«نيويورك تايمز» تطلق جائزة لصحافي أدمن المخدرات

يوم الاثنين الماضي، أعلنت صحيفة «نيويورك تايمز» جائزة باسم ديفيد كار، واحد من أشهر صحافييها. توفي في بداية هذا العام، جراء سكتة قلبية، وهو يعمل في مكتبه، حيث اشتهر بالتفاني والصدق. خاصة في مجال التغطية الإعلامية التي كان تخصص فيها. مرات كثيرة، لم يتردد حتى في أن ينتقد صحيفته. ومرات كثيرة، لم ترض إدارة الصحيفة عن ذلك، لكن، دائما، ظل زملاؤه الصحافيون يقفون إلى جانبه.
قال بيان الصحيفة عن «جائزة ديفيد كار»: «غطى نشاطات مسرحية وثقافية وإعلامية. وبرز في المجال الأخير بالتغطية الإخبارية، ثم بعمود (ميديا أيويشان) (معادلة إعلامية) كان شخصية مهمة، داخل وخارج غرفة الأخبار. وكان مصدر إلهام لأولئك الذين يناضلون للتخلي عن إدمان المخدرات. يشير ذلك إلى، أن كار، قبل أن ينجح صحافيا، أدمن المخدرات، ثم بدأ يكتب عن إدمانه، ثم عن محاولاته التخلص من الإدمان، ثم نجاحه. اشتهرت التقارير التي كتبها، وفيها تفاصيل شخصية وإنسانية. وكانت من أسباب انضمامه إلى صحيفة «نيويورك تايمز»، ومن أسباب نجاحه فيها أيضا.

«الصفحة الأولى»

في الأسبوع الماضي، كتب عنه زميله رافي سمياسبت: «كان كثير من الذين يعملون في صناعة الإعلام يرون كار مثل بوصلة صحافية. وظهر ذلك عام 2011، عندما صدر فيلم وثائقي عن صحيفة (نيويورك تايمز) تحت اسم (الصفحة الأولى) في الفيلم الوثائقي، ظهر أسلوبه الشخصي، الذي يعرفه تقريبا جميع الصحافيين في الصحيفة. أسلوب هو مزيج من المعرفة، والخبرة، والذكاء، والتهكم. وأصبح أسلوبا صحافيا معروفا على نطاق واسع».
وقال عنه رئيسه السابق دين باكيت، مدير تحرير الصحيفة: «كان نوعا نادرا من صحافيين عملوا هنا. كانت خلفيته غير عادية. وأدمن المخدرات. وجاء إلينا من الإعلام البديل (صحف أقليات وجمعيات). لهذا، كان اختياره للعمل هنا أمرا غير عادي للغاية في سجل صحيفة (نيويورك تايمز)».
عندما توفي كار، كان عمره 58 عاما. ورغم أنه انهار وهو في مكتبه بما يشبه السكتة القلبية، عرف، في وقت لاحق، أن السبب الرئيسي كان مضاعفات ناجمة من سرطان الرئة، بما يمكن أن تكون له صلة بسنوات إدمان المخدرات. قبيل وفاته، وصل إلى نهائي جائزة «بولتزر» للصحافة. لكنه لم يفز بها.

إعلام بديل

ولد كار في مينيابوليس (ولاية مينيسوتا). ودرس الصحافة وعلم النفس في جامعة ويسكونسن. في بداية ثمانينات القرن الماضي، بد العمل الصحافي في «التريناتيف ميديا» (الإعلام البديل، الصحف غير الهامة). عمل، أولا، في صحيفة «توين ستيز» (محلية في منيابوليس). ثم في صحيفة «سيتى بيبر» (محلية في واشنطن).
وبعد عشرين عاما في هذا النوع الخاص من العمل الصحافي، انضم إلى «نيويورك تايمز». ويبدو أن هذا هو ما قصد مدير تحرير الصحيفة بأن الصحيفة، عادة، لا تختار صحافيين من هذا المجال. لم يقل مدير التحرير أن إدمان المخدرات (ثم التخلص منها) كان، أيضا، شيئا غير عادي، بالنسبة لتقاليد الصحيفة. في كتاب كار الذي صدر في عام 2008، «نايت أوف قان» (ليلة البندقية)، معلومات مفصلة عن إدمانه المخدرات. وخصوصا إدمان الكوكايين. لم يكتب فقط عن تجربته الخاصة، ولكن، أيضا، عن تجارب آخرين. وكتب ذلك بأسلوب سمته صحيفة «نيويورك تايمز» «سيلف انفيستيغيشن» (التحقيق مع النفس). كتب عن زملاء الإدمان، وعن ملاحقات الشرطة، وعن عائلته.

ثلاث زوجات

كتب عن طلاق زوجته الأولى، كيمبرلي، في عام 1986. وعن دور المخدرات في الطلاق. وكتب عن ميلاد بنتين توأمتين عام 1988: إيرين، وميغان، من صديقته السابقة، آنا. وعن النزاع مع أنا حول حضانة التوأمتين، وذلك أيضا بسبب المخدرات. وبعد تدخل قضاة ومحاكم، أرسل المسؤولون الاجتماعيون التوأمتين إلى عائلة غريبة ترعاهما (تحت إشراف هؤلاء المسؤولين). وكتب عما حدث، بعد سنوات، يوم ذهب إلى العائلة، واسترد التوأمتين، وكان تعافى من الإدمان. وكتب عن الزوجة الثالثة، جيل، التي تزوجها بعد أن تعافى من الإدمان (لم تكن مدمنة، عكس الزوجتين السابقتين). وعن عودته إلى الكنيسة الكاثوليكية. وعن يوم الأحد حيث يذهب للصلاة «رجل وأربع نساء» (زوجته جيل، والتوأمتان، وبنت ثالثة من جيل). ربما بسبب تجاربه هذه، والتي لم يخفها، اشتهر كار بصراحته في الكتابة. حتى عندما كتب عن صحيفته، «نيويورك تايمز»

انتقاد «نيويورك تايمز»

في العام الماضي، كتب بأن الصحف الكبيرة، مثل «واشنطن بوست»، و«نيويورك تايمز»، لم تعد هي المصادر الإخبارية الرئيسية لنسبة كبيرة من القراء، هم الجيل الجديد (18 - 30 عاما).
وكتب عن منافسات صحف إلكترونية لصحف تقليدية، ليس فقط بسبب التطور التكنولوجي، ولكن، أيضا، بسبب عدم ثقة الشعب الأميركي في مصداقية الصحف التقليدية.
وأشار إلى صحيفة «كوارتز» التي تستخدم نظاما يفصل بين المعلومات المؤكدة (تكتبها في حروف غامقة)، والمعلومات المرجحة (تكتبها في حروف عادية)، والمعلومات غير المؤكدة وغير المرجحة (تكتبها في حروف رمادية). لهذا، لا تستعمل الصحيفة عبارات مثل: «قيل» و«حسب» و«نسبت» و«ادعت».
وكتب عن صحيفة «لايف بلوغز» (بلوقات حيه على الهواء) التي تتابع الأخبار العاجلة، وتتأكد من أنها حقيقة، ثم تنشرها، حسب درجة الحقيقة فيها. ونقل قول خبير إعلامي: «أعتقد أن القراء، خاصة من الجيل الجديد، لا يتفاعلون جيدا مع الصحافيين الذين يدعون أنهم يعرفون كل شيء، بينما واضح جدا أن هذه ليست الحقيقة».
وكتب عن صحيفة «فوكس» الإلكترونية ليست «فوكس» القناة التلفزيونية. تبدأ بحرف «في»، لا حرف «إف». وقال إن شعبيتها تزيد بسبب سهولة قراءتها. خاصة بالنسبة للجيل الجديد الذي يريد، في أحيان كثيرة، التركيز على شيء واحد.
وقال: «ليست مثل الصفحة الأولى في صحيفة (نيويورك تايمز)، مثلا، حيث توجد عناوين أخبار متعددة. توجد في (فوكس) عناوين مواضيع، ومن داخل كل موضوع، يختار القارئ أخبار الموضوع، أو تعليقاته، أو صوره، أو فيديوهاته». يبدو أن كار فضل الأخبار التفاعلية (يعلق القراء، أو يشتركون) على الأخبار التقليدية (يكتب صحافي الخبر).
وانتقد كار زملاء صحافيين. مثل قوله: «برهن الصحافيون الذين يغطون البيت الأبيض على أنهم يريدون أن يكونوا رهائن». ليس فقط لأوباما، ولكن، أيضا، للإنترنت. وقال إن هؤلاء الصحافيين: أولا: يبحثون عن أجوبة من الرئيس أوباما تزيد الإقبال على مواقع في «فيسبوك» أو في «تويتر»، تابعة للصحف أو قنوات التلفزيون، أو تابعة للصحافيين أنفسهم.
ثانيا: يتحاشون سؤال أوباما عن سياسات ومواضيع وفلسفات. ويركزون على الأخبار اليومية. يتحاشون «الصورة الكبيرة»، ويريدون التركيز على 140 كلمة الحد الأعلى للرسالة في موقع «تويتر».
ثالثا: في كثير من الأحيان، يسألون أوباما نفس السؤال.
رابعا: لا يركزون على الحصول على معلومات، ولكن الحصول على رد فعل (مختصر، لتسهل عليهم كتابته، أو إذاعته).
لهذا، قال كار: «يبدو أن الإعلام الورقي لا مستقبل له». وأضاف: «ليس هذا موضوعا مفاجئا، أو غريبا، أو معقدا. أنت وأنا لم نعد نقرأ الصحف والمجلات والكتب الورقية كما كنا نفعل، حتى قبل عشرة سنوات».
وقدم دليلا على ذلك خبر إسقاط متمردي أوكرانيا الطائرة الماليزية. تابع الخبر في الإعلام التقليدي، وفي الإعلام الإلكتروني. ولاحظ الآتي:
أولا: انتشر الخبر سريعا، وكثيرا، في الإعلام الاجتماعي في الإنترنت.
ثانيا: بفضل التكنولوجيا الحديثة، لم يكن الخبر مكتوبا فقط، ولكن، أيضا، كان بالصور وبالفيديو، وبالرسوم البيانية، وبالخرائط.
ثالثا: قطعت تلفزيونات إخبارية برامجها، وبدأت تتابع الخبر على الهواء. وقطعت تلفزيونات غير إخبارية برامجها لتعلن الخبر، وتعد بتفاصيل في نشرات الأخبار المسائية.
ثالثا: في صباح اليوم التالي في أميركا، بعد مرور قرابة يوم كامل على الحدث، صدرت الصحف تحمل الخبر. وقال كار، وهو، طبعا، بقصد صحيفته، «نيويورك تايمز»: «هكذا، خسر الإعلام الورقي. رغم أنه حاول أن يلحق بغيره».