أرشيف عالم الآثار سليم حسن في معرض بمكتبة الإسكندرية

يلقي الضوء على إنجازاته وينشر جزءًا من كتاب له لم يصدر سابقًا

شعار المعرض
شعار المعرض
TT

أرشيف عالم الآثار سليم حسن في معرض بمكتبة الإسكندرية

شعار المعرض
شعار المعرض

تحتفل مكتبة الإسكندرية بعالم الآثار المصري الشهير سليم حسن، إذ ينظم مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي التابع للمكتبة، بالتعاون مع إدارة المعارض والمقتنيات الفنية، معرضا ضافيا عن إنجازاته المتميزة في مجال الآثار، خصوصا أنه صاحب السبق من المصريين في القيام بحفائر علمية تحت إشراف المنظمات الوطنية.
يفتتح المعرض يوم الأربعاء الموافق 30 سبتمبر (أيلول) الحالي، ويستمر حتى 12 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. ويلقي الضوء على أرشيف سليم حسن الذي يحتوي على صور من حفائره بالجيزة وسقارة، ومشواره في نشر نتائج اكتشافاته بسقارة بدءًا من عام 1938. ويشتمل المعرض على جزء من كتابه «الطريق الصاعد للملك ونيس»، الذي لم يتم نشره بعد، باستخدام تقنيات التوثيق الحديثة، كما يوثق المعرض أيضًا لجهود سليم حسن في إنقاذ آثار النوبة، وما رسمه من خرائط للمنطقة وتخطيطات لمعابدها والصور التي تبين وضعها. كما يضم مجموعة من صور سليم حسن أثناء عمله بالحفائر تجمعه مع أفراد عائلته ومع كبار علماء الآثار الأجانب.
ويعد سليم حسن (1893 - 1961) عميد الأثريين المصريين. وقد ولد بإحدى القرى المصرية بمحافظة الدقهلية، وتولت والدته رعايته بعد وفاة والده وهو صغير وأصرّت على أن يكمل تعليمه، حتى تخرج في كلية الآثار عام 1913، وعمل مدرسا للتاريخ بالمدارس الأميرية. وفي عام 1921 عين في المتحف المصري. سافر إلى أوروبا في عام 1922 لحضور احتفالات الذكرى المئوية لعالم الآثار الفرنسي شامبليون، وزار فرنسا وإنجلترا وألمانيا وخلال تلك الفترة كتب كثيرا من المقالات الصحافية تحت عنوان «الآثار المصرية في المتاحف الأوروبية» كشف فيها عن السرقة والنهب الذي يحدث للآثار المصرية مثل رأس نفرتيتي التي شاهدها في برلين.
وفي عام 1925 سافر في بعثة إلى فرنسا والتحق بقسم الدراسات العليا بجامعة السوربون، وحصل على دبلوم اللغات الشرقية واللغة المصرية القديمة (الهيروغليفية) من الكلية الكاثوليكية، كما حصل أيضًا على دبلوم الآثار من كلية اللوفر، وأتم بعثته عام 1927م بحصوله على دبلوم اللغة المصرية ودبلوم في الديانة المصرية القديمة من جامعة السوربون.
في عام 1929 بدأ سليم حسن أعمال التنقيب الأثرية في منطقة الهرم لحساب جامعة القاهرة لتكون المرة الأولى التي تقوم فيها هيئة علمية منظمة أعمال التنقيب بأيدٍ مصرية، وكان من أهم الاكتشافات التي نتجت عن أعمال التنقيب مقبرة «رع ور»، وهي مقبرة كبيرة وضخمة وجد بها كثير من الآثار.
واستعانت الحكومة المصرية في عام 1954 بخبرة سليم حسن الكبيرة فعينته رئيسا للبعثة التي ستحدد مدى تأثير بناء السد العالي على آثار النوبة، وفي عام 1960 أنتخب عضوا بالإجماع في أكاديمية نيويورك التي تضم أكثر من 1500 عالم من 75 دولة. ترك سليم حسن كثيرا من المؤلفات القيمة باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية في مجال الآثار، وتعتبر موسوعته «مصر القديمة» المكونة من 16 جزءا مرجعا أساسيا للتعرف على الحضارة المصرية القديمة بشكل شامل.



جيناتنا العظيمة

عبد الله القصيمي
عبد الله القصيمي
TT

جيناتنا العظيمة

عبد الله القصيمي
عبد الله القصيمي

ثمة فرق بين النقد الثقافي الساعي لإصلاح حال أمة ما وتسليط الأضواء على الأخطاء التي تعيق التطور من جهة، وجلد الذات الذي يصبح إدماناً، من جهة أخرى. هذا ما خطر ببالي وأنا أعيد قراءة كتاب الفيلسوف السعودي عبد الله العلي القصيمي «العرب ظاهرة صوتية». من وجهة نظره، العرب مُصوّتون فقط في حين لا يكتفي الآخرون بإصدار الأصوات، بل يتكلمون ويفكرون ويخططون وهم أيضاً خلاقون قاموا بإبداع الحضارات والقوة والفكر وتجاوزوا الطبيعة وفهموها وقاموا بتفسيرها قراءة فهم وتغيير وبحث عن التخطي والتفوق.

مثل هذا النقد مدمر لأنه يبشر بسقوط يستحيل النهوض منه لأن المشكلة في الجينات، والجينات لا يمكن إصلاحها. «العرب ظاهرة صوتية»، شعار رفعه العديد من الكتاب وأصبحت «كليشة» مكرورة ومملة، ولا يمكن أن يكون هذا التوجه نافعاً لأنه لا يضع خطة عمل، بل يرمي العربي في حفرة من الإحباط. مع أن هناك الكثير مما نراه من إنجازات دولنا في الجوانب النهضوية وأفرادنا على الصعيد العلمي ما يدعو إلى التفاؤل، لا الإحباط.

ما الذي خرج به جلد الذات الذي يمارسه المثقفون العرب على أنفسهم وثقافتهم بعد كل هذه العقود المتتابعة؟ بطبيعة الحال، ليس هذا موقف الجميع، إلا أن الأصوات المتطرفة توصلت إلى أن العرب لديهم مشكلة جينية، تمنعهم من مواكبة قطار الحداثة وإصلاح مشكلاتهم والانتقال إلى نظام الحياة المدنية المتحضرة. لا خلاف على تطوير أنظمة الحياة وتطبيق فلسفة المنفعة العامة للمجتمع وإعلاء قيمة حقوق الإنسان والحرية، وإنما الخلاف هو في هذا الوهم الذي يُخيل لبعض المثقفين أن المشكلة ضربة لازب وأنه لا حل، وهذا ما يجعل خطابهم جزءاً من المشكلة لا الحل، لأن هذا الخطاب أسس لخطاب مضاد، لأغراض دفاعية، يتجاهل وجود المشكلة وينكرها.

لا فائدة على الإطلاق في أن ننقسم إلى فريقين، فريق التمجيد والتقديس للثقافة العربية وفريق مشكلة الجينات. وأصحاب الرؤية التقديسية هم أيضاً يشكلون جزءاً كبيراً من المشكلة، لأنهم لا يرغبون في تحريك شيء، وذلك لأنهم يؤمنون بأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان، وإن دخلت معهم في نقاش فتحوا لك صفحة الماضي المجيد والانتصارات العسكرية وغزو العالم في العصر الوسيط يوم كان العرب حقاً متفوقين، وكان المثقف الأوروبي يتباهى على أقرانه بأنه يتحدث العربية ويفهم فلسفة ابن رشد.

يخطئ الإسلاميون، وهم من يرفع شعار التقديس، عندما يتخيلون أن تجربتهم هي التمثيل الأوحد للديانة الإسلامية، فالنص حمَّال أوجه وفي باطنه آلاف التفاسير، والناجح حقاً هو من يستطيع أن يتخلى عن قراءاته القديمة التي ثبت فشلها ولم تحل مشكلات الشعوب التي تتوق إلى الحياة الكريمة. يخطئ من يتصور أن بإمكانه أن يسحق الأقليات ويحكم بالحديد والنار، وها هي تجربة صدام حسين وبشار الأسد ماثلة أمام عيوننا.

لقد بدأت مشكلتنا منذ زمن قديم، فالأمة العربية الإسلامية أدارت ظهرها للعلم في لحظته المفصلية في قرون الثورة العلمية والاكتشافات، ولهذا تراجعت عن المكانة العظيمة التي كانت للحضارة العربية الإسلامية يوم كانت أقوى إمبراطورية على وجه الأرض. دخلت حقاً في عصور الانحطاط عندما رفضت مبدأ السببية الذي قام عليه كل العلم بقضه وقضيضه، وولجت في عوالم من الدروشة والتخلف، ليس فقط على صعيد العلوم المادية، بل على الصعيد الأخلاقي أيضاً، وأصبحت صورة العربي في الذاكرة الجمعية تشير إلى شخص لا يمكن أن يؤتمن ولا أن يصدّق فيما يقول. هذا ما يجعله ضيفاً ثقيلاً من وجهة نظر بعض المجتمعات الغربية التي لجأ إليها العرب للعيش فيها.

لقد عاش العربي في دول تقوم على فرق ومذاهب متباغضة متكارهة قامت على تهميش الأقليات التي تحولت بدورها إلى قنابل موقوتة. هذا المشهد تكرر في كل الأمم وليس خاصاً بالعرب، فنحن نعلم أن أوروبا عاشت حروباً دينية دموية اختلط فيها الديني بالسياسي وأزهقت بسببها مئات الآلاف من الأرواح، لكنهم بطريقة ما استطاعوا أن يداووا هذا الجرح، بسبب الجهود العظيمة لفلاسفة التنوير ودعاة التسامح والتمدن والتعامل الإنساني الحضاري، ولم يعد في أوروبا حروب دينية كالتي لا زالت تقع بين العرب المسلمين والأقليات التي تعيش في أكنافهم. العرب بحاجة إلى مثل هذا التجاوز الذي لا يمكن أن يحصل إلا في ضفاف تكاثر الدول المدنية في عالمنا، وأعني بالمدنية الدولة التي تعرف قيمة حقوق الإنسان، لا الدول التي ترفع شعار العلمانية ثم تعود وتضرب شعوبها بالأسلحة الكيماوية.

الدولة المدنية، دولة الحقوق والواجبات هي الحل، ومشكلة العرب ثقافية فكرية وليست جينية على الإطلاق. ثقافتنا التي تراكمت عبر العقود هي جهد بشري أسس لأنظمة أخلاقية وأنماط للحياة، وهذه الأنظمة والأنماط بحاجة إلى مراجعة مستمرة يديرها مشرط التصحيح والتقويم والنقد الصادق، لا لنصبح نسخة أخرى من الثقافة الغربية، وإنما لنحقق سعادة المواطن العربي وحفظ كرامته.