الرئيس الأميركي ينتظر سماع ما سيقوله نظيره الروسي اليوم قبل تأكيد أهداف سياساته

مسؤولون: بوتين قد يسعى إلى جذب أنظار الغرب بعيدًا عما يحدث في أوكرانيا

الرئيس الأميركي ينتظر سماع ما سيقوله نظيره الروسي اليوم قبل تأكيد أهداف سياساته
TT

الرئيس الأميركي ينتظر سماع ما سيقوله نظيره الروسي اليوم قبل تأكيد أهداف سياساته

الرئيس الأميركي ينتظر سماع ما سيقوله نظيره الروسي اليوم قبل تأكيد أهداف سياساته

كشف مسؤولون كبار بالإدارة الأميركية أن الإدارة قررت تعليق قراراتها بخصوص عدد من التعديلات المقترحة لاستراتيجيتها في مواجهة تنظيم داعش انتظارًا للمزيد من المعلومات عن نيات روسيا في سوريا، وعن تطلع الرئيس أوباما للحصول على إيضاحات حول مقترحات تعديل الاستراتيجية.
وحتى بعدما شرع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إرسال دبابات وطائرات وقوات إضافية إلى ساحل سوريا على البحر المتوسط بداية الشهر الحالي، طالب أوباما كبار مستشاريه الأمنيين، بالتمهل لتكوين صورة أدق للمبادرات المقترحة المختلفة وكيفية مساهمتها في الوصول لحل للصراع المتأزم هناك.
وما زالت أهداف الرئيس الروسي غامضة بالنسبة للبيت الأبيض، الأمر الذي جعل الرئيس أوباما يخلص إلى أن أفضل طريقة لاستجلاء الحقيقة هي أن يسأل الرئيس الروسي نفسه بشكل مباشر. ومن المقرر أن يلتقي الرئيسان اليوم، في اجتماع رسمي للمرة الأولى منذ عامين، وذلك بعد أن يلقي الرئيسان كلمتيهما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وحسب مسؤولون، يهدف أوباما إلى سماع ما سيقوله بوتين قبل تأكيد أهداف السياسة الأميركية والتحذير من مغبة التدخل ولتحديد ما إذا كان هناك مجال للتعاون المشترك. وسوف يستغل الرئيس أوباما كذلك فرصة اجتماع الأمم المتحدة كي يعقد لقاء قمة، الثلاثاء، لمناقشة أمر التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، بالإضافة إلى موضوعات أخرى تتعلق بالتحالف لمواجهة الإرهاب.
في السياق ذاته، من المقرر أن يعقد وزير الخارجية الأميركي جون كيري اجتماعات ثنائية مع الدول الأعضاء في التحالف لمواجهة «داعش» لمراجعة الأهداف الجديدة، وموقف الإدارة الأميركية من خطط الرئيس بوتين في هذا الصدد، وأزمة اللاجئين السوريين المتفاقمة.
ومع اتساع نطاق الاقتتال في ظل تعدد الجبهات الفوضوية وتعدد اللاعبين في الحرب الدائرة الآن، يبدو وكأن الإدارة الأميركية قد خففت من شروطها فيما يخص رحيل الأسد عن الحكم. وحسب تصريح وزير الخارجية جون كيري الأسبوع الماضي في لندن أنه على الرغم من حتمية رحيل الأسد، «ليس المطلوب أن يرحل في غضون يوم أو شهر أو ما شابه».
ويقول مسؤولون إن كلمات كيري تعكس مخاوف طالما انتابت الولايات المتحدة من أن سقوط المؤسسات السورية من شأنه أن يخلق فراغًا تستطيع الميليشيات المسلحة التمدد فيه، على غرار ما حدث في العراق العقد الماضي بعد انهيار الجيش العراقي بتنفيذ أميركي.
وأبدت كل من روسيا وإيران مقاومة مستمرة لإصرار الولايات المتحدة على ضرورة تفاوض الأسد حول تخليه عن الحكم طبقًا للبدائل السياسية التي تعرضها واشنطن. وأقر مسؤولون بصعوبة التجاوب مع هذا المطلب بالنظر إلى الفشل الحالي في تشكيل معارضة سوريا من بين السوريين المعتدلين الذين تدعمهم الولايات المتحدة.
ومع تمركز المقاتلات الروسية على الأرض من دون أي مؤشرات لطريقة استخدامها، أكدت الولايات المتحدة على الحاجة «للتنسيق» لتجنب أي تضارب قد يتسبب في مشكلات مستقبلية في العمل سواء في مناطق العمليات أو بالقرب منها.
وقال مسؤولون إن بوتين قد يسعى إلى جذب أنظار الغرب بعيدًا عما يحدث في أوكرانيا حيث سيطرت روسيا والانفصاليون على الحدود الشرقية والمناطق الهامة، التي من المقرر أن تتجدد أو تتوسع فيها العقوبات الأميركية والغربية في حال لم يتحسن الوضع خلال الشهور القادمة.
تبرز احتمالية أخرى أن تسعى موسكو إلى مساعدة الأسد في فرض سيطرته على ما يمكن اعتباره رديف الدولة السورية في مناطق التمركز السكاني غربي البلاد وعلى ساحل البحر المتوسط. وتنخرط قوات الأسد في القتال في تلك المناطق ضد خليط من المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة ومتطرفي «داعش»، ومنهم جبهة النصرة والسوريون المنضمون لتنظيم القاعدة.
وسوف يساهم الحفاظ على هذه المنطقة في ظل الحكومة الحالية في الحفاظ على وجود القوات الروسية، بما في ذلك القاعدة البحرية، لأمد طويل. وسوف يمثل قرار روسيا توجيه ضربات جوية ضد جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات المسلحة التي تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية، مأزقًا للإدارة الأميركية، خاصة في حال أظهرت روسيا عدم اكتراث للخسائر في أرواح المدنيين كما يفعل نظام الأسد.
وبينما تنتظر الإدارة الأميركية المزيد من التوضيح بشأن الأهداف الروسية، تقوم وزارتا الخارجية والدفاع (البنتاغون) الأميركيتين بتعديل استراتيجيتها في مواجهة تنظيم داعش في كل من سوريا والعراق. في الماضي كانت الوزارتان على خلاف فيما يخص تنفيذ تلك الاستراتيجية، حيث تمسكت الخارجية الأميركية باستخدام القوة، في حين مال «البنتاغون» للتعامل الحذر.
أحد متغيرات المعادلة الاستراتيجية هو تغيير القيادات في كلتا الوزارتين، فقد تقاعد الجنرال مارتن ديمبسي من منصبه كقائد للأركان المشتركة وكمستشار عسكري للرئيس أوباما الجمعة الماضي، وحل مكانه القائد البحري جوزيف دنفورد الذي شغل منصب قائد القوات الأميركية والدولية في أفغانستان حتى الأسبوع الماضي. ومن المقرر كذلك أن يغادر الجنرال المتقاعد جون الآن منصبه الخريف الحالي، وشغل الآن منصب مبعوث الخارجية الأميركية الخاص للتحالف الدولي ضد «داعش» ومعروف عنه معارضته لصمت «البنتاغون».
*خدمة «واشنطن بوست»
_ خاص بـ {الشرق الأوسط}



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.