لبنان: «الأسير» أمام المحكمة العسكرية مستعيدًا زيه الشرعي بعد سنتين من التخفي

رافقت الجلسة الأولى تحضيرات أمنية غير مسبوقة بتاريخ المحكمة العسكرية

لبنان: «الأسير» أمام المحكمة العسكرية مستعيدًا زيه الشرعي بعد سنتين من التخفي
TT

لبنان: «الأسير» أمام المحكمة العسكرية مستعيدًا زيه الشرعي بعد سنتين من التخفي

لبنان: «الأسير» أمام المحكمة العسكرية مستعيدًا زيه الشرعي بعد سنتين من التخفي

لم تسجّل الجلسة الأولى لمحاكمة الشيخ الموقوف أحمد الأسير في ملف معركة عبرا في صيدا (جنوب لبنان) أمام المحكمة العسكرية، أي حدث قضائي وفق ما كان منتظرًا، غير أن مثول الأسير مخفورًا من دون قيد في قاعة المحكمة، شكّل الحدث الأبرز في المحطة الأولى لهذه القضية.
وصحيح أن تأجيل استجواب الشيخ الموقوف إلى 20 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بناء على طلب فريق الدفاع عنه، حال دون اطلاع الرأي العام على خفايا (معركة عبرا) التي وقعت بين أنصار الأسير والجيش اللبناني في 23 يونيو (حزيران) 2013. وأدت إلى مقتل 18 عسكريًا لبنانيًا ونحو 30 مدنيًا غالبيتهم من جماعة الأسير، إلا أن الأنظار ستبقى مشدودة إلى موعد البدء بالاستجواب العلني للأخير، وما يمكن أن تحمل إفادته من مفاجآت ووقائع بقيت ملك هذا الرجل الشيخ دون سواه.
وترافقت المحاكمة مع اعتصام نفذه أهالي العسكريين اللبنانيين الذين قتلوا في معارك عبرا، مطالبين بتسريع محاكمة الأسير.
وإذا كانت مستلزمات التمويه والتخفي والإفلات من قبضة الأجهزة الأمنية، أجبرت الأسير على تغيير شكله الخارجي لأكثر من سنتين، فإن القبض عليه دفعه إلى استعادة زيّه الشرعي المعهود، أثناء مثوله أمام قوس العدالة حيث أحضر إلى قاعة المحكمة أمس، مرتديًا عباءة رمادية اللون ومعتمرًا قبعته البيضاء التي اعتاد على الظهور فيها قبل أحداث عبرا، مع نظاراته الطبية، ومعيدًا إطلاق لحيته من جديد، بعدما أجبرته دواعي التنكر بزي مغاير على حلقها، على أمل أن تطول جلسة بعد أخرى.
قصر وقت الجلسة لم يسمح لكثيرين ممن كانوا داخل القاعة مراقبة ملامح وجه الرجل وتفاعلها مع مجريات الجلسة، رغم حرص رئيس المحكمة على مناداته كل الوقت بـ«الشيخ أحمد الأسير». ولم يكن بإمكان الحاضرين سماع صوت الأسير إلا بكلمتين اثنتين، الأولى عندما نادى رئيس المحكمة العميد خليل إبراهيم عليه باسمه، فوقف من بين ثمانية عسكريين وضابطين كانوا متحلقين حوله لحجب رؤيته عن الحضور في القاعة، وأجاب «حاضر». والثانية عندما طلب محامو الدفاع تصحيح اسمه وفق ما هو مسجّل في هويته، وسأله رئيس المحكمة هل اسمك الكامل هو أحمد محمد هلال الأسير الحسيني، فردّ بـ«نعم».
الجلسة التي بدأت التحضيرات لها قبل 24 ساعة، بإجراءات أمنية غير مسبوقة في تاريخ المحكمة العسكرية، فرضها الجيش في محيط مبنى المحكمة وفي قاعة المحاكمة. ولم يسمح للمحامين والصحافيين بدخول قاعة المحاكمة إلا بعد إدخال الأسير وأكثر من 70 متهمًا في أحداث عبرا، أجلسوا في الأماكن المخصصة لهم. وحالت الدروع البشرية التي شكّلها العشرات من عناصر الجيش من التواصل حتى بالنظر بين الأسير ورفاقه وكذلك مع والديه اللذين سمحت لهما هيئة المحكمة بحضور الجلسة، ووضعا في المقعد الأول إلى يمين القاعة وسط محامي الدفاع، فيما جرى تقسيم المتهمين إلى ثلاث مجموعات، اثنتان للموقوفين، الأولى وضعت في قفص الاتهام إلى يمين قوس المحكمة، والثانية وزعت على سبعة مقاعد على يسار القاعة خلف الأسير. أما المجموعة الثالثة التي تضم المتهمين المخلى سبيلهم، فأجلست على المقاعد الخلفية إلى يمين القاعة.
في مستهلّ الجلسة طلب وكلاء الأسير المحامون: أنطوان نعمة ومحمد صبلوح وعبد البديع عاكوم، إعطاءهم مهلة للاطلاع على التحقيقات الأولية التي أجريت مع موكلهم لدى مديرية المخابرات، لاتخاذ الموقف بشأنها والنظر بإمكانية تقديم دفوع شكلية في الجلسة المقبلة، كما طالبوا هيئة المحكمة بتعيين لجنة طبية لمعاينة الأسير ووضع تقرير مفصل بحالته الصحية، فوافق رئيس المحكمة على الطلب الأول مباشرة وسمح لهم بالحصول على صورة من محاضر التحقيقات الأولية التي تقارب الـ50 صفحة فولسكاب لتحضير دفاعهم. فيما أحال الطلب الثاني على النيابة العامة العسكرية لإبداء الرأي قبل اتخاذ القرار بالموافقة أو الرفض.
المحامي عبد البديع عاكوم، أحد وكلاء الأسير، عبّر لـ«الشرق الأوسط»، عن ارتياحه لمسار الجلسة، وللطريقة الراقية التي اتبعها رئيس المحكمة العميد خليل إبراهيم في إدارة الجلسة، والسماح للمحامين بإبداء آرائهم والاستجابة إلى معظم طلباتهم. ولدى رفع الجلسة أعطى رئيس المحكمة الإذن لوالدي الأسير لمقابلته في غرفة جانبية لائقة داخل المحكمة، رغم اعتراض ممثل النيابة العامة العسكرية القاضي هاني الحجار على هذا الطلب. وتقرر تأجيل المحاكمة إلى 20 أكتوبر المقبل.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».