تتعدد المشاريع العقارية السكنية في العاصمة البريطانية لندن وتتنوع مساحاتها وأسعارها وفقا للموقع وطبيعة المشاريع واستراتيجيات التسويق، لكن تبقى الأهداف التجارية وهامش الربح المحرك الرئيس لقرارات الاستثمار واختيار طبيعة المرافق، فيما يحتل الجانب الاجتماعي آخر مرتبة ضمن أولويات المستثمر. في مشروع «باترسي» جنوب لندن، ينافس الجانب الاجتماعي نظيره التجاري، ويسعى المستثمر إلى توفير بيئة سكنية متكاملة تتخللها مساحات خضراء، ومرافق عامة، ومقاه، ونواد ثقافية وموسيقية ورياضية وغيرها.
بهذا الصدد، يوضح روب تينكنيل، المدير التنفيذي لشركة تنمية محطة «باترسي»، خلال حديث مطول مع «الشرق الأوسط»: «أردنا القيام بمشروع يعكس أهمية مبنى «باترسي» الشهير، الذي يعد أحد معالم لندن، لكننا لم نرد أن نبني مخططا سكنيا تقليديا آخر.. فمعظم سكان لندن لا يعرفون جيرانهم، ولا يشعرون بحس الانتماء إلى مكان سكنهم. وذلك يرجع بالدرجة الأولى إلى غياب المرافق الاجتماعية في المجمعات السكنية. وهنا يختلف مشروعنا عن غيره، إذ أعرنا اهتماما بالغا لتخصيص مرافق عامة تشجع السكان على التعارف وتكوين مجتمع صغير يتشارك حس الانتماء إلى مجمع سكني وتجاري واحد».
ويمتد مشروع إعادة إحياء محطة «باترسي»، جنوب لندن، على مساحة تبلغ 42 فدانا، ما يجعله أحد أكبر المشاريع العقارية في لندن، وأكبر مشروع إعادة إحياء منطقة وسط العاصمة. ويوضح تينكنيل أن المشروع، الذي كلفت مرحلته الأولى 8 مليارات جنيه إسترليني (12.1 مليار دولار)، خصص 3 ملايين ونصف قدم مربع للمساحات التجارية، أي ما يعادل 43 في المائة من إجمالي مساحة المشروع. ويشمل الجزء التجاري 1.6 مليون قدم مربع مخصصة للمكاتب وحدها، و1.2 مليون قدم مربع للمتاجر والمطاعم، فضلا عن قاعات عرض فنية ومتاحف وغيرها. ويتوقع تينكنيل أن تحتل «باترسي» المرتبة الثالثة لأكثر المناطق شعبية في لندن بعد أكسفورد ستريت وريجنتس ستريت.
أما في ما يتعلق بالجانب السكني، فيشمل المشروع أكثر من ألف وحدة سكنية، منها 865 شقة في الجزء الأول، وهي شقق تتوسط «القرية» التي تتكون، بالإضافة إلى المرافق السكنية، من متاجر محلية ومطاعم. وبيعت شقق الجزء الأول جلّها في غضون 3 أسابيع، وذلك بعد أن عرضت للبيع في شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2013. وكانت 50 في المائة من المبيعات من نصيب مستثمرين بريطانيين، فيما بيع النصف الآخر لعملاء عبر العالم، خاصة الآسيويين والعرب. وتبدأ أسعار الشقة الواحدة من 338 ألف جنيه إسترليني لـ«استوديو»، و423 ألفا لشقق بغرفة واحدة، فيما تبدأ أسعار الشقق المكونة من غرفتين من 613 ألفا ومن 894 ألفا للشقق ذات ثلاث غرف.
أما الجزء الثاني من المشروع، فيعنى بإعادة تطوير محطة الكهرباء نفسها والتي وصفها تينكنيل بـ«الوحش» في إشارة إلى حجمها الكبير، والذي يتجاوز مليوني قدم مربع، وإلى بنائها العتيق. ويكشف تينكنيل أن 25 في المائة من المشروع مخصص للمساحات السكنية، فيما خصصت ثلاثة طوابق للمحلات التجارية، وطابق بأكمله للثقافة والترفيه ويشمل فندقا فخما وسينما وقاعة حفلات، كما كرّست 6 طوابق للمكاتب. وفضّلت الشركة تخصيص الطابق العلوي والأخير للشقق السكنية، والتي بيع منها نحو 75 في المائة إلى اليوم. ويبلغ متوسط مساحة الشقة الواحدة نحو ألفي قدم مربع، ما يجعلها مريحة لاستقبال عائلة صغيرة، كما تتخللها حدائق كبيرة. ويعلق تينكنيل بهذا الشأن: «قرار تخصيص سطح المبنى للشقق كان مغامرة حقيقية من جانبنا، إذ إن الفكرة جديدة نسبيا في لندن. لكننا اتخذنا هذا القرار رغم كل شيء لضمان راحة الزبائن. فمساحة الشقة الواحدة أكبر من متوسط شقق العاصمة بكثير، ويصلح لاستيعاب عائلة صغيرة. كما أن الحدائق المحيطة بها من كل الجوانب تضفي عليها نكهة خاصة».
وفي ما يتعلّق بالجزء الثالث والأخير من المشروع، فيوضّح تينكنيل أنه يتميز بمعمار فريد من نوعه أشرف عليه اثنان من أبرز المهندسين المعماريين في العالم. حيث أشرف المهندس الشهير فرانك غيري على النصف الأول ليكون أول مبنى يصممه في لندن، فيما صمم المهندس لورد فوستر النصف الثاني.
ويتميز موقع «باترسي» بقربه من أهم المواقع السياحية في لندن، على غرار «لندن آي» ومتحف «تيت مودرن» و«مسرح الفيلم الوطني»، فضلا عن السفارتين الأميركية والهولندية والتي ستستقران في منطقة «ناين إيلمز» القريبة في السنوات المقبلة. ويؤكد تينكنيل أن المشروع الطموح، والذي يتوقع أن ينتهي كاملا بحلول 2025، سيوفر 17 ألف وظيفة جديدة، كما سيساهم بنحو مليار جنيه إسترليني في الاقتصاد البريطاني خلال العقدين الأولين من انطلاقه.
ويذكر أن محطة «باترسي» التاريخية قد توقفت عن توليد الكهرباء عام 1983، إذ كانت تزود نحو 20 في المائة من منشآت لندن بحاجاتها الطاقية، قبل أن تتحول إلى مبنى تاريخي تراثي استغل في أعمال فنية وظهر على أغلفة أسطوانات موسيقية شهيرة. وكان بناء المحطة قد بدأ في عام 1929، وذلك من أجل توليد الكهرباء لمدينة لندن بدلا من كثير من الشركات الصغيرة التي كانت تختلف فيما بينها في المعايير. واستكمل بناء المحطة في عام 1933 بتكلفة تخطت المليوني إسترليني في ذلك الوقت. واستكملت المحطة في عام 1955 واكتسبت شكلها المميز بأربع مداخن على أركانها. وكانت حينذاك ثالث أكبر محطة توليد كهرباء على مستوى بريطانيا. ولكن نهاية المحطة في الثمانينات جاءت بسبب عدة عوامل منها ارتفاع تكاليف الإنتاج ودخول محطات توليد أخرى أكثر كفاءة إلى السوق اعتمدت على النفط والغاز والطاقة النووية بدلا من الفحم.
وفيما انشغل مطورو العقار المحليون والدوليون بالاستثمار في الجانب الشمالي من نهر «التيمز»، أغفلوا الإمكانيات الضخمة لمنطقة «باترسي» وتجاهلوا تطويرها لسنوات بسبب صعوبات تمويلية وأخرى تتعلق بتراخيص البناء. فعلى مر السنين، شهد الموقع المرموق محاولات لتطويره إلى ملعب كرة لفريق تشيلسي، وأخرى لبناء مشروع سكني متكامل قبل أن تعصف الأزمة المالية العالمية وتداعياتها بشركة آيرلندية كانت هي المستثمر الرئيسي. أما الشركة المستثمرة الحالية، فهي مكونة من مجموعة شركات ماليزية تشمل «إس. بي. بيتيا»، «سيم داربي».
مشروع «باترسي» العقاري يطمح إلى إضفاء روح جديدة على جنوب لندن
سيساهم بمليار جنيه إسترليني في الاقتصاد البريطاني ابتداء من 2025
مشروع «باترسي» العقاري يطمح إلى إضفاء روح جديدة على جنوب لندن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة