المواطن العادي يدفع ثمن تدهور العلاقات الروسية ـ الأوكرانية

بعد اتفاق مرحلي على صادرات الغاز.. كييف تتبنى عقوبات ضد شركات طيران

المواطن العادي يدفع ثمن تدهور العلاقات الروسية ـ الأوكرانية
TT

المواطن العادي يدفع ثمن تدهور العلاقات الروسية ـ الأوكرانية

المواطن العادي يدفع ثمن تدهور العلاقات الروسية ـ الأوكرانية

أدت تداعيات الأزمة الروسية - الأوكرانية إلى تقييد المواطن الأوكراني من حيث احتياجاته الطاقية، وذلك في ظل فشل الحكومتين في التوصل إلى سعر نهائي للمتر المكعب لصادرات الغاز الروسي لأوكرانيا، فضلا عن آليات تسديد الديون المتراكمة عليها.
وفي آخر مستجدات الأزمة المستمرة بين روسيا وأوكرانيا منذ مطلع عام 2014، أعلنت السلطات الأوكرانية عن قرارها بفرض عقوبات على 25 شركة طيران روسية، كما حظرت رحلاتها إلى المدن الأوكرانية. وتطال هذه العقوبات بصورة رئيسية شركتي «ترانس أيرو» و«إيرفلوت» العملاقتين في مجال النقل الجوي، فضلا عن شركات أخرى، أوقفت بعضها رحلاتها إلى أوكرانيا منذ عام، بينما ألغت أخرى عددا من رحلاتها الجوية الدائمة إلى الدولة الشقيقة. ويشكل المواطنون الأوكرانيون نسبة 70 في المائة تقريبًا من إجمالي المسافرين على متن رحلات الشركات الروسية، والذين غالبا ما يستفيدون من المطارات الروسية للسفر نحو أوروبا، حيث الأسعار أفضل وعدد الرحلات الجوية من العاصمة موسكو إلى العواصم الأوروبية تفوق تلك التي تنطلق من العاصمة كييف.
وستنجم عن هذه العقوبات، بطبيعة الحال، خسارة محدودة للشركات الروسية، وتعقيدات سيواجهها المواطنون الأوكرانيون في التنقل إلى أوروبا. أما الأمر الأخطر، فهو أن هذه العقوبات تهدف إلى ضرب الروابط الاجتماعية والثقافية بين الشعبين الروسي والأوكراني، الأخوين تاريخيًا، والحد من وسائل التواصل بينهما. في المقابل، أعلنت موسكو، على لسان وزير النقل، مكسيم سوكولوف، عن نيتها تبني تدابير مماثلة بحق شركات أوكرانية، فور الإعلان رسميا عن العمل بالعقوبات الأوكرانية.
بالتزامن مع ذلك، نُشرت على الموقع الرسمي للرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، عريضة تتضمن اقتراحًا بفرض حظر على نشاط المصارف الروسية في أوكرانيا، التي تجني أرباحًا أكثر من المصارف الوطنية الأوكرانية نفسها وفق ما جاء في العريضة. ويستمر التصويت على الاقتراح لمدة 91 يومًا، لحشد العدد المطلوب من الأصوات وعرض هذا الاقتراح على السلطات التشريعية في البلاد لاعتماده كقرار رسمي.
وتأتي هذه التطورات بين البلدين بعد أيام قليلة من انعقاد محادثات بين الجانبين، بوساطة أوروبية، للتوصل إلى اتفاق حول سعر صادرات الغاز الروسي لأوكرانيا. ويُذكر أن قضية صادرات الغاز هي من أكثر الملفات حساسية في العلاقات الأوكرانية - الروسية، ذلك أن أوكرانيا تعدّ المحطة الرئيسية التي تمر عبرها شبكات صادرات الغاز الروسية إلى أوروبا.
من جانبها، تخشى روسيا أن تؤثر الخلافات على سمعتها في سوق الغاز الأوروبية، خاصة أنها أدّت إلى تأخير تنفيذ التزاماتها التعاقدية أمام شركائها الأوروبيين. ويشار إلى أن العلاقات الأوروبية - الروسية تعاني من توتر على خلفية الأزمة مع كييف، إذ اضطرت روسيا إلى إطلاق خطة واسعة لتعويض الصادرات التي طالتها العقوبات الغربية، بهدف تأمين احتياجات مواطنيها الأساسية. وردّا على العقوبات الغربية، حظرت موسكو مواد غذائية كانت تستوردها من الاتحاد الأوروبي. أما بالنسبة لكييف، فإن حساسية هذا الملف تزداد كل عام مع اقتراب فصل الشتاء، حيث يشكل الغاز الطاقة الرئيسة المعتمدة لتأمين التدفئة.
وانتهت المحادثات بين طرفي الخلاف بالتوصل إلى اتفاق على سعر صادرات الغاز الروسية، للربع الأخير من العام الحالي، والذي لا يغطي فصل الشتاء بمجمله. وذلك على أن تدفع أوكرانيا نحو 227 دولارا أميركيا عن كل ألف متر مكعب من الغاز. ولا شك في أن ملف الغاز الروسي إلى أوكرانيا سيعود ليطفو على السطح من جديد بعد عدة أشهر، في ظل فشل محادثات متقطعة، منذ عام 2014، بين شركتي «غازبروم» الروسية و«نفطو غاز» الأوكرانية في التوصل إلى اتفاق نهائي.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».