تجمع «رجال الكرامة» في السويداء يعيد ترتيب صفوفه بقيادة جديدة

مصادر ترجّح تنصيب رأفت البلعوس خلفا لشقيقه القتيل

تجمع «رجال الكرامة» في السويداء يعيد ترتيب صفوفه بقيادة جديدة
TT

تجمع «رجال الكرامة» في السويداء يعيد ترتيب صفوفه بقيادة جديدة

تجمع «رجال الكرامة» في السويداء يعيد ترتيب صفوفه بقيادة جديدة

بدأ رجال الدين المعارضون، أو ما يعرف بـ«تجمع رجال الكرامة» في محافظة السويداء جنوب سوريا، إعادة تنظيم صفوفهم وتجاوز الصدمة الكبيرة التي أصابتهم إثر استهداف قائدهم الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس وعدد من رجال الدين، ولا سيما من قياديي الصف الأول في التجمع، نتيجة استهدافهم بانفجارين متتاليين في السويداء في الرابع من الشهر الحالي.
إذ وبعد أيام من الترقب لما ستؤول إليه شكل القيادة في التجمع والخوف من تفكّكها بعد موت البلعوس، تم تشكيل القيادة الموحدة لـ«رجال الكرامة» التي تضم مجموعة من القادة الميدانيين البارزين، إضافة إلى عدد من الشخصيات المؤثرة. كما بدأت الحركة بإعادة تنظيم وتشكيل فصائلها العسكرية المعروفة تحت اسم «البيارق».
وفي هذا الإطار أوضح مصدر مقرب من «رجال الكرامة» لـ«الشرق الأوسط» أن «خطوة تشكيل القيادة الموحدة جاءت كضرورة تنظيمية تفرضها الحاجة الماسة لإيجاد بديل عن قيادة الشيخ وحيد البلعوس، بحيث تعتبر القيادة المشتركة بمثابة إطار قيادي جامع للفصائل أو ما يعرف بـ(البيارق) المنضوية تحت لواء (رجال الكرامة) والمنتشرة في معظم مناطق محافظة السويداء». ولفت المصدر إلى أن «مشاورات طويلة استمرت لأيام بعد مقتل البلعوس شملت كثيرا من رجال الكرامة أدت في النهاية إلى التوصّل إلى قرار يقضي بتشكيل القيادة المشتركة، مشيرا في الوقت عينه إلى أن هذا الأمر لا يمنع كذلك من تنصيب قائد عام للحركة كون القيادة تبقى حالة رمزية لا بد من وجودها». ومن المرجح أن يتولى الشيخ أبو يوسف رأفت البلعوس شقيق الشيخ المغدور وحيد البلعوس مهمة القيادة في وقت لاحق، لكن الإعلان رسميًا عن ذلك يتوقف على سرعة خروجه من المستشفى ومثوله للشفاء بعد الإصابة التي لحقت به خلال الانفجار.
وفي أولى مهماتها القيادية أصدرت القيادة المشتركة قبل أيام قرار تشكيل بيرق جديد في بلدة المزرعة، وجرى ذلك في يوم انتهاء مراسيم عزاء الشيخ البلعوس، وهو ما اعتبر رسالة واضحة للتأكيد على استمرارًا عمل «رجال الكرامة». كذلك، أصدرت القيادة المشتركة بيانًا توجهت فيه بالشكر لجموع أبناء محافظة السويداء الذين قدموا واجب العزاء بالشيخ البلعوس، متقدمة بالامتنان لكل أبناء طائفة الموحدين الدروز الذين أقاموا مواقف عزاء للشيخ البلعوس في كل من لبنان والأردن وداخل الأراضي المحتلة الفلسطينية.
وتعهدت القيادة المشتركة في البيان بـ«المحافظة على إرث البلعوس والمسير على خطاه في الحفاظ على كرامة السويداء وكرامة ضيوفها من النازحين»، كما «عاهدت على بقاء سوريا وطنًا نهائيًا للجميع وأن يبقى جبل العرب وفيًا لعروبته وحاضنًا لكل سوري مهجّر أو مقيم فيه، أيّا كان مذهبه الديني، عملاً بقول قائد الثورة السورية سلطان باشا الأطرش: (الدين لله والوطن للجميع)».
وفي ما يبدو أن حركة رجال الكرامة لا تزال غير مقتنعة بصحة الاعترافات التي أدلى بها ما وصفه النظام بالمتهم بعملية الاغتيال وافد أبو ترابة، وبثت على فضائيات النظام الرسمية اعترافات له حول مسؤوليته عن تنفيذ الانفجارات التي استهدفت البلعوس وقياديين في الصف الأول في التجمع، برزت خلال الأيام الماضية مطالبات عدة في السويداء بتسليم أبو ترابة لرجال الكرامة وتشكيل لجنة تحقيق نزيهة تضم كفاءات حقوقية وقضائية من أبناء السويداء لتتولى مهمة فتح تحقيق يتسم بالشفافية والعلنية من جديد، معتبرين أنّ أي تحقيقات تجرى من قبل السلطات القضائية والأمنية السورية لن تكون مقنعة ولا مقبولة، ما دامت أجهزة الأمن هي المتهمة الرئيسية بقتل البلعوس ورفاقه.
وكان من اللافت خروج بعض الفيديوهات الموثقة التي يكشف فيها الشيخ البلعوس شخصيا وعلى لسانه، عن محاولات اغتياله، موجهًا أصابع الاتهام الصريح إلى كل من وفيق ناصر قائد فرع الأمن العسكري بالسويداء، مشيرا كذلك إلى تهديدات من قبل رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك له بالتصفية أمام مجموعة من رجال الدين، مؤكدا كذلك تعرضه لمحاولتي اغتيال تم إحباطهما وكشفهما.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.