البابا يدعو من هافانا إلى نبذ الآيديولوجية في خدمة الآخرين

فيدل كاسترو استقبله في منزله وحديث «ودي للغاية» بينهما

الرئيس الكوبي راؤول كاسترو ونظيرته الأرجنتينية كريستينا فرنانديز دي كيرتشنر لدى وصولهما لحضور قداس البابا في «ميدان الثورة» بهافانا أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الكوبي راؤول كاسترو ونظيرته الأرجنتينية كريستينا فرنانديز دي كيرتشنر لدى وصولهما لحضور قداس البابا في «ميدان الثورة» بهافانا أمس (إ.ب.أ)
TT

البابا يدعو من هافانا إلى نبذ الآيديولوجية في خدمة الآخرين

الرئيس الكوبي راؤول كاسترو ونظيرته الأرجنتينية كريستينا فرنانديز دي كيرتشنر لدى وصولهما لحضور قداس البابا في «ميدان الثورة» بهافانا أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الكوبي راؤول كاسترو ونظيرته الأرجنتينية كريستينا فرنانديز دي كيرتشنر لدى وصولهما لحضور قداس البابا في «ميدان الثورة» بهافانا أمس (إ.ب.أ)

دعا البابا فرنسيس أمس أمام حشد تجمع في «ميدان الثورة» في هافانا، الكوبيين إلى تقديم العون للأكثر ضعفًا وعدم «استغلالهم» ونبذ أي «آيديولوجية» في خدمة الآخرين.
وفي عظته في هذا القداس الاحتفالي، المحطة الأهم في زيارته لكوبا التي تستمر أربعة أيام، لم يتطرق البابا الأرجنتيني مباشرة إلى الوضع السياسي في الجزيرة أو العلاقات مع الولايات المتحدة. وقال إن خدمة الآخرين: «لم تكن مطلقًا آيديولوجية لأنها لا تخدم الأفكار بل الأشخاص»، محذرًا من الطموح الشخصي ومقولة «كل لنفسه» في هذا الظرف الانتقالي أكان على الصعيد الاقتصادي أم السياسي، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. ومن خلال الأعمال الواجب القيام بها كـ«مواطنين»، اعتبر البابا أن تقديم المساعدة «يعني الاعتناء بحالة الضعف. والاعتناء بأفراد ضعفاء من عائلاتنا ومجتمعنا وشعبنا. إنها الوجوه المعذبة، أشخاص بلا حماية يتألمون (..) أشخاص من لحم ودم مع حياتهم وتاريخهم وبخاصة ضعفهم».
و«ميدان الثورة» هو المكان الذي يحتفل فيه الكوبيون بعيد العمال تحت صور كبيرة للزعيمين الثوريين إيرنستو تشي جيفارا وكاميلو سينفويجوس المقامة على واجهة مبانٍ حكومية. وجرى تعليق صورة كبيرة أيضًا للسيد المسيح تحية للبابا.
وقال العامل في قطاع السياحة إنريكيه ميزا (32 عامًا) في طريقه لحضور القداس: «جاء فرنسيس ليبارك الرباط الجديد بين كوبا والولايات المتحدة»، في إشارة إلى التقارب الأخير بين البلدين الذي أسهم البابا في تحقيقه. وحسب وكالة «رويترز»، فإنه في الوقت الذي تنعم فيه الحكومة الكوبية بحرارة الزيارة التي تستمر أربعة أيام قد يستغل البابا الفرصة لانتقاد قادة البلاد الشيوعيين حيال مسألتي الديمقراطية وحقوق الإنسان. وكان من المتوقع أن يزور البابا الزعيم الكوبي المتقاعد فيدل كاسترو(89 عامًا) في وقت لاحق أمس.
ووصل البابا إلى هافانا أمس، حيث حث الولايات المتحدة وكوبا على تعزيز المصالحة التي توسط فيها بينهما وشجع كوبا على منح مزيد من الحريات للكنيسة الكاثوليكية التي عادت للظهور كقوة في الجزيرة بعد أن عانت من القمع لعقود. وقال بنيتو إسبينوزا، من «ميدان الثورة» حيث وصل البعض منذ الساعة الثالثة فجرًا: «إن زيارته مدعاة للأمل في تطلعاتنا نحو التقدم»، مضيفًا: «نحن شعب متفائل، لكننا عانينا سنوات كثيرة».
ويقدر الكثير من الكوبيين للبابا دوره في المحادثات السرية مع الولايات المتحدة التي أدت إلى تقارب تاريخي في ديسمبر (كانون الأول) عندما تعهد الرئيس باراك أوباما بتطبيع العلاقات وإنهاء أكثر من نصف قرن من العداء. وسيسافر البابا من كوبا إلى واشنطن غدًا، حيث سيجتمع مع أوباما ويلقي كلمة أمام الكونغرس الأميركي وكلمة أمام الأمم المتحدة.
وسترحب كوبا بأي إدانة بابوية للحظر الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة عليها وما زال مستمرًا رغم تغيير سياسة أوباما، إذ إن الكونغرس الأميركي هو القادر على رفع الحظر. ويرفض الجمهوريون المهيمنون على الكونغرس دعوات أوباما لرفع الحظر. لكن حكومة كوبا ستكون حساسة أيضًا لأي انتقاد لنظام الحزب الواحد أو لقمع المعارضين.
وقال أليزاردو سانشيز رئيس الهيئة الكوبية لحقوق الإنسان والمصالحة الوطنية، إن الشرطة اعتقلت بين 30 و40 معارضًا من أنحاء كوبا، وخصوصًا من سانتا كلارا وهافانا، لمنعهم من حضور المناسبات التي ستقام خلال زيارة البابا في حين تم توجيه إنذار أو تهديد لعدد مماثل.
وفي وقت لاحق أمس استقبل الزعيم الكوبي فيدل كاسترو (89 عاما) البابا فرنسيس في منزله في هافانا لنحو نصف ساعة، وفق ما أعلن المتحدث باسم الفاتيكان الأب فيديريكو لومباردي. وقال لومباردي إن الحديث بين الرجلين تم «في جو غير رسمي وودي للغاية» في حضور زوجة كاسترو داليا سوتو ديل فالي.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.