النظام السوري يرمم جيشه عبر «مراسيم تحفيزية» لرافضي الخدمة

ضبط استشراء الصرف الوهمي لرواتب تعذر تقاضيها من قبل أصحابها

النظام السوري يرمم جيشه عبر «مراسيم تحفيزية» لرافضي الخدمة
TT

النظام السوري يرمم جيشه عبر «مراسيم تحفيزية» لرافضي الخدمة

النظام السوري يرمم جيشه عبر «مراسيم تحفيزية» لرافضي الخدمة

يستمر النظام السوري في محاولات «ترميم» أعداد جيشه من خلال إصدار مراسيم تشريعية «تحفيزية»، تهدف إلى إقناع الرافضين أداء الخدمتين الإلزامية والاحتياطية بالعدول عن قرارهم، وحثهم على الالتحاق بالجيش، مقابل منحهم بعض المزايا المالية. وكان آخرها المرسوم التشريعي الذي صدر في 13 سبتمبر (أيلول) الجاري والذي يحمل الرقم 38 لعام 2015، وقد نص على «منح العاملين الدائمين والمؤقتين في القطاع العام، المستدعين للخدمة الاحتياطية، إجازة بكامل الأجر طوال فترة استدعائهم مع احتفاظهم بحقهم في كل الترفيعات الوظيفية والمزايا المقررة لأمثالهم من العاملين على رأس عملهم». كما نص القرار على «تقاضي الموظف كل التعويضات التي كان يحصل عليها وغيرها من التقديمات الخاصة بالوظيفة المسندة إليه قبل استدعائه إلى خدمة الاحتياط».
واشترط المرسوم على المؤسسات أن «تعيد الموظفين الاحتياطيين إلى عملهم بعد انتهاء فترة استدعائهم». وكان لافتا ما نص القرار عليه أيضًا لجهة تطبيق المرسوم نفسه على موظفي القطاع الخاص الذين يساقون إلى الخدمة الاحتياطية.
ويعتبر المرسوم أحد أساليب النظام التحفيزية مقابل أساليب الترهيب التي يتبعها والمتمثلة بفصل الموظفين الرافضين لأداء الخدمة الاحتياطية والإلزامية من العمل، واعتاد على معاقبتهم طوال الفترة الماضية، كما تكبدت تلك الفئة عناء الملاحقة والمنع من السفر والتهديد بالاعتقال.
ومن اللافت أن المرسوم رقم 38 يعود بمفعول رجعي لشهر مارس (آذار) 2011 وهو تاريخ بداية التحركات في سوريا، وشمل كل العاملين في الخدمة الاحتياطية أو الذين التحقوا بها بعد أن كانت لا تشمل إلا من التحق بعد تاريخ 3 - 8 - 2014. وفي ذلك إشارة واضحة أن النظام ما زال يحتفظ بالجنود الإلزاميين في الجيش منذ مارس 2011 وقد تحول معظمهم إلى الخدمة الاحتياطية أو ما يعرف بالاحتفاظ بعد قضائهم لمدة عام وتسعة أشهر، وهي مدة الخدمة الإلزامية حسب القانون خدمة العلم.
كما يطرح المرسوم الكثير من التساؤلات في ظل عدم وضوح آليات تطبيقه. أهمها إن كان الهدف منه التخفيف من ميزانية وزارة الدفاع بإلقاء أعباء رواتب الاحتياطيين على كاهل مؤسساتهم التي كانوا يعملون بها، إضافة إلى كيفية تعاطي القطاع الخاص مع المرسوم، إذ من المعروف أنه من الصعب إجبار مؤسسات القطاع الخاص على إعادة الموظفين السابقين لديها للعمل إلا في حال رغبتها في ذلك.
دكتور الاقتصاد عبد المنعم حلبي لفت في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المرسوم الأخير يحمل هدفا تحفيزيًا يسعى لبث نوع من الطمأنينة لدى الموظفين من الجنود النظاميين الذين ما زالوا موجودين في الخدمة، إضافة لتحفيز المطلوبين للخدمة الاحتياطية من خلال طمأنتهم باحتفاظهم بجميع حقوقهم الوظيفية والميزات من مكافآت وطبيعة عمل، بما في ذلك حقهم في الترفيعات الوظيفية كل عامين، بنسبة زيادة 9 في المائة تضاف على الراتب حسب ما نص عليه قانون العاملين الأساسي في الدولة.
ولكن حلبي لفت إلى أن الفروقات المالية المنتظرة من المرسوم لن تكون عالية، كون الجندي الاحتياطي يتقاضى راتبًا. وستقتصر الفروقات المالية العائدة عليه على الحوافز وطبيعة العمل والمكافآت وهي لا تصرف إلا في حال حصول مؤسسة القطاع العام على الأرباح، الأمر الذي يصعب تحقيقه في ظل الظروف الراهنة.
ورجح الحلبي أن يكون للمرسوم هدف إجرائي إضافة لهدفه التحفيزي ويكمن في تسهيل عمليات صرف الاعتمادات من قبل وزارة المالية بدل من تحويلها عبر الوزارات. وقد يحقق هذا الإجراء أيضا حالة من الضبط لعمليات التلاعب والفساد في دفع الرواتب، خاصة مع استشراء حالة الصرف الوهمية لرواتب تعذر تقاضيها من قبل أصحابها نتيجة وجودهم في مناطق خرجت عن سلطة النظام ومن الصعب عليهم الانتقال إلى مناطق أخرى لتسلم رواتبهم من مندوبي النظام الماليين.

وترجح مصادر اقتصادية أن نفقات ما يقوم النظام السوري بدفعه من رواتب لا تشكل أي عبء مالي على ميزانيته، لافتة إلى أنه من المعروف أن النظام يعتمد على الدولار في عمليات الادخار وما زالت تجارته الخارجية تعود عليه بالقطع الأجنبي، كما أن خط اعتماده الداعم المتمثل بالمساعدات الإيرانية وغيرها لا تزال تعود عليه بالعملة الصعبة، بينما يقوم بدفع راتب موظفيه بالليرة السورية.
وكانت رواتب الموظفين قد تضررت بشكل كبير جراء تراجع قيمة الليرة السورية أمام الدولار لما يزيد عن ست مرات. ورغم الزيادات المتلاحقة للرواتب من قبل النظام السوري بقيت تلك الأجور لا تتعدى قيمة الثلث من القيمة الفعلية التي كانت عليها الرواتب قبل عام 2012.
وكان الأسد قد أصدر سابقًا جملة من المراسيم التحفيزية منها الذي يحمل رقم 32. القاضي بمنح عفو عام عن «جرائم الفرار الداخلي والخارجي والجرائم المنصوص عليها في قانون خدمة العلم المرتكبة قبل تاريخ 25 - 7 - 2015». وسبق ذلك الكثير من المراسيم الخاصة بخدمة العلم منها المرسوم التشريعي رقم 33 في عام 2014 القاضي بتعديل بعض المواد من المرسوم التشريعي رقم 30 للعام 2007. والذي نص على تخفيض البدل النقدي للمكلف المقيم خارج سوريا ليصبح 8 آلاف دولار أميركي بدلا من 15000 دولار وتخفيض مدة إقامته في الخارج لتصبح 4 أعوام بدلاً من 5 أعوام.
كما سمح المرسوم الجديد للسوريين المقيمين في لبنان بدفع البدل النقدي بعد أن كان يستثني لبنان منه، لكن في المقابل رفع المرسوم قيمة البدل النقدي للمكلف الذي ولد في دولة عربية أو أجنبية، وأقام فيها أو في غيرها إقامة دائمة ومستمرة حتى دخوله سن التكليف لتصبح 2500 دولار بعد أن كانت في السابق 500 دولار فقط.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم