«الائتلاف الوطني»: وجود قوات روسية في سوريا سيجعلها محتلة

أكد أن التدخل يضع موسكو في موقع «العداء».. ولن ينقذ نظام الأسد

«الائتلاف الوطني»: وجود قوات روسية في سوريا سيجعلها محتلة
TT

«الائتلاف الوطني»: وجود قوات روسية في سوريا سيجعلها محتلة

«الائتلاف الوطني»: وجود قوات روسية في سوريا سيجعلها محتلة

رفع «الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية»، أمس، السقف ضد ما وصفه بـ«تدخل روسيا في سوريا». واعتبر أن التدخل المباشر «يضع القيادة الروسية في موقع العداء للشعب السوري، ويجعل من قواتها على الأرض السورية قوات احتلال، الأمر الذي يتناقض كليًا مع المسؤوليات الخاصة التي تتحملها روسيا الاتحادية تجاه حفظ السلم والأمن الدوليين بصفتها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي».
جاء هذا الموقف غداة إعلان موسكو نيتها إجراء مناورات عسكرية قبالة السواحل السورية، الأسبوع المقبل، مهّدت له، أمس، بتوجيه مذكرة طلبت فيها من السلطات القبرصية تحويل مسار الرحلات الجوّية العادية لأنها تعتزم إجراء المناورات. وكانت تقارير صحافية أشارت في موسكو إلى أن السلطات الروسية أصدرت «مذكرة إلى الطيارين» موجهة إلى هيئة الملاحة الجوية الأميركية حول المناورات التي ستجري بين مرفأ طرطوس (بشمال شرقي سوريا) وجزيرة قبرص التي تبعد 100 كلم عنه. وأكد مصدر في وزارة الدفاع القبرصية أن روسيا أصدرت المذكرة حول المناورات التي ستشمل إطلاق صواريخ، مضيفًا أن هذه المذكرات «أمر روتيني».
واستنكر «الائتلاف» هذا «التدخل» العسكري الروسي المباشر في سوريا، معتبرًا أن روسيا بهذا «التصرف العدواني.. تكون قد انتقلت من مرحلة دعم نظام الإجرام والإبادة الجماعية في بلدنا إلى مرحلة التدخل العسكري المباشر إلى جانب سلطة متهالكة غير شرعية وآيلة للسقوط». وفي بيان أصدره «الائتلاف»، أمس، أشار إلى أن التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا «لن يؤدي إلى إنقاذ نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد أو منحه الشرعية، أو إعادة تأهيله، ولن يجعل السوريين يتخلون عن مطلب الحرية الذي خرجوا لأجله، وإنما سيؤدي إلى مزيد من القتل والتدمير والتهجير». ووضع البيان هذه الحقائق برسم المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وخصوصا الشعب الروسي «الذي لا نتمنى له أن يعيش تجربة أفغانية جديدة في سوريا، لأن السوريين لن يسكتوا عن احتلال أرضهم وهدر دماء أبنائهم».
يذكر أنه تضاعفت المؤشرات على انخراط روسيا بنشاط عسكري مباشر في سوريا، خلال الأسبوع الماضي، مما يشير إلى «نهاية الحل السياسي حول الأزمة السورية». ويقرأ الدكتور سمير التقي، مدير «مركز الشرق للبحوث»، في هذا التدخل الروسي «سقوطًا للحل السياسي وسيادةً لحلّ التقسيم والحرب الأهلية الإقليمية المفتوحة»، ويرى في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن الإدارة الأميركية «تقف اليوم عاجزة ومكتوفة الأيدي إزاء هذه المخطّطات الروسية».
التقي، وهو باحث سياسي سوري، عدّ التدخل الروسي والمناورات العسكرية قبالة الساحل السوري «رسالة واضحة بنهاية الحل السياسي، وتسليم جزء من سوريا، ولبنان معًا، للروس والإيرانيين». وأوضح أن المخطط «يترافق مع خطة للتقسيم تشمل دمشق وحمص وصولاً إلى شرق حماه، وغرب سوريا، ويترافق مع خطة إقصاء قسري لكتل هائلة من السوريين من قراهم وبلداتهم، فضلاً عن أن خطة التقسيم تشمل أيضًا جزءًا من شرق لبنان يعدّ عمقًا استراتيجيًا لسوريا المفيدة التي يُروّج لها».
وتتضاعف هذه الاحتمالات نتيجة تسريب مضمون من برنامج المناورات، الذي يتضمن اختبار صواريخ «بانتسير إس 1» القصيرة المدى المضادة للطائرات «مما يعني أن المناورات هي رسالة للإقليم مؤداها أن الجيش الروسي سيكون موجودًا في المنطقة، ويضع ثقلاً عسكريًا كبيرًا، ويعتزم وضع اليد على القضية السورية»، كما قال الخبير العسكري السوري المعارض عبد الناصر العايد لـ«الشرق الأوسط»، الذي استطرد مستدركًا أن القطع الروسية الموجودة في سوريا «عاجزة عن توجيه ضربات مهمة في الداخل السوري».
وحسب العايد، فإن رسائل موسكو «تظهر بوضوح في بدء إنزال طلائع من هذه القوات على مرفأي طرطوس واللاذقية وفي القاعدة الجوية في اللاذقية، وذلك لتحضير الأرض لوجيستيًا لاستقبال قوات أخرى»، مشيرًا إلى «أننا لا نعرف طبيعة مهام اللوجيستيين الذين تم إنزالهم في مطار باسل الأسد قرب اللاذقية»، لكنه لفت إلى أن «لهجة التصعيد من قبل الروس توضح أنهم يحاولون الإيحاء بأنهم بصدد انخراط عسكري كبير، ويستطلعون ردود الفعل عليها، في ظل غضّ النظر من قبل أطراف دولية، وبينها الولايات المتحدة، على هذه التدابير الروسية».
وإذ شدد العايد على أن تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما تعقيبًا على النشاط الروسي رد فعل «غير كافٍ»، رأى أنه يتفق مع فكرة أخرى «تتمثل في أن الأميركيين يرغبون في أن يتورّط الروس أكثر في المستنقع السوري، في ظل انسحاب أميركا من القضايا البينيّة وتركيزها على القضايا الاستراتيجية في المنطقة، مثل الملفين الإيراني والإسرائيلي ومحاربة التشدد الإسلامي». ورأى أن واشنطن «تراهن على غرق روسيا في المستنقع عبر استدراجها إليه، واستنزافها وفتح أنظار المتشددين عليها، بدلاً من تركيزهم على واشنطن وحدها بعد قيادة التحالف لمحاربة الإرهاب»، وأردف أن روسيا «من أكثر المتضرّرين من الانخراط في الحرب السورية على ضوء وجود 4000 مقاتل قوقازي في سوريا والعراق سيشكّلون خطرًا على روسيا بعد عودتهم». كذلك توقّع العايد أن روسيا «ستكسب عداء الشرق الأوسط بانخراطها المباشر، وستكون أمام مأزق كبير إذا استمرت بذلك، لذلك أتوقع أن يتراجعوا عن هذا القرار الكبير».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.