أذربيجان: رحلة صحافية من ورشة تدريب إلى السجن

فازت بجوائز دولية وإشادة كبيرة من مسؤولي جماعات معنية في محاربة الفساد بمختلف أرجاء العالم

الصحافية خديجة إسماعيلوفا (واشنطن بوست)
الصحافية خديجة إسماعيلوفا (واشنطن بوست)
TT

أذربيجان: رحلة صحافية من ورشة تدريب إلى السجن

الصحافية خديجة إسماعيلوفا (واشنطن بوست)
الصحافية خديجة إسماعيلوفا (واشنطن بوست)

تنفق الحكومة الأميركية سنويًا ملايين الدولارات على برامج ترمي لتحسين مهارات مراسلين أجانب، لكن نادرًا ما نجحت جهودها في المعاونة في خلق نجم إعلامي بارز مثل خديجة إسماعيلوف في أذربيجان. كانت إسماعيلوف في الـ27 من عمرها عندما التحقت بأول ورشة عمل لها في الصحافة الاستقصائية ممولة من الولايات المتحدة في باكو عام 2003. انتقلت إلى واشنطن للعمل لحساب إذاعة «صوت أميركا» التابعة للحكومة، والتي تولت تدريبها بالمجال الإذاعي. بعد عامين، عادت للوطن كرئيسة لمكتب «راديو أوروبا الحرة» الممول من واشنطن، وأصبحت لاحقًا مذيعة برنامج حواري ومراسلة بمجال الصحافة الاستقصائية.
بداية من عام 2010، كشفت إسماعيلوف النقاب عن الملكية السرية وراء سلسلة من التعاملات الحكومية بمجالات الاتصالات عن بعد والبناء والتشييد والتنقيب عن الذهب والفنادق والإعلام وخدمات النقل الجوي. ونجحت التحقيقات الرائعة التي أجرتها في الفوز بجوائز دولية وإشادة كبيرة من بعض مسؤولي وزارة الخارجية وجماعات معنية بمحاربة الفساد بمختلف أرجاء العالم. إلا أنه داخل أذربيجان، ألقي القبض عليها في ديسمبر (كانون الأول) وسجنت، وذلك بسبب كشفها للثروات الخفية لرئيس البلاد، إلهام علييف، وأسرته. وأشارت في تحقيقاتها إلى أنهم استغلوا مراكزهم في إثراء أنفسهم بأموال عامة. وتضمنت الاتهامات الموجهة إليهم التهرب الضريبي والاختلاس والتحريض على محاولة انتحار وسوء استغلال السلطة، لكنها لم تشر إلى عملها الصحافي. ومع ذلك، أكد مسؤولون أميركيون وأوروبيون، إلى جانب الجهة التي تعمل لديها أن ما تواجهه الآن ليس سوى عقاب لها على مقالاتها، بهدف قمع تحقيقاتها والحراك المتنامي الموالي للديمقراطية.
في وقت سابق من الشهر، أدينت إسماعيلوف بجميع الاتهامات الموجهة إلها، فيما عدا تهمة التحريض على الانتحار. وصدر ضدها حكم بالسجن 7 سنوات ونصف السنة. أمام المحكمة، قالت إسماعيلوف إن الحكومة «لن تتمكن من إجباري على الصمت، حتى لو حكموا علي بالسجن 15 أو 25 عامًا».
من ناحيتهم، ندد مسؤولون أميركيون بالحكم الصادر ضدها.
من بين هؤلاء جيف شيل: «رئيس مجلس محافظي الإذاعة»، وكالة فيدرالية مستقلة تدعم الإعلام المستقل بالخارج، حيث قال: «من الواضح أن هذا الحكم عقاب لخديجة لفضحها الفساد الحكومي والبعث برسالة تحذيرية إلى صحافيين آخرين داخل البلاد. لقد كشفت حكومة أذربيجان أمام المجتمع الدولي أنها تمقت حرية الصحافة، وتدعم استمرار الحصانة من المساءلة التي تتمتع بها ولا تولي حقوق الإنسان اهتمامًا يذكر».
في الواقع، تسلط رحلة خديجة إسماعيلوف من ورش الصحافة المدعومة من واشنطن إلى السجن في وسط آسيا الضوء كذلك على سياسات أميركية متعارضة مع بعضها.
من ناحية، تتولى وكالات أميركية وهيئات تتبعها تدريب وتمويل مراسلين معنيين بالصحافة الاستقصائية مثل إسماعيلوف، التي قدمت بعض آخر التقارير الصحافية المستقلة القادمة من وسط آسيا وروسيا. من جهته، خصص الكونغرس ما يقدر بـ64 مليون دولار خلال السنة المالية الحالية لبرامج ترمي لتعزيز «حرية الإعلام والمعلومات» بمختلف أرجاء العالم، تبعًا لما تكشفه سجلات وزارة الخارجية. بيد أنه على الجانب الآخر، عادة ما تحتل حرية الصحافة وحقوق الإنسان موقعًا متأخرًا في العلاقات الأميركية الخارجية، من العسكرية إلى الاستخباراتية إلى النفطية وغيرها.
في هذا الصدد، أعرب ديفيد جيه. كريمر، المتخصص بمجال حقوق الإنسان لدى «معهد مكين للقيادة الدولي» والرئيس السابق لمنظمة «فريدوم هاوس»، عن اعتقاده بأن: «الحكومة الأميركية لا تضطلع بأي شيء يذكر على صعيد الضغط على وفرض عقوبات ضد حكومة أذربيجان لتوضيح أن سجن خديجة وصحافيين آخرين أمر غير مقبول. هناك مصالح أخرى مع أذربيجان تفوقت على اعتبارات حقوق الإنسان».
في مارس (آذار)، توجه اثنان من المسؤولين لدى «راديو أوروبا الحرة» و«المكتب الإذاعي الدولي»، وكالة أميركية مستقلة تتولى الإشراف على «صوت أميركا»، إلى باكو لمناقشة قضية إسماعيلوف مع وزير الخارجية، ومستشار الأمن الوطني، واثنين من كبار مستشاري الرئيس، ومحقق، ومكاتب ضريبية.
وذكر جيفري تريمبل، نائب مدير «المكتب الإذاعي الدولي»، أنه قال لمسؤولي أذربيجان: «لو كانت لديك معلومات محددة تتعارض مع ما وردته في تقاريرها... قدموها لنا». واستطرد أنه لم يحصل على شيء، ولم يظهر المسؤولون «أدنى مؤشر على المرونة».
من جهتها، رفضت سفارة أذربيجان التعليق على الأسئلة التي قدمتها «واشنطن بوست».
في الإطار ذاته، قال علي حسانوف، المساعد الرئاسي للشؤون العامة والسياسية، في تصريحات لوسائل الإعلام في باكو بعد صدور الحكم: «واجهت إسماعيلوف اتهامات جنائية عن أعمال إجرامية ملموسة غير ذات صلة بنشاطاتها الصحافية. خلال المحاكمة، جرى إثبات الاتهامات بصورة كاملة وصدر على أساسها القرار المناسب. وعليه، فإن محاولات تسييس حكم المحكمة بخصوص إسماعيلوف من جانب بعض المنظمات الدولية، ومسؤولين من دول مختلفة وعدد المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان غير مقبولة».
قبل القبض على إسماعيلوف، صورها مسؤولون من أذربيجان باعتبارها عدوا للدولة بسبب تحقيقاتها الصحافية وتعليقاتها على الهواء. وفي بيان من 60 صفحة صدر قبل أيام من القبض عليها، قال رئيس فريق العمل الرئاسي رمزي مهديوف إن إسماعيلوف: «تطلق بيانات سخيفة، وتبدي علانية توجهًا مدمرًا حيال أعضاء معروفين في المجتمع الأذربيجاني وتنشر أكاذيب مهينة. من الواضح أن هذا النمط من التحدي يسعد رعاة إسماعيلوف بالخارج».
يذكر أن إسماعيلوف، 39 عامًا، يجري احتجازها في سجن «كردخاني»، على بعد 30 ميلاً من شمال باكو، ويضم بين جنباته 80 من صحافيين ونشطاء مؤيدين للديمقراطية. وعبر وسطاء، أجابت إسماعيلوف على أسئلة طرحت عليها من أجل هذا المقال.
وقالت: «ننشر تحقيقات لأننا نقدر حق الناس في المعرفة. وأنتظر من الناس النضال من أجل الوصول لحق المعرفة، ومحاكمة السياسيين الفاسدين». يذكر أن الحكومة تملك اليوم جميع المحطات التلفزيونية، وتبدي جميع الصحف تحالفها مع الرئيس. من جهته، أوضح النائب الديمقراطي ستيف كوهين، رئيس مجموعة أصدقاء أذربيجان داخل الكونغرس، أن: «أذربيجان صديقة للولايات المتحدة وشريكة لها في المعركة ضد الإسلام الراديكالي، لكن الأمر في معظمه يتعلق بما يملكونه من نفط، فمن المهم أن يبقى النفط متاحًا أمام الغرب».
واستطرد كوهين بأنه رغم تحدث الرئيس علييف «عن حقوق الإنسان، فإننا لم نرها على أرض الواقع». مؤخرًا، وقع كوهين خطابًا موجه إلى علييف، يطلب منه إعادة النظر في إغلاق «راديو أوروبا الحرة» الذي أغلقته الشرطة في ديسمبر (كانون الأول)، وضمان تحقيق العدالة في قضية إسماعيلوف، التي وصف الخطاب القبض عليها بأنه «يحمل دوافع سياسية».
يذكر أنه في ظل رئاسة إلهام علييف، طورت أذربيجان بنيتها التحتية بمجالي النفط والغاز الطبيعي، ما حول دولة في حجم ولاية مين ويبلغ حجم سكانها 9.6 مليون نسمة فقط إلى عنصر مهم في خضم منافسات جيوسياسية متعددة. أما إسماعيلوف، فقد ترعرعت داخل أسرة مثقفة، حيث عملت والدتها مهندسة، بينما ترأس والدها شركة تصنيع معدات تستخدم في صناعة النفط. وقد تخرجت خديجة في جامعة باكو، وحصلت على درجة الماجستير في اللغة التركية وآدابها، علاوة على إجادتها اللغة الروسية.
وقد انضمت لسوق العمل بعد نيل أذربيجان استقلالها بفترة وجيزة عن الاتحاد السوفياتي السابق عام 1992، وظهرت حينها للمرة الأولى وسائل إعلام مستقلة داخل الجمهورية السوفياتية السابقة. والملاحظ أنه بمساعدة الغرب واستثماراته، تمكن إلهام علييف من تنمية البنية التحتية المرتبطة بالنفط والغاز الطبيعي في أذربيجان. وظهرت ناطحات السحاب الزجاجية بمختلف أرجاء قلب العاصمة.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».