توبيخ الصحافيين يشير إلى السيطرة الصينية المتزايدة على وسائل الإعلام

مجلة تسايجينغ: نقترب كثيرا من الخط المرسوم ونحاول أحيانًا التماس معه.. غير أننا أبدًا لا نتجاوزه

توبيخ الصحافيين يشير إلى السيطرة الصينية المتزايدة على وسائل الإعلام
TT

توبيخ الصحافيين يشير إلى السيطرة الصينية المتزايدة على وسائل الإعلام

توبيخ الصحافيين يشير إلى السيطرة الصينية المتزايدة على وسائل الإعلام

عندما اعتقلت وزارة الأمن العام الصينية ما يقرب من 200 شخص بنهاية أغسطس (آب) بتهم «نشر الشائعات»، كان من أبرز أهداف تلك الحملة هو وانغ شياولو، وهو مراسل مجلة «تسايجينغ» الخاصة بمجال المال والأعمال.
ولقد أجبر السيد وانغ على الاعتراف أمام شاشات التلفاز قبل تقديمه للمحاكمة. وكان مرتديا لقميص بولو أخضر اللون ويبدو مغموما ومنكسر الخاطر، وقد أخبر المشاهدين المتابعين لقنوات التلفزيون المركزي الصيني، وهي شبكة القنوات التلفزيونية الحكومية هناك، أنه عمل على جمع المعلومات باستخدام مصادر خاصة «ومن خلال قنوات غير اعتيادية»، مما أضاف إلى «وجهات النظر الذاتية الخاصة به». وكان المقال محل التحقيقات، كما قال السيد وانغ، عبارة عن تقرير إخباري «مثير» و«غير مسؤول» حول حالة أسواق الأسهم الصينية.
جاء استهداف الحكومة الصينية لمجلة بارزة مثل مجلة تسايجينغ للأعمال كمفاجأة مدوية للكثيرين. حيث تتمتع المجلة المذكورة بسمعة طيبة وقوية للغاية حتى أنه يصعب على التحقيقات الحكومية الجائرة النيل منها والتمادي فيما يمكن للحكومة أن تعتبره ضمن قيود المسموح به. ومع ذلك، فقد امتنعت المجلة الشهيرة عن تغطية موضوعات خطيرة مثالا بحركة فالون غونغ.
صرحت هو شولي، مؤسسة مجلة «تسايجينغ» التي تقاعدت في عام 2009، لصحيفة «نيويورك تايمز» في عام 2005 قائلاً: «أدرك كيفية قياس حدود المسموح به. فإننا قد نقترب كثيرا من الخط المرسوم، ونحاول أحيانا التماس معه. غير أننا أبدا لا نتجاوزه بحال».
ولذلك، فإن حالة التقريع والتوبيخ العامة التي نالت أحد صحافيي المجلة البارزة قد أصارت قدرا من المخاوف حيال آفاق حرية الصحافة في الصين - ومسار مجلة «تسايجينغ» ذاتها الآن.
تأسست المجلة في عام 1998 بواسطة السيدة هو، وهي كاتبة الدعاية الصحافية السابقة لدى صحيفة العمال اليومية التابعة للحزب الشيوعي الحاكم، ولقد انتهجت المجلة المذكورة مسارا صحافيا مناوئا منذ طباعتها الأولى. حيث دار غلاف أول أعدادها حول إحدى الشركات العقارية ذات أسعار الأسهم المرتفعة للغاية، التي أوقف التداول بأسهمها بعد مبالغة الشركة في أرباحها. ولقد اتخذ بعض التنفيذيين في الشركة حذرهم مسبقا وتمكنوا من تفريغ الأسهم من قيمتها.
وفي مقالة افتتاحية بالمجلة تدور حول مستقبل الصحافة في الصين، كتبت السيدة هو تقول: «لقد تسببنا في ضجة كبيرة لمجرد أننا كتبنا قصة صحافية وأشرنا فيها إلى بعض الأماكن التي أخفق النظام الحكومي في توفير الحماية لبعض صغار المستثمرين. حيث اندفعت أجهزة الرقابة الحكومية إلى توجيه الانتقادات اللاذعة إلى مجلة تسايجينغ».
واصلت مجلة «تسايجينغ»، نصف الشهرية، والتي يبلغ توزيعها نحو 225 ألف نسخة، متابعة تغطية ذلك النوع من القضايا. حيث عملت «الموضوعات البارزة» لدى مجلة تسايجينغ - والتي تعني الموضوعات المالية والاقتصادية في الصين - على تغطية موضوعات مثل التداول غير القانوني في الأوراق المالية، والتلاعب في أسعار الأسهم، وتقارير الأرباح المزورة. وكانت بعض التقارير الصحافية للمجلة قد حركت التحقيقات الحكومية النظامية.
ولكن بالنسبة للمجلة المتخصصة في مجال المال والأعمال، فلقد تعمقت كثيرا أيضا في بعض القضايا غير التقليدية.
في عام 2003، كانت مجلة تسايجينغ إحدى وسائل الإعلام الصينية المعدودة التي قدمت تقارير صحافية حاسمة حول وباء سارس. ولقد حاولت الحكومة الصينية السيطرة على القصة المنشورة، كما يقول ديفيد باندورسكي، المحرر لدى مشروع الإعلام الصيني في جامعة هونغ كونغ.
وأضاف السيد باندورسكي يقول: «قررت بعض وسائل الإعلام، على غرار مجلة تسايجينغ وساوذرن متروبوليس ديلي، العمل على تغطية الأزمة. وكانت السيدة هو شولي في طريقها إلى غرب الصين برفقة حقيبة من المواد الخطرة. وفي وقت يقارب اندلاع أزمة سارس، في أبريل (نيسان) عام 2003، كانت بداية ما اعتقدنا أنه ربيع الإعلام الصيني. حيث انخفضت حدة التوجيهات الرسمية أثناء الأزمة تماما».
صدر في عام 2008 تقرير عن مجلة تسايجينغ حول تجاهل معايير التشييد والبناء وإهدار المال العام في سيتشوان، مما أدى إلى انهيار كثير من المدارس إثر هزة أرضية ضربت الإقليم. ولقد تعرضت بعض المطبوعات الصحافية الأخرى لتغطية كارثة انهيار المدارس، باستثناء مجلة تسايجينغ.
يقول السيد باندورسكي إن أهمية الإصلاحات الاقتصادية بالنسبة للحكومة تعني أن النخبة الحاكمة في البلاد في حاجة إلى قوة في التقارير الصحافية الخاصة بالمال والأعمال. ولقد استغلت مجلة تسايجينغ الفرصة أفضل استغلال.
غير أن المجلة الشهيرة قد تجاوزت الحدود المسموح بها في بعض الأحيان من وجهة نظر بكين. حيث صرح وانغ بومينغ، الذي ساعد في تمويل المجلة في أول الأمر عند بدايتها، لصحيفة «نيويورك تايمز» في عام 2005 أن العاملين في المجلة كانوا قد تلقوا نصائح بتطبيق معايير «النقد الذاتي» من بعض الجهات.
ويعمل السيد وانغ، وهو رئيس المجلس التنفيذي للبورصة الصينية، والذي ساعد على تأسيس بورصات شنغهاي وشنتشن، حاليا رئيسًا لتحرير مجلة تسايجينغ. وتعد المجلة الشهيرة مملوكة لشركة (إس إي إي سي) الإعلامية، وهي الشركة المشهرة في هونغ كونغ، وتشرف على مبيعات الإعلانات بالمجلة.
أفادت الشكاوى الواردة من السيدة هو وآخرين، إثر الضغوط المتزايدة من الأجهزة الرقابية الحكومية، أو الشركة المالكة للمجلة صارت بخيلة للغاية فيما يتعلق بالميزانية. وأدى ذلك إلى مغادرة السيدة هو إلى جانب فريق التحرير العمل بالمجلة. وشرعت في جهود تأسيس شركة كايشين الإعلامية، وهي المجموعة الإخبارية التي تركز على أخبار المال والأعمال.
يقول المراقبون إن مجلة تسايجينغ كانت في طليعة وسائل الإعلام الاقتصادية الصينية وكانت تتمتع بمعدلات أداء عالية وأفضل من توقعات الجميع. ولكن اعترافات السيد وانغ شياولو قد أثارت بعض التساؤلات ما إذا كانت الحرية التي تتمتع بها المطبوعات على شاكلة مجلة تسايجينغ، ومؤسسة كايشين الإعلامية وغيرهما قد شارفت على النهاية، إما بسبب الضغوط الحكومية أو بسبب أن الصحافيين يحاولون حماية أنفسهم.
*«نيويورك تايمز»



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».