الجزائر تواجه ثاني أخطر مأزق اقتصادي بعد أزمة 1986

الحكومة تتجه نحو التقشف مع تراجع الإيرادات بـ50 % بفعل انهيار أسعار النفط

تمثل عائدات النفط 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الجزائر
تمثل عائدات النفط 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الجزائر
TT

الجزائر تواجه ثاني أخطر مأزق اقتصادي بعد أزمة 1986

تمثل عائدات النفط 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الجزائر
تمثل عائدات النفط 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الجزائر

دخلت الجزائر، الدولة التي تعتمد على النفط في تمويل أكثر من 90 في المائة من نفقاتها العامة، مرحلة الخطر، وسط استمرار الانهيار في أسعار النفط الذي أرهق اقتصاد الدولة وكبدها خسارة تقدر بمليارات الدولارات، مما أدى إلى ارتفاع العجز المالي للبلاد. وفي أعقاب خسارة الجزائر نحو 50 مليون دولار يوميًا من دخلها بسبب انهيار أسعار النفط منذ يونيو (حزيران) عام 2014، وتآكل جزء كبير من رصيدها النقدي، تدخل الدولة في مرحلة شديدة من التقشف وسط توقعات بطول فترة تراجع أسعار النفط العالمية. وكشف مكتب الإحصاءات والجمارك الجزائري في يوليو (تموز) الماضي، أن البلاد فقدت خلال الستة أشهر الأولى من العام الحالي قرابة نصف مداخيلها من النفط، بما يُقدر بنحو 44 في المائة. وأوضحت الإحصاءات، أن النتيجة في بلد يستورد تقريبًا كل ما يستهلكه، تتمثل في وجود عجز كبير في الميزان التجاري.
وارتفع عجز الموازنة العامة في الجزائر بنحو 6 مليارات دولار خلال الربع الأول من عام 2015، فيما سجل ميزان المدفوعات عجزًا قياسيًا خلال الفترة نفسها بلغ قرابة 11 مليار دولار.
ووفقًا لتقرير صادر عن بنك الجزائر المركزي، الثلاثاء الماضي، حول التوجهات المالية والنقدية خلال الربع الأول من 2015 «تراجعت مداخيل الجباية النفطية بنسبة 28.2 في المائة خلال الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بنفس الفترة من 2014».
وقال التقرير، إن تراجع الإيرادات النفطية أدى إلى انكماش إمكانيات التمويل من طرف الخزينة العمومية بنحو 571.6 مليار دينار (نحو 6 مليارات دولار أميركي) لتنخفض بذلك إلى 3.916 تريليون دينار (40 مليار دولار) خلال الربع الأول من العام الحالي، مقابل 4.488 تريليون دينار (نحو 46 مليار دولار) بنهاية ديسمبر (كانون الأول) 2014.
وتراجعت قيمة صادرات الطاقة في الجزائر بنحو 50 في المائة إلى 34 مليار دولار خلال الستة أشهر المنتهية من 2015، مع استقرار قيمة وارداتها عند 57.3 مليار دولار، دون تغيير كبير عن مستواها في 2014، الذي بلغ 58 مليار دولار.
وتمثل عائدات النفط 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، و95 في المائة من إجمالي عائدات الصادرات الجزائرية، و60 في المائة من إيرادات الموازنة، وتعتمد الجزائر على عائدات النفط لتمويل خططها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفقًا لبيانات سابقة صادرة عن صندوق النقد الدولي.
ووفقًا للنشرة الشهرية لإحصاءات منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، تراجعت أسعار النفط العربي الخفيف بنحو 8.73 في المائة لتسجل 45.46 دولارًا للبرميل خلال أغسطس (آب) الماضي، مقارنةً بمستوى 54.19 دولارًا للبرميل خلال يوليو السابق.
وهناك توقعات بوصول أسعار النفط لما هو أقل من 30 دولارًا للبرميل، وسط استمرار حالة الضعف التي يُعاني منها الاقتصاد العالمي، خاصة وسط دخول الصين في مرحلة من مشكلات تباطؤ النمو الاقتصادي.
يُذكر أن صندوق النقد الدولي توقع، في تقريره الأخير، أن تسجِّل الموازنة العامة في الجزائر عجزًا يقدر بنحو 15.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الحالي.
وأعلن البنك الجزائري في الثامن من سبتمبر (أيلول) الحالي، أن احتياطات البلاد من الصرف الأجنبي، تراجعت بنحو 20 مليار دولار خلال ستة أشهر، بفعل انهيار أسعار النفط الخام، لتنخفض من 179 مليار دولار بنهاية العام الماضي إلى 159 مليار دولار، بنهاية يونيو 2015.
ويأتي كل ما سبق في وقت تتدنى فيه القوة الشرائية للمواطن الجزائري، وتزداد الاحتجاجات التي لم يعد النظام قادرًا على امتصاصها من خلال ضخ أموال للتخفيف من حدتها، أو من خلال الإعلان عن وعود تتضمن إنجازا سريعًا لمشاريع التنمية.
وتُشير الأوضاع الاقتصادية المتأزمة في الجزائر إلى توجه البلاد نحو مأزق اقتصادي خطير، مُشابه للأزمة التي حدثت في عام 1986 والمترتبة على الانهيار الكبير لأسعار النفط، وما نتج عنه من أزمة اقتصادية حادة آنذاك.
وتلت الأزمة النفطية لعام 1986، أزمة اقتصادية حادة في الجزائر، بسبب انهيار القدرة الشرائية للمواطنين وفقدان المواد الغذائية في المحلات التجارية، والتضخم الكبير الذي تجاوز 42 في المائة، مما دفع إلى «انتفاضة أكتوبر» عام 1988 التي أنهت نظام الحزب الواحد، وأحلت محله نظام التعددية السياسية.
وفي هذا الإطار، أعلنت الحكومة الجزائرية عن برنامج للتقشف وترشيد النفقات العامة لتفادي تسجيل عجز مالي كبير خلال العام المالي المقبل. ومن غير المستبعد أن تلجأ الحكومة إلى تقليص أجور الموظفين والإطارات، ولو بنسب ضئيلة، استكمالاً لإجراءات موازية لوقف التوظيف، إلا في حدود ضيقة.
وكشف عبد المالك سلال رئيس الحكومة الجزائرية، عن أن استمرار انخفاض أسعار النفط ستظهر نتائجه في انكماش موارد صندوق ضبط الإيرادات وتنامي المديونية العمومية الداخلية.
وقال سلال، في كلمة له خلال اجتماع بالمحافظين في أغسطس (آب) الماضي، إن «وضعية التوتر بالنسبة للمالية العمومية أكثر مما ستكون عليه وضعية ميزان المدفوعات، وهذا يستدعي القيام بأعمال في مجال ترشيد النفقات العمومية وتطوير سوق رؤوس الأموال».
وأظهرت مسودة لمشروع الميزانية الجزائرية للعام 2016، توجهًا نحو رفع معدلات الضرائب، وفرض رسوم على الواردات، ورفع أسعار وقود الديزل والكهرباء المدعمة للحد من العجز بعد تقلص الإيرادات بسبب هبوط أسعار النفط الخام.
وكشف مشروع قانون المالية الذي صادق عليه مجلس الحكومة في التاسع من سبتمبر الحالي، عن وصول إجراءات التقشف إلى المستوى الأعلى، حيث يقترح سلسلة من التدابير الرامية إلى رفع الإيرادات الحكومية، بعدما تضررت من انهيار أسعار النفط، وذلك من رفع قيم الضرائب على العقارات، فضلاً عن رفع قيمة الكهرباء والغاز والماء لأول مرة منذ سنوات. كما يكشف المشروع عن تقليص في الميزانية العامة بأكثر من 10 في المائة، تشمل كل القطاعات الاقتصادية المختلفة بالدولة حتى الحساسة منها، على غرار الصحة والتعليم والسكن، على الرغم من الوعود المتكررة التي أطلقتها الحكومة بالاستمرار في المشاريع التنموية.
وبحسب وثائق حكومية، نُشرت في وقت سابق، قررت الجزائر إلغاء عدة مشاريع تخص البنى التحتية في مختلف مناطق البلاد. وشكل تأكيد الحكومة الجزائرية أن البلاد في حاجة إلى الحد من مشاريع البنية الأساسية الضخمة وتقليص استكمال المشاريع التي بدأتها بعد إعلانها خفض الإنفاق العام، تخوفات كبيرة لدى المواطن. وخيبت الحكومة آمال فئات عريضة من المجتمع، برفضها مراجعة زيادات الرواتب والمنح والعلاوات.
ويرى المحللون والخبراء الماليون العالميون، بمن فيهم العاملون في صندوق النقد الدولي، أنه من الصعب أن تتمكن الحكومة من تفادي الدخول في مرحلة الخطر الفعلي بعد ثلاثة أشهر على أبعد تقدير.
ودعا صندوق النقد الدولي، في توصياته الأخيرة بخصوص السياسة الاقتصادية المنتهجة، الحكومة الجزائرية، إلى اتخاذ إجراءات برفع الدعم تدريجًا عن الأسعار الاستهلاكية، وتقليص النفقات الحكومية وزيادة الضرائب على الدخل والشركات والقيمة المضافة، بهدف تحسين المالية العامة وتجنب الاستدانة الخارجية وتأجيل أزمة السيولة النقدية إلى عام 2019، في انتظار تحسن أسواق النفط العالمية.
ويأتي ذلك في إطار مجموعة من النصائح التي يُمليها الصندوق على حكومات شمال أفريقيا، التي يحضها الصندوق على الإسراع في اعتماد آليات الضريبة وتقليص الإنفاق العام والتحكم بمصاريف القطاع العام ووقف التوظيف إلا للضرورة، بهدف تحقيق نمو أعلى ومعالجة الخلل الاجتماعي الذي قد يشكل تهديدًا على المدى المتوسط.

* الوحدة الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط»



مصر توقع اتفاقين بقيمة 600 مليون دولار لمشروع طاقة مع «إيميا باور» الإماراتية

منظر للعاصمة المصرية (الشرق الأوسط)
منظر للعاصمة المصرية (الشرق الأوسط)
TT

مصر توقع اتفاقين بقيمة 600 مليون دولار لمشروع طاقة مع «إيميا باور» الإماراتية

منظر للعاصمة المصرية (الشرق الأوسط)
منظر للعاصمة المصرية (الشرق الأوسط)

قال مجلس الوزراء المصري، في بيان، السبت، إن مصر وشركة «إيميا باور» الإماراتية وقعتا اتفاقين باستثمارات إجمالية 600 مليون دولار، لتنفيذ مشروع محطة رياح، بقدرة 500 ميغاواط في خليج السويس.

يأتي توقيع هذين الاتفاقين اللذين حصلا بحضور رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، في إطار الجهود المستمرة لتعزيز قدرات مصر في مجال الطاقة المتجددة؛ حيث يهدف المشروع إلى دعم استراتيجية مصر الوطنية للطاقة المتجددة، التي تستهدف تحقيق 42 في المائة من مزيج الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2030، وفق البيان.

ويُعد هذا المشروع إضافة نوعية لقطاع الطاقة في مصر؛ حيث من المقرر أن يُسهم في تعزيز إنتاج الكهرباء النظيفة، وتقليل الانبعاثات الكربونية، وتوفير فرص عمل جديدة.

وعقب التوقيع، أوضح رئيس مجلس الوزراء أن الاستراتيجية الوطنية المصرية في قطاع الطاقة ترتكز على ضرورة العمل على زيادة حجم اعتماد مصادر الطاقة المتجددة، وزيادة إسهاماتها في مزيج الطاقة الكهربائية؛ حيث تنظر مصر إلى تطوير قطاع الطاقة المتجددة بها على أنه أولوية في أجندة العمل، خصوصاً مع ما يتوفر في مصر من إمكانات واعدة، وثروات طبيعية في هذا المجال.

وأشار وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، الدكتور محمود عصمت، إلى أن هذا المشروع يأتي ضمن خطة موسعة لدعم مشروعات الطاقة المتجددة، بما يعكس التزام الدولة المصرية في توفير بيئة استثمارية مشجعة، وجذب الشركات العالمية للاستثمار في قطاعاتها الحيوية، بما يُعزز مكانتها بصفتها مركزاً إقليمياً للطاقة.

وأشاد ممثلو وزارة الكهرباء والشركة الإماراتية بالمشروع، بوصفه خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون الاستراتيجي بين مصر والإمارات في مجالات التنمية المستدامة والطاقة النظيفة.