التلفزيونية، خبر الاتفاق وكأنه حدث تاريخي هام. ليس فقط في مدينة نيو آرك، ولا فقط في ولاية نيوجيرسي، ولكن أيضًا على طول وعرض الولايات المتحدة. وتنفس الجميع الصعداء، فأخيرا اتفقت الحكومة والقطاع الخاص على التعاون لرفع مستوى المدارس للجميع.
في ذلك الوقت، سارعت شركات أميركية كبيرة، وتبرعت للاشتراك في المشروع. من بينها شركة «فيسبوك»، برئاسة رئيسها ومؤسسها الشاب مارك زوكربيرغ، الذي تبرع بمائة مليون دولار. وفي مقابلة مثيرة في التلفزيون في برنامج «أوبرا وينفري»، تبرعت شركات أخرى بمائة مليون دولار. وصار واضحا أن أميركا مقدمة على «ثورة في التعليم»، لم تشهد مثلها. ثورة تحالف العام والخاص، تحالف الحكومة والشركات. اليوم، بعد خمس سنوات، وبحسب كتاب «الجائزة» (ذا برايز)، فقد «فشلت الثورة».. ليس بسبب نقص في الأموال، ولا بسبب نقص في الإثارة الصحافية والتغطية الإعلامية، ولكن بسبب «صراع تاريخي وأبدي بين الأقوياء والضعفاء»، بين كبار المسؤولين (في الحكومة وفي الشركات) وبين «مدرسين ومدرسات، وتلاميذ وتلميذات يعيشون في عالم آخر».
وبحسب الكتاب، «كانت البداية شبه أرستقراطية، وكانت النهاية شبه مأساوية»، وأشار الكتاب إلى حفل راقٍ عام 2009 في «ديجيتال فالي» (الوادي الرقمي) في صن فالي بولاية كاليفورنيا، حيث مركز شركات الكومبيوتر والإنترنت. حضر الحفل بوكر، عمدة نيو آرك، وزوكربرغ، مؤسس ورئيس شركة «فيسبوك». ونقل الحفل في قنوات تلفزيونية، وصفق الجميع لتحالف من نوع جديد. في عام 2014، بعد خمس سنوات، حسب الكتاب، «وجدت مديرة مدرسة خاصة في نيو آرك دماء على الأرض، وأثاثا محطما، وكتابات على الجدران»، إذ كان تسعة من تلاميذ المدرسة الخاصة تشاجروا خلال الليلة السابقة، وكان ذلك «بداية نهاية الثورة التعليمية الأميركية».
لا يقول الكتاب إن «التحالف» بين الحكومة والشركات لرفع مستوى المدارس فشل، لكنه يقول إن احتمالات الفشل أكثر من احتمالات النجاح. وتشير الدلائل إلى عدد من المعوقات، منها:
أولا: ظهر «خوف فطري» من جانب عامة الناس، وخصوصا الفقراء، نحو الأغنياء وشركاتهم و«مؤسساتهم الخيرية».
ثانيا: فضلت الشركات التبرع للمدارس الخاصة مباشرة، وليس لمجلس المدينة لينسق مع المدارس الخاصة.
ثالثا: اختلف «تحالف» العمدة (الديمقراطي) وحاكم الولاية (الجمهوري).
عن هذه النقطة الأخيرة، قال الكتاب: «من كان يصدق أن يدوم تحالف سياسيين من حزبين متنافسين؟»، فعندما زادت شعبية عمدة نيو آرك (التي كان من بين أسبابها «التحالف التعليمي»)، خاف حاكم الولاية أن يترشح العمدة ضده، خصوصا لأن حاكم الولاية كان عمدة قبل أن يصير حاكما للولاية.
حتى «رجل الخير» زوكربرغ، صاحب ورئيس شركة «فيسبوك»، قرر ألا يفعل الخير من أجل الخير، بل قرر أن يكون الخير بشروط، منها أن تتنازل نقابة المدرسين والمدرسات في المدينة عن بعض الحقوق، مثل الرواتب، والترقيات، والمكافآت، والعقوبات.
وفي عام 2012، أي بعد ثلاثة أعوام فقط من «التحالف التعليمي» في نيو آرك، رفض العمدة وحاكم الولاية حتى الظهور في مناسبة واحدة. ورفض رئيس «فيسبوك» دفع بقية المائة مليون دولار التي كان تبرع بها. وكشف الكتاب وجود اختلاف بين المثل الأميركي الذي يقول: «نو فري لانش» (لا يوجد غداء مجانا، أي أن لكل شيء ثمنا)، والمثل الصيني الذي يقول: «أو وو جي وو» (يشمل العطف الجميع، حتى الغراب فوق سطح المنزل)، مؤكدا أن «الثمن» كان سبب اختلاف بين زوكربيرغ، صاحب «فيسبوك»، وزوجته بريسيلا شان (الأميركية من أصل صيني التي تعمل طبيبة).
ففي جانب، قال الزوج إن «ثمن» تبرع مائة مليون دولار هو تنازلات من نقابة المدرسين والمدرسات. وفي جانب، قالت الزوجة إن «الثمن» يجب ألا يكون أي شيء، ما دامت التبرعات خيرية، وليست تجارية، وإن العطف لا حدود له (حتى للغراب فوق سطح المنزل).
قالت الزوجة: «يجب أن تحل مشكلات المدارس من القاع، لا من القمة. يجب وضع اعتبار لمشكلات الأطفال والعائلات، خصوصا في مدينة فيها نسبة كبيرة من الفقراء». لكن الزوج قال: «توجد هنا مشكلة اقتصادية وتنظيمية.. كيف تحل من القاعدة؟ يجب أن يأتي الحل من أعلى».
هكذا، وخلال مناقشات ومؤتمرات ومبادرات ومناورات، استمرت سنوات، صار واضحا أن مشكلة مدارس نيو آرك ليست عن المال أو عن المقررات أو عن التلاميذ والتلميذات، ولكن عن الصورة الكبيرة، عن فلسفة الحياة. وهو ما ظهر واضحا في الاختلاف بين زوكربرغ وزوجته.
في جانب، فلسفة شرقية (من صينية) تركز على العواطف (وضع اعتبارات لأراء الفقراء). وفي جانب، فلسفة غربية تركز على العقلانية (واحد زائد واحد يساوي اثنين).
وفي نهاية الكتاب، قالت المؤلفة «الغربية» إنها تؤيد الزوجة. لكن سواء أيدت الزوجة أو أيدت الزوج، صار واضحا أن «التحالف التعليمي» في نيو آرك بين الحكومة والشركات قد فشل، بعد أقل من خمس سنوات من إعلان بدايته.
كتاب أميركي جديد يتساءل: من يدير المدارس؟
خلاف زوكربيرغ وزوجته يكشف أن المشكلة «فلسفة حياة»
كتاب أميركي جديد يتساءل: من يدير المدارس؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة