افتتاح السنة السياسية والدراسية بالعنف والمواجهات

الرئيس التونسي وقيادات النهضة والمعارضة تواجه أكبر امتحان.. وتضخم غير مسبوق لدور النقابات واليسار الراديكالي

افتتاح السنة السياسية والدراسية بالعنف والمواجهات
TT

افتتاح السنة السياسية والدراسية بالعنف والمواجهات

افتتاح السنة السياسية والدراسية بالعنف والمواجهات

استقبلت قيادات نقابات العمال واليسار التونسي وبعض رموز المعارضة، السنة الجامعية والمدرسية التي بدأت أمس (الاثنين)، بالإعلان عن تنظيم سلسلة من الإضرابات والمظاهرات والتحركات الاجتماعية التي «خفتت» طوال فترة العطلات الصيفية، وكان مشروع قانون رئاسي حكومي عن «المصالحة الوطنية» الشرارة التي فجرتها مجددا.
لكن رغم «فشل» أغلب تلك المظاهرات والاحتجاجات في تحقيق الأهداف التي رسمها لها بعض زعماء المعارضة، مثل «إسقاط الحكومة» و«بدء ثورة جديدة» فإن الأزمة التي تمر بها مؤسسة رئاسة الجمهورية وقيادات أحزاب الأغلبية الحاكمة حاليا - وزعامات حزبي النداء والنهضة - قد تكون «الأخطر في تاريخ تونس منذ الإطاحة بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي في يناير (كانون الثاني)2011».
وقد فندت النسبة الضعيفة للمشاركة في مظاهرات المعارضة أمس في العاصمة وبقية المدن ما روج عن «نجاح اليسار النقابي والمعارضة اليسارية في الجبهة الشعبية» في التحكم في ورقة تحريك الشارع «وفي القدرة على تعبئة مئات الآلاف من العاطلين عن العمل والنقابيين».
وقد اعتمدت حكومة الحبيب الصيد «في الدقائق الأخيرة» ورقة «سحب البساط» وميّعت مظاهرات النقابيين وتهديدات الأساتذة بمقاطعة العودة المدرسية والجامعية فأعلنت «موافقة على المطالب المشروعة والقديمة للأساتذة». وتسببت تلك الموافقة عشية الإعلان عن «يوم غضب وطني ضد الحكومة وضد قانون المصالحة مع الفاسدين» في «إجهاض تحركات المعارضة والنقابات، وفي إذكاء خلافات داخلية كثيرة تشقها منذ مدة»، على حد تعبير الخبيرة السياسية وعالمة الاجتماع بدرة قعلول والحقوقي رشيد الكراي.
في الوقت الذي تابع فيه رموز اليسار «الراديكالي» في البرلمان والنقابات مثل البرلماني المنجي الرحوي وأمين عام نقابات التعليم الأساسي المستوري القمودي انتقاداتهم العنيف لرئيس الجمهورية والحكومة ولمشروع قانون «المصالحة الوطنية»، أعلن وزير شؤون الرئاسة رضا بالحاج في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «رئيس الجمهورية والحكومة لن يسحبا مشروع قانون المصالح المثير للجدل من البرلمان، لكنهما يقبلان تعديله داخله بعد التشاور مع المجتمع المدني والخبراء النزهاء».
لكن مسؤولة منظمة «هيومان رايتس ووتش» الأميركية في تونس آمنة القلالى وعددا من الحقوقيين والنقابيين، مثل البرلمانيين الجيلاني الهمامي وأحمد صديق وسامية عبو، اتهموا الحكومة بـ«توظيف ملف الإرهاب والعنف السياسي لقمع المعارضين ولتبرير عودة السلطات إلى الحلول الأمنية في التعامل مع المتظاهرين والنقابيين والحقوقيين ولتقييد الحريات العامة والفردية».
وقد اعترض ناجم الغرسلي وزير الداخلية التونسي بقوة على تلك الاتهامات في جلسة صاخبة في البرلمان تحدث فيها عن «مخاطر إرهابية جدية تواجه تونس، بينها تهديدات بشن هجمات خطيرة جدا على مواقع استراتيجية، من بينها شارع الحبيب بورقيبة والساحات الرئيسية في العاصمة التي طلب المعارضون التظاهر فيها ضد الحكومة وضد قمعها لمعارضيها ولبعض المسيرات السلمية مثل تلك التي نظمتها نقابات المزارعين والمعلمين وسقط فيها عشرات الجرحى»، حسب عبد المجيد الزار رئيس اتحاد المزارعين، والمستوري القمودي كاتب عام نقابة المعلمين.
في هذه الأثناء، تمسك رئيسا الجمهورية الباجي قائد السبسي والحكومة الحبيب الصيد بكون البلد يمنع المظاهرات، بسبب ما ينص عليه «قانون إعلان حالة الطوارئ» الذي تقرر في الخامس من يوليو (تموز) الماضي بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف منتجع سوسة السياحي في يونيو (حزيران) وتسبب في سقوط نحو 40 قتيلا و40 جريحا كلهم من بين السياح الأجانب.
وذهب وزير الداخلية ناجم الغرسلي إلى أبعد من ذلك، إذ أعلن أن «التهديدات الإرهابية الجديدة تشمل مواقع سيادية ومؤسسات حساسة في قلب العاصمة». كما أعلن أن سلطات الأمن ضبطت عند الإرهابيين الموقوفين قائمات وحججا عن وجود عشرات الإرهابيين الفارين الذين لديهم أسلحة وأحزمة ناسفة وسيارات ملغومة قد يفجرونها في الشوارع الرئيسية في العاصمة والمدن الكبرى أثناء تجمعات المتظاهرين المسالمين ضد الحكومة.
وبصرف النظر عن فشل المعارضة اليسارية والنقابية في «تفعيل مخطط التحركات الجماهيرية في الشوارع حتى إسقاط الحكومة»، فإن الطبقة السياسية والنقابية برزت عشية افتتاح السنة الدراسية والجامعية والسياسية مقسمة أكثر من أي وقت مضى. ومرة أخرى يكشف المشهد السياسي «قطيعة بين الحزب الحاكم وحلفائه بزعامة النداء والنهضة - من جهة، والنقابات والأحزاب والشخصيات المستقلة من جهة ثانية»، حسب الجامعي والخبير السياسي محمد ضيف الله الذي حيا عودة الرئيس السابق المنصف المرزوقي إلى تونس وانخراطه مجددا في النضال السياسي، إلى جانب المهمشين والعاطلين عن العمل ضد مشروع قانون المصالحة الوطنية الذي اعتبر أنه يؤدي إلى «مصالحة مغشوشة وهشة مع رجال الأعمال الفاسدين في عهد بن علي».
ويخشى بعض المراقبين من استفحال الانقسام داخل النخب وصناع القرار السياسي في تونس بعد فشل «المظاهرات» والتحركات المعارضة «للمصالحة المغشوشة»، التي توقعت قيادات بعض النقابات وأحزاب اليسار التونسي ونشطائه، مثل النائبين عن «الجبهة الشعبية» أحمد الصديق والمنجي الرحوي - والرئيس السابق المنصف المرزوقي زعيم «حراك شعب المواطنين»، أن يشارك فيها مئات آلاف التونسيين في العاصمة وفي كل المدن ضمن ما سمي بـ«يوم الغضب الوطني».
لكن مهما اختلفت التقييمات لمظاهرات يوم أول من أمس ضد حكومة الحبيب الصيد وضد مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية الذي تقدم به رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي إلى البرلمان، تبدو تونس عشية السنة الدراسية والجامعية الجديدة بين 3 خيارات: الأول استمرار مراحل الشد والجذب بين الحكومة والنقابات وأحزاب اليسار القريبة من «الجبهة الشعبية»، و«المسار» ونقابات الطلاب الماركسيين. والثاني: التوصل إلى توافقات جديدة يقودها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ومقربون منه في قصري قرطاج والقصبة مثل الحبيب الصيد رئيس الحكومة وقادة نقابات رجال الأعمال والعمال ومنظمة المحامين. والثالث: الرهان مجددا على «الائتلاف الرباعي» الحاكم الذي يضم أحزاب النداء والنهضة والوطني الحر وآفاق، ويتزعمه الثنائي الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي.
ويبدو أن الورقة الدولية أميل إلى هذا السيناريو مثلما تكشفه الزيارات المتعاقبة التي يقوم بها منذ أسابيع كل زعماء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الذين يزورون تونس، والذين التزموا جميعا تقليد زيارة مقر قيادة حركة النهضة الإسلامية مثلما يزرون مقري رئاسة الجمهورية والحكومة.
قد تختلف المسارات لكن يبدو أن قدر التونسيين تجاوز انقساماتهم ردا على التحديات الكبرى التي تواجههم جميعا، أي البطالة والفقر في الداخل والإرهاب والحروب في محيطهم الإقليمي والدولي.
وفي كل الحالات تبدو أزمة «الخلافات والصراعات حول قانون المصالحة» واحدة من أكبر التحديات التي تواجه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي منذ سنوات. وقد يتسبب سحب هذا المشروع عن «المصالحة الاقتصادية» في مزيد من شلّ اقتصاد البلاد، لأنه قد يؤدي إلى عزوف جماعي من رجال الأعمال عن الاستثمار وإحداث «مواطن رزق» جديدة للعاطلين في بلد تضخم فيه دور النقابات العمالية واليسار الراديكالي بشكل غير مسبوق.



وفد إسرائيلي بالقاهرة... توقعات بـ«اتفاق وشيك» للتهدئة في غزة

طفل يحمل أشياء تم انتشالها من مكب النفايات في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
طفل يحمل أشياء تم انتشالها من مكب النفايات في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

وفد إسرائيلي بالقاهرة... توقعات بـ«اتفاق وشيك» للتهدئة في غزة

طفل يحمل أشياء تم انتشالها من مكب النفايات في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
طفل يحمل أشياء تم انتشالها من مكب النفايات في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

زار وفد إسرائيلي رفيع المستوى القاهرة، الثلاثاء، لبحث التوصل لتهدئة في قطاع غزة، وسط حراك يتواصل منذ فوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنجاز صفقة لإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار بالقطاع المستمر منذ أكثر من عام.

وأفاد مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط» بأن «وفداً إسرائيلياً رفيع المستوى زار القاهرة في إطار سعي مصر للوصول إلى تهدئة في قطاع غزة، ودعم دخول المساعدات، ومتابعة تدهور الأوضاع في المنطقة».

وأكد مصدر فلسطيني مطلع، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، أن لقاء الوفد الإسرائيلي «دام لعدة ساعات» بالقاهرة، وشمل تسلم قائمة بأسماء الرهائن الأحياء تضم 30 حالة، لافتاً إلى أن «هذه الزيارة تعني أننا اقتربنا أكثر من إبرام هدنة قريبة»، وقد نسمع عن قبول المقترح المصري، نهاية الأسبوع الحالي، أو بحد أقصى منتصف الشهر الحالي.

ووفق المصدر، فإن هناك حديثاً عن هدنة تصل إلى 60 يوماً، بمعدل يومين لكل أسير إسرائيلي، فيما ستبقي «حماس» على الضباط والأسرى الأكثر أهمية لجولات أخرى.

ويأتي وصول الوفد الإسرائيلي غداة حديث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في كلمة، الاثنين، عن وجود «تقدم (بمفاوضات غزة) فيها لكنها لم تنضج بعد».

وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية، الثلاثاء، عن عودة وفد إسرائيل ضم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، ورئيس جهاز الأمن العام «الشاباك» رونين بار، من القاهرة.

وأفادت هيئة البث الإسرائيلية بأنه عادت طائرة من القاهرة، الثلاثاء، تقلّ رئيس الأركان هرتسي هاليفي، ورئيس الشاباك رونين بار، لافتة إلى أن ذلك على «خلفية تقارير عن تقدم في المحادثات حول اتفاق لإطلاق سراح الرهائن في غزة».

وكشف موقع «واللا» الإخباري الإسرائيلي عن أن هاليفي وبار التقيا رئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد، وكبار المسؤولين العسكريين المصريين.

وبحسب المصدر ذاته، فإن «إسرائيل متفائلة بحذر بشأن قدرتها على المضي قدماً في صفقة جزئية للإفراج عن الرهائن، النساء والرجال فوق سن الخمسين، والرهائن الذين يعانون من حالة طبية خطيرة».

كما أفادت القناة الـ12 الإسرائيلية بأنه جرت مناقشات حول أسماء الأسرى التي يتوقع إدراجها في المرحلة الأولى من الاتفاقية والبنود المدرجة على جدول الأعمال، بما في ذلك المرور عبر معبر رفح خلال فترة الاتفاق والترتيبات الأمنية على الحدود بين مصر وقطاع غزة.

والأسبوع الماضي، قال ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، إن الشرق الأوسط سيواجه «مشكلة خطيرة» إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن قبل تنصيبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وأكد مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الاثنين، أنه «لن يكون من الجيد عدم إطلاق سراح» الرهائن المحتجزين في غزة قبل المهلة التي كررها، آملاً في التوصل إلى اتفاق قبل ذلك الموعد، وفق «رويترز».

ويتوقع أن تستضيف القاهرة، الأسبوع المقبل، جولة جديدة من المفاوضات سعياً للتوصل إلى هدنة بين إسرائيل و«حماس» في قطاع غزة، حسبما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مصدر مقرّب من الحركة، السبت.

وقال المصدر: «بناء على الاتصالات مع الوسطاء، نتوقع بدء جولة من المفاوضات على الأغلب خلال الأسبوع... للبحث في أفكار واقتراحات بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى». وأضاف أنّ «الوسطاء المصريين والقطريين والأتراك وأطرافاً أخرى يبذلون جهوداً مثمّنة من أجل وقف الحرب».

وخلال الأشهر الماضية، قادت قطر ومصر والولايات المتحدة مفاوضات لم تكلّل بالنجاح للتوصل إلى هدنة وإطلاق سراح الرهائن في الحرب المتواصلة منذ 14 شهراً.

وقال رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، السبت، إن الزخم عاد إلى هذه المحادثات بعد فوز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، الشهر الماضي. وأوضح أنّه في حين كانت هناك «بعض الاختلافات» في النهج المتبع في التعامل مع الاتفاق بين الإدارتين الأميركية المنتهية ولايتها والمقبلة، «لم نر أو ندرك أي خلاف حول الهدف ذاته لإنهاء الحرب».

وثمنت حركة «فتح» الفلسطينية، في بيان صحافي، الاثنين، بـ«الحوار الإيجابي والمثمر الجاري مع الأشقاء في مصر حول حشد الجهود الإقليمية والدولية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، والإسراع بإدخال الإغاثة الإنسانية إلى القطاع».

وأشار المصدر الفلسطيني إلى زيارة مرتقبة لحركة «فتح» إلى القاهرة ستكون معنية بمناقشات حول «لجنة الإسناد المجتمعي» لإدارة قطاع غزة التي أعلنت «حماس» موافقتها عليها.