أفواج المهاجرين ومشاكل اللجوء تعيد الروح لـ«قصة الحي الغربي»

عودة أميركية وأوروبية إلى المسرحية بعد خمسين سنة من عرضها الأول

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية
TT

أفواج المهاجرين ومشاكل اللجوء تعيد الروح لـ«قصة الحي الغربي»

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية

يبدو أن هذا الموسم هو الموسم الملائم لإعادة عرض «قصة الحي الغربي»، بعد خمسين سنة من عرضها الأول المدوي، ربما بسبب الهجرة غير القانونية لملايين المكسيكيين إلى الولايات المتحدة، أو ربما بسبب هجرة مئات الآلاف من السوريين والعراقيين والأفارقة وغيرهم إلى أوروبا. ومن المقرر أن تعرض قريبا هذه المسرحية بأوقات متقاربة في أميركا، وأيضا في كندا، وفي لندن.
ومن المعروف، أن «قصة الحي الغربي» هي رواية لآرثر لورنتز، ثم حولت إلى مسرحية غنائية أخرجها ليونارد بيرنشتاين في مسرح برودواي بنيويورك، وبعد ذلك إلى فيلم شهير أخرجه روبرت وايز. وستقدم هذه العام جائزة تقدير إلى ريتا مورينو (81 عاما)، واحدة من عدد قليل جدا لا يزال حيا من الممثلين والممثلات الأصليين. (في عام 1981. ماتت الممثلة ناتالي وود، التي مثلت دور «ماريا»).
قصة الحي الغربي
ويمكن تلخيص فكرة الرواية - المسرحية كما يلي:
في ميدان لنكون في «ويست سايد» (الجزء الغربي من نيويورك)، وبالقرب من «سنترال بارك» (الحديقة المركزية)، وحيث تمثال كرستوفر كولمبس (مكتشف أميركا)، كانت مجموعات من المراهقين والمراهقات تلتقي في عطلة نهاية الأسبوع. يرقصون، ويغنون، ويضحكون، ويبكون، ويتآمرون، مثل ما يحدث حتى اليوم (بعد سبعين عاما من كتابة رواية «قصة الحي الغربي»).
كان بعضهم ينتمي إلى عصابات المطاوي (ما قبل المسدسات)، وكان يقود عصابة «جيتز» (الطائرات) الصبي الأبيض «توني»، بينما قاد عصابة «شاركز» (سمك القرش) الصبي اللاتيينى الأسمر «بيرناردو» (المهاجر من جزيرة بورتوريكو، في البحر الكاريبي، اللاتينية، الناطقة باللغة الإسبانية، والتابعة للولايات المتحدة).
وهكذا، منذ البداية، ظهرت المشاكل. وتوتر الوضع مرة أثناء حفل راقص في نفس المنطقة، عندما حاولت كل من العصابتين اختراق الحفل.
في الحفل الراقص، كانت هناك «ماريا»، أخت «بيرناردو»، التي وقعت سريعا، وهي اللاتينية السمراء المخطوبة لشاب لاتيني (شينو)، في غرام «توني»، الأنغلوساكسوني الأبيض.
اعترض أخوها. وفي كلمات إسبانية غاضبة، طلب منها الابتعاد عن الـ«غرنغو» (الأبيض في اللغة الإسبانية).
عادت «ماريا» غاضبة إلى منزلها. وشرحت المشكلة لصديقتها «انيتا» التي هاجرت معها من بورتوريكو. واتفقا على أن الأخ «بيرناردو» غيور أكثر مما يجب على أخته، وأنه ما يزال يتصرف مثل «رجال العالم الثالث» رغم السنوات الكثيرة التي قضاها في أميركا.
طبعا، لم تسمع «ماريا» تحذيرات أخيها. وصارت تقابل «توني» سرا. مرة، تقابلا في منتصف الليل، في الظلام، على سلم خلفي، في العمارة السكنية القديمة، في الحي اللاتيني الفقير في نيويورك، بينما الأخ الغيور «بيرناردو» في نوم عميق.
في عطلة نهاية الأسبوع التالية، وفي الظلام، وتحت جسر قديم في الحي القديم، واجهت العصابتان بعضهما البعض. قاد «توني» عصابة البيض، وقاد «بيرناردو» عصابة اللاتينيين. وأثناء الاشتباكات والفوضى والصراخ، طعن «توني» «بيرناردو»، وقتله. ثم هرب، إلى خلف منزل «بيرناردو» حيث كانت صديقته «ماريا» تنتظره، وهي لا تعلم أنه قتل أخاها.
هنا، ظهر «شينو»، خطيب «ماريا» اللاتيني. وصار قائدا للعصابة اللاتينية بعد أن قتل «توني» زعيمها «بيرناردو». وطارد «توني»، حتى عثر عليه وقتله، انتقاما.
أغنية «أميركا»:
في هذه المسرحية الغنائية عشر أغانٍ تقريبا، أشهرها هي أغنية «أميركا»، عن محاسن ومساوئ الدنيا الجديدة. وبينما غنت «ماريا» حبها لأميركا، حذرها أخوها «بيرناردو» من أميركا. وغنيا مع الكورس:
ماريا: أميركا، أميركا. حرية من دون حدود في أميركا.
بيرناردو: للحرية ثمن في أميركا.
ماريا: اشترى فرنا كهربائيا، واشترى مكنسة كهربائية، واشترى غسالة ملابس كهربائية، في أميركا.
بيرناردو: لا ملابس عندك في أميركا.
ماريا: ناطحات سحاب، وسيارات كاديلاك، ومصانع، ومنازل فاخرة، في أميركا.
بيرناردو: عشرة منا في غرفة واحدة في أميركا.
ماريا: سأشتري شقة جميلة في أميركا.
بيرناردو: ولكنتك الأجنبية غير الجميلة في أميركا.
ماريا: الحياة جميلة في أميركا.
بيرناردو: إذا كنت بيضاء في أميركا.
ماريا أنا حرة في أميركا.
بيرناردو: مع اللاتينيين في أميركا.
بنت: الحياة آمنة في أميركا.
بيرناردو: إذا تحملين مسدسا في أميركا.
ماريا: أقدر على أن أكون أي شيء في أميركا.
بيرناردو: تنظفين المطاعم، وتمسحين الأحذية في أميركا.
ماريا: أنا في أميركا.
بيرناردو: الجريمة في أميركا.
ماريا: كل جزيرة بورتوريكو تريد أميركا.
بيرناردو: أريد أن أعود إلى جزيرة بورتوريكو.
ماريا: وداعا، سافر إلى جزيرة بورتوريكو.
بيرناردو: سيستقبلونني بالأحضان في جزيرة بورتوريكو.
ماريا: لن تجد أحدا في جزيرة بورتريكو. جاءوا كلهم إلى أميركا.

* حول العالم
منذ خمسين عاما، بالإضافة إلى فيلم «قصة الحي الغربي» (واحد من أشهر الأفلام الأميركية العريقة)، ظلت مسرحية «قصة الحي الغربي» تعرض في كثير من دول العالم.
في عام 1977. عرضت باللغة الإسبانية في جولة في دول أميركا اللاتينية (وفي جزيرة بورتوريكو). وفي عام 1997، تجولت في بريطانيا. وفي عام 2000. عرضت في هونغ كونغ باللغة الصينية. وفي عام 2003. عرضت باللغة الألمانية في ألمانيا والنمسا. وفي عام 2008، باللغة الفلبينية في الفلبين. وما بين عامي 2005 و2010، عرضتها فرقة زارت عشر دول في أوروبا وآسيا. وفي عام 2010 عرضت في إندونيسيا باللغة الإندونيسية. وفي العام الماضي، في أوكرانيا، باللغة الأوكرانية.
لكن هناك من ينتقد المسرحية، فقد كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» قائلة: «لولا الأغاني الجميلة، لكانت مسرحية جريمة».
وقالت مجلة «تايم»: «قصة الحب لا بأس بها. والأغاني رائعة، ولكن الجريمة فظيعة». وبالفعل، لقد اشتهرت أغانٍ من المسرحية، خاصة أغاني الحب. وغنت سلينا أغنية «آي فيل بريتي» (أحس بأني جميلة). وغنى ليتل ريتشارد أغنية «أعيش قصة حب». لكن، أكثر الأغاني انتشارا هي أغنية «أميركا». خاصة بواسطة الجيل الجديد من المغنين الأميركيين اللاتينيين (بعضهم يغني بالإنجليزية وبالإسبانية).
روميو وجوليت
كان آرثر لورنتز، كاتب الرواية، قد ذكر مرة أنه اقتبس فكرة «قصة الحي الغربي» من مسرحية «روميو وجوليت» لويليام شكسبير. وبالطبع، لا توجد في «روميو وجوليت» منافسات عرقية، أو صراعات وطنية، أو هويات اثنية. توجد منافسة بين عائلتين أرستقراطيتين، كل واحدة تحتقر الثانية. عرقل هذا حب روميو وجوليت. لكن، مثل «قصة الحي الغربي»، في مسرحية شكسبير قتل بسبب الحب. في هذا، يتساوى الأرستقراطيون في فيرونا الإيطالية، والمهاجرون الفقراء من بورتريكو. (لكن، من المفارقات أن قتال الفقراء كان «جريمة». لكن، كان قتال الأرستقراطيين كان «مبارزة» وسط النبلاء).
«حصاد الإمبراطورية»:
في كتاب «هارفست أوف امبايار» (حصاد الإمبراطورية)، الذي كتبه الأميركي اللاتيني هوزي غونزاليز، الصورة الحقيقية لرواية «قصة الحي الغربي».
هذه هي «مستعمرات» الولايات المتحدة في كوبا، وبورتريكو، وبنما، وغيرها من دول أميركا اللاتينية. لم تكن مستعمرات حكومية، لكنها كانت مستعمرات شركات رأسمالية: شركات الموز، والسكر، والتبغ، والقطن.
حسب الكتاب، استغلت الشركات الأميركية العمالة الرخيصة في بورتوريكو، وغيرها. ولم تساهم في رفع مستوى شعوب تلك الدول. لهذا، بدأ الفقراء في تلك الدول يهاجرون إلى الولايات المتحدة، ابتداء من عام 1917.
اليوم، بعد مائة عام من «الغزو المضاد»، تفوق اللاتينيون على السود كأكبر مجموعة سكانية غير بيضاء. ويواصلون «الغزو» (القانوني، وغير القانوني). ويتوقع خبراء الهجرات والسكان، أن اللاتينيين، بعد مائة عام أخرى، سيكونون أغلبية وسط الأميركيين.
في رواية «قصة الحي الغربي»، يوم الحفل الراقص، ترتدي «ماريا» ملابس جميلة، وتقول: «أريد أن أكون أميركية». ويرد عليها أخوها «بيرناردو»: «بورتوريكو أميركية».
في الحقيقة، عندما ظهرت الرواية، قبل ستين عاما، كان اللاتينيون أقلية في نيويورك. كانت الأغلبية أبناء وأحفاد مهاجرين من أوروبا. اليوم، حسب إحصاء عام 2010، يشكل البيض أقل من نصف السكان. (مع ربع أسود، وربع لاتيني، وعشر آسيوي. وأكثر من الثلث من المهاجرين من دول في العالم الثالث).
وتلاحظ دراسة كتبت حول «العنصرية في رواية قصة الحي الغربي» أنه عندما اشتبكت عصابة البيض ضد عصابة اللاتينيين، جاءت الشرطة، وكانت أكثر قسوة على اللاتينيين. ويقول البيض في المسرحية إن «هؤلاء المهاجرين يملأون شوارعنا قذارة، ويعلقون ملابسهم في بلكونات شققهم، ويمارسون السحر». وفي المقابل ترى انيتا، المهاجرة من بورتريكو أن «بورتريكو ليست جزيرة الأحلام. إنها جزيرة الأمراض».
وبالنسبة للنقطة الأخيرة، تلاحظ الدراسة أن إساءة بعض المهاجرين للدول التي جاءوا منها هي أكثر من إساءة الأميركيين لها. وأن «عقدة النقص» هي السبب، لأن المهاجر يرى قمة الحضارة في أميركا، ويحتقر البلد الذي جاء منه.
وتختتم الدراسة بالقول: «حتى اليوم، يحتاج المهاجر إلى إيمان قوي، ليقدر على أن يثق في نفسه».



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».