الباغيت.. خبز التلاقح الفيتنامي الفرنسي

«بان مي» من أهم ما تركه الاستعمار للشعب

الخبز الأشهر في فيتنام
الخبز الأشهر في فيتنام
TT

الباغيت.. خبز التلاقح الفيتنامي الفرنسي

الخبز الأشهر في فيتنام
الخبز الأشهر في فيتنام

يعتبر المطبخ الفيتنامي من المطابخ الآسيوية الهامة منذ فترة طويلة. ويعود هذا إلى عدة أسباب أهمها التلاقح بين المطبخ الفيتنامي والمطبخ الفرنسي وانتشار المطبخ الفيتنامي حول العالم في منذ ثمانينات القرن الماضي.
ومن أهم معالم هذا المطبخ الغني والشهير الباغيت أو الرغيف الفرنسي الذي يطلق عليه بالفيتنامي «بان مي» (BANH MI - تعني الخبز المصنوع من دقيق القمح). وقد أخذه الفيتناميون عن الباغيت الفرنسي التقليدي أيام الفترة الكولانيالية أو الاستعمار الفرنسي الذي امتد من القرن التاسع عشر حتى استقلال فيتنام عام 1954. ويعتبر الباغيت الفيتنامي ثمرة ناجحة لزواج الاستعمارية الغربية مع الدينامية الشرقية.
وقد بدأت حياة الباغيت في مدينة هو شي منه (سايغون سابقا) نهاية القرن التاسع عشر، كرغيف ساندويتش باريسي يحتوي على اللحم والزبدة والباتيه وكان يعرف باسم «بان تاي» (تعني: الكعكة الأجنبية) وكان تناول هذا النوع من الخبز الفرنسي حكرا على الطبقات الثرية والفيتناميين الذين كانوا يريدون تقليد الفرنسيين، أي بكلام آخر لم يكن معروفا ومشهورا بين عامة الناس.
وكان الأغنياء من الفيتناميين في بداية الأمر يغرفون هذا النوع من الخبز بالحليب المكثف والحلو.
ويقول الخبراء إن دخول الرغيف أو الباغيت الفرنسي على المطبخ الفيتنامي كان نقلة تاريخية وهامة في هذا المطبخ الآسيوي المتنوع والهام الذي كان يعتمد قبل ذلك على الأرز مصدرًا أساسيًا من مصادر الغذاء والمنتجات.
وقد أقلم الفيتناميون الرغيف الفرنسي بما يناسب أذواقهم المحلية وبشكل عام تم استبدال الزبدة بالمايونيز وتمت إضافة مخللات الخضراوات والفلفل الطازج لتحسين الطعم وفتح الشهية. وبعد هذه التحولات وانتشار ظاهرة الأطعمة التي تباع في الشارع والأسواق الشعبية الرخيصة أصبح الـ«بان مي» من المأكولات الشعبية والأساسية في البلاد التي يرغبها عامة الناس.
وبعد توحيد فيتنام وهزيمة أميركا عام 1975، هاجر كثير من الفيتناميين إلى الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا وأوروبا فانتشرت ظاهرة الـ«بان مي» في هذه البلدان والعواصم الهامة كلندن حيث توجد المئات من المخابز والمطاعم الفيتنامية المتنوعة التي تنتج وتبيع هذا النوع المرغوب من الخبز.
وبعد الازدهار الاقتصادي الذي شهدته فيتنام في السنوات القليلة الماضية انتشرت ظاهرة الـ«بان مي»، الذي يضم البيض المقلي وصلصة الباربكيو الحلوة وكرات اللحم الصغيرة وشرائح الدجاج وصلصة الطماطم والجبنة والباتيه وسمك الساردين.
من أهم مواصفات الباغيت الفيتنامي التي تختلف عن مواصفات الباغيت الفرنسي التقليدي أنه أكثر خفة أو تهوية من الفرنسي التقليدي كما أن قشرته الداكنة أقل سماكة.
تحتاج عملية إنتاج الرغيف إلى كثير من الوقت والخبرة، وبشكل عام يتم خلط المكونات في العجانة وتترك العجينة بعض الوقت قبل تقطيعها إلى أجزاء أو كتل متساوية الوزن والحجم، وبعد ذلك يتم تشكيل وتطويل الرغيف باليد قبل شرحه بالسكين ووضعه للخبز بالفرن. وفي هذا الإطار، ينصح بتقليل كمية المياه في الوصفة في المناطق التي ترتفع فيها نسبة الرطوبة. وفيما يصر البعض على استخدام الطحين العادي (all purpose flour) في عملية إنتاج الباغيت الفيتنامي يقول البعض الآخر إن الفيتناميين درجوا على استخدام طحين أو دقيق الأرز (من دون غلوتين) في إنتاجه لأن الطحين العادي أو دقيق القمح كان غالي الثمن في البلاد أيام الفرنسيين. ولذلك ينصح كثير من العارفين في أمور الطحين باستخدام كمية متساوية من النوعين في إنتاجه للحصول على الخفة والتهوية المطلوبة في الباغيت.
وبشكل عام يعتبر رغيف الباغيت الفيتنامي نتاج التلاقح بين المطبخين الآسيوي والأوروبي الذي يظهر في كثير من الأطباق الفيتنامية المعروفة، إذ إن تأثير الفرنسيين لم يتوقف على أنواع الخضراوات التي أدخلت على المطبخ الفيتنامي كالبطاطا والجزر والخرشوف والبصل والهليون ولحم البقر والقهوة، بل على وسائل الطبخ وتقنياته، وبشكل محدد استخدام الزبدة في تحضير الصلصات.

* ساندويتش بان مي تقليدي
* افتح رغيف الخبز أو الباغيت وادهن بالمايونيز وصلصة الفلفل الحلو والباتيه والأعشاب (كزبرة) أو البقلة وشرائح الخيار ومخللات الخضراوات وشرائح لحم البقر أو الدجاج المطبوخ وحمص على النار (اختياري) قبل التناول.
هناك بالطبع كثير من أنواع الساندويتشات الفيتنامية التي تستخدم رغيف الباغيت ومحتوياتها، ويمكن العثور على هذه الأنواع في كثير من الوصفات المتوفرة على صفحات الإنترنت الأميركية والبريطانية والفرنسية.

* طريقة التحضير
1 - ضع 250 غرام من الطحين (أو كوبين من الطحين) (أول بيبروس) في وعاء.
2 - ضع 180 غرام من الماء أو 3 / 4 كوب من الماء (35 درجة مئوية) في وعاء آخر، أضف إلى الماء ملعقة ونصف من الخميرة الجافة وملعقة طعام من السكر واخلط جيدا قبل إضافة نصف كمية الطحين إلى المزيج وخلطهما معا لتحصل على عجينة رخوة جدا (تسمى الإسفنجة).
3 - غط الوعاء بقماشة واترك العجينة طوال الليل أو لمدة ثلاث ساعات على الأقل (حتى ترى الفقاقيع على سطح الخليط).
4 - بعد ذلك تضاف كمية الطحين المتبقية إلى الوعاء ويتم خلط المزيج معا مع ملعقة صغيرة من الملح للحصول على عجينة مطاطية.
5 - انشر بعض الطحين على الطاولة قبل إضافة العجينة واعجنها جيدا باليد (يجب العجن بلطف بباطن اليد) لمدة عشر دقائق على الأقل حتى تحصل على كتلة عجينة طرية وممتازة.
6 - ضع كتلة أو طابة العجين في وعاء وغط بفوطة مطبخ واتركها في مكان دافئ لمدة ساعة حتى يتضاعف حجمها.
7 - بعد ذلك اقطع الكتلة أو العجينة إلى ثلاثة أقسام (كل قسم يساوي 130 غرامًا تقريبا) وكور كل قطعة عبر تحويل القشرة الخارجية إلى الداخل.
8 - غط القطع الثلاث بفوطة مطبخ واترك القطع لمدة عشر دقائق.
9 - بعد ذلك أطرها أو اضربها على الطاولة قبل تسطيحها باليد (مقدمة اليد وليس باطنها) للحصول على عجينة بشكل رغيف صغير. وبعدها يتم تدوير هذه القطع جيدًا للحصول على قطع بشكل أنبوب ثخين في الوسط ورفيع الأطراف.
10 - ضع الأرغفة الطويلة الثلاث على ورق مشمع وغطها بفوطة المطبخ لمدة ساعة ونصف، أي حتى تضاعف حجمها.
11 - اشعل الفرن قبل الخبز على درجة 450 مئوية لمدة 15 دقيقة وبعدها اجرح أو اشطب رأس كل رغيف بسكين ماض أو بشفرة وبسرعة للحصول على جرح نظيف، وضع الأرغفة على صينية الفرن الساخنة (لا بد من وضع صينية من الماء تحت صينية العجين في الفرن ورش الماء في ألفرن وعلى سطح أرغفة الخبز قبل الخبز).
12 - اخبز لمدة 8 دقائق قبل إعادة رشف الأرغفة بالماء مرة أخرى وأعد الصينية إلى الفرن للخبز لمدة 20 دقيقة. وبعد ذلك اخرج الأرغفة من الفرن واتركها لمدة 5 دقائق قبل الاستهلاك.



ما قصة «الفوندو» وأين تأكله في جنيف؟

ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
TT

ما قصة «الفوندو» وأين تأكله في جنيف؟

ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)

إذا كنت من محبي الأجبان فستكون سويسرا من عناوين الأكل المناسبة لك؛ لأنها تزخر بأنواع تُعد ولا تُحصى من الأجبان، بعضها يصلح للأكل بارداً ومباشرة، والأصناف الأخرى تُؤكل سائحة، ولذا يُطلق عليها اسم «فوندو» أو «ذائبة».

من أشهر الأجبان السويسرية: «الفاشرين» Vacherin، و«الغرويير»، و«الراكليت»، و«الإيمينتال»، ويبقى طبق «الفوندو» الأشهر على الإطلاق، لا سيما في فصل الشتاء؛ لأنه يلمّ شمل العائلة حوله، وترتكز فكرته على المشاركة، والنوع الأفضل منه يُطلق عليه اسم «مواتييه مواتييه»، ويعني «نصف - نصف»، وهذه التسمية جاءت من مزج نصف كمية من جبن «الفاشرين»، والنصف الآخر من جبن «الإيمينتال»، يُؤكل ذائباً بعد وضعه في إناء خاص على نار خافتة، يتناوله الذوّاقة عن طريق تغميس مكعبات لذيذة من الخبز الطازج وبطاطس مسلوقة صغيرة الحجم في الجبن إلى جانب البصل والخيار المخلل.

جلسة خارجية تناسب فصل الصيف (الشرق الاوسط)

عندما تزور مدينة جنيف لا بد أن تتوجه إلى القسم العتيق منها حيث تنتشر المقاهي والمطاعم المعروفة فيها، وبالقرب من الكاتدرائية لن يغفل عنك مطعم «ليه أرمور» Les Armures، المعروف كونه أقدم المطاعم السويسرية في جنيف، ويقدّم ألذ الأطباق التقليدية، على رأسها: «الراكليت»، و«الفوندو»، واللحم المجفف، و«الروستي» (عبارة عن شرائح بطاطس مع الجبن).

يستوقفك أولاً ديكور المطعم الذي يأخذك في رحلة تاريخية، بدءاً من الأثاث الخشبي الداكن، ومروراً بالجدران الحجرية النافرة، والأسقف المدعّمة بالخشب والمليئة بالرسومات، وانتهاء بصور الشخصيات الشهيرة التي زارت المطعم وأكلت فيه، مثل: الرئيس السابق بيل كلينتون، ويُقال إنه كان من بين المطاعم المفضلة لديه، وقام بتجربة الطعام فيه خلال إحدى زياراته لجنيف في التسعينات.

جانب من المطعم الاقدم في جنيف (الشرق الاوسط)

يعود تاريخ البناء إلى القرن السابع عشر، وفيه نوع خاص من الدفء؛ لأن أجواءه مريحة، ويقصده الذوّاقة من أهل المدينة، إلى جانب السياح والزوار من مدن سويسرية وفرنسية مجاورة وأرجاء المعمورة كافّة. يتبع المطعم فندقاً من فئة «بوتيك»، يحمل الاسم نفسه، ويحتل زاوية جميلة من القسم القديم من جنيف، تشاهد من شرفات الغرف ماضي المدينة وحاضرها في أجواء من الراحة. ويقدّم المطعم باحة خارجية لمحبي مراقبة حركة الناس من حولهم، وهذه الجلسة يزيد الطلب عليها في فصل الصيف، ولو أن الجلوس في الداخل قد يكون أجمل، نسبة لتاريخ المبنى وروعة الديكورات الموجودة وقطع الأثاث الأثرية. ويُعدّ المطعم أيضاً عنواناً للرومانسية ورجال الأعمال وجميع الباحثين عن الأجواء السويسرية التقليدية والهدوء.

ديكور تقليدي ومريح (الشرق الاوسط)

ميزة المطعم أنه يركّز على استخدام المواد محلية الصنع، لكي تكون طازجة ولذيذة، تساعد على جعل نكهة أي طبق، ومهما كان بسيطاً، مميزة وفريدة. الحجز في المطعم ضروري خصوصاً خلال عطلة نهاية الأسبوع. أسعاره ليست رخيصة، وقد تتناول «الفوندو» بسعر أقل في مطعم آخر في جنيف، ولكن يبقى لـ«Les Armures» سحره الخاص، كما أنه يتميّز بالخدمة السريعة والجيدة.

فوندو الجبن من أشهر الاطباق السويسرية (الشرق الاوسط)

ما قصة «الفوندو» السويسري؟

«الفوندو» السويسري هو طبق تقليدي من أطباق الجبن المميزة التي يعود أصلها إلى المناطق الجبلية والريفية في جبال الألب السويسرية، ويُعد اليوم رمزاً من رموز المطبخ السويسري. يعتمد هذا الطبق على فكرة بسيطة، ولكنها فريدة؛ إذ تتم إذابة الجبن (عادة مزيج من عدة أنواع مثل «غرويير» و«إيمينتال») في قدر خاص، يُدعى «كاكلون» Caquelon، ويُوضع فوق موقد صغير للحفاظ على حرارة الجبن. يُغمس الخبز في الجبن المذاب باستخدام شوكات طويلة، مما يمنح كل قطعة خبز طعماً دافئاً وغنياً.

مبنى "ليه أرمور" من الخارج (الشرق الاوسط)

كان «الفوندو» يُعد حلاً عملياً لمواجهة ظروف الشتاء القاسية، حيث كانت الأسر السويسرية تعتمد بشكل كبير على الأجبان والخبز غذاء أساساً، ومع قسوة الشتاء وندرة المؤن، كانت الأجبان القديمة التي أصبحت صلبة وإعادة استخدامها بتلك الطريقة تُذاب. وقد أضاف المزارعون لاحقاً قليلاً من النبيذ الأبيض وبعض التوابل لتحسين الطعم وتسهيل عملية إذابة الجبن.

مع مرور الوقت، ازداد انتشار «الفوندو» ليصبح طبقاً سويسرياً تقليدياً ورمزاً وطنياً، خصوصاً بعد أن روّج له الاتحاد السويسري لتجار الجبن في ثلاثينات القرن العشرين. جرى تقديم «الفوندو» في الفعاليات الدولية والمعارض الكبرى، مثل «المعرض الوطني السويسري» عام 1939؛ مما ساعد في التعريف به دولياً. أصبح «الفوندو» في منتصف القرن العشرين جزءاً من الثقافة السويسرية، وجذب اهتمام السياح الذين يبحثون عن تجربة الطهي السويسرية التقليدية.

من أقدم مطاعم جنيف (الشرق الاوسط)

هناك أنواع مختلفة من «الفوندو»، تعتمد على المكونات الأساسية:

• «فوندو الجبن»: الأكثر شيوعاً، ويُستخدم فيه عادة خليط من أنواع الجبن السويسري، مثل: «غرويير»، و«إيمينتال»، والقليل من جوزة الطيب.

• «فوندو الشوكولاته»: نوع حلو تتم فيه إذابة الشوكولاته مع الكريمة، ويُقدّم مع قطع من الفواكه أو قطع من البسكويت.

• «فوندو اللحم» (فوندو بورغينيون): يعتمد على غمر قطع اللحم في قدر من الزيت الساخن أو المرق، وتُغمس قطع اللحم بعد طهيها في صلصات متنوعة.

اليوم، يُعد «الفوندو» تجربة طعام اجتماعية مميزة؛ حيث يلتف الأصدقاء أو العائلة حول القدر الدافئ، ويتبادلون أطراف الحديث في أثناء غمس الخبز أو اللحم أو الفواكه؛ مما يعزّز من روح المشاركة والألفة.