حامل الرمح في بلاط روماني

حامل الرمح  في بلاط روماني
TT

حامل الرمح في بلاط روماني

حامل الرمح  في بلاط روماني

* منذ أقل من سنة وهناك ممثل عربي انتقل إلى هوليوود وظهر في خمسة أفلام، على عهدة ما هو منشور في أحد أكثر المراجع السينمائية الأميركية انتشارًا. لكن هذا الممثل دائمًا ما يُثير من حوله هالات مشجعة. فمن حين وآخر ومنذ أن ظهر في دور مساند في «ملكة الصحراء» وهو يوعز بمقابلات وتحقيقات حوله توحي لمن يقرأها بأنه أصبح نجم هوليوود المكتشف الذي يشق غبار التمثيل في الغرب.

* والحكاية دائمًا ذاتها: ترك سوريا بعدما رفض التمثيل في أفلامها وأم هوليوود حيث اضطر إلى تغيير اسمه إلى ما يناسب المقام الجديد، ومنذ ذلك الحين، كما قد يعتقد القارئ، وهو ماض من نجاح لآخر.

* أحب التواضع والاستبدال بالحكايات الأفعال في الوقت الذي أتمنّى فيه لكل موهبة عربية أن تصبح عالمية. لكن موقع Imdb‪.‬por يذكر له ستة اشتراكات له، خمسة منها تبدو أميركية، الأول دور له كقائد كردي في الفيلم الذي أثار ضجة قبل سنوات بعنوان «وادي الذئاب - العراق» (2006). ثم هناك فجوة سنوات لحين ظهور فيلم كوميدي لعب فيه دور رئيس خدم منزل وعنوانه (المحرّف هنا تأدبًا) «لدينا كرات».

* هذا سنة 2013، وفي العام ذاته لعب دورًا في فيلم قصير هو الأول من ثلاثة أفلام قصيرة اشترك بها. أي أن عدد أفلامه الطويلة ثلاثة أولها الفيلم التركي «وادي الذئاب» وآخرها «ملكة الصحراء» وبينهما «لدينا كرات». كيف يمكن له أو لأي ممثل، حتى لو كان أشقر بعيون زرقاء، أن يصبح نجمًا إذا ما كانت أدواره صغيرة ومحدودة في ثلاثة أفلام؟!

* محاولات التضخيم متعددة ومنتشرة في جوانب ومهن فنية كثيرة. العالمية عندنا هي رغبة أكثر منها إنجازًا، لكن في عالم اليوم لا شيء يمكن إخفاؤه. بل لم يكن من الممكن إخفاؤه حتى قبل ثلاثين سنة عندما عاد ممثل لبناني بعد قضائه بضع سنوات في هوليوود ليقول إنه «شارك في بطولة» فيلم تاريخي. مشكلته أنه ذكر اسمه وبالمراجعة في الكتب والصور آنذاك، تبين أنه على ربع حق. لقد شارك فعلاً لكنه لعب دور حارس يحمل الرمح ويقف في بلاط روماني..!

* التضخيم لا ينفع مطلقًا خصوصًا عندما تكون الطريقة مباشرة على هذا الشكل كما أنه لا أحد آخر يعيش في هوليوود أو يعرفها ويعرف مساحاتها وشروطها وظروفها. الممثل المعني بهذه الكلمة لعب دورًا جيّدًا في «ملكة الصحراء» من حيث القدرة على لفت الانتباه لحضوره، ومن حيث الإفصاح عن موهبة مؤداة بالتعابير الصامتة. بالحركات المقتضبة. بالملامح العربية الأصيلة. وهو دور يرشّحه لأدوار أخرى (يرد اسمه في فيلم جديد يحضر له الألماني توم تيكور) لكن التواضع جميل والتاريخ حافل بعرب وغير عرب دخلوا وخرجوا من التجربة الهوليوودية بنتائج مختلفة. بعضها كان رائدًا (محمد يقطين من العقد الثاني من القرن الماضي) وبعضهم كان نجمًا (عمر الشريف) والكثير منهم أنجز نجاحات متفاوتة أو لم ينجز شيئًا.



«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
TT

«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)

عندما يتساءل البعض أين هم النجوم الكبار؟ فهناك أكثر من جواب.

إذا كان السؤال عن عمالقة التمثيل في الفن السابع، أمثال مارلون براندو، وكلارك غيبل، وباربرا ستانويك، وجاك نيكلسن، وصوفيا لورِين، وجوليانو جيما، وهمفري بوغارت، وجيمس ستيوارت، وكاثرين دينوف، وأنتوني كوين، وعشرات سواهم، فإن الجواب هو أن معظمهم وافته المنية ورحل عن الدنيا. القلّة الباقية اعتزلت أو تجهدُ لأن تبقى حاضرة. المثال الأبرز هنا، كاثرين دينوف (81 سنة) التي شوهدت خلال عام 2024 في 3 أفلام متعاقبة.

أما إذا كان السؤال مناطاً بنجوم جيل الثمانينات والتسعينات ممن لا يزالون أحياء، أمثال سيلفستر ستالون، وأرنولد شوارتزنيغر، وسيغورني ويڤر، وسوزان ساراندون، وأنتوني هوبكنز، وميل غيبسن، وجيسيكا لانج، وكيم باسنجر، وغلين كلوز، وهاريسون فورد، وستيفن سيغال، وروبرت دي نيرو، وآل باتشينو وسواهم من الجيل نفسه، فحبّهم للبقاء على الشاشة مثالي يدفعهم للظهور إمّا في أدوار مساندة أو في أفلام صغيرة معظمها يتوفّر على منصات الاشتراكات.

أما بالنسبة للزمن الحالي، فإن الأمور مختلفة، فعلى الأقل تمتّع من ذُكروا أعلاه بأدوارٍ خالدة لا تُنسى في أنواع سينمائية متعدّدة (أكشن، دراما، كوميديا، ميوزيكال... إلخ).

الحال أنه لم يعد هناك من ممثلين كثيرين يستطيعون حمل أعباء فيلمٍ واحدٍ من نقطة الانطلاق إلى أعلى قائمة النجاح. أحد القلّة توم كروز، وذلك بسبب سلسلة «Mission‪:‬ Impossible» التي قاد بطولتها منفرداً، ولا تزال لديه ورقة واحدة من هذا المسلسل مفترضٌ بها أن تهبط على شاشات السينما في مايو (أيار) المقبل.

بطولات جماعية

بكلمة أخرى: لم يعد هناك نجوم كما كان الحال في زمن مضى. نعم هناك توم هانكس، وروبرت داوني جونيور، وجوني دَب، وسكارليت جوهانسون، ودانيال كريغ، ونيكول كيدمان، لكن على عكس الماضي البعيد، عندما كان اسم الممثل رهاناً على إقبالٍ هائل لجمهور لا يفوّت أي فيلم له، لا يستطيع أحد من هؤلاء، على الرغم من ذيوع اسمه، ضمان نجاح فيلمٍ واحدٍ.

ما يُثبت ذلك، هو استقراءُ حقيقة سقوط أفلامٍ أدّى المذكورة أسماؤهم أعلاه بطولاتها منفردين، لكنها أثمرت عن فتورِ إقبالٍ كما حال توم هانكس، وجنيفر لورنس، وجوني دَب، وروبرت داوني جونيور.

الحادث فعلياً أن «هوليوود» قضت على نجومها بنفسها.

كيف فعلت ذلك؟ وما المنهج الذي اتبعته ولماذا؟

الذي حصل، منذ 3 عقود وإلى اليوم، هو أن هوليوود أطلقت، منذ مطلع القرن الحالي، مئات الأفلام ذات الأجزاء المتسلسلة بحيث بات اهتمامُ الجمهور منصبّاً على الفيلم وليس على الممثل الذي لم يَعُد وحده في معظمها، بل يؤازره ممثلون آخرون من حجم النجومية نفسها.

كثير من هذه المسلسلات يضعُ ممثلين مشهورين في البطولة كما حال سلسلة «The Avengers»، التي ضمّت روبرت داوني جونيور، وسكارليت جوهانسن، وجوينيث بالترو، وصامويل ل. جاكسون، ومارك رافالو، وكريس إيڤانز تحت مظلّتها.

في مسلسل «كابتن أميركا»، وإلى جانب داوني جونيور، وسكارليت جوهانسون، وإيڤنز، أيضاً تناثر بول رود، وتوم هولاند، وإليزابيث أولسن. كلُ واحدٍ منهم قدّم في هذا المسلسل وسواه من أفلام الكوميكس والسوبر هيروز نمرته، وقبض أجره ومضى منتظراً الجزء التالي.

أيّ فيلم خارج هذه المنظومة مرجّح فشله. بذلك تكون «هوليوود» قد ساهمت في دفن نجومها عبر توجيه الجمهور لقبولهم الجميع معاً على طريقة «اشترِ اثنين واحصل على الثالث مجاناً».

ولا عجب أن أعلى الأفلام إيراداً حول العالم كسرت إمكانية تعزيز العودة إلى أيامٍ كان اسم ممثلٍ كبيرٍ واحدٍ، (لنقل كلينت إيستوود أو أنتوني هوبكنز)، كفيلاً بجرِّ أقدام المشاهدين إلى صالات السينما بسببه هو.

الأفلام العشرة التي تقود قائمة أعلى الأفلام رواجاً حول العالم، تتألف من 4 أفلام من «الأنيميشن» هي، «Inside Out 2»، و«Despicable Me 4»، و«Moana 2»، و«Kung Fu Panda 4».

بعض هذه الأفلام جاءت بممثلين مجهولين، وأُخرى جلبت بعض الأسماء المعروفة. في «إنسايد آوت 2»، اعتُمد على عددٍ من الممثلين غير المعروفين أمثال مايا هوك، وليزا لابيرا، وتوني هايل، ولويس بلاك.

في «مونا 2»، استُعين باسم معروف واحد هو، دواين جونسون الذي تقاضى 50 مليون دولار وأُحيط بممثلين مجهولين. نعم الإقبال على هذا الفيلم أثمر عن 441 مليونَ دولارٍ حتى الآن (ما زال معروضاً)، لكن ليس بسبب اسم بطله جونسون، بل بسبب تطبيع جمهور مستعدٍ لأن يرى الفيلم حلقةً مسلسلةً أكثر مما يهتم لو أن جونسون أو دنزل واشنطن قام بالأداء الصوتي.

سقوط وونكا

أحد الأفلام العشرة كان من بطولة وحشين كاسرين هما غودزيللا وكينغ كونغ. معهما من يحتاج لممثلين معروفين، أشهر المشتركين كانت ريبيكا هول، أما الباقون فهم مجموعة جديدة أخرى لم يعد باستطاعة كثيرين حفظ أسمائهم.

يتمتع الفيلم الخامس في القائمة «Dune 2»، بوجود ممثلين معروفين أمثال تيموثي شالامي، وزيندايا، وخافيير باردم. لكن الكل يعرف هنا أنه لو لم يكن شالامي أو زيندايا أو باردم لكان هناك آخرون لن يقدّموا أو يؤخّروا نجاح هذا الفيلم، لأن الإقبال كان، كما كل الأفلام الأخرى، من أجله وليس من أجل ممثليه.

لهذا نجد أنه عندما حاول شالامي تعزيز مكانته ببطولة منفردة في «Wonka»، سقط الفيلم وأنجز أقلَّ بكثيرٍ ممّا وعد به.

ما سبق يؤكد الحالة الحاضرة من أن نظام إطلاق أفلام الرُّسوم والمسلسلات الفانتازية أثمر عن إضعاف موقع الممثل جماهيرياً. غداً عندما ينتهي كروز من عرض آخر جزءٍ من «المهمّة: مستحيلة» سينضمُّ إلى من أفُلَت قوّتهم التجارية أو كادت. سينضم إلى جوني دَب، مثلاً، الذي من بعد انقضاء سلسلة «قراصنة الكاريبي» وجد نفسه في وحول أفلام لا ترتفع بإيرادها إلى مستوى جيد.