مصر والمكسيك تتوافقان على إجراء تحقيقات شفافة لكشف ملابسات حادثة «الفوج السياحي»

السيسي يتابع التطورات.. وشكري يؤكد التزام بلاده بالإفصاح عن كل التفاصيل

الرئيس السيسي خلال استقباله وزيرة خارجية المكسيك كلوديا رويز ماسيو بالقصر الرئاسي في القاهرة أمس (أ.ب)
الرئيس السيسي خلال استقباله وزيرة خارجية المكسيك كلوديا رويز ماسيو بالقصر الرئاسي في القاهرة أمس (أ.ب)
TT

مصر والمكسيك تتوافقان على إجراء تحقيقات شفافة لكشف ملابسات حادثة «الفوج السياحي»

الرئيس السيسي خلال استقباله وزيرة خارجية المكسيك كلوديا رويز ماسيو بالقصر الرئاسي في القاهرة أمس (أ.ب)
الرئيس السيسي خلال استقباله وزيرة خارجية المكسيك كلوديا رويز ماسيو بالقصر الرئاسي في القاهرة أمس (أ.ب)

استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس، وزيرة خارجية المكسيك، كلوديا رويز ماسيو، وذلك بعد ساعات من إجراء اتصال بنظيره المكسيكي إنريكي بينا نيتو، أكد فيه السيسي أنه يتابع بصورة شخصية سير التحقيقات الخاصة بواقعة مقتل وإصابة عدد من السائحين المكسيكيين في صحراء مصر الغربية، نتيجة إطلاق النار عليهم خطأ من قبل قوات الأمن خلال عملية مطاردة لعناصر إرهابية.
وقبل لقائها مسؤولين مصريين، زارت رويز ماسيو عددًا من رعايا بلادها المصابين في الحادث في مستشفى دار الفؤاد غرب العاصمة المصرية، ثم عقدت مؤتمرًا صحافيًا سريعًا، أعربت فيه عن «قلق بلادها من الحادث المؤسف وغير المسبوق»، الذي تعرض له مجموعة من السائحين من رعايا بلادها في غرب مصر الأحد الماضي.
وأكدت ماسيو في تصريحات بالإنجليزية والإسبانية، أن إدارة بلادها تطالب السلطات المصرية بإجراء «تحقيق معمق وشامل وسريع ودقيق يوضح الملابسات.. ويبين المسؤولين عن وقوع الحادث»، مؤكدة أن السلطات المصرية وعدت بلادها بأنها «ستتعامل مع الموقف بكل شفافية»، وأن الإدارة المكسيكية لديها ثقة كاملة في ذلك، وأنها ستلتقي الرئيس المصري ووزير الخارجية لمناقشة الخطوات التالية.
وظهرت ماسيو لاحقًا في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرها المصري سامح شكري، أكدا خلاله على التوافق والتفاهم بين القاهرة ومكسيكو حول إجراء تحقيق شامل وشفاف، يسفر عن تقديم المسؤولين عن هذا الحادث. وأن مصر وعدت بإبلاغ المكسيك بكافة تطورات التحقيقات، أولاً بأول.
وأكد دبلوماسيان، أحدهما مصري والآخر غربي، لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك تفاهمًا كبيرًا بين الإدارة المصرية والمكسيكية حول هذا الملف»، حيث أوضح الدبلوماسي الغربي أن «مكسيكو تسعى إلى ضمانات لمواطنيها من ضحايا الحادث، وتثق في خطوات الجانب المصري، وهذا واضح جدًا من التصريحات الرسمية لكل المسؤولين في مكسيكو»، مشيرًا إلى أن قدوم رويز ماسيو إلى القاهرة يعد «أمرًا طبيعيًا تتخذه جميع الدول في حالة تعرض مواطنيها لخطر جسيم في أي دولة أخرى، خاصة مع ضخامة الحدث، وأثره في الرأي العام في بلادها».
من جانبه، أشار الدبلوماسي المصري إلى أن «مطالبات الجانب المكسيكي لمصر مفهومة ومنطقية تمامًا، والقاهرة اعترفت منذ اللحظة الأولى بوجود خطأ، ووعدت بإجراء تحقيقات معمقة تحت إشراف مباشر من الرئيس ورئيس حكومة تسيير الأعمال، حتى قبل أن تطالب المكسيك بذلك».
وكانت رويز ماسيو قد وصلت إلى القاهرة، فجر أمس، قادمة من مكسيكو على متن طائرة خاصة، برفقة مسؤولين بوزارة الخارجية المكسيكية وعدد من أقارب الضحايا والمصابين. وفور وصولها الذي شهد إجراءات أمنية مشددة، استقبلها في مطار القاهرة السفير المكسيكي لدى مصر خورخي ألفاريز فوينتيس، وذلك للتشاور حول الإجراءات المزمع اتخاذها بالتنسيق مع السلطات المصرية.
في غضون ذلك، زار عدد من مندوبي الخارجية المكسيكية، أمس، مقر «مشرحة زينهم» التابعة لمصلحة الطب الشرعي الرسمية في مصر، حيث يجري تشريح جثامين القتلى، وذلك في وقت تستمر فيه تحقيقات النيابة عن ملابسات الحادث، بينما تتردد أنباء قوية في الأروقة المصرية عن احتمال صدور «قرار من مكتب النائب العام المصري بحظر النشر الإعلامي في القضية حتى لا يؤثر على مجرياتها، خصوصًا مع زيادة التكهنات والمعلومات المتضاربة والمغلوطة المتداولة في وسائل الإعلام حول القضية»، وأكدت مصادر قضائية لـ«الشرق الأوسط»، أنه «في حال صدور مثل هذا القرار، وهو أمر متوقع، فإن مكتب النائب العام سيوافي الإعلام بتقارير رسمية تحمل المستجدات بشكل منتظم، منعًا للبلبلة».
وكان الرئيس المصري قد أجرى اتصالاً هاتفيًا بنظيره المكسيكي إنريكي بينا نيتو، مساء أول من أمس، أعرب خلاله عن تعازيه في الضحايا، وأكد متابعته الشخصية لسير التحقيقات في الحادث للوقوف على ملابساته كاملة، وأن مصر «لن تتوانى عن تقديم كل أشكال العون والمساعدة لضمان توفير العلاج والرعاية الصحية اللازمة للمصابين، فضلاً عن الوقوف إلى جانب أسر الضحايا»، بحسب الرئاسة المصرية.
من جانبه، أعرب الرئيس المكسيكي عن تقديره للاهتمام الذي أبداه الرئيس المصري بالحادث، كما أشاد بالجهود التي بذلتها الحكومة المصرية لمساعدة المصابين وتقديم الرعاية الصحية اللازمة لهم، واتفق الرئيسان على استمرار التواصل والجهود المشتركة للوقوف على ملابسات الحادث وتجاوز تداعياته.
وعلى صعيد متصل، وجه وزير الخارجية المصري «رسالة مفتوحة» إلى الشعب المكسيكي، أكد فيها أن «السلطات المصرية ملتزمة بشكل لا ريب فيه بالإفصاح عن التفاصيل الدقيقة لهذه المأساة، حيث ما زال تسلسل الأحداث محيرًا وغير واضح، فقد وردت روايات وتقارير متضاربة حول ما إذا كان الفوج السياحي يحمل التصاريح اللازمة، وما إذا كان قد اتخذ مسارًا مختصرًا قاده نحو منطقة يحظر الوجود فيها، وما إذا كان استخدام سيارات الدفع الرباعي بدلاً من حافلة سياحية، قد زاد من خطر التحديد الخاطئ لهوية الركب».
وطمأن شكري في الرسالة الشعب المكسيكي بأن «تحقيقًا محايدًا يجري الآن، تحت إشراف رئيس الوزراء المصري بنفسه، كما أن مصر على أتم استعداد للقيام بكل ما من شأنه أن يساعد في تحقيق هذا الأمر، بما في ذلك الإسراع في عملية نقل جثامين المتوفين إلى المكسيك، وتقديم العلاج اللازم للمصابين»، وتابع مستدركا أنه «ليثير أسفي أن يستغل البعض هذا الحادث ليزعم أن مسؤولي الأمن المصريين ليست لديهم قواعد صارمة للاشتباك، وأنهم يتصرفون بشكل عشوائي، ولا يتخذون الاحتياطات اللازمة خلال العمليات التي يقومون بتنفيذها.. لكن لا يمكن القول سوى أن هذا الزعم يخالف الحقيقة ولا يمت للواقع بصلة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.