مشكلة المنهج والجُزُر المنعزلة.. فوضى مكافحة التطرف الإرهابي

أضواء على مواطن التقصير وأفكار حول العلاج المطلوب

مشكلة المنهج والجُزُر المنعزلة.. فوضى مكافحة التطرف الإرهابي
TT

مشكلة المنهج والجُزُر المنعزلة.. فوضى مكافحة التطرف الإرهابي

مشكلة المنهج والجُزُر المنعزلة.. فوضى مكافحة التطرف الإرهابي

يجب الإقرار ابتداءً بأن ثمة مشكلاً عميقًا في أحادية المنهج في التعامل مع فكر التطرّف والحركات العنيفة، فمع تواتر وتكاثر أطروحات بحث التطرف والتعرف عليه، تنظيريا وتنظيميا، تعددت المداخل التفسيرية والتحليلية من دون رابط أو تكامل مطلوب في ما بينها، على العكس من مكافحتها - أمنيا وعسكريا - التي تعتمد تبادل المعلومات والتواصل في أساليب الرقابة والملاحقة والمواجهة. بينما يبدو الشتات وغياب الاستراتيجيات واضحين في مواجهة الخطاب والأفكار والممارسة الخطابية، التي هي الأصل والمرض، بينما الممارسة هي الفرع والعرض.
وتبدو عشرات المراكز والمؤسسات العاملة في المكافحة الفكرية للتطرّف جزرا منعزلة، يتناثرها الشتات، فتتكرّر مخرجاتها حينًا وتنقطع جهودها حينًا آخر، ولا تتكامل جهودها أحيانًا وتؤتي ثمارها أحيانًا أخرى. وهنا تحضر أزمة «حرب الأفكار» المركزية في مجابهة التطرّف، والتي لا بد أن تسبق وتلحق الحرب على التنظيمات، كون الإرهاب فكرة واعتقادا في الأصل، تولّدت من مخاض فكرته التنظيمات، كما ولد من «فتوى التتار» - «تنظيم الجهاد المصري» وعملية اغتيال الرئيس السادات عام 1981 أو «حاكمية الخلافة» التي ولدت منها تنظيمات مختلفة كان آخرها تنظيم «داعش» تطورا عن فرع «القاعدة» في العراق. كما يمارس من خلال الأفكار التجنيد والتبرير ومناظرة التبرير والتفسير والمفاصلة والتكفير.

ثبت مع خبرة العقدين الأخيرين على صعيد التعاطي مع التنظيمات الإرهابية أن الأفكار هي الخطر الحقيقي عليها. هكذا ثار «القاعديون» وغيرهم من المتشدّدين ضد المراجعات التصحيحية لرفقائهم وشيوخهم السابقين التي أحرجتهم. وهكذا، تصدّت «القاعدة» من دون أن تستطيع الرد على «مؤتمر ماردين» عام 2010 الذي أثبت القائمون عليه أن أساس «فتوى التتار» ونصها الذي يعتمدون عليه خطأ، بينما لم تؤت الضربات الأمنية لهذه التنظيمات العنقودية النجاعة دائمًا بالشكل نفسه.
وتثبت جوهرية المداخل النظرية في مكافحة التطرّف والإرهاب، كذلك، إذا راجعنا التقييمات الغربية لضربات التحالف الدولي ضد «داعش» في ذكراها السنوية الأولى يوم 8 أغسطس (آب) الماضي، بعد سنة من تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما ببدء ضربات التحالف الدولي ضد التنظيم الذي يسيطر على مناطق واسعة من العراق وسوريا، وهو ما اعتبره المراقبون تحولا وعودة لـ«الحرب على الإرهاب»، بديلا عن «الحرب على القاعدة» التي كان أوباما قد رفعها شعارًا له في حملته الانتخابية عام 2008.
لقد تجاوزت تكلفة ضربات التحالف ثلاثة مليارات دولار، بمجموع 6 آلاف ضربة جوية. ورغم تصريح المتحدث باسم البيت الأبيض جون إرنست في الثامن من أغسطس الماضي بأن التحالف حقق تقدمًا على عدد من المحاور، وأن ضرباته أفقدت التنظيم المتطرف الحركة في 30 في المائة من الأراضي التي سيطر عليها في الصيف الماضي، فإن انتقادات عديدة وتقييمات سلبية مختلفة وجهت لأداء التحالف، وكان أبرزها ما نشره معهد دراسات الحرب في 13 أغسطس لخرائط تطوّر التنظيم منذ سقوط مدينة الموصل بيده حتى أغسطس 2015. إذ كشفت هذه الانتقادات والتقييمات نجاح التنظيم المتطرّف في توجيه خلاياه وعناصره لاستهداف مائة دولة في ثلاث قارات، واستمرار احتفاظه بالموصل وأغلب المناطق التي سيطر عليها داخل العراق خلال يونيو (حزيران) 2014، وأن خارطة نفوذه كانت استراتيجية وضعها التنظيم قبل تاريخ سقوط الموصل بعشرة شهور، تحديدا في سبتمبر (أيلول) 2013، ويُظن أنها أسبق من ذلك، فقد نشر استراتيجية جديدة اعتمدها وطبقها أوائل عام 2010 تنص على فكرة «الخلافة والدولة» والسعي إليها من قياداته الجديدة.
ويجمع الفاعلون السياسيون في المنطقة والعالم اليوم على تقدّم خطر الإرهاب على سواه من الأخطار المحدقة بهذا العالم، وتتشارك أغلب الدول والأجهزة الأمنية والاستخباراتية والمنظمات الدولية والإقليمية، بالفعل، في تبادل المعلومات والتنسيق لاستباق ضرباته واتقاء عملياته والقضاء على قياداته وخلاياه. ومع استثناءات قليلة، فإن الجهد الفكري في تجفيف المنابع ما زال محدودًا، وحرب الأفكار ما زالت غير مؤتية ثمارها، عربيًا ودوليًا في آن معًا.

* جهود مشتّتة وفقدان التشبيك المعرفي

تبدو واضحة أهمية التشبيك بين جهود المؤسسات المختلفة، ووضع استراتيجيات متكاملة لتحقيق الهدف المشترك في مكافحة التطرّف وتجفيف منابعه، تجنّبًا للتكرار والتعارض وتعميقًا للهدف والنتائج المشتركة.
فعربيًا، هناك ما لا يقل عن خمسين مركزًا ومؤسسة بحثية تنحصر جهودها في دراسة قضايا الإرهاب والتطرّف، وتتنوع هياكلها وارتباطاتها، بين الحكومي وغير الحكومي. وبين استحداث برامج لرصد التطرف الإرهابي ونقد مقولاته ملتحقة بالمؤسسات الرسمية شأن المؤسسات الدينية والحكومية والأمنية الأخرى، واستحداث برامج لدراساته مرتبطة بالجامعات والمؤسسات الأكاديمية. كما نشطت في دراسته مؤسّسات خاصة ومنظمات للمجتمع المدني والأهلي كذلك. ولكن كل هذه المؤسّسات تبدو وكأنها تعمل في جزر منعزلة كل منها عن الأخرى، من دون تكامل أو تنسيق أو انتباه.
كذلك تبدو مشكلة المنهج واضحة وجلية لدى القائمين على هذه المؤسسات، مع توزّع اهتمامات كل منها وأولوياتها حسب تخصّصه ومجالات اهتمامه. وهو ما يتزامن مع زيادة ملحوظة في عدد المراكز البحثية في العالم العربي والعالم بشكل عام، حسب دليل المراكز البحثية في العالم الصادر عن برنامج العلاقات الدولية في جامعة بنسلفانيا (TTCSP)، في عدده الصادر في مارس (آذار) من هذا العام، عن العام الماضي 2014، والذي امتد رصده حتى يناير (كانون الثاني) من العام نفسه. لقد كان عدد المراكز البحثية في العالم العربي المسجّلة في الدليل 521 مركزا، من بين مجمل 6681 مركزا للتفكير السياسي حول العالم، تضم أميركا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا والمكسيك) 1989 مركزا منها، أي ما يقرب من 60 في المائة منها، ولكن لا شك أن الطفرة واضحة في أعداد مراكز الدراسات العربية، التي ارتفعت من 287 عام 2011 من مجموع عالمي (1645) إلى 339 عام 2012 (من مجموع عالمي 6603) إلى 511 عام 2013 من مجموع عالمي 6826 مركزا حول العالم، وشكل الإرهاب والتطرف ملمحًا مهمًا ومؤثرًا في تكويناتها كذلك.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2010 جمع بنيامين فريدمان، الباحث والخبير في شؤون الإرهاب، قائمة غير كاملة - حسب قوله - تضم 100 مركز دراسات وبرنامج بحثي في جامعات غربية وآسيوية تخصصت، حصرا، في دراسة الإرهاب، وهو العدد الذي يُعتقد أنه قد ارتفع كثيرًا خلال السنوات الأربع الأخيرة.

* التكرار وضياع الفرص

وكنموذج للتكرار في التركيز على متابعة المواقع التواصلية، رغم الجهد الدولي الناجع الذي أرهق «داعش» وأوقف الكثير من حساباته على موقع «تويتر» مثلا، نلاحظ غياب التنسيق بل غياب التعرف بين المحاولات الجديدة في هذا الاتجاه مع المحاولات السابقة كجهد «حملة السكينة لتعزيز الوسطية»، التي بدأها شباب وفقهاء سعوديون لنقد جماعات التطرّف الإرهابي وتتبع خطاباتهم منذ عام 2003، عام بزوغ أول فرع لـ«القاعدة» خارج أفغانستان في أرض الحرمين الشريفين.
كذلك لم يحسن الكثير من المؤسسات الفكرية المعنية البناء على جهود الآخرين في هذا الاتجاه، فلم يتحقق الترويج الكافي لخطأ فتوى «مؤتمر ماردين» التي تعتمدها الجماعات المتطرفة منذ بدايتها مصريًا مع «تنظيم الجهاد» المصري عام 1979 واعتماد منظّره محمد عبد السلام فرج لها في تكفير الحكومة المصرية و«تقديم العدو القريب على العدو البعيد» في هذا الحين!.. رغم خطأ نقله وعوار فهمه لها. أيضًا، ضيعت المؤسسات الفكرية فرص المراجعات بشكل واضح، التي قدمتها الجماعات المتطرفة المختلفة لأفكارها السابقة، ولم يتم الاستثمار الواجب فيها جدلاً وتنشيطًا وتحصينًا للأجيال الجديدة ضدها.
ويُظَن أن الأهم هو عدم الاستثمار في خلافات الجماعات المتطرفة الثائرة الآن بين تنظيم داعش من جهة، وسائر الجماعات المتطرفة الأخرى، بل وما تشهده من احتراب وقتل متبادل في سوريا وليبيا والعراق.
نعم، ما زال الكثير من جهود مكافحة التطرف الإرهابي يتعاطى مع هذه الأحداث تعاطيًا ترفيًا وفلسفيًا متعاليًا لا يصب حقيقة في منعها وصدها، بل يبرر للتطرف أحيانًا حين يصطدم بعض منتسبي هذه المؤسسات بالمقدس ويتهمونه خطأ، وهو ما توظفه هذه الجماعات المتطرفة والإرهابية لصالحها في ما بعد.
فضلا عما سبق، لا بد من تكامل المناهج في نقد التطرف والإرهاب كتنظيمات وأفكار شمولية عبر مواجهة شمولية معه، لا تكتفي بالبعد الواحد بل تتكامل في استراتيجية مكافحته الأبعاد. إن التنظيمات الشمولية لا تتضمن بعدًا واحدًا، فهي تتضمن أبعادًا دينية وفقهية تستدعي المواجهة الدينية والتراثية، كما تتضمن أبعادًا سياسية وعسكرية تستدعي المواجهة الأمنية والعسكرية كذلك، وتتضمن من جهة ثالثة أبعادا فردية تستدعي اعتماد مناهج علوم الاجتماع وعلوم النفس، كما تستثمر في أزمات وسياقات خاصة لا بد من معالجتها في سياقاتها الخاصة كذلك.
لهذا من الضروري تكامل جهود المؤسسات ذات الاهتمام الفقهي والمقاصدي والمذهبي مع المؤسسات ذات الاهتمام التنظيمي والتنظيمي، مع الاستفادة من جهود المتخصصين في علوم النفس والاجتماع، وتأسيس شبكة بحثية عربية وإسلامية وعالمية في هذا الصدد تجتمع بشكل دوري لإخراج التوصيات اللازمة لدوائر صناعة القرار والمؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية المختلفة.
إن عيبًا ماثلاً وواضحًا في فردية أو انعزالية العديد من الجهود العاملة في هذا المجال، إذ يعتبرها البعض قضية نخبوية فردية، أو يعتبرها البعض الآخر خاصة بجمهور خاص أو قطر معين أو مدخل محدد دون باقي المداخل. وهذا ما يعكس استراتيجية فوضوية في وجه تنظيمات منظمة ونشطة ومتفانية في نشر أفكارها التي تنطلي على العوام والمغرر بهم سواء من حدثاء السن أو من المتحولين الجدد للإسلام أو المتدينين المتعاطفين من دون فقه عميق لرد هذه الشبهات التي تديرها ماكينة التطرف ومصانع أفكارها.
وفي المقابل، يجد جهد مكافحة الإرهاب الدعم والرعاية، إذ استنفر مؤسسات كبيرة للاهتمام بقضاياه ومقولاته، في مقدمتها مؤسسة الأزهر التي يقوم مرصدها الذي نشط خلال العام الحالي برصد ممارسات الإرهاب ونقدها وإدانتها، وكذلك سائر المؤسسات الدينية، التي نشط أعضاؤها وقياداتها، بدرجة ما. إلا أنه رغم تعدد الهيئات والمؤسسات الفكرية والنظرية العاملة في مكافحة الإرهاب في المنطقة العربية، يلاحظ غياب التنسيق في ما بينها، وغياب استراتيجية موحدة أو متكاملة في هذه المكافحة والمدافعة وتنسيق الجهود بين أطرافها.
يبدو الإرهاب صيادًا ماهرًا يصطاد ما يناسبه ويوظفه لصالحه، ويقتطف النصوص والمرجعيات لصالحه، كما يستثمر الأزمات النفسية والاجتماعية والدينية والسياسية حواضن لتجنيده ودعايته ويجتذب كل من افتقر لجانب من هذه الجوانب، عبر ماكينته دعائية وآيديولوجية منظمة يديرها متطوعون يرون عملهم فيها جهادًا وفرضًا ونجاة لهم في تحقيق مدينتهم الفاضلة.
هذا الواقع المؤسف والخطر يستوجب شمول الجهد وتكامله في مكافحة الإرهاب، ويستوجب كذلك تحصينًا ووقاية وردًا وهجومًا على ماكينته النشطة التي لا تنحبس في بُعد واحد أو جهد فردي.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».