تعامل إيران مع {القاعدة} بدأ في التسعينات تمهيدًا لاستخدامها في مخططاتها العدائية للخليج

خبير أميركي: تجميد واشنطن أموال 6 من قادة التنظيم في طهران يؤكد دورها في تمويله

عشرات من الوثائق في انتظار الإفراج عنها من مخبأ بن لادن بأبوت آباد الباكستانية
عشرات من الوثائق في انتظار الإفراج عنها من مخبأ بن لادن بأبوت آباد الباكستانية
TT

تعامل إيران مع {القاعدة} بدأ في التسعينات تمهيدًا لاستخدامها في مخططاتها العدائية للخليج

عشرات من الوثائق في انتظار الإفراج عنها من مخبأ بن لادن بأبوت آباد الباكستانية
عشرات من الوثائق في انتظار الإفراج عنها من مخبأ بن لادن بأبوت آباد الباكستانية

يقول الباحث الإسلامي المصري الدكتور هاني السباعي: «العداء بين إيران الشيعية والقاعدة ذات المنهج السني، قد يكون من أشد أنواع العداء السافر، وكثيرا ما هاجم أيمن الظواهري زعيم «القاعدة» في أشرطته الصوتية إيران، بسبب سوء معاملتها للقيادات التي دخلت إلى طهران بعد سقوط طالبان نهاية عام 2001. وأضاف السباعي، وهو خبير دراسات مكافحة الإرهاب ويتولى منصب مدير «مركز المقريزي للدراسات» في العاصمة البريطانية لندن، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «قياديي (القاعدة) دخلوا إيران عبر أراضي بلوشستان السنّية، إلا أنهم اعتقلوا وظلوا لسنوات في قبضة الحرس الثوري الإيراني، ومن ثم، حافظت عليهم طهران، على أمل استخدامهم كورقة تفاوض مع أميركا أو مع دول الخليج».
السباعي أوضح أن «إيران الشيعية كانت توحي وتدغدغ مشاعر أهل السنّة»، بالقول إنها استضافت قياديي «القاعدة»، في حين قامت باكستان بتسليم العشرات من عناصر «القاعدة» إلى الولايات المتحدة، حيث انتهى بهم المطاف في معتقل غوانتانامو. وكشف نقلا عن العائلات العربية من جماعتي «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» المصرية التي غادرت طهران، أن أولاد القياديين الذين عاشوا في قبضة الحرس الثوري الإيراني حرموا من التعليم الأساسي. بل إن زوجة محمد شوقي الإسلامبولي، شقيق خالد الإسلامبولي قاتل أنور السادات وشقيقة أسامة حافظ أحد قياديي «الجماعة الإسلامية» ، توفيت في طهران بسبب الإهمال الصحي وعدم تلقيها العلاج.
وأشار أيضًا إلى أن أيمن الظواهري، نفسه، خلال مؤتمره الصحافي مع مؤسسة «سحاب» وصف ملالي إيران بأنهم «كفار، ولكن العوام منهم جهال»، وإلى أن الظواهري قال إن «إيران لا تدفع إلا لمن يؤيدها بالإثم أو لمن يترحم على الخميني». وتابع السباعي أن الظواهري نصح زملاءه المحتجزين في طهران بأن القيادة الإيرانية «لا يوثق بها، وتبيع الخداع والوهم للجماعات الإسلامية - المقصود بها «حماس» و«الجهاد الإسلامي» - وتتاجر بها.
ووفق السباعي، فإن «عائلات كثيرة لقياديي (القاعدة) نجحت في الخروج من طهران بعد ثورة 25 يناير في مصر، مثل ثروت صلاح شحاته (نائب الظواهري) ومحمد شوقي الإسلامبولي ومصطفى حامد (أبو الوليد المصري) صهر سيف العدل».
وكشف السباعي أيضًا أن إيران هي التي مرّرت معلومات وتفاصيل رحلة سليمان بوغيث المواطن الكويتي - المسحوبة جنسيته، المتحدث الإعلامي باسم «القاعدة» وزوج ابنة بن لادن، قبل سفره إلى تركيا في طريقه إلى الأردن، حيث اعتقل وجرى ترحيله إلى الولايات المتحدة، حيث حوكم وسجن بتهم ذات صلة بالإرهاب. ثم قال إن أجهزة الأمن التركية كانت قد اعتقلت بوغيث بعد تلقي جهاز الاستخبارات التركي معلومات من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، بصدد وصول زوج ابنة بن لادن سليمان إلى تركيا، وتوصل جهاز الاستخبارات التركي لعنوانه في أحد الفنادق في حي تشانكايا بالعاصمة أنقرة، غير أن محكمة تركية قضت بإطلاق سراحه كونه لا توجد له جريمة أو أعمال إرهابية في تركيا، وفي نهاية الأمر اعتقل في الأردن. ولقد حوكم بوغيث بتهمة التآمر لقتل أميركيين عقب «هجمات 11 سبتمبر 2001» على نيويورك وواشنطن، من خلال دوره المفترض في دعاية لـ«القاعدة» يحث فيها على قتل الأميركيين. وحسب المعلومات، رفض بوغيث التهم التي وجهت إليه، وأكد براءته.
ويُشار إلى أن مسؤولين أميركيين كشفوا أخيرًا أن محققين أميركيين تتبعوا بوغيث منذ نحو عشر سنوات قبل احتجازه في الأردن ونقله إلى نيويورك بواسطة «مكتب التحقيقات الاتحادي (الفيدرالي) الأميركي» (إف بي آي) في الأيام الماضية. ويُعتقد، وفق أصوليين في لندن، أن بوغيث أمضى معظم فترة السنوات العشر الماضية في إيران، التي لجأ إليها بعد الهجمات على الولايات المتحدة مع مجموعة أخرى من أنصار بن لادن.
ويؤكد مسؤولون أميركيون أمنيون حاليون وسابقون أن تلك المجموعة - التي يعرفها محققون باسم «مجلس إدارة» تنظيم القاعدة - كانت على نحو أو آخر تحت سيطرة الحكومة الإيرانية التي كانت تنظر إليها بريبة.
وكان من بين أعضاء المجموعة أيضًا سيف العدل، أحد كبار القادة العسكريين لـ«القاعدة»، وسعد بن لادن، أحد أبناء أسامة. ولقد كشف مسؤول أميركي سابق أنه في أواخر عام 2002 وأوائل عام 2003 أجرى ضباط من وكالة «سي آي إيه» مباحثات سرية في أوروبا مع مسؤولين إيرانيين بشأن إمكانية طرد بوغيث وزملائه في «القاعدة» من إيران إلى المملكة العربية السعودية أو أي بلد عربي آخر.
هذا الدور الازدواجي الإيراني في التعامل مع عناصر «القاعدة» لم يغب عن أسامة بن لادن بحسب ما كشفته الرسائل التي عُثر عليها في أبوت آباد حيث قُتل. فقد رأى بن لادن أن إيران «تلعب دور الوشاية بالتنظيمات بعد استقطابها». كما أكدت تحليلات أن عملية مقتل سعد بن لادن نجل أسامة بن لادن على الحدود الإيرانية الباكستانية بواسطة طائرة دون طيار «درون» أميركية تمت بإشراف إيراني عبر بعض العملاء الذين أبلغوا عن رحلات سعد بن لادن من وإلى إيران.
وحول الإفراج عن سيف العدل، يقول مراقبون وخبراء في مكافحة الإرهاب، إن ثلاثة من بين الخمسة المفرج عنهم كانوا أعضاء في مجلس شورى تنظيم القاعدة. وقد جاء في التقرير الرسمي أنه أطلق سراحهم مقابل الإفراج عن دبلوماسي إيراني مختطف في اليمن، و«ضمن أبرز الأسماء المفرج عنهم أبو الخير المصري المسؤول السابق للعلاقات الخارجية بتنظيم القاعدة، كذلك ذُكرت أسماء أبو محمد المصري، وهو ضابط سابق بالجيش المصري وأحد أبرز القادة العسكريين لتنظيم القاعدة، والأردنيين خالد العاروري وساري شهاب.
خبر الإفراج عن هؤلاء الخمسة شاع في أوساط الأصوليين، إلا أنه لم يأتِ من مصادر رسمية داخل تنظيم القاعدة، في الوقت الذي يؤكد فيه البعض أن التنظيم سيتكتم على خبر الإفراج عنهم إلى حين تكليفهم بمهام جديدة، ربما في إحدى نقاط الصراع المشتعلة سواء كانت اليمن أو سوريا أو العراق أو ليبيا. و«هذا ما سيعيد لتنظيم القاعدة توازنه بحسب متابعين»، غير أن هاني السباعي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن خبر الإفراج عن القياديين الخمسة «سيظل بين التصديق والتكذيب إلى أن يؤكده أصحاب الشأن، أي (القاعدة) بإعلان تحريرهم، كخبر يبشرون به الأمة، كما حدث من قبل في ظروف مماثلة».
من جهته، كشف خبير مكافحة الإرهاب الأميركي الدكتور بول كريشنيك لـ«الشرق الأوسط» عن أن «تجميد الخزانة الأميركية أموال ستة من قياديي (القاعدة) الموجودين في إيران عام 2011 بأمر قضائي رقم 13224، بينهم عز الدين عبد العزيز خليل (ياسين السوري) مموّل التنظيم، وعطية عبد الرحمن (الليبي)»، يؤكد أيضًا أن طهران كانت حلقة مهمة في تمويل «القاعدة» في باكستان وأفغانستان.
وأضاف كريشنيك، وهو محلل يعمل مع قناة «سي إن إن» الإخبارية الأميركية أن السلطات الأميركية رصدت عام 2011 مبلغ عشرة ملايين دولار مكافأة لمن يقدم معلومات تتيح العثور على «ياسين السوري» الموجود في إيران، وتقول إنه يموّل تنظيم القاعدة، وأوضح أنها «المرة الأولى التي تخصص فيها مثل هذه المكافأة للقبض على ممول للإرهاب».
وحسب الخبير الأميركي، فإن «ياسين السوري» كان مسؤولاً عن ومشرفًا على جهود تنظيم القاعدة لنقل عملاء ذوي خبرة وقادة من باكستان إلى سوريا، وتنظيم وصيانة الطرق التي يستخدمها المجندون الجدد للسفر إلى سوريا عن طريق تركيا، والمساعدة في تحريك عناصر خارجية لتنظيم القاعدة إلى الغرب. وجاءت سلسلة العقوبات الجديدة، التي فرضتها الخزانة الأميركية على أشخاص وشركات انتهكت العقوبات المفروضة على إيران، لتؤكد تنسيقًا محتملاً، أو سكوتًا على الأقل، من قبل السلطات الإيرانية على نشاط تنظيم القاعدة وتزويدها جبهة النصرة بالخبرات القتالية عبر أراضيها. وضمن الأسماء التي وردت أيضًا على لائحة الخزانة الأميركية، بحسب كريشنيك، عطية عبد الرحمن الذي قتل في نهاية عام 2001، ونعاه تنظيم القاعدة. وكان مقتل عطية عبد الرحمن - الذي يوصف بـ«الرجل الثاني» في التنظيم - على يد قوات أميركية بمنطقة وزيرستان القبلية بباكستان في 22 أغسطس (آب) ضربة كبيرة موجعة للتنظيم. وكان عبد الرحمن ينشط بشكل كثيف في إدارة عمليات «القاعدة» ولطالما اعتمد عليه الظواهري منذ مقتل أسامة بن لادن. كذلك، ورد اسم آخر بارز في قائمة العقوبات أيضًا، هو أولمزون أحمدوفيتش صادقييف، الذي يعرف باسم «جعفر الأوزبكي»، ووصف بأنه «شخصية أساسية في تنظيم القاعدة»، وهو يقيم في إيران منذ سنوات.
وحسب المعلومات المتوافرة عنه فإنه عضو في «اتحاد الجهاد الإسلامي»، وتتهمه الخزانة الأميركية بإدارة شبكة للتنظيم مسؤولة عن نقل الأموال والمقاتلين الأجانب عبر تركيا لصالح جبهة النصرة التابعة لـ«القاعدة» في سوريا.
إيران تواصل النفي
أما الجانب الإيراني، فقد نفى إجراء صفقة تبادل مع «القاعدة» من الأساس، وذلك على لسان الناطقين باسم الخارجية الإيرانية. وقد يكون موقف الوزارة مفهومًا في ظل وضعيتها الجديدة مع الغرب ما بعد الاتفاق النووي. ولقد رفض دبلوماسي إيراني ادعاءات شبكة «سكاي نيوز» الإخبارية وعاد إلى نغمة الشعارات التي تُسوق للغرب «كمحاربة إيران للإرهاب» وما إلى آخره. ولكن في مطلق الأحوال، فإن الأنباء المتناقلة بين المتطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد خروج هذه الأسماء من إيران في الفترة الأخيرة. ولكن كل هذا يُصيب الباحثين في العلاقة بين هذين الطرفين المتضادين (لفظيًا على الأقل) بحيرة شديدة، فهم يجدون أنفسهم أمام تنظيم يُكفر الشيعة من منطلق عقائدي ويراهم «أخطر على الأمة من اليهود»، بحسب التعبيرات الآيديولوجية للتنظيم، والجمهورية الإسلامية الإيرانية ممثل التشيع الأول في المنطقة والعالم وصاحبة مشروع التمدد والنفوذ الشيعي في الشرق الأوسط.
ومن ضمن مظاهر هذا التناقض أيضًا في هذه العلاقة، ما ذكرته الكثير من التقارير الصحافية من زمن بعيد عن أن السلطات الإيرانية وفّرت ملاذًا آمنًا داخل إيران لأسرة أسامة بن لادن بعدما حوصر في مقر إقامته بأفغانستان لفترة. وهو تصرف يبدو لأول وهلة غير مفهوم، «لكنه مؤكد الحدوث بعدما ظهرت خطابات أسامة بن لادن في أعقاب مقتله في أبوت آباد بشمال باكستان، التي كانت مرسلة لإحدى زوجاته المقيمات في إيران (يعتقد أنها السيدة أم حمزة)، وهو يحذرها من إمكانية تتبع الاستخبارات الإيرانية لها بعد خروجها إليه، بحسب إسلاميين في لندن».
وحسب المصادر المطلعة، يمكن «الجزم بأن إيران كانت تستضيف هؤلاء الأشخاص في صورة أشبه بالإقامة الجبرية كنوع من الضغط على الغرب بمساعدة تنظيمات مناوئة له، كما أن هذه التنظيمات تُعادي دول الخليج بشكل واضح، وهذا أيضًا دافع براغماتي عند الإيرانيين في تبنى مواقف مرنة من تنظيم كـ(القاعدة)، تمهيدًا لاستخدامه لاحقًا في مخططاتهم العدائية للخليج».
وقد تُفسر هذه الأحداث السابقة، ولا سيما عملية قتل سعد بن لادن على الحدود الباكستانية - الإيرانية (التي سبقت الإشارة إليها)، حديث أبي محمد العدناني القيادي في تنظيم داعش، والناطق باسمه، أخيرًا عندما تكلم في أحد إصداراته المهاجمة لتنظيم القاعدة عن طلب قيادات «القاعدة» منهم - أي من «داعش» - في الماضي تحاشي توجيه ضربات إلى إيران. وهو ما يؤكد حقًا وجود روابط وثيقة جمعت بين «القاعدة» وإيران أراد التنظيم الحفاظ عليها عبر حماية إيران من هجمات المتطرفين.
ويرى مراقبون أن هذه قرينة أخرى تجيب عن تساؤلات طرحت بإلحاح طوال فترة طويلة حول سبب إحجام التنظيمات المتشددة كـ«داعش» و«القاعدة» عن استهداف للداخل الإيراني على رغم وجود كل هذا العداء بين الطرفين.
أخيرًا وليس آخرًا، قدّم مركز «ويست بوينت» لدراسات مكافحة الإرهاب وثائق تعود لأسامة بن لادن، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها بالعربية، وهي تقع في 175 صفحة. وفي هذا الوثائق إشارة مباشرة إلى رفض بن لادن في رسالة إلى الشيخ محمود «أن يذهب الإخوة إلى إيران، وحث على أن يطلب من الإخوة السمع والطاعة، وحفظ أسرار العمل وبالنسبة للإخوة القادمين من إيران الابتعاد عن أماكن القصف». وتؤكد الوثائق وجود هذه العلاقة التي تجمع ما بين إيران وتنظيم القاعدة، وهو الأمر الذي أكده التقرير الرسمي للجنة التحقيق في أحداث «11 سبتمبر» المنشور في عام 2004.
وبحسب هذه التقارير، فإن تعامل إيران مع تنظيم القاعدة سابق لهذا التاريخ، إذ يعود لفترة التسعينات، أي إبان وجود قياديي التنظيم في السودان، نظرًا لتوطد علاقة الإيرانيين بالنظام السوداني في حينه. ومع أن التقارير لا تشير إلى وجود تحالف صريح بين إيران وتنظيم القاعدة فإنها تحدثت عن وجود «مفاوضات غير مباشرة» بين الطرفين.



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.