رئيس الحكومة المغربية: إشرافي على الانتخابات لم يكن تدخلاً سافرًا

رئاسة الجهات تثير جدلاً بين «الأصالة والمعاصرة» و«العدالة والتنمية»

رئيس الحكومة المغربية: إشرافي على الانتخابات لم يكن تدخلاً سافرًا
TT

رئيس الحكومة المغربية: إشرافي على الانتخابات لم يكن تدخلاً سافرًا

رئيس الحكومة المغربية: إشرافي على الانتخابات لم يكن تدخلاً سافرًا

قال عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية، إن الانتخابات البلدية والجهوية التي نظمت في الرابع من سبتمبر (أيلول) الحالي «تعد فخرا للمغرب على الرغم من أن البعض كان يتوقع ألا تصل إلى هذا المدى»، مضيفا أنه باعتباره رئيس حكومة يرى أن «الانتخابات مرت بسلام رغم وجود بعض الإشكالات والخروقات المحدودة جدا، وهي معروضة على القضاء ليقول كلمته بشأنها».
ووصف ابن كيران، الذي كان يتحدث أمس خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة، وهو الأول بعد ظهور نتائج انتخابات رؤساء الجهات والبلديات، إشرافه على الانتخابات بأنه «كان إشرافا رفيقا وليس تدخلا سافرا، وهو يتناسب مع المنطق والمصلحة، ويتلاءم مع المرحلة التي نحن فيها».
وأوضح ابن كيران أنه كانت هناك توجهات صارمة من الملك محمد السادس بأن تبقى الإدارة على الحياد في هذه الانتخابات، منوها بإشراف وزارتي الداخلية والعدل على هذه الاستحقاقات. كما أشار رئيس الحكومة المغربية إلى أن «الانتخابات جرت في ظل وضع مضطرب إقليميا، لكن المغرب أعطى الدليل الأكبر على أنه خرج من التلكؤ والتوجس الذي رافقنا في المراحل السابقة»، مضيفا أن الخطوة الأولى كانت من خلال الانتخابات التشريعية التي جرت في 2011، التي مرت بالشكل المطلوب، ثم الانتخابات المحلية التي «كرست اللارجوع إلى الاختلالات التي كنا نعيشها في السابق».
وردا على الجدل السياسي الكبير الذي أثارته نتائج انتخاب رؤساء الجهات والبلديات، وفوز حزب الأصالة والمعاصرة المعارض برئاسة خمس جهات، رغم حلوله في المرتبة الثانية في الانتخابات الجهوية بعد حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، قال ابن كيران إنه «على الرغم من الجدل المثار بخصوص من انتصر في ماذا، فإن كل واحد يعرف اليوم ماذا لديه، إن كانت جهة أو بلدية أو قرية، وكذا عدد الأصوات التي حصل عليها، والمواطنون هم من سيحسمون في هذه المسألة».
وأثارت انتخابات رؤساء الجهات والبلديات سجالا واسعا، إذ دافع قياديون في «الأصالة والمعاصرة» عن إبرامهم لتحالفات بين مرشحين من الأغلبية أدت إلى فوزهم برئاسة خمس جهات، على الرغم من أنهم لم يحصلوا فيها على مقاعد كافية، وعبروا عن استغرابهم لموقف حزب العدالة والتنمية الذي انتقد قياديوه تلك النتائج التي لم تحترم، من وجهة نظرهم، إرادة الناخبين وتمس بمصداقية السياسة، وقد تؤدي إلى عزوف الناخبين عن التصويت، على الرغم من أنه كان بالإمكان الحسم في هذا الأمر، يقول قياديو الأصالة والمعاصرة، من خلال القوانين التنظيمية التي أعدتها الحكومة التي يرأسها حزبهم، والتي لم تمنح رئاسة الجهة للحزب الذي فاز بأغلبية المقاعد، بل جعلت المنافسة للفوز بالرئاسة مفتوحة أمام الأحزاب الخمسة الأولى.
كما أثير نقاش واسع بشأن ما إذا كان لرؤساء الجهات سلطة على رؤساء البلديات، لا سيما إذا كان يرأسهما حزبان تجمعهما خصومة سياسية، وهما الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، على الرغم من أن القانون فصل في اختصاصات كل مجلس على حدة.
وتوقع البعض أن يحصل تداخل في الاختصاصات قد يؤدي إلى تعطيل التنمية والمشاريع في الجهات والمدن.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.